السبت، 1 أكتوبر 2016

الهجرة نحو المجهول

فكرة : آية البرازي , و السورية (هاجر)

كتابة : امل شانوحة


سورين,المانيا,تركيا,البحر,الحرب,الخوف,الغرق,المخربين,النازين,قرش
مخاطر الهجرة في البحر (هرباً من حرب سوريا)


استغلّ احمد (ذو العشر سنوات) نوم رفقاء السفر في ذلك القارب المطاطي , ليدنّدن وحده اغنية وطنية , و هو شارد بمنظر البحر الذي احاط بهم من كل جانب
-سوريا يا حبيبتي , اعَدّ لي كرامتي , اعَدّ لي هويتي ... بالحرب و الكفاح و شعلة الجراح تنير درب ثورتي , يا حبيبتي

فيقول له قبطان الرحلة :
-اصمت يا ولد , و دعنا ننام قليلاً .. و ايّاك ثانيةً ان تغني اغانيٍ ثورية , فأنا لا اريد مشاكل بقاربي ..افهمت !!

و بعد ان سكت احمد , بدأ يستعيد ذكرياته الأليمة التي كان يحاول ان يشغل باله بعيداً عنها 
فصوت امه مازال في ذهنه و هي تناديه :
-احمد ! الى اين انت ذاهب ؟
-امي لقد هدأت الحرب , دعيني اذهب لألعب مع اصدقائي , فقد ضاق صدري من نومنا كل يوم في هذا الملجأ الكئيب 

فقالت امه بحزم : لا يا احمد !! لن تخرج لأيّ مكان 
-لكني سأعود قريباً يا امي .. لن اتأخّر.. اعدكِ بذلك 
فقال له اخوه الكبير بحزن : 
-و هذا ما قاله والدنا قبل شهر , حين ذهب لإحضار الخبز ..و هاهو لم يعد الينا ابداً

فقال احمد بغضب :
-اذاً ان كنّا سنموت بجميع الأحوال , فدعوني العب قليلاً ..و الموت سيجدني هنا ام هناك
ثم خرج سريعاً من الملجأ ..

لكن قطعت حبل ذكرياته , سميرة الفتاة (ذات التسع سنوات) التي كانت معه برحلة الهجرة الى تركيا , و منها الى المانيا
سميرة : بماذا تفكر يا احمد ؟
احمد و هو يمسح دموعه :
-افكّر في اليوم الذي ركضت فيه مع صديقي الى عمارتنا , بعد ان سمعنا صوت الأنفجار .. لكن للأسف , لم يتبقى منها شيء !
-نعم ..لقد سمعت من امي ان والدتك و اخوك الكبير و اختك الرضيعة , جميعهم ماتوا هناك
-لم يموتوا !! بل حوصروا داخل الملجأ , و لم يتواجد حينها جرّافات لرفع الحطام

-ارجوك لا تبكي يا احمد ! فها انت ذاهبٌ للعيش عند خالك الذي سبقك الى المانيا 
-نعم صحيح .. و انا ممتنّ لجارنا الذي قبل ان يأخذني مع عائلته بهذه الرحلة , لكن ... (و يسكت بحزن) .. 
-لا داعي للقلق , فجميعنا سنعيش حياةً جميلة هناك .. و سيدخلونا المدارس و يشتروا لنا الألعاب..

فقال احمد مقاطعاً و بيأس : هذا ان وصلنا احياءً 
-لكننا نجونا من الحرب و الحمد الله , و ايضاً من العاصفة التي مرّت بنا البارحة
احمد : لكن العاصفة اوقعت المؤن الغذائية من القارب , و ان لم نصل قريباً الى تركيا فسنتضوّر جوعاً

لكن فجأة !! صرخت سميرة بسعادة , و هي تشير نحو البحر
-انظر هناك يا احمد !! زورقٌ سريع قادماً نحونا .. هم من سينقذونا !!

لكن ردّة فعل القبطان (الذي استيقظ على صوتها) اخافها , كما اخاف جميع المهاجرين , حين انتفض صارخاً
-هؤلاء شباباً مُخرّبون !! احموا انفسكم و اولادكم , و البسوا سترات النجاة ..هيا بسرعة !!! 

و رغم ان معظم الركّاب لم يفهموا قصده , الا انهم جميعاً استشعروا الخوف من تصرّفاته , فدبّ الرعب سريعاً بينهم

و في دقائقٍ معدودة , انقضّ الشباب الأجانب بعصيّهم ضرباً بالمهاجرين دون التفرقة بين طفلٍ و امرأة .. فقفز احمد مع العديد من المسافرين نحو البحر للنجاة بأنفسهم .. لكن الحاقدين لم يكتفوا بإيذائهم , بل انهم (و قبل ان يبتعدوا بزورقهم) قاموا بثقب القارب المطاطي , ليغرق امام المهاجرين الذين تناثروا في عرض البحر 
-تجمّعوا حول بعضكم !! .. امسكوا بأطفالكم و ضعهوهم داخل الحلقة ..هيا بسرعة !!

هكذا صرخ القبطان بالركّاب الخائفين , ليُسرع الجميع و يمسكوا بأكتاف بعض مكوّنين حلقة بشرية , و قد وضعوا الأطفال في الوسط , و الذي بدورهم تمسّكوا بقوة بأعناق اهاليهم و هم يبكون خوفاً 

و كان الخوف الأكبر على المصابين من المهاجرين , حيث كانوا خائريّ القوى بسبب العصيّ التي تلقّوها على رؤوسهم , و من بينهم القبطان الذي كان رأسه ينزف بغزارة 
***

و مرّت الساعة ببطء , و بدأت اشعة الشمس بالمغيب ليزداد رعب المهاجرين مع حلول الظلام
-قبطان ! قبطان !! الماء باردة و ابني يرتجف بقوة .. مالعمل ؟
-هل نحن بعيدون جداً عن تركيا ؟
-قبطان !! لما لا تجيبنا ؟
لكن لم يكن هناك اثر للقبطان ليردّ على اسئلة النسوة الخائفة , فقد اختفى في جنح الظلام !
***

و في الصباح ..كان القبطان و ثلاث شبان و امرأة قد اختفوا من المجموعة , و يبدو انهم غرقوا اما بسبب جراحهم او بسبب عدم لبسهم لسترات النجاة .. و بذلك بقيّ في البحر قرابة 13 شخص فقط , منهم طفلان على وشك الموت من العطش , حيث انخفض صوت بكائهم , و بدأ هدوئهم المفاجىء يرعب اهلهم

لكن هذا الرعب ازداد في ظهيرة ذلك اليوم , بعد رؤية احمد لزعنفة القرش و هي قادمة بسرعة ناحية حلقة المسافرين
و بسرعة دبّ الرعب و الصراخ بصفّ المهاجرين !! و كان جار احمد اول ضحايا القرش حيث التهم جزءاً من فخذه

و قد شاهد احمد بعينه بقعة الدم و هي تزداد اتساعاً حول جاره العجوز و الذي صار جسمه ينتفض بغرابة و الم , بينما تحاول زوجته ربط ساقه (التي انقطعت نصفها) بحجابها
لكن يبدو ان رائحة الدماء اجتذبت المزيد من اسماك القرش
فلم يجد احمد نفسه الاّ و قد انطلق يسبح بعيداً عن المجموعة , و التي كانت تتخبّط ببركة من الدماء و سط الهجوم المفاجىء من اسماك القرش ! 

و ظلّ يسبح بكل ما اوتيّ من قوة حتى حالت الأمواج بينه و بين البقيّة , و بدأت اصوات صراخهم تختفي شيئاً فشيئا ..  و لم يجد احمد نفسه الا غائباً عن الوعي من شدّة الجوع و العطش و الخوف , و الشيء الوحيد الذي ابقاه حياً هو سترة النجاة التي فضّل جاره اعطائه له بدل ان يلبسها هو , رغم اعتراض زوجته
***

و حلّ الليل و احمد مازال يطفو وحده وسط البحر , حيث كان يبكي و يصرخ بآخر ما تبقى له من طاقة
-امي !! ابي !! اخوتي !! ارجوكم خذوني اليكم ..لا تتركوني وحدي هنا ..لا اريد ان يأكلني القرش ..انا خائفٌ جداً !
ثم بدأ الهدوء يسري داخله بشكلٍ غريب , و كأنه دخل في صدمة نفسية ! فصار يضحك و يكلّم نفسه
-وليد !! ارمي لي الكرة ..لا تخفّ , سأسدّد هدفاً قوياً ..جوووول !!! انا افضل لاعب في العالم

و بعد موجة من الضحك الهستيري , سكت ثانيةً ليعود و يدنّدنّ الأغنية الوطنية
-سوريا يا حبيبتي ..اعدّ لي كرامتي ..اعدّ لي هويتي
و ظلّ يغني حتى شعر ان جسمه بدأ يطفو و يخفّ وزنه ..الى ان ارتفع عن الماء , و بدأ يشاهد جسده من فوق ! 
-ما هذا ؟! كيف اطير في الهواء و جسدي مازال في البحر ؟ ..هل متّ ؟!

ثم بدأ جسمه يطير فوق سطح البحر و كأنه طائرة شراعية الى ان عاد الى سوريا , و صار يحلّق فوق عمارتهم المهدّمة
-ياه كم منظر البلد من فوق يثير الرعب و الحزن معاً , و كأنه عالمٌ مهجور ! ... آها !! هذا مبنانا هناك !

ثم رأى جسده و هو يخترق ردم الرِكام الى ان وصل للملجأ , فوجد جميع الجيران مازالوا كما تركهم قبل شهرين ! فصاحب العمارة العم يوسف مازال يستمع الى الأخبار من المذياع ..و اطفال العمارة مازالوا يلعبون بالورق في زاوية الملجأ على ضوء الشمعة .. بينما تجمّعت الجارات لتتكلّم مع بعضهنّ عن احوال البلد .. 

و هناك على احدى الأسرّة كانت تجلس امه و هي تُطعم اخته الطفلة .. بينما اخوه الكبير يلعب الشطرنج مع صديقه على السرير الثاني
فركض احمد تجاه امه بشوق :
-امي !! امي !! لقد اتيت

لكن امه ظلّت تطعم ابنتها الصغيرة من زجاجة الحليب دون ان تنظر اليه !
-امي ما بك لا تنظرين اليّ ؟! هل مازلتِ غاضبة مني لأني خرجت دون اذنك ؟! ..انا آسف فعلاً ..ارجوكِ تكلّمي معي , فقد اشتقت اليك حقاً .....امي رجاءً ! 

و بعد ان يأس منها , ذهب عند اخيه
-اخي سعيد , انا اتيت !! لقد عدّت اليكم , و لن ابتعد عنكم ثانيةً 
لكن اخوه ظلّ يضحك و هو فرح بفوزه على صديقه باللعب !
فصرخ احمد لكي يُسمع الجيران صوته :
-انا عدّت اليكم !! الستم سعيدون بعودتي ؟! ...(ثم بحزن) .. لما لا ينظر احد اليّ ؟ هل جميعكم غاضبٌ مني ؟!

و هنا ! انتبه الى والده و هو ينزل ادراج الملجأ , و معه ربطة الخبز
فأسرع اليه و هو يقول له بفرح :
-ابي ! هل عدّت الينا اخيراً ؟
لكن والده وضع ربطة الخبز على الطاولة بجانب الملجأ , ثم عاد الى فوق ! ..فلحقه احمد
-لا !! لا تذهب ثانيةً يا ابي , لقد اشتقت اليك كثيراً
لكن عندما التفتت والده اليه , كان وجهه مُدمّى و قد اُزيل نصف جمجمته .. ففزع احمد !!

ليستيقظ بعدها ووجهه ممرّغٌ بالتراب , و قد تجمّع حوله بعض الشباب الذين تواجدوا على الشاطىء , بعد ان اتصلوا بالأسعاف
فحاول ان ينظر اليهم بعينيه المتعبين 
احمد : اين انا ؟!
لكنهم تكلّموا معه بلغة لم يفهمها !

و قد اسرعت احدى الفتيات لإشرابه بعض الماء من قارورتها , و كان الذّ ماء شربه في حياته .. لكن بعدها , اغميّ عليه مُجدداً  
و استيقظ فيما بعد في المشفى و المصل في يده , و كان هناك شرطياً و صحفياً داخل غرفته .. 

ثم اقترب منه الطبيب الذي يبدو انه يعرف اللغة العربية , و سأله :
-ما اسمك ؟
و بصعوبة قال احمد :
-اين انا ؟!
-لا تقلق ..انت في مشفى بتركيا .. ما اسمك ؟ و اين بقيّة الركّاب ؟
فصار يُخبره احمد بما حصل , و الطبيب يترجم للصحفي الذي كان يسجّل هذا اللقاء , لإذاعته لاحقاً في نشرة الأخبار
***

و بعد اسبوع قضاها احمد في رحلة العلاج , استعاد صحته ببطء
و في عصر ذلك اليوم , تقدّم الطبيب من سريره و قال له بحماس
-الف مبروك يا احمد
-على ماذا ؟!
-لقد شاهد خالك الذي يسكن في المانيا الأخبار , و اتصل بمشفانا قبل قليل , و قال انه سيرسل لك تذكرة السفر... 

فانتفض احمد برعب :
-لا اريد السفر بالبحر ثانيةً !!
-لا تخفّ , فهو سيحضرك بالطائرة .. لقد كان يظنّ بأنك متّ مع اهلك .. و هو الآن يريد اخذك الى هناك لتعيش معه
لكن احمد فاجىء الطبيب بسؤاله :
-الم تجدوا جاري و عائلته , و سميرة و بقيّة المسافرين ؟
-مع الأسف , لم ينجو احداً غيرك !
***

و بعد يومين .. جلس احمد و هو يرتعش في مقعده بعد ان رأى منظر البحر من نافذة الطائرة , ثم اغلق اذناه و هو يستذكر صراخ المهاجرين حين ضربهم الحاقدين و عند هجوم القرش عليهم
فتقدّمت المضيفة منه , و اغلقت النافذة التي بجانبه بهدوء .. ثم قدّمت له كوب الماء بابتسامة حنونة
فمسح احمد دموعه , و اخذ يرتشف الماء بيديه المرتجفتين
***

و في المانيا ..استقبله خاله بالمطار بالقبلات و الدموع , لكن احمد كان هادئاً بشكلٍ مريب ! 
و قبل ان يخرجه من المطار , استقبله مسؤول الماني مع بعض المصورين , و طالبوا الصغير بمقابلة صحفية سريعة في قاعة التشريفات الموجودة بالمطار 

و هناك .. بدأوا يسألوه الأسئلة , و خاله يترجم لهم اجابات الصغير .. ثم انتهت المقابلة بالتصفيق بعد ان قدّم له المسؤول الألماني ميدالية الشجاعة , لكن احمد في تلك اللحظات لم يسمع تصفيقهم بل كان يستذكر عدة اصوات 
منها صوت امه و هي تعاتبه :
-احمد ! الى اين انت ذاهب ؟!
و صوت صديقة الرحلة , سميرة :
-سنعيش حياةً جميلة في المانيا
***

و بعد انتهاء المقابلة , ركب السيارة مع خاله و زوجته , و صارا يتكلّمان معه عن المدرسة التي سيسجلانه فيها , و كيف سيسعد بالحياة في المانيا .. و هو في المقعد الخلفي ينظر من نافذة السيارة دون كلام .. الى ان مرّت السيارة بجانب بحيرة , فقطع كلامهم بعد ان صار يدنّدنّ بحزن و هو غارقٌ بالتفكير :
-سوريا يا حبيبتي ..اعدّ لي كرامتي..اعدّ لي حريتي ..
مترافقة مع دمعة ساخنة تسيل على خدّه


فيديو الأغنية الوطنية القديمة لسوريا 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الفيلم الدموي

تأليف : امل شانوحة  الزومبي الكومبارس  فور دخول الشباب 12 الى المسرح (الذي سيقام فيه احداث الفيلم المرعب ، والذي بُنيّ على شكل قبّةٍ زجاجيّة...