الخميس، 27 أكتوبر 2022

جريمة عيد الميلاد

كتابة : امل شانوحة 

 

صديقات الماضي


تقابلت الصديقتان صدفةً في إحدى المولات ، وقرّرتا تناول الغداء معاً .. ومن سياق الحديث علمتا أنهما مدّعوتان لقصر ريهام ، صديقتهما ايام الثانوية 

- غريب انها مازلت تذكُرنا !

- مع اني لم أطقّها يوماً ، لمحاولتها المستميتة لنيل لقب الطالبة المثاليّة  رغم انها ابنة خادمة المدرسة !

- ولهذا وافقت المديرة على تسجيلها في مدرستنا الفخمة ، إشفاقاً على كونها يتيمة

- وهي استطاعت التفوّق على الجميع ، مع ذلك لم أتفهّم عقدها النفسيّة المُنفّرة !  

- لا أحد تقبّل وجودها معنا ، لهذا تناولت غدائها كل يوم وحدها في الملعب

- هذا ذنب امها التي حشرتها في بيئةٍ لا تناسبها .. لوّ سجّلتها في مدرسةٍ حكوميّة ، لكوّنت العديد من الصداقات

- وهاهو الحظ يلعب معها مرة ثانية بعد إعجاب رئيس الشركة التي عملت فيها محاسبة ! ورغم رفض اهله عائلتها الفقيرة ، لكنه أصرّ على الزواج بها

- برأيك لما عزمتنا على عيد ميلادها ؟

- ربما شعرت بالوحدة بعد وفاة زوجها

- أمعقول بعد ورثها الملايين ، مازالت تفكّر بصديقاتها القدامى؟!

- لا اظن لديها اصدقاء غيرنا .. فهي منبوذة من اقارب زوجها ، لعدم إنجابها وريثاً 

- أتدرين .. سأذهب لحفلتها ، فضولاً لرؤية قصرها من الداخل

- وانا ايضاً .. ترى من عزمت غيرنا ؟

- غداً نعرف التفاصيل

***


في الليلة التالية بالقصر .. إجتمعت الصديقات الخمسة (شلّة الدلال) اللآتي اجتمعن بعد عشرين سنة .. فتحدثنّ بشوق عن ذكرياتهم وحياتهم الحالية ، بانتظار قدوم صاحبة عيد الميلاد


وبعد ساعة ، قالت إحداهن بضيق :

- الم تنزل سندريلا بعد ؟

- بالحديث عنها .. أيعقل طوال سنوات فراقنا لم تصاحب غيرنا؟!

- هي لديها مشاكل بالتواصل الإجتماعي ، كنوع من التوحّد ..لهذا فشلت طوال حياتها بتكوين صداقاتٍ ناجحة


واثناء حديثهن عن عقد ريهام النفسيّة ، قدمت الخادمة وهي تقول :

- السيدة ريهام في طريقها اليكن


وإذّ بالأنوار تنخفض وترتفع الموسيقى ، ويصّطف الخدم على جانبيّ الصالة .. مع دخول ريهام بكامل زينتها التي فاجأت رفيقاتها الخمسة ، حيث بدت كالأميرات ..خاصة بعد عمليات التجميل التي سمح زوجها المرحوم بالقيام بها ، لتقويّة ثقتها بنفسها.. مما أبهر زميلاتها اللآتي اقتربن للسلام عليها

فصافحتهن بتحفّظ ..قبل توجّههن الى طاولة الطعام التي عليها مالذّ وطاب ..وطلبت ريهام تناول العشاء اولاً ، قبل إنهاء سهرتها بإطفاء كعكة عيد ميلادها ٣٥ ..


فأخذن يسكبن الطعام وهنّ يحاولن تذكيرها بأيام الثانوي ، ويدّعين حبهن لها وتفوّقها العلميّ واهتمام الأساتذة بها

وعندما تطرّقت إحداهن لأمها الخادمة التي جعلت المدرسة نظيفة على الدوام ..أسكتتها زميلتها بعد شعورها بضيق ريهام التي اكتفت بالقول :

- رحم الله الوالدة.. هيا إكملنّ طعامكن ، لنبدأ الحفل

- لقد انتهينا بالفعل

- وكان الطعام لذيذاً للغاية

ريهام : اذاً حان وقت الإحتفال


واقتربت من الكيك المصنوع من عدّة طبقات ، مع انخفاض الأنوار وارتفاع موسيقى عيد الميلاد.. 

وما أن نفخت على الشموع (بعدد عمرها) حتى انفجرت الكيكة بقوة في وجهها ! لتسقط ريهام قتيلة على الأرض ، وسط صرخات زميلاتها الخمسة اللآتي لم يصدقنّ ما حصل !


وعلى الفور حاولت إحداهن الهرب من الصالة ، لتُفاجأ بباب غرفة الطعام مقفلاً بإحكام من الخارج !

فأخذت تطرق بقوة ، دون اقتراب الخدم لفتح الباب لهن !


بهذه الأثناء ، سمعن صوت سيارة الشرطة تتوقف في حديقة القصر..

وماهي الا دقائق .. حتى فتح المحقّق (الستينيّ) برفقة شرطيين باب الصالة.. متوجهاً نحو الجثة الملطّخ وجهها بالدماء ، آمراً الضيوف:

- ممنوع الخروج من القصر قبل معرفتي ما حصل !!


فحاولنّ التبرير له : بأنه لا ذنب لهن بمقتل المضيفة ..لكنه أسكتهن بإقفاله باب الصالة التي حرسها شرطيان من الخارج ، لحين إكمال تحقيقاته بمقتل ريهام التي غطّاها بملاءةٍ بيضاء

المحقّق : الآن سأبدأ التحقيق

- عندي سؤال .. كيف عرفت بالجريمة ؟ فأنت وصلت مباشرةً بعد الحادثة !

المحقّق : إتصل بي شخصٌ مجهول قبل ساعة ، واخبرني عن وقوع جريمة بالقصر

- لكنها قُتلت قبل وصولك بخمس دقائق !

- هذا يعني إن القاتل اتصل بك قبل دسّه القنبلة بالكيك ، فهل كان المتصل رجلاً ام امرأة ؟

المحقّق : كان الصوت مشوّشاً ، وطلب مني الإسراع للقصر

- ربما القاتل احد الخدم

المحقّق : الشرطة تستجوبهم الآن ، بينما أتابع التحقيق معكن

- ولما تصرّ إن القاتل واحدة منا ؟


المحقّق : لأن المتصل الغامض أخبرني أن القاتل هي صديقة قديمة للمضيفة ، وهي من معازيم الحفلة

- وكيف لأحدنا وضع القنبلة بالكيك ؟ فنحن وجدنا الطعام على المائدة فور وصولنا 

المحقّق : انا لا أضيّع وقتي بتاتاً .. فمنذ تلقيّ المكالمة ، أجريت بعض الإتصالات لمعرفة : أن القتيلة اشترت الكيك من متجر زوجك

المرأة الأولى بصدمة : ماذا ! لم اكن اعرف 

المحقّق : هل تشكّين بارتكاب زوجك الجريمة ؟ 

الأولى : لا !! ولما يقتل زوجي صديقتي بالثانوية ؟!

المحقّق : وماذا عنك ؟ 

فردّت بعصبية : اساساً لم اكن أعرف إن الكيك من متجرنا ، أحلف لك !!


المحقّق : الأغرب إنه تمّ شراء المتفجرة من محل الأسلحة الذي يملكه زوجك انت !! 

المرأة الثانية بصدمة : وكيف عرفت ذلك ؟!

المحقّق : لأن المتصل الغامض ارسل صورة عن إيصال شرائه المتفجرة المخصّصة لاصطياد السمك من البحيرة .. ومن معاينتي لحجم الضررّ في وجه القتيلة ، فهي حتماً ليست قنبلة عسكريّة التي بإمكانها إيذاءكم جميعاً وتدميرها نصف الصالة 

الثانية : وما دخل زوجي بالموضوع ؟ فهو لا يعرف ريهام ، ولم يقابلها يوماً 


المحقّق : اذاً انت سرقتها من محل زوجك

الثانية : حتى لوّ فعلت ، كيف وضعتها داخل الكيك ؟

المحقّق : ربما اتفقت مع صاحبتك التي تملك محل الحلويات 

فردّت الأولى غاضبة : ولما نقتل فتاة لم نرها منذ عشرين سنة ؟

المحقّق : حقداً على ثرائها ، بعد أن كانت أفقركن

- وكيف عرفت بماضي القتيلة ؟

المحقّق : لأن من أخبرني بالجريمة ، أطلعني على علاقة ريهام بالمعازيم 

- اذاً إتّبع إتصال المشتبه به الذي اخبرك بالجريمة قبل وقوعها  


المحقّق : وهل تظنيني أحمقاً ؟ هذا ما فعلته قبل وصولي الى هنا .. وأخبرني مسؤول الإتصالات ان الأتصال قادم من القصر ، يعني واحدة منكن !!

- او واحداً من الخدم التي ربما عاملته بقسوة بعد تذكيره بماضيها ، لذلك حاول الإنتقام منها  

المحقّق : ما لاحظته فور دخولي القصر إن معظمهم آسيويين .. ولا اظنهم يتحدثون العربية بطلاقة ، كما فعل المتصل الغامض

- وماذا لوّ كان القاتل من عائلة زوجها الذين رفضوا زواجها منذ البداية ، وحقدوا عليها بعد حصولها على الشركة بوفاته ؟


المحقّق : مازلنا في بداية التحقيقات ، وسأستجوب الجميع .. الى ذلك الحين ، ستحجزون جميعاً على ذمّة التحقيق

- ولما جميعنا ؟ فلتحقّق معهما بعد تورّط متاجر ازواجهما بالموضوع  .. فالكيك من محل الأولى ، والمتفجّرة من محل الثانية .. اما نحن الثلاثة ، فلا دخل لنا بالجريمة 

المحقّق : مالا تعلموه .. انه وصلني بلاغاً من ريهام الإسبوع الفائت عن شكوكها بوضع السمّ لها في الطعام الذي طلبته من مطعمك انت!!  


الصديقة الثالثة : مستحيل ! مطعمنا الفاخر لم يتلقى شكاوي من زبائنه طوال العشر سنوات الماضية

المحقّق : هي ارسلت لمكتبي تقريراً طبّياً يُثبت تسمّمها .. وبأنها نُقلت للطوارىء ، حيث أوشكت على الموت هناك بأبرةٍ خاطئة ، أُعطيت بإشرافك انت يا دكتورة

الصديقة الرابعة : لا ، انا لم ارها قبل اليوم !

المحقّق : لكني سألت قسم الطوارىء ، وأخبروني انك كنت المسؤولة تلك الليلة

الصديقة الرابعة : ربما انشغلت بأحدهم ، فقامت إحدى المستجدّات بإعطائها إبرةً خاطئة .. فانا لم ارى ريهام قبل الحفلة


المحقّق : هل اتفقتم سابقاً على قتلها بسبب غيرتكن من تفوّقها عليكن

- انت تبالغ بخيالك !

- لحظة سيادة المحقّق .. يبدو انني الوحيدة الغير متورّطة بالحادث ، رجاءً دعني اعود لأبنائي

المحقّق : بل انت أكثرهنّ تورّطاً !! الم تعملي سكرتيرة في شركة زوجها التي اختارها بدلاً عنك ، فاستقلت باليوم التالي لإعلان خطبتهما ؟

الصديقة الخامسة : كان هذا منذ سنوات ، وبعدها تزوجت وأنجبت الأولاد


المحقّق : لكنك اغتظت حين رأيتي قصرها من الداخل ، والذي كاد ان يكون منزلك ، بدل شقتك في الحيّ الشعبيّ .. ولهذا أوصلتي الكيك بنفسك للقصر .. فالخادمة أخبرتني إن عامل التوصيلات ، إنثى أخفت وجهها بالكمّامة .. فهل دسّست المتفجرة التي اشتريتها من محل الأسلحة لزوج صديقتك ؟ 

الخامسة بعصبية : كلامٌ فارغ لا صحّة له

المحقّق : جميعكن مشتبهٌ بكم .. لهذا ستقتادون للحجز ، لحين ظهور نتيجة التحقيقات


وفي خُضمّ الصدمة ، قيّد أيديهن بالأصفاد .. واقتادهم الشرطيان نحو مركز المدينة !

***


بعد ذهابهن .. إقترب المحقّق من الجثة وهو يقول :

- هآ انا نفّذت طلبك ، فهل توافقين على الزواج بي ؟

فنهضت ريهام وهي تمسح الصبغة الحمراء عن وجهها ..

- اولاً إخبرني ، كيف كانت وجوههن وانت تتهمهنّ بقتلي ؟ 

المحقّق : كن شاحبات الوجه ، واستطعت تشكيك كل واحدة بالأخرى

ريهام : ممتاز !! دعهم يومين او ثلاثة بالحجز ..ثم أخرجهن بحجّة إيجادك القاتل من اعداء زوجي ..هذا سيربيهنّ أن لا يتنمّرن على الأضعف منهن

- أكل هذا التخطيط بدافع الإنتقام ؟


ريهام بقهر : هم أفقدوني ثقتي بنفسي لسنواتٍ طويلة ، بمناداتي ابن خادمة الذي جرحني انا وامي المرحومة ، وجعلني أشعر بأن الحياة المترفة لا تليق بي .. الى ان أقنعني زوجي بتلقّي العلاج النفسيّ الذي جعلني ادافع عن شركتي بعد وفاته.. لهذا فكّرت بعيد ميلادي أن أختم اوجاع الماضي بعقابهنّ جميعاً على لسانهن الطويل .. وجيد انني تعرّفت عليك ، لتسهيل مهمّتي

المحقّق : وانا أرعبتهنّ بأدلةٍ واهية .. لكني لا استطيع حجزهنّ لمدةٍ طويلة ، خصوصاً لعدم وجود جثة

- إيقافهنّ عدة ايام يشفي غليلي من القهر طوال مرحلة الثانوية

- وبعد قفل القضية نتزوج ، اليس كذلك ؟

ريهام : مباشرةً بعد بيع قصري ، حتى لا أنكشف في حال التقيت بهن بمكانٍ عام

المحقّق : اذاً لننتقل سوياً الى قريتي ، فقد أوشكت على التقاعد 

ريهام : وأنا معك اينما ذهبت ، يا حبيبي الشهم

وحضنته بحنان


هناك تعليقان (2):

  1. لاااا كده تهريج جدا ..
    اين التوابل ..ام بداية الشتاء ..تجعل الجو
    كءيبا علينا جميعا..
    لابد حتما وحالا نستدعي جاكلين تضع بعض لمساتها ..
    للعلم ..انهيت قصة الملاك الصغير ..
    وانتي تمهدين طوال القصه لنا بشفاء مروان
    ثم تقلبين الطاوله على توقعات اي قاريء..

    فيشفى مروان او انور فعلا ..ثم تقتله صاعقه..
    هذه من اعجب النهايات والخواتيم التي تذكر بمكر اجاثا كريستي
    التي من شبه المستحيل التنبا بنهاية قصصها .



    ردحذف
  2. لافيكيا سنيورا

    قصه رائعه
    إلا انني لم اقتنع بحبهم ..واشعر انها حضنته حضن مصلحه وليس حب...
    لقد ذكرتيني بساندي وآدم 😓😓 المضلومين هههههههه

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف

الكنز البحريّ

تأليف : امل شانوحة    الصندوق الثمين   أطلّت من نافذة المنارة المهجورة وهي تنظر للبحر بحزن ، وتتذكّر خطيبها وهو ينطلق بقارب العجوز الشمطاء ب...