الاثنين، 9 سبتمبر 2019

هي ابني !

كتابة : امل شانوحة


حواء المُعذّبة 

وجدوا مذكّراتها المخفية تحت وسادتها , مكتوباً فيها : 
((في البداية كان اسمي نجلاء , لكن الظروف أجبرتني على تبديله بإسم أحمد , رغم ان الناس تعوّدت على مناداتي بالشاب المشوّه ! مع اني ولدّت انثى كاملة الأوصاف , قبل ان يُحوّلني والدي الى مسخٍ مخيف .. فعذابي ابتدأ منذ نعومة اظافري , حيث تعوّد ابي على خلق المشاكل كلما عاد من عمله في المدينة .. الى ان جاء اليوم الذي كسر فيه ذراع امي بعد مشاجرةٍ عنيفة , فاشتكته عند القاضي الذي حكم لها بالطلاق وحضانتي انا وأختي الصغرى .. وهدّدها والدي بالإنتقام اثناء خروجنا من بيته .. من بعدها عشنا شهوراً في منزل خالي , أشعرتنا فيها زوجته بكل الطرق اننا حملٌ ثقيلٌ عليها , رغم اننا ساعدناها بجميع الواجبات المنزلية !.. وفي عصر يومٍ حارّ , عُدّت فيه مع امي من السوق .. إنتابني شعورٌ مخيف قبل صعودنا الى شقة خالي !.. وحين لمحت ابي مختبأً خلف الدرج , علمت بأن شيئاً سيئاً سيحدث من نظرة عينيه الحادّتين .. وعندما ركض باتجاهنا حاملاً كأساً فيه سائلٌ شفّاف , رميت امي ارضاً لينسكب السائل عليّ .. ثم هرب والدي من المبنى , بعد صراخي بعلوّ صوتي من شدّة الألم بعد إحساسي بنارٍ تلتهم وجهي .. إستيقظت بعدها في المستشفى على صرخات امي , بعد ان فكّ الطبيب الشاش عن وجهي المشوّه .. لم افهم ما حصل , الا بعد عودتي الى منزل خالي .. حيث سقطت مغشياً عليّ بعد رؤية وجهي في المرآة , فقد خسرت عيني اليمنى واحترق جزءاً من شعري , وبانت اسناني لذوبان شفّتي العلويّة .. فبات الجميع يتجنّبني ويخاف القُرب مني !.. وماهي الا ايام حتى ارسلنا خالي الى بيته الثاني , لادّعاء زوجته بخوفها على نفسيّة ابنائها من منظري المخيف ! ودون إعتراضها على عيشنا في بيتها الآخر الموجود في القرية التي إحتلّتها فرقةٌ دينية متطرّفة فرضت العديد من قوانينها الصارمة على السكّان .. وفور إنتقالنا الى هناك , إلتزمنا بالحجاب الكامل خوفاً من عقابهم اللاّ إنساني , رغم انني كنت في الحادية عشر من عمري واختي لم تتجاوز السابعة .. وعلمنا لاحقاً انهم فرضوا قانوناً بمنع البيع للنساء , ليصبح السوق للرجال فقط ! وقد حاولت امي كثيراً إفهامهم بأننا نعيش بلا رجل , لكن دون فائدة .. فهم يخافون من المراقبين المتشدّدين المنتشرين في كل مكان .. وفي إحدى الأيام , عادت امي باكية الى البيت لرفضهم بيعها بعد ان نفذ طعامنا .. فدخلت غرفتي ونظرت الى المرآة , وقلت في نفسي :
- ان كان الحجاب لمنع إفتتان الرجال بجمال النساء , فشكلي لن يثير احداً 

وأخذت شفرة الحلاقة وحلقت بقيّة شعري .. ولبست ثوب ابن خالي الموجود في الدرج , والذي ناسب مقاسي .. ثم خرجت الى الشارع دون إخبار امي , بعد سرقتي المال من حقيبتها .. وذهبت مباشرةً الى بائع الطعام الذي ما ان رآني حتى استعاذ من الشيطان ! فأخبرته بإسمي الجديد الذي اخترته وهو أحمد .. وبأن والدي مات محترقاً في منزلنا القديم الذي نجوت منه مشوّهاً .. فصدّق قصتي , وأعطاني طعاماً بسعرٍ بخس .. وحين عدّت الى المنزل , لامتني امي على المجازفة خوفاً من عقابهم في حال علموا بنزعي للحجاب الإجباريّ .. لكنها تعوّدت بعد ايام على الوضع الجديد , وباتت ترسلني في مهمّاتٍ للسوق .. وأصبحت مُعيل اسرتي بعد عملي في ورشة نجارة .. وبدأت حياتي تتغير بشكلٍ جذري , تحوّلت فيها جبراً من فتاةٍ جميلة الى ولدٍ مشوّه .. وعقدت الكثير من الصداقات مع اولاد الحارة لتصرّفي مثلهم بخشونة , خاصة بعد إلتحاقي بمدرسةٍ مسائية , حيث منعوا الدراسة على الفتيات ! .. وحين أصبحت صبية , حاولت إخفاء جسمي الإنثويّ بملابسٍ اضافية أرهقتني كثيراً في فصل الصيف الحارّ .. وبمرور الأيام كبرت اختي لتصبح محطّ انظار النساء , رغم انني كنت أفوقها جمالاً قبل ان أحترق بالأسيد .. وبدأ الخطّاب يتهافتون الى بيتنا للزواج منها , لكنها رفضتهم جميعاً لدلالها الزائد ! بينما كنت أحترق قهراً دون ان يشعر بي أحد .. وكان الشيء الوحيد الذي يربطني بماضيّ كأنثى , هو ابن جارنا القديم (مجيد) الذي كان صديق طفولتي وحبيّ الأول .. لكنه لا يعلم ما حصل لي بعد تركنا المنطقة عقب طلاق والديّ .. الا ان القدر أوصله الى دارنا ! حين قدم مع امه لخطبة اختي , بعد ان اخبرتهم امي بأنني تزوجت وسافرت للخارج .. وبأن الشاب المشوّه الذي فتح لهم الباب , ماهو الا ابنها بالرضاعة ! ويمكنكم تخيّل ألم قلبي وانا اراقب مراسم الخطبة من بعيد , وفرحة اختي بموعد زواجها الذي يقترب كل يوم من الشاب الوسيم الذي كان يوماً ما حب حياتي !.. لكني لن ايأس فمازال هناك يومين للعرس , لذا عليّ إخباره بقصتي غداً.. وان كان حبه الطفوليّ لي صادقاً , سيختارني رغم تشوّهي .. سأحاول , فلا شيء أخسره))

وهنا انتهت مذكرات نجلاء .. اما ما حصل بعدها , فقد رواه مجيد الذي كان آخر شخص تكلّم معها ! 
فنجلاء نفّذت خطتها , ولحقت به فور خروجه مساءً من زيارته لخطيبته .. وأخبرته بكل شيء .. فشعر بالشفقة لما عانته طوال السنوات الماضية , دون ان يُنكر بأنها كانت حبه الأول .. لكنه أخبرها بأنه بات يعشق اختها الصغرى .. ففاجأته بردّة فعلها بعد ان شدّته اليها وقبّلته , دون ان تنتبه لمرور احد مراقبيّ الفرقة المتشدّدة الذي صرخ عليها وهو يوجّه رشّاشه نحوها : ايها المشوّه الشاذّ !!! .. وقبل ان تُفهمه بأنها انثى , إستقرّت رصاصته في قلبها , لتموت بين ذراعيّ حبيبها القديم !

المحزن بالقصة إنها ليست خيالية , بل هي دمج لثلاثة أحداث حقيقية حصلت لفتياتٍ معذّبات في دولٍ فقيرة : 
- فالفتاة التي أحرقها والدها بالأسيد لرفضها العريس , حصلت في شمال الهند  
- امّا الشاب العراقي الذي قُتل على يد داعش , فتقرير الطبيب الشرعي أثبت انه خنثى ..وكان يعمل جاهداً لجمع المال لأجراء عملية قطع عيبه الخلقي , لكنه قُتل لنعومته الزائدة ! 
- اما الفتاة المُتخفية بهيئة ولد , فقد حصلت كثيراً في إفغانستان بزمن طالبان الذي فرضوا قانوناً بمنع البيع للنساء ! ..شاهدوا الفيديو :
  https://www.youtube.com/watch?v=prN8pnsBEnA

هناك تعليقان (2):

  1. قصة جميلة بالرغم من انها قصيرةنوعا ما احسنتي

    ردحذف
  2. انتي بالفعل مبدعة يجب الا تكتفي بالكتابة هنا بل يجب ان تجعليها مهنة تجني منها المال لكن للاسف عندنا في لبنان هذا المجال ضعيف

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...