الأحد، 16 أكتوبر 2022

حكم المجانين

كتابة : امل شانوحة

كشف الحقيقة


إستلم جاك (الممرّض الجديد) عمله بالمستشفى فوراً ، بعد مقابلةٍ سريعة مع المدير (إريك) غريب الأطوار ! حيث شعر جاك بعدم الإرتياح من نظراته الحادّة ، وطاقته السلبيّة التي وصلت اليه ! ربما بسبب إدراته مستشفى المجانين ، مما أثّر على طباعه ونفسيّته الغامضة !

***


بعد إمضاء جاك عدّة ساعات بعمله الروتينيّ ، بإعطائه الأدوية للمرضى المُصنّفين حسب خطورتهم الى اربعة انواع :

1- العجائز المصابون بالخرف والزهايمر بعد تخلّي ابنائهم عنهم 

2- المرضى الذين فقدوا عقلهم لخسارتهم أحبّائهم ، او بعد حادثةٍ مؤلمة 

3- مرضى ولدوا بإعاقةٍ عقليّة تحتاج لرعايةٍ مُركّزة

4- مرضى خطيرون ، إرتكبوا جرائم عنيفة بسبب امراضهم النفسيّة المُستعصيّة.. وحُجزوا بعنبرٍ خاصّ شديد الحراسة 


ورغم انه يومه الأول إلاّ أن المُشرف عليه ، أصرّ على خدمته العنابر الأربعة للتعرّف على جميع المرضى !


ولم يكن صعباً على جاك التعامل مع الصنفين الأولين الذين ولدوا بشكلٍ طبيعيّ ، لكن حياتهم القاسية دمّرت عقولهم ونفسيّاتهم الهشّة!  


اما المولودون بإعاقةٍ عقليّة ، فاعتذر جاك عن الإهتمام بهم لحاجتهم لخبيرٍ طبّي بوضعهم الإستثنائي .. فهو تخرّج حديثاً من معهد التمريض ، ولا يستطيع التعامل معهم .. خاصة لعدم تقبّلهم الموظفين الجدّد بعد صراخهم في وجهه ورميهم الأشياء عليه ، اثناء محاولته تهدأتهم ! 

***


وكان عقد جاك ينصّ على عمله من فترة الظهيرة حتى حلول المساء .. لكن لنقص عدد الممرّضين بالمستشفى المزدحم (كونه الوحيد بالمدينة الصغيرة) طلب المدير بقائه معهم الليلة ، بعد اعتذار الممرّض الآخر عن المداومة لظرفٍ عائليّ طارىء ..


ورغم إرهاق جاك من يومه الأول الطويل ، لكنه فرح بثقة مديره به .. ووافق على المناوبة عن زميله (الذي لم يتعرّف عليه بعد) بإشرافه على القسم الأرعب بالمستشفى ، الخاصّ بالمجرمين المجانين.. حيث عليه النزول الى عنبرهم الموجود في قبو المستشفى لإعطائهم حبوب المُهدّئ ، كيّ لا يقوموا بالشغب طوال الليل 

***


قبل نزوله الى هناك ، أخبره المُشرف بأن عدد المجرمين ثمانية .. وأن عمله معهم لا يختلف عن بقيّة المرضى : فهو عليه التأكّد من بلعهم الأدوية ، بعد فحصٍ سريع لضغطهم ونبضات قلبهم.. ثم الخروج بهدوء دون التحدّث معهم او إثارة غيظهم ، لأنهم سريعيّ الإنفعال ! 


فسأله جاك بقلق : ماذا لوّ عضّني احدهم اثناء وضعي الحبّة في فمه؟! 

المشرف : هم ليسوا عنيفين لهذه الدرجة 

ثم نظر للحارس الذي كان يتفقّد إصبعه المبتور ، مُتحدّثاً معه بلغة الإشارة : (بإخفاء الأمر عن الممرّض الجديد ، كيّ لا يهرب كالموظفين السابقين)


جاك : لما تتكلّم مع الحارس بلغة الإشارة ؟! أهناك شيئاً تخفيانه عني ؟

المشرف بارتباك : لا ، الحارس أصمّ

فكذب الحارس قائلاً : لكني أقرأ لغة الشفاه 

جاك بخوف : ماذا لوّ ناديتك من الداخل دون أن تسمعني ؟!

الحارس : لا داعي للهلع ، سأدخل قبلك لتقيّدهم بالأسرّة .. ثم اراقبك من منظار الباب ، لحين انتهاء عملك .. فلا ترتبك منهم ، هم متعوّدين على روتين المستشفى .. هيا بنا

ونزلا معاً لعنبر القبو ، بإنارته الخفيفة !

***  


حين وصل جاك الى هناك ، لم يكن الوضع كما تخيّله ! فلا وجود لغرفٍ ثمانية .. بل عنبرٍ طويل يجمع أسرّتهم ، مما يُصعّب عمله  


فماذا لوّ كان يهتم بأحدهم ، واستطاع الآخر فكّ رباطه الجلديّ (وليس اصفاداً حديديّة كما توقع) وعاجله من الخلف بآلةٍ حادّة ، او عضّه من رقبته ، او قلع عينه بإصبعه ! 

فهو وافق على وظيفته الصعبة رغم قلّة الراتب ، لكونه خرّيجاً جديداً ويحتاج لشهادة خبرة .. لا أن يموت بأيدي أخطر المجانين في منطقته ! 

***


بعد تردّدٍ وارتباك .. دخل جاك الى العنبر ، محاولاً عدم إظهار خوفه من المجانين النائمين باكراً ، على غير عادتهم (كما قال الحارس) 


لكنه لم يشعر برغبة لقياس نبضات قلبهم اثناء نومهم ، فتوجّه عائداً للباب .. ليتفاجأ بالحارس قفله من الخارج ، وصعد السلالم وهو يتحدّث بجواله! 

ولم يستطع جاك طرق الباب ، خوفاً من إثارة غضب المجرمين !


وحين شعر بأحدهم يستيقظ ، سارع بخلع ردائه الأبيض .. ولِبس الزيّ المُخطّط الذي وجده مرمياً بإحدى الزوايا ، ليبدو كمجنونٍ مثلهم .. 

واستلقى على السرير التاسع الفارغ ، الذي لسوء حظه موجود وسط المجانين الذين استيقظوا على صرخة احدهم :

- مجنونٌ جديد !!!!


وعلى الفور تجمّعوا حوله .. حيث يبدو أن الحارس الخرِف نسيّ تقيّدهم بأسرّتهم ، رغم خطورة الوضع ! 


فحاول جاك التصرّف بغباء ، كأنه واحداً منهم .. فصار يضحك ويبكي ويشدّ شعره بعنف.. الى ان أوقفه أخطر المجرمين ، قائلاً :

- توقف يا هذا !! لن يضعوك بيننا إلاّ اذا كنت مجرماً خطيراً .. فنحن لم نفقد عقلنا بعد ، بل أوهمنا القضاء بذلك كيّ نهرب من حكم الإعدام او المؤبّد .. فاخبرنا عن تهمتك التي أوصلتك الى هنا ؟


فبلع جاك ريقه ، وهو يحاول إختلاق كذبةً ما .. فتذكّر سماعه قبل ايام بالأخبار : عن قبض الشرطة على مجرمٍ شاب أطلق النار على زملائه بالجامعة .. فقال لهم :

- الم تسمعوا بجيم أديسون ؟

- ليس لدينا تلفاز كما ترى ، فمن انت ؟


فأخبرهم بموجز الجريمة التي تابعها سابقاً .. فسأله كبيرهم :

- ولما قتلت اصدقائك ؟

جاك : هم متنمّرون ، وانتقمت منهم

- ظننت أن التنمّر في المدارس فقط ، وليس الجامعات ! 

جاك بتهكّم : وهل تظن أن المتنمّر الصغير سيصبح شاباً محترماً حينما يكبر ؟

- وجهة نظر .. أكمل


جاك : ما أزعجني هو فتاة رفضتني بعد مساعدتها بالدراسة ، عدا عن شرائي الكثير من الهدايا من مصروفي الجامعيّ .. وبالنهاية تخلّت عني لشابٍ ثريّ .. 

- فكانت القشّة التي قسمت ظهر البعير

جاك : بالضبط !! فانتقمت منها ومن المتنمّرين الحمقى ، وبعض اساتذتي سيئي الخلق .. اما الآخرين ، فماتوا خطأً لتواجدهم في مرمى بندقيّتي 

- ولما لم تنتحر ؟

جاك : فكّرت بالأمر ، لكني وجدت الإنتقام يُريح نفسيّتي المُتعبة 


كبير المجرمين : وكيف أقنعت القضاء بأنك مجنون ، فحركاتك قبل قليل لا تنطلي على طفلٍ صغير ؟!

جاك : إستخدمت الخدعة الشهيرة : مرض تعدّد الشخصيات 

- تقصد سماعك لعدّة اشخاص داخل رأسك ؟

جاك : صحيح

- وكم شخصيّة اخترعت ؟

جاك : خمسة ، رجلٌ وامرأة وعجوز وطفل وشخصيّتي المُحطّمة 

- وهل قرارهم نهائي بعلاجك هنا ؟ 


جاك : لم تنتهي محاكمتي بعد .. (ثم تنهّد بضيق).. بجميع الأحوال أفضّل البقاء معكم ، على سجني مع المجرمين الأقوياء

- لك الحقّ أن تخاف ، فجسمك الهزيل سيجعلك مطمع للرجال المنحرفين .. صحيح اننا مجتمعون هنا بسبب جرائمنا الشنيعة : فمنّا من قتل العديد من الأبرياء ، وصولاً لأكل لحومهم .. وبعضنا مهووس بافتعال الحرائق وتخريب المنشآت العامة .. كما اعتدينا على بعض النّسوة .. لكنّا على الأقل رجال اسوياء ، ولن نتحرّش بك ، فلا تقلق من هذا الموضوع 


جاك : ماذا بشأن الحارس ؟

- ماذا به ؟

جاك : لم يُقيّدني بالسرير كما ظننت ! 

- هذا الروتين توقف بعد استيلاء اريك على إدارة السجن

جاك مستفسراً : أتقصد مدير المستشفى ؟!

فضحك المجانين الثمانية..


كبيرهم بدهشة : أمازال في الإدارة ؟! ظننته هرب لخارج الحدود 

جاك : ولما يهرب ؟

- لأنه زميلنا

جاك بصدمة : ماذا !

- كان واحداً منا ، قبل شهور .. لكنه استطاع تحويل فرشاة اسنانه لآلةٍ حادّة ، بعد سنّ طرفها .. وطعن بها الممرّض السابق ، وقضم إصبع الحارس الأحمق الذي أغميّ عليه من شدّة الألم .. فاستولى على سلاحه ، وهرب من العنبر 


جاك : ولما لم تلحقوه ؟

- لأنه أقفل الباب علينا ، بعد لبسه ثياب العجوز 

جاك : أتقصد انه تنكّر بزيّ الحارس للصعود لغرفة الإدارة ؟ 

- نعم .. أظنه فكّر بأن خروجنا معه سيلفت انظار بقيّة الحرس ، لهذا هرب وحده .. وآخر شيء أخبرني به ، انه ذاهب للتحدّث مع المدير القذر .. وظننه يمزح ! 

جاك بخوف : هل قتله ؟ 

- أعتقد ذلك ؟! ربما خنقاً ، كيّ لا يسمعه احد 


جاك بدهشة : أمعقول انه احتلّ مكان المدير ، دون ملاحظة الموظفين ذلك؟! 

- هو مليونير .. وأعتقد رشى كبار المسؤولين ، وقتل المعترضين عليه .. فهو سفّاح متسلّسل ، ولا ذرّة ضمير بقلبه .. هذا إن كان يملك قلباً اصلاً !  

جاك : وماذا عنكم ؟ فأنتم رفقائه القدامى 

- هو اكتفى بعدم تقيّدنا بالسرائر .. والسماح لنا بالتنزّه بالحديقة شديدة الحراسة من وقتٍ لآخر .. ومنع عنّا العلاجات المؤلمة .. وفي المقابل ، هدّدنا بالقتل إن فضحنا سرّه .. وظنّنا انه سيبقى في المستشفى لبعض الوقت ، لحين تدبيره وسيلة للهرب خارج البلاد .. لكن يبدو انه مُعجب بإدارة مستشفى المجانين ! 


جاك : ومتى هرب من عنبركم ؟

- قبل سنة 

جاك باستغراب : سنةٌ كاملة ، ولم يلاحظ احد موظفيّ النقابة او مراقبيّ الحكومة تغيّر المدير ؟!

- كان مديرنا السابق تجاوز سن السبعين ، فربما ظنوا إنه أُحيل للتقاعد.. فالعاملون بهذا المجال (من خارج مستشفانا) لم يتعبوا انفسهم بزيارة عنبرنا الخطير ، لهذا لم يشكّوا إن الجالس على كرسي المدير هو واحدٌ منا 

جاك : وهل جميعكم مجرمين مذنبين , ام احدكم ارتكب الجريمة في لحظة ضعفٍ وانهيار ؟


فأشار كبيرهم الى شخصٍ مُستلقي على السرير الأخير المُلاصق للحائط..

- ذلك المسكين ، كان الشاهد الرئيسي على زعيم أخطر عصابة بالبلد .. فرموه بيننا ، دون لمسه سلاحاً بحياته ! وأظن السبب الحقيقي لتخلّصهم منه هو إحترافه بمجال الحواسيب ، وكشفه لتورّط سياسي فاسد مع العصابة ، والذي ضغط على القضاء لإبعاده عن طريقه .. لهذا يقضي يومه بالنوم والتحدّث مع نفسه بعد تخلّي عائلته عنه !


فتوجّه جاك نحو المريض البريء الذي كان يدنّدن أغنية اطفال بصوتٍ منخفض ، ووجه للجدار ..

جاك : مرحباً ، انا المريض الجديد .. هل يمكنني التحدّث معك ؟

لكن المريض ظلّ يدنّدن دون النظر اليه.. 

جاك : انها اغنية اطفال رائعة ، إنشهرت قبل سنوات


فالتفت المريض نحوه ، قائلاً : 

- كنت أغنّيها لإبنتي الصغيرة لتنام .. اليوم هو عيد ميلادها 

جاك : أحقاً ! كم صار عمرها ؟ 

- سبع سنوات ، فأنا هنا منذ سنتين


فاقترب جاك منه ، هامساً بإذنه :

- أعرف انك بريء ، وسأحاول إخراجك من هنا 

فاستفسر المريض بصوتٍ منخفض :

- كيف ؟

جاك هامساً : إكتم السرّ ، فأنا الممرّض الجديد .. والحارس الخرِف حجزني معكم .. وعندما يأتي الحارس النهاريّ ، سأريه بطاقتي للخروج من هنا  

- وكيف ستخرجني من هذا الجحيم ؟

جاك : قريبي محامي جيد ، سأخبره عنك


فأدار المريض ظهره بيأس :

- المحاميّون يهابون رئيس العصابة الذي حاولت فضحه 

جاك : إخبرني تفاصيل الحادثة ، لأطلعها لقريبي 

- دعه يقرأ ارشيف الأخبار ، فالحادثة إنشهرت قبل سنتين


وعاد للدنّدنة من جديد .. فلم يكن امام جاك إلاّ النوم تلك الليلة بين المجانين ، وهو يأمل أن يبقى سليماً مُعافى حتى الصباح 

***


أيّ شخص واجه ليلةً عصيبة كجاك حتماً سيستقيل باليوم التالي ، ويطلب مُعاقبة الحارس العجوز الذي حجزه مع أخطر المجانين بالبلد..

لكن بسبب السجين البريء ، تناسى الأمر بعد قيام الحارس الشاب بإخراجه من العنبر صباحاً ، فور رؤيته بطاقته الوظيفية .. حيث استغلّ جاك نوم المجرمين للبس ردائه الأبيض (الذي يُخفي تحته زيّ المجانين الذي سيحتاجه لاحقاً)

***


بعد إخراجه من العنبر ، سأله الحارس الشاب : 

- كم بقيت بالداخل ؟!

فاضّطر جاك للكذب ، كيّ لا يصل الأمر للمدير المجرم ..

- الحارس العجوز أدخلني قبل قدومك بساعتين .. 

- إنتبه منه ، فقد بدأت عليه اعراض الزهايمر .. وعمله المسائي لم يعدّ يناسب عمره .. لكن المدير يصرّ على بقائه !  

جاك : من حسن حظي إن المرضى نائمون ، ففحصت ضغطهم ونبضات قلبهم دون مشاكل 

- عادةً لا يستقظون باكراً .. هيا عدّ لمنزلك لترتاح قليلاً


فخرج جاك من بوّابة المستشفى .. وقاد سيارته عائداً لمنزله ، وهو يفكّر بطريقة لإخراج البريء من سجنه الإجباريّ

*** 


بعد نوم جاك لساعتين .. ذهب الى مكتب قريبه المحامي ، وأطلعه عمّا حصل ليلة أمس .. 

فطلب منه إخبار تلك المعلومات المهمّة لأستاذه الذي كان محامي المجنون البريء ، والذي خسر قضيّته ضدّ رئيس العصابة

جاك : حسناً سأطلعه على كل ما يخصّ قضيّته السابقة ، لكن إيّاك اخباره بشأن المدير اريك 

- على الشرطة معرفة بأن مجرماً خطيراً إحتلّ ادارة مستشفى المجانين

جاك بحزم : ليس قبل إخراجي البريء من هناك ، عدني بذلك

فسكت المحامي بامتعاض

***  


إتفق المحاميان على مساعدة البريء ، بإصدار هويّة جديدة ..مُستعينين ببند حماية الشهود ، لتهريبه خارج الحدود الأميركيّة .. بعد تورّط سياسي مهمّ بالقضيّة ، ممّا يُصعّب تبرأته بالطرق القانونيّة 

***


وصل جاك لعمله متأخراً .. واستقبله الحارس العجوز ، مُعتذراً عمّا حصل البارحة :

- بعد إدخالك العنبر ، إتصل ابني .. فصعدت لمكتبي للردّ على جوالي .. ثم غفوت على الكرسيّ .. وتوجهت لمنزلي صباحاً .. ولم أتذكّر أنك عالق مع المجانين ، الا بعد عودتي للعمل قبل قليل .. أعتذر منك ، أرجوك أن لا تبلّغ الإدارة بخطأي الأحمق 


وكان بإمكان جاك لومه على عدم تقيّده المساجين ، لكنه فضّل حلّ المشكلة بطريقةٍ اخرى .. ومدّ يده نحوه ، قائلاً بحزم :

- أظن لديك نسخة ثانية عن مفتاح عنبر المجرمين ، أعطني إيّاه كيّ لا اعيش الكابوس من جديد .. فانا اعرف انك تعاني بصمت من اعراض الزهايمر .. وإن أخبرت المدير بذلك ، سيطردك على الفور  


فأخرج العجوز مفتاحه الإضافيّ ، وهو متردّد بإعطائه له :

- قانون العمل يمنعني من إعطاء المفاتيح لأحد الموظفين ، خاصة المتوظّفين حديثاً 

جاك : لا تقلق ، سأفحص المجانين كل ليلة .. ثم أقفل الباب جيداً بعد خروجي .. ولا داعي لتضيّع وقتك بمراقبة عملي .. إرتحّ في مكتبك ، ودعني أُنهي عملي بهدوء .. ولن يعرف احد بالموضوع ، أعدك بذلك


فأعطاه المفاتيح مُرغماً ، خوفاً من خسارة تعويضه بعد طرده من العمل 

***


في المساء ، نزل جاك وحده الى عنبر المساجين .. ودخل من بابٍ ثاني يوصله الى ممرٍّ ضيّق ، قبل وصوله للساحة التي بها أسرّتهم 

 

وهناك نزع ردائه الأبيض ، ووضعه بكيسٍ اسود خبّأه في الزاوية .. ليدخل اليهم وهو يلبس زيّ المجانين المُخطّط ، مُترنّحاً بتعبٍ شديد ..


فتجمّع المرضى حوله ، وساعدوه على الجلوس على إحدى الأسرّة .. ليسأله كبيرهم بقلق :

- لما أخرجوك باكراً ، ولما عُدّت الينا مُتعباً ؟!

جاك وهو يمثّل دور المتألّم : 

- الطبيب اللعين ، كهربني لساعاتٍ طويلة ليتأكّد من جنوني .. فقضيّتي لم تُقفل بعد ، كما اخبرتكم البارحة

المرضى بشفقة : يا مسكين !

كبيرهم : تحمّل يا رجل ، كلنا مرّرنا بهذه التجربة الصعبة .. عليك التمسّك بمرضك الوهميّ ، كيّ لا ينقلوك للسجن المركزي.. مع اني استغرب سماح المدير بتعذيبك ..فالحسنة الوحيدة لإريك انه منع عنّا العلاج بالصدمات الكهربائيّة !

جاك : هو مضّطر للموافقة ، فالطبيب الذي يعالجني مُوكّلاً من القاضي الذي لديه شكوك بادعائي الجنون للهرب من العقاب  

- أزمة وتمرّ .. حاول النوم قليلاً 

وأشار للسرير الوسطاني بين أسرّتهم..


جاك : لا !! اريد ذلك السرير

وأشار الى السرير القريب من سرير البريء..

فطلب كبيرهم من صاحب السرير نقل اغراضه للسرير الوسطاني ، لينام جاك مكانه !


وهناك .. همس جاك للمريض البريء ، المُلتفت للحائط كعادته : 

- آدم 

فأدار وجهه له :

- كيف عرفت اسمي الحقيقي ؟! فالجميع يناديني هنا بالجرذ الخائف

جاك بصوتٍ منخفض : عرفته بعد قراءتي ملفك من محاميك الذي خسر قضيّتك

- بالتأكيد سيخسرها ، ومن حسن حظه أن السياسي لم يقتله

جاك : تلقّى تهديداً بالفعل 

- توقعت ذلك ، لهذا لم ينقض حكمهم بنقلي الى هنا .. الجبان!!

جاك : لا تلمه ، فهو يعمل حالياً على إعطائك هويّة جديدة لتهريبك خارج البلاد

آدم بارتياح : أحقاً ! هذا كل ما اريده 

- إخفض صوتك ، فزملائك يتمنّون هذه الفرصة

- ومتى أخرج من هنا ؟


فأراه جاك المفتاح الاحتياطي للعنبر ..

جاك : الليلة ، بعد نوم المجرمين ..فقد بدّلت ادويتهم بمنومٍ قويّ ..والممرّض المسؤول عن عنبركم ، سيعطيهم إيّاه في منتصف الليل 

- ماذا لوّ نمنا معهم ؟! 

جاك : سأختبئ قبل قدومه ، فلا اريد لزميلي أن يراني بينكم .. وانت !! إيّاك أن تبلع الحبّة مهما حصل

- عادةً الممرّضون لا يتركونا قبل تأكّدهم من بلعنا الدواء ، فكيف سأخفيها داخل فمي ؟

- أترك الموضوع لي

***


عند منتصف الليل ، وقبل قدوم الممرّض الآخر .. توجّه جاك لكبير المجرمين وهو يقول : 

- أخبرني آدم أن عليّ بلع دواء مُرّ ، قبل النوم 

- هو مهدّئ بسيط ، لما تسأل ؟

جاك : لا اريد تناوله ، يكفي الكهرباء الذي تعرّضت لها طوال التحقيق .. فجسمي المُرهق لن يتحمّل المزيد من أدويتهم المقرفة 

- اذاً اختبىء بالحمام ، وانا سأتصرّف.. هيا بسرعة !! فأنا ارى خيالاً اسفل الباب


وأسرع جاك للإختباء بالحمام وهو يراقب المرضى من شقّ الباب وهم يتناولون الدواء الذي يظنّونه مُهدّأً بسيطاً ، دون علمهم بأنه مخدرٌ قويّ سيجعلهم ينامون لنصف يوم على الأقل .. 


وحين وصل الدور لآدم ، إتصل جاك على الممرّض (من الجوّال الصغير الذي يُخفيه بجواربه) ليخبره بأن المدير يريده فوراً.. 

فخرج الممرّض من العنبر دون تأكّده من بلع آدم الدواء ، والذي بصقه فور خروجه ..


ليقترب جاك منه وهو يقول :

- أحسنت !! الآن لننتظر نوم الجميع قبل خروجنا من هنا

آدم بقلق : ماذا عن الكاميرات ؟

- عرفت من الحارس انها مُعطّلة منذ اسبوع ، والمدير أجّل إصلاحها للشهر القادم .. إطمئن

***


بعد تعالي شخير المرضى السبعة ، طلب جاك من آدم الّلحاق به بهدوء

وبواسطة المفتاح ، إستطاعا الهرب باتجاه غرفة الملابس .. ومن حسن حظّهما انهما وجدا غياراً إضافيّاً للحارس العجوز الذي يخشى تلويث ملابسه لكبر سنه .. فلبسهم آدم.. في الوقت الذي لبس فيه جاك ردائه الأبيض وبطاقته الوظيفيّة..


وتوجها بهدوء لحديقة المستشفى ، دون إنتباه أحد عليهما .. 

وحين وصلا للبوّابة ، سمعا صراخ الشرطة من الخارج :

- إفتحوا الباب فوراً !!

جاك بغيظ : اللعنة !

آدم بقلق : ماذا حصل ؟

جاك : يبدو أن قريبي الغبي أخبر الشرطة بمديرنا المجنون .. لنسرع للداخل قبل حصول التشابك بينهما 

***


إختبأ جاك وآدم في مكتب الأرشيف ، وهما يسمعان وابلاً من الرصاص في الخارج .. بعد أن أعطى اريك اوامره للحرس بقتل كل من يقترب من مستشفاه ! ورغم غرابة الوضع الا انهم مجبرين على تنفيذ طلبه (فهو عُرف بردّات فعله العنيفة ، وتهديداته للموظفين من الطبقة الكادحة بالحرق والصعق إن لم ينفذوا اوامره).. مما أدّى لسقوط ضحايا من كلا الطرفين! 


بهذه الأثناء .. إنشغل آدم ببحثه في الحاسوب الذي وجده بالمكتب ، طالباً من جاك مراقبة الباب .. 

وحين سأله جاك عمّا يفعله ، أجابه آدم بمكر :

- خطأي انني حاولت محاكمة كبار الفاسدين بالطرق القانونيّة ، لكني الآن سأجعلهم يدفعون الثمن بطريقة الهاكرز المُحترف

***


بهذا الوقت ، إشتدتّ المعركة بالخارج .. فأسرع المدير للعنبر السفليّ لتهريب زملائه المساجين ، لمساعدته بقتل الشرطة .. لكنه لم يستطع إيقاظهم بأيّةِ طريقة ! 


فحاول الهرب من الباب الخلفيّ للمستشفى .. لتقوم دوريّة متوقفة هناك ، بالقبض عليه ..فهم يعلمون باحتلاله مكان المدير السابق ، بعكس معظم موظفيه الذين أصيب عدداً منهم ، مع المرضى العالقين بالعنابر التي تلوّثت أرضيّتها وابوابها بدمائهم بعد إصابتهم بالرصاص الطائش !

***  


في الصباح .. نقلت سيارات الإسعاف المصابين الى مستشفى بحراسةٍ مشددة ، خوفاً من هرب المجانين للشارع ..

في الوقت الذي فتّشت فيه الشرطة ارجاء المستشفى لمسح آثار المعركة ، بغرض إعادة المجانين الى عنابرهم بعد علاجهم من إصاباتهم بأسرع وقتٍ ممكن .. وذلك بعد تعيّن نقابة الأطباء لمديرٍ جديد (سيأتي من العاصمة بعد يومين) لاستلام ادارة مستشفى المجانين ..

 

وذلك بعد اقتياد اريك للسجن المركزي ، بعد إثبات سلامة عقله واستحقاقه للعقاب عن جرائمه الماضية .. بينما أُعيد المجرمون الى عنبرهم شديد الحراسة (لبراعتهم بتمثيل دور المجانين) فهم الوحيدين الذين لم يصابوا بالأذى ، لنومهم في القبو طيلة المعركة !


اما آدم ، فقد استطاع جاك تهريبه لخارج الحدود بهويّته الجديدة التي استلمها من محاميه القديم ..

***


وبعد شهر .. إستلم جاك رسالة من آدم يشكره على حلّه أزمته .. وأخبره انه اثناء وجوده بالأرشيف ، حذف ملفّه من ادراة المستشفى.. كما استطاع سحب جزءاً من مال السياسي الفاسد الذي نسخ ملفّاته السرّية (بتهكير حسابه الشخصيّ) وأرسلها للأعلام التي فضحت علاقته برئيس العصابة ، مما أدّى لمحاكمتهما معاً .. 


كما حوّل مكافأة ماليّة لجاك لمخاطرته بحياته لتهريبه من مستشفى المجانين ، بعد أن اوشك على فقدان عقله .. وطمّأنه انه استطاع تسفير عائلته للمكسيك ، مُرسلاً صورته معهم امام منزله القريب من الشاطىء ..


ففرح جاك بتغيّره مصير آدم المظلوم وحياته ايضاً بعد استقالته ، والعمل في مدرسة ثانويّة .. فإشرافه على صحّة المراهقين ، أهون من اليومين الذي عاشهما بجحيم المستشفى تحت سيطرة أخطر مجرمين بلاده وأكثرهم جنونا ! 


هناك 10 تعليقات:

  1. كالعادة
    القصة رائعة وتصلح فيلماً سنيمائياً

    أنواع المرضى النفسيين التي ذكرتيها
    الذي نراه في الواقع أنها لا تخرج عن هذه الأنواع الأربعة

    ردحذف
  2. القصه ذكرتني بفيلم شاهدته منذ زمن
    وان كنت افضل بالطبع الالوان الاخرى
    ولكن كما قيل اهجر لتشتهي فاذا تخمت
    فعاود الكرة
    💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟

    ردحذف
  3. لافيكيا سنيورا

    ررررروعه اخت امل مشكوره سلمت اناملك..

    اخت أملانو قرأت رواية يوميات ابليسو قبل ثلاثة ايام روعه ولكنها ممله بسب قال وقال وبعض التوضيحات اللي كنتي تعمليها بين قوسين كان لاداعي لها فهي اكثر شيئ ممله بالروايه..
    وعندي ملاحضه لفتت انتباهي...لما تكلمتي ان ابليس كان في سفينة نوح وطلب منه نوح ان يسجد لقبر آدم لكي يقبله الله فرفض.. اعتقد ان هذه السالفه ليست من افكارك بل من مراجع دينيه كتبتيها...القصد انها لاتدخل العقل لقد طرده الله من رحمته الى يوم الدين وكلمة الله حق لايتراجع فيها..وليس من صفاته الألوهيه التراجع وهذا الشيئ يقلل من صفاته وألوهيته..
    اما ان كانت من افكارك ولا اظن ذالك فلايصح ان تكتبي تلك السالفه ..

    من شدة انسجامي لاحداث القصه نسيت ان ابليس من المنضرين وكنت اتخيل ان ثبر سيقضي ع إبليسو

    اتمنا اخت املانو انك مازلتي ذاكره رواية يوميات ابليسو ههههه


    كنت اتمنا ان ارى سولانو في يوميات ابليسو ههه
    بقي خمسه وعشرون صفحه سأقرأها حالا لعلي اقرأ ان زوجة ابليسو ولدت له طفل سماه سولانو

    تحياتي اخت املانو من اليوم ورايح كوني ناديني ابن اليمانو ههههههههه


    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. كتبت قصة ابليس في عام 2013 على ما اذكر ، ولم اكن وقتها خبيرة باسلوب الكتابة الصحيحة مثل اليوم .. وربما لو كنت املك الوقت الكافي ، لراجعت كل قصصي القديمة وأعدت كتابتها من جديد .. لكني بالكاد اجد الوقت لكتابة القصص الجديدة

      بالنسبة لإبليس في سفينة نوح فهي قصة مشهورة بالتوراة ، والرسول اخبرنا عن الأقوال اليهودية بأنها لا تصدق او تكذب .. فأنا اثناء كتابتي قصة ابليس قرأت كل شيء عنه سواء بالقرآن والإنجيل والتوراة والماسونية ايضا .. فهل الحادثة صحيحة ام لا ، الله اعلم !
      تحياتي لك يا ابن اليمانوووو

      حذف
  4. اخت امل عذراً ع الاطاله نسيت ان اخبرك هل قصة مينا وابنها حقيقه ام ماذا!

    ردحذف
    الردود
    1. لا اذكر قصة مينا ، هل هي بقصة ابليس .. إخبرني بموجز القصة لأتذكرها

      حذف
    2. يا إلهي هذه اعراض الشيخوخة المبكرة.. هه

      منيا زوجة ابليس المسلمة وابنها نائل

      حذف
    3. ابي اعترض ايضاً على هذه القصة .. لكنه مقتنع بأن الجن ستعاقب يوم القيامة لاتباعها ابليس ، بينما لها الحرية باختيار دين اخر ..والدليل ان هناك جن مسلمين بالفعل ، وهذا ما اردّت توضيحه بالقصة

      حذف
  5. كااتبي المفضلة دائما و ابدا 🤍 عشقت قصصك من سنة 2017 2018. .كم أتمنى أن التقيك و نشرب قهوة و اعبر لكي عنى مدى عشقي حرفيا لكل قصصك 🥺 خاصة هذا القصة انا واثقة كل الثقة لو تحولت لسيناريو راح تكسر الدنيا كاملة ربي يحفظك اخت تمل 😍👌

    ردحذف
    الردود
    1. الدنيا صغيرة جداً ، قد نلتقي يوماً يا شيماء .. وربما نشاهد القصة معاً كفيلمٍ معروض بالسينما .. من يدري ؟! لنتركها للمستقبل .. اشكر اخلاصك لمدونتي المتواضعة

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...