الأحد، 17 يونيو 2018

البُعد الزماني

تأليف : امل شانوحة

الى أيّ زمانٍ ومكانٍ إنتقلت اليه ؟!

عادت السيدة جسيكا الى شقة والدها في العمارة القديمة التي لا يسكنها سوى جيران الطابق الأخير , بينما ظلّت بقيّة الشقق فارغة لسنواتٍ طويلة ولا أحد يعرف السبب الحقيقي لعدم رغبة الناس في البقاء في تلك الشقق , مما ساهم في انتشار الإشاعة : بأن شيئاً مُقلقاً يحصل هناك .. لكن طالما الأمر كذلك , فلما لم يغادرها الجيران الثلاثة الذين يسكنون جميعهم في الطابق الخامس بالقرب من الشقة الرابعة التي تعود لوالد جسيكا المتوفّى منذ ثماني سنوات ؟!

امّا عن سبب عودة جسيكا مع ابنتها المراهقة ديانا (15 سنة) فهو رغبتها بمواجهة الماضي التي لطالما هربت منه : وهو ما حصل لإبنتها الأخرى جاكلين (أخت ديانا التوأم) والتي إختفت حرفياً من الوجود وهي في سن السابعة .. نعم كما قرأتم بالضبط .. لقد اختفت تماماً قبل ثماني سنوات في ليلة إنشغال جسيكا بعلاج طفلتها ديانا بالمستشفى في ذلك المساء الكئيب .. وحين عودتها في اليوم التالي الى منزل والدها وجدته متوفي في سريره بنوبةٍ قلبية , دون وجود أثر لإبنتها الثانية في أيّ مكان ! 

وبعد فشل الشرطة في ايجادها لشهورٍ طويلة استنتجوا بأن ما حصل لجاكلين في تلك الليلة : هي أنها فزعت حين رأت جدها يحتضر وخرجت من المنزل على أمل ان تصل الى المستشفى الموجودة بآخر الحيّ لإخبار امها بما يحصل او لجلب المساعدة الطبية له ..وربما في طريقها الى هناك , إستغلّ احدهم وجود فتاةٌ صغيرة تمشي لوحدها في الشارع بمنتصف الليل فقام باختطافها 

وبعد ان يئست الأم من إيجاد ابنتها الضائعة , إنتقلت مع إبنتها الأخرى الى منطقة بعيدة بعد ان تعبت نفسيتهما مما حصل ..
***

لكن اليوم وبعد ثماني سنوات من تلك الحادثة .. أرادت الأم العودة الى المنزل الذي فيه ذكريات طفولتها مُتحدّيةً جميع آلامها , فكل شيء هناك يذكّرها بإبنتها المفقودة .. وكذلك الأمر لم يكن سهلاً على ديانا التي أصرّت ان تنام في سرير أختها القديم , والتي أغرقت وسادته بدموعها في ليلتها الأولى هناك 
***

وفي الأسبوع الثاني .. وبعد ان قامت الأم بتسجيل ابنتها بمدرسة الثانوية القريبة من مبنى سكنهم , عادت ديانا ظهر ذلك اليوم الى منزلها ..

لكن قبل ان تصعد الى شقة جدها في هذا المبنى الشبه مهجور , أوقفتها سيدة عجوز تبدو من هيئتها وكأنها مشرّدة , وقالت لها شيئاً أربكها ..
- يا ابنتي , إقتربي مني ..اريد ان اخبرك بشيءٍ مهم
- ماذا تريدين يا خالة ؟
- أخبري امك ان تعود من حيث أتت , فهذا المبنى لأناسٍ معينة 
- ماذا تقصدين ؟ نحن عدنا الى منزل جدي , فقد أصبح ملكاً لأمي بعد وفاته 
- جدك كان منهم 
الصبية باستغراب : مِن مَن ؟!
العجوز وهي تتلفّت حولها بخوف : كان من الأشخاص المسموح لهم بسكن هذا المبنى , اما انتم فلا 
- لا ادري ماذا تقولين , المهم ..عليّ العودة الى المنزل , فأمي تنتظرني

وقبل ان تدخل الى المبنى , قالت لها العجوز بصوتٍ عالي :
- اذاً !! أنصحك بأن لا تسهري في المساء , كيّ لا تلحقي بالمسكينة جاكلين
وقبل ان تعيّ ديانا ما سمعته , إختفت تلك المرأة تماماً ! 

فأسرعت الفتاة بصعود الأدارج بفزع (فلا يوجد مصعد في هذا المبنى القديم)
وحين فتحت أمها الباب , وجدتها تلهث بتعب..
فقالت لها الأم : معك حق , حتى انا انقطعت أنفاسي هذا الصباح , ولا ادري كيف كان والدي العجوز يصعد كل يوم الى الطابق الخامس وهو بعمر السبعين !

وهنا أخبرت ديانا ما قالته لها العجوز , فأسرعت الأم للنافذة لكنها لم تراها في الشارع..
ديانا : لا تحاولي يا امي , فأنا ايضاً لم أجدها حين التفت خلفي ! وكأن الأرض إنشقت وبلعتها .. هل يعقل ان تكون جنية ؟!
الأم وهي تُخفي خوفها : لا ! لا يوجد جنّ هنا .. لا تقلقي .. اذهبي الآن وغيّري ملابسك فالغداء جاهز 
***

ومرّت الأمور بشكلٍ طبيعي طوال الأربعة الشهور التالية .. لكن الغريب في الموضوع ان جسيكا وابنتها لم يلتقيا يوماً بجيرانهم الثلاثة : حيث كان يسكن في الشقة المجاورة لهم شابٌ ثلاثيني .. بينما تسكن في مواجهتم سيدة بعمر الأم جسيكا تقريباً , وكانت ايضاً تسكن لوحدها .. بينما يسكن في الشقة الأخيرة من ذلك الطابق رجلٌ عجوز كان نادراً ما يخرج من منزله .. بينما الجار الشاب والسيدة المجهولي الهويّة , فقد إعتادا الخروج صباحاً والعودة في المساء دون ان يتحدثا مع احد !
***

وفي مساء هذه الليلة .. شاهدت المراهقة ديانا كابوساً أفزعها وجعلها تستيقظ قرابة الساعة الثالثة صباحاً , وعلى الفور شعرت بشيءٍ غريب !
فقد كانت غرفتها مضاءة بنورٍ قويّ ينفذ من خلال الستارة السميكة لنافذتها 
فقامت بفتحها لترى ما يحصل بالخارج , وحينها رأت شيئاً أرعبها للغاية وجعلها تتجمّد في مكانها !

فقد كانت هناك غيوماً تحيط بالمبنى , وكأنه تحوّل فجأة الى ناطحة سحاب حيث تجمّعت تحته كتلة ضخمة من الضباب والدخان ! وكان وسط تلك الغيوم نوراً يسطع من داخل فوهةٍ مخروطيّة .. 
وقبل ان تستوعب ديانا ما تراه , شاهدت جارها الشاب يفتح نافذة شقته وهو يتكلّم في جواله , وكان يلبس طقماً رسمياً .. ثم مشى بخطواتٍ ثابتة فوق السحاب باتجاه فوهة النور , ثم إنزلق بداخلها واختفى !

وبعده بدقائق .. لحقته الجارة وهي تُسرع الخطى فوق السحاب وكأنها تأخّرت على موعدٍ ما , ثم انزلقت بداخل الفتحة المضيئة 
بينما كانت ديانا تقف خلف نافذتها فاتحةً ثغرها من هول المشهد ! وإذّ بها ترى الجار العجوز يخرج من نافذته وهو يتّكأ على عصاه ويمشي باتجاه الفتحة المضيئة بخطواتٍ بطيئة .. 

وهنا أسرعت الصبية نحو جوالها لتصوّر ما تراه .. فظهر نور جوالها من خلف الستارة , ممّا نبّه العجوز بأن هناك أحداً يسترق النظر اليه .. 

وفجأة ! وجّه عكازه باتجاه غرفة ديانا بعد ان تحوّل الى شيءٍ أشبه بالبندقية .. وحين رأته ديانا يصوّب سلاحاً باتجاهها , قفزت على سريرها مُبتعدةً عن النافذة , الا ان ذلك السلاح الغريب خرج منه زوبعةً هوائية إقتحمت غرفتها ..وقد حاولت ديانا الصراخ لأمها مُتمسّكةً بقوة بأطراف سريرها , الا ان الزوبعة استطاعت سحبها لداخلها !
***

وحين فتحت عيناها ..وجدت نفسها تجلس خلف جارها الشاب فوق دراجةٍ نارية , وهما يسيران بسرعةٍ جنونية ويقتحمان نفقاً أسوداً مكتوباً عليه :
((أهلا بكم في الجحيم))
وحينها صرخت بفزع !! فنظر اليها الشاب مُعاتباً بعينيه الحمراوتين المضيئتين اللتان أفزعاها وجعلاها تفلت يديها من حول خاصرته , لكن قبل ان يسقط جسمها فوق الشارع ..

فتحت عيناها لتجد نفسها مُقيدة اليدين والرجلين ومُكمّمة الفم وهي مرمية في خلفية شاحنة نقل صغيرة , وبقربها ولدان بعمر السابعة والعاشرة أحدهما صيني والآخر إفريقي مُقيدان مثلها ويظهر الفزع جليّاً من عينيهما الدامعتين ! 

وحين نظرت من النافذة الخلفية للشاحنة وهي تشعر ببردٍ قارص , وجدت لافتة امام مفرق الشارع الذي دخلوه , مكتوباً عليها : 
((مدينة كلاست – استونيا))  
فصعقت ديانا تماماً , فقبل خمس دقائق كانت في شقتها بأميركا , فكيف انتقلت الى دولة قرب روسيا ؟ يعني بالطرف الآخر للكرة الأرضية وبهذه السرعة الخيالية !

لكن ما كان يقلقها في هذه اللحظات هما الطفلان اللذان يرتعشان بجانبها من شدّة البرد , فاستلقت فوقهما كيّ تُدفئهما بجسدها ..وحينها إعتقدت بأنهما شاهدا أحدهم ينتقل عبر البعد الزماني فعاقبوهما مثلها بأخذهما الى مكانٍ مجهول
***

وبعد قليل توقفت الشاحنة الصغيرة .. وما ان فُتح بابها حتى تضاعفت البرودة في الخارج ..
فألقى الرجل المُلثّم لحافاً سميكاً لكل واحداً منهم بعد ان فكّ قيودهم , وقال لهم بلغةٍ انجليزية ركيكة : 
- ما كان عليكم التلصّص على غيركم .. هيا تعالوا ورائي

ومشو جميعاً الى ان وصلوا الى (بحيرة بيبوس) المتجمّدة , وكان يجلس حولها أناسٌ خرجوا من خيمهم التي أوقدوا النار حولها لرؤية المعتقلين الجددّ !
وكان معظمهم من الأطفال والعجائز حيث يظهر البؤس واضحاً على ملامح وجههم , وكأنهم عالقون بهذا المعتقل المحاط بالحرس المسلحين منذ سنواتٍ طويلة ! 

وبعد ان أدخلهم الحارس من البوابة المكهربة , أخبرهم قائلاً :
- هذا مكان المتطفلين أمثالكم .. هيا إدخلوا وجدوا مكاناً لكم
***

في الداخل .. أمضت ديانا دقائقها الأولى بالتجوّل حول الخيم وهي تشدّ اللحاف على جسمها كيّ تتدفأ قليلاً .. 
وهناك شاهدت شيئاً صدمها للغاية ! فقد وجدت فتاة مراهقة في نفس عمرها تقف وحيدة قرب الشاطىء وهي تتأمّل الأفق المُثلّج بشرودٍ تام ..وكلما اقتربت منها لاحظت وجه الشبه بينهما !

وحين وقفت ديانا بجانبها , قالت لها بصوتٍ مرتجفّ :
- جاكلين ! أختي .. أهذا انتِ ؟!
فالتفتت اليها الصبيّة , وهي تقول : 
- من انتِ ؟
فقالت بفرح وهي تكاد لا تصدّق عينيها : انا ديانا !! أختك التوأم 
وحاولت إحتضانها , لكن الفتاة أبعدتها عنها بقسوة : 
- من انت لتحضنيني ؟!!
ديانا بدهشة : أمعقول انك لم تلاحظي الشبه الذي بيننا ؟!
فأجابت الفتاة : انا لم أرى وجهي منذ سنوات , فليس لدينا مرآة هنا

وهنا اقتربت منهما سيدة وهي تبتسم بدهشة : هل انتما توأمتان ؟!
فقالت ديانا لأختها : ارأيتي !! الجميع لاحظ الشبه الذي بيننا
فاقتربت الفتاة منها وهي تقول باستغراب : أحقاً ! هل هذا انت يا ديانا ؟ فأنا لم اراك منذ اليوم الذي مرضتِ فيه 
فحضنتها ديانا وهي تبكي : كان ذلك يوماً مشؤوماً , إختفيت فيه عنا ومات جدي فيه 

لكن جاكلين لم تُبدي تأثّراً ممّا سمعته , بل أخذت أختها الى خيمتها .. وهناك قالت لها :
- جدي لم يمت يا ديانا , بل قتلوه امام عينيّ 
ديانا بدهشة : عن ماذا تتحدثين ؟! فنتائج التشريح أوضحت بأنه مات أثر أزمةٍ قلبية
جاكلين بغضب : بل قُتل , وقد استحق ذلك !! فلما لم يُنبه امي على الأمر , بدلاً من دعوتنا للمبيت عنده في يوم اجتماعهم , فهم يجتمعون مرتين في السنة
ديانا باستغراب : اجتماع من ؟! انا لا أفهم شيئاً
فاخبرت جاكلين اختها بما حصل معها ذلك اليوم.. 
ديانا : يعني انت ايضاً رأيتي الجيران الثلاثة وهم ينتقلون بالبعد زماني الى هنا
- ليس الى هنا , بل الى غابة في وسط افريقيا
- ولماذا ؟

جاكلين : لتخطيط على تغير أحداث الماضي وبالتالي المستقبل على حسب أوامر رئيسهم
ديانا : ومن هو رئيسهم ؟
جاكلين : مجنون آخر من علماء الفيزياء والرياضيات , الا تذكرين كيف كان جدنا مهوساً بالأبحاث بعد تقاعده من التدريس في الجامعة ؟
ديانا بدهشة : أتقصدين ان جدي كان واحداً منهم ؟!
- طبعاً !! لكنهم ظنوا تلك الليلة بأنه خانهم , فقتلوه 
- لا أصدّق ما أسمعه .. طيب , ماذا عنّا ؟ 
جاكلين بيأس : سنبقى في هذا المعتقل البارد الى ان نموت جميعاً , تماماً كما حصل مع 12 شخص منذ انتقالي الى هنا , وقد رمينا جثثهم داخل حفرة في تلك البحيرة المتجمّدة 
ديانا بغضب : لا !! انا لن اموت هنا .. علينا العودة الى امي , فهي ستجنّ حتماً ان عرفت باختفائي انا ايضاً

جاكلين بحزن : ليتك سمعتي نصيحة العجوز
بدهشة : وكيف عرفتي بأمرها ؟!
جاكلين : لأنها أنا
- لم افهم !
فابعدت جاكلين بعد حاجياتها المتراكمة في طرف الخيمة , لتظهر من تحتها حفرةً عميقة يخرج منها طيفٌ أخضر !
ديانا بقلق : ما هذا الشيء ؟! هل هو غازٌ سام ؟
جاكلين : لا ليس غازاً , بل شيئاً سحري لم أجد تفسيراً له .. فقد كنت أحفر هنا قبل شهور لأجعله حمامي الخاص , فأنا لا احب استخدام الحمام الخشبي المشترك الذي بالخارج .. لكن بعد ان وصلت للعمق المطلوب , خرج منه هذا الطيف الغريب ..ولشدّة يأسي , قمت برميّ نفسي داخل الحفرة , لربما تكون بعداً زماني آخر يعيدني اليكم

ديانا باهتمام : وماذا حصل بعدها ؟!
- وجدت نفسي وقد تحوّلت الى امرأةٍ عجوز مشرّدة أسفل عمارة جدي .. وحاولت وقتها صعود العمارة لكني لم استطع وكأن هناك حاجزاً شفّافاً يمنعني من التجوّل الا في بضعة امتار قرب المكان ! وبعد عشر دقائق تقريباً , وجدت نفسي وقد عدّت مجدداً الى هنا 
ديانا : الهذا حين رأيتني .. 
جاكلين مقاطعة : لم اعرف وقتها انك اختي , لكني عرفت انكم السكّان الجددّ في ذلك المبنى المشؤوم وأردّت تنبهيك , فأعضاء الجمعية الذين يسكنون الطابق الأخير استطاعوا خلال السنوات الماضية إرعاب بقية الجيران ليصبح المبنى لهم وحدهم .. 
ديانا : والى اليوم لم يسكن المبنى سواهم !

جاكلين : وهل مازالوا في نفس العمر الذي رأيتهم فيه حين كنت صغيرة ؟ أقصد جارنا الشاب الثلاثيني والسيدة الأربعينية والرجل العجوز السبعيني ؟
- نعم , لكن كيف لم يكبروا طوال سنوات إختفائك ؟!
- لأني سمعت انه من ينضمّ لتلك الجمعية المشبوهة يتوقف عمره , ولا تسأليني كيف .. فالبعد الزماني لديه اسرار فيزيائية لا يعرفها سوى اولئك الملاعيين .. الا تذكرين كيف كان جدي قوياً وكأنه في الخمسينات من عمره , وأظنه بذلك العمر إنضمّ اليهم لذلك لم تؤثّر عليه العشرين السنة التي تلتها  

ديانا : لكنك لم تخبريني بعد كيف قتلوا جدي ؟
- أظنهم حين رأوني أراقبهم ظنّوا بأنه أخبرني بسرّهم فأطلقوا شعاعاً على قلبه أثناء محاولته التبرير لهم , فسقط ميتاً في غرفته .. ومن ثم قاموا بسحبي الى هنا  
ديانا بضيق : يا الهي ! الأمر أشبه بالكابوس .. (ثم تتنهد بضيق) .. ما العمل الآن ؟
جاكلين : لا شيء .. لكن يمكنك تجربة الحفرة , فربما تنبهين امي بما يحصل عندها 
ديانا : برأيّ علينا عمل خطةً جماعية للهروب جميعاً من المعتقل
- خطة جماعية ؟!

ديانا : نعم , فأنا اريد إنقاذ جميع المعتقلين .. كم عددهم برأيك ؟
- 34 , ومعك زدنا واحد
ديانا : جيد .. 35 شخصاً ضدّ 4 حرس
جاكلين : لا تنسي ان معظم المتطفلين من الصغار والعجائز 
- أتعلمين عددهم بالضبط ؟
فتحاول جاكلين تذكّر العدد : أظن هناك 16 طفل .. و7 من كبار السن ..و8 شباب وسيدتان , بالأضافة الينا نحن الأثنتين ..
- الا يكفي عددنا للهجوم على الحرس ؟  

جاكلين : لا أظنها فكرةٌ جيدة , فالحرّاس الأربعة لديهم سلاح غريب يحوّل الشخص الى رماد في ثوانيٍ .. فقد أذابوا اثنان امام أعيننا , حين حاولا الهرب من المعتقل قبل ثلاث سنوات
فتفكر ديانا قليلاُ , ثم تقول : اذاً .. سننتقل عبر هذه الحفرة , الواحد تلوّ الآخر.. ومن يبقى آخراً يغلق الفتحة خلفه .. وبذلك ننتقل جميعاً للجهة المقابلة بعد ان نقفل باب العودة الى هنا
جاكلين بقلق : لكننا سننتقل بهيئاتٍ مغايرة .. يعني حتى أهالينا لن يتعرّفوا علينا
ديانا : لا يهم .. يبقى حلاً أفضل من البقاء في هذا البرد القارص ننتظر الموت
- وماذا تريدين عمله الآن ؟

ديانا : نذهب في المساء الى الخيم دون إثارة انتباه الحرس , ونتكلّم فقط مع الشباب .. ونطلب منهم ان يحمل كل واحداً منهم ولدين أثناء نومهم ويقفز بهما داخل هذه الحفرة 
جاكلين : جيد , فمن الأفضل للصغار ان لا يعرفوا شيئاً عن هذه الخطة كيّ لا يفضحونا.. وبرأيّ ان ننام الآن قليلاً , فلدينا عملٌ كثير في الليل
***

وبحلول المساء .. إجتمع المعتقلون داخل خيمة جاكلين , وقفزوا في الفتحة كلاً بدوره منتقلين الى عالمٍ مجهول ! 
جاكلين : جيد .. لقد قفز الجميع والآن دورك
ديانا : لا ..انت إقفزي اولاً , وانا من سيقفل الحفرة خلفي 

ورغم اعتراض جاكلين , الاّ ان ديانا أصرّت على قرارها , فحضنا بعضهما لأنهما لا يعرفان ان كانا سيلتقيان بعد اليوم ام لا , وقد وعدت كل واحدة منهما الأخرى بأن تحاول المستحيل لتصل الى امهما جسيكا كيّ تحذّرها عمّا يحصل في عمارتها .. 
وبعد ان ودّعتها جاكلين , قفزت بالحفرة .. 

فقامت ديانا بأخذ اللوح الخشبي الموجود اسفل سرير جاكلين وحملته فوق رأسها قبل ان تقفز بالحفرة , بعد ان أقفل اللوح الخشبي الفتحة خلفها 
***

وحين فتحت ديانا عينيها .. وجدت نفسها وقد تحوّلت الى فتاةٍ صغيرة تحتضر بمرض السرطان في المستشفى , وحولها ممرضتان تتكلّمان عنها بشفقة ..
- المسكينة .. الا يكفي انها عاشت عمرها يتيمة لتحتضر الآن بألم
الممرضة الثانية بلا مبالاة : برأيّ ان تموت أفضل لها من حياتها التعيسة

وحاولت ديانا التحرّك لكنها كانت متصلّبة الأطراف , ومع ذلك صرخت بكل قوتها : 
- لا !! انا لا اموت .. وانا لست يتيمة , لديّ أمٌ واخت
لكن لم يسمعاها وكأنها تكلّم نفسها ! وخرجت الممرضتان من الغرفة ليجهزا اوراق دفنها , رغم انها لم تمت بعد !
ديانا بيأس : لا تذهبا !! اريد الإتصال بأمي رجاءً

وحين يئست من عودتهما .. أحسّت بأنفاسها تتسارع , بينما تباطأت نبضات قلبها على حسب قياس جهاز القلب المتصلة به ..
فقالت ديانا في نفسها وهي تمسح دمعتها : 
((على الأقل أتمنى ان يكون حظ الباقين أفضل مني ..وأتمنى ان تصل جاكلين الى امي لتحذّرها من ذلك المبنى اللعين , ولوّ تحوّلت لهيئة تلك العجوز))

وهنا لاحظت نوراً يخرج من زوبعة صغيرة تكوّنت بطرف الغرفة ..وصوتاً يقول لها :
- بسببك نقلنا البعد زماني الى مكانٍ آخر .. اما المتطفلون الذين قُمتِ بتهريبهم , فلم ينجوا معظمهم .. ومن نجى منهم , فقد مُحيت ذاكرته او أصيب بالجنون ..
ديانا بقلق : وأختي .. ماذا حصل لها ؟
فأجاب الصوت بلؤم : لن أخبرك , لكيّ تتعذّب روحك للأبد

ثم أطلق ذلك الصوت المجهول ضحكةً عالية , قبل ان يختفي باختفاء الزوبعة .. ليعلو بعدها صوت صفير الماكينة الطبية تُعلن توقف قلب ديانا الذي لم يطمأن في لحظاته الأخيرة على مصير عائلتها الذي ظلّ غامضاً ومجهولاً !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...