الأحد، 1 أكتوبر 2017

معركتي مع المارد

فكرة : محمد بيومي آل غلاب
كتابة : امل شانوحة


 
أصبحت في مثل قوته , لأجل حربٍ عادلة بيننا !

في أحد ايام العطلة الصيفية .. خرجت مع اصدقائي برحلةٍ الى البرّ .. وكان كل شيءٍ جميل بعد ان انتهينا من نصب خيمتنا وأشعالنا للنار , الاّ ان صديقنا فاجأنا بنسيانه إحضار الخاروف ! 
وبعد شجارٍ وعتابٍ بيننا , لم نجد حلاً الاّ بملاحقة أرنبٍ برّي , رأيناه بالصدفة يقفز قرب مخيّمنا .. 

وعلى الفور !! لحقت به انا وصديقي بالسيارة , حتى توقف بجانب حفرةٍ بالأرض تبدو وكأنها جحره .. ورغم إختبائه بداخله , الاّ ان الجوع جعلني أقترح على صديقي بأن أنزل داخل الحفرة الصغيرة , لأني أنحف منه.. 

لكن ما ان نزلت الى هناك حتى لاحظت عمق الحفرة , فطلبت منه إحضار الحبل من السيارة .. الاّ ان قدمي زلّت الى الأسفل , قبل ان يجلبه لي ..
***

وكلّ ما أذكره .. انني أحسسّت بأنني واصلت السقوط نحو الهاوية لدقائقٍ طويلة , وكأنني في طريقي نحو جهنم !
ولم أصدّق عينايّ حين استيقظت غير مصابٍ بكسر او حتى خدشٍ بسيط ! 

لكن الأسوء كان الشيء الذي سقطت عليه وحماني من الموت , فقد بدى لي كعش طيورٍ ضخم , امتلأ بالريش !
ليس هذا فحسب .. بل كان هناك أعداداً من البيض الضخم داخل هذا العشّ العملاق , وكأنه بيض ديناصور .. وأظنّني كسرت بعضه !

فنظرت للأعلى من حيث وقعت , فلم أجدّ نور الشقّ الذي وقعت منه .. فعرفت انني ابتعدت عشرات الأمتار او حتى المئات عن سطح الأرض ! وصرت عالقاً في عالمٍ مجهولٍ ومخيف .. 
وبعد ان خرجت من العشّ , صرت امشي بحذر بين الدهاليز الصخرية , معتمداً بالرؤية على شعلات نارٍ معلّقة على كلا جانبيه! 

وكان جسمي يزداد تعرّقاً كلما تعمّقت الى الداخل , بسبب ازدياد الحرارة بشكلٍ ملحوظ .. كما ان قدمايّ بالكاد تحملانني من رهبة المكان ..

لكن أمنيتي بالخروج من هناك بسلامةٍ وعافية تبدّدت فور رؤيتي لذلك المخلوق الذي أعترض طريقي , والذي سألني بدهشة و بصوتٍ أجشّ مُخيف :
- ماذا تفعل في بيتي يا هذا ؟!
وعلى الفور , أغميّ عليّ من هول الموقف !
***

إستيقظت بعدها بساعة , وليتني لم افعل .. فقد كنت مسجوناً داخل قفصٍ حديدي , معلّقاً بسقف الكهف .. بينما جلست تلك الكائنات من تحتي , يحاوطون حلبة المصارعة ! وأمامهم عرش تجلس عليه إمرأة مخيفة بجناحيها العملاقين , والتي صرخت قائلة :
- هدووووووووووء !! لا اريد ان أسمع صوتاً
فسكت الجميع .. 

ثم سألت المارد (الذي رأيته قرب العشّ) .. 
- هذا الأنسي حطّم عشّك , اليس كذلك ؟  
فأجابها بقهر : نعم !! وقتل اللعين طفلايّ , بعد ان كسر بيضهما 
وهنا رفعت رأسها اليّ , وسألتني عن سبب تخريبي لعشّه ؟ 
فأخبرتها بالقصةٍ كاملةً .. 

فقالت لي : 
- ذلك الأرنب كان أحد اولادنا الصغار مُتمثّلاً بهيئة حيوان .. لكن طالما ان نيتك لم تكن التطفّل على حياتنا , فلن أحرقك .. بل سأعطيك فرصة لمنازعة صاحب الحق .. وبالنهاية , انت وحظّك
ثم أشارت بيدها .. فإذا بالقفص (الذي انا فيه) ينزل نحو الجموع الهائجة .. ثم يُفتح بابه السفلي لأسقط داخل الحلبة , وسط صراخ الجن وهتافاتهم !

فعلمت حينها بأني سأواجه المارد ضمن مباراةٍ غير عادلة , لأنني بالتأكيد سأخسر امام حجمه الضخم , عدا عن قدرته على الطيران بعكسي .. 
وما ان تجاوزت بصعوبة لكمته الأولى , حتى صرخت بعلوّ صوتي : 
- جلالة الملكة !! أُطالب بعدالتك 

وهنا رفعت يدها .. لتتوقف المباراة , ويسكت الجميع .. ثم سألتني:  
- ماذا تريد الآن , ايها الأنسي ؟
فقلت لها وانا الهث من الخوف :
- انتِ بالطبع تلاحظين فرق القوى بيننا ؟ 
فأجابتني : نعم , أعرف تماماً بأنه أقوى منك
فقلت لها : اذاً أناشدك بأن تعطيني قوّةً تُماثل قوته , وحينها سأنازعه دون خوفٍ او تردّد

ففكّرت الملكة قليلاً , ثم قالت : 
- نعم , سيكون ذلك عدلاً 
لكني تفاجأت بنارٍ تخرج من فمها باتجاهي ! وكردة فعلٍ مني , أدرت ظهري بسرعة لأبتعد عن اللهب , فأذا به يصيب رقبتي ويحرق جزءاً منه 
لكن الأمر لم يكن مُؤلماً بقدر ما أرعبني , حينما رأيت جناحيّ ينموان من بين فقرات ظهري ! 

وقبل ان أستوعب ما حصل .. رأيتهما يرفّرفان بهدوء , لترتفع أقدامي بضعة سنتمترات عن أرض الحلبة ..
وهنا صرخ المارد قائلاً لي :
- والآن أهرب مني ان استطعت !! 

ثم رأيته يهجم باتجاهي !! وإذا بجناحيّ يرفّرفان بقوة , ويبعدانني عن قبضته بآخر لحظة .. 
وماهي الاّ دقائق .. حتى صرت أحلق بمهارة فوق الحلبة , الا انني بدوت كطائرٍ خائف من إقتناص النسر له , بينما كانت الجن تضحك ساخرة من هروبي الجبان ..
وكنت أعرف بأنها مسالة وقت قبل ان يربح عليّ , لهذا لم أكن أنوي البقاء أكثر في حفرة الجحيم هذه .. 

ففاجأت الجميع حينما هربت من تلك الصالة ! لأتوجّه مباشرةً ناحية الدهاليز الموصلة الى بيت المارد (الذي سقطت فيه) 
وما ان وصلت الى هناك , حتى إرتفعت نحو الأعلى بشكلٍ عامودي .. لأنني أعرف بأن تلك الحفرة (التي سقطت منها) موجودة فوقي مباشرةً  

لكن هروبي من المارد الغاضب لم يكن سهلاً , لأنه كان يرسل باتجاهي شهباً من النار التي كانت تحرق أجزاءً من جناحيّ وتبطأ من طيراني 
كما انه كان يشتمني قائلاً :
- عدّ وواجهني ايها الجبان !!
لكني لم اجيبه .. فقال لي مُهدّداً :
- ان لم انتقم منك , فسأنتقم حتماً من اهلك !!!

لكني لم اتلفّت عليه , وبقيت أطير الى فوق بكل قوتي , حتى ظهر نورٌ من تلك الفتحة .. وما ان خرجت منها , حتى تبدّد كل شيءٍ من حولي !
***

استيقظت بعدها في خيمة اصدقائي على رائحة شواء اللحم !
فخرجت اليهم وانا أترنّح من التعب
فقال أحد اصدقائي :
- آه ! وأخيراً استيقظت 
فسألتهم عمّا حصل ..
فقالوا : بأنني بعد ان ساعدتهم بنصب الخيمة شعرت ببعض الدوار , فطلبوا مني ان ارتاح قليلاً لحين تحضير الغداء
فسألت أحدهم :
- الم تذهب معي لاصطياد الأرنب ؟!
فضحك قائلاً : 
- ولما نصطاد أرنباً ومعنا خاروف كبير ؟! يبدو انك كنت تحلم

وقال صديقي الآخر ساخراً :
- يبدو ان اختصاصك بعلم النفس ودراستك لخرافة بوابة العين الثالثة وتعلّمك للتخاطر الذهني وغيرها من الخزعبلات أفسدت عقلك يا رجل !
وضحك الجميع ساخرين من تخصّصي العلمي ..

وبالرغم من انني كنت متأكّداً تماماً بأنه لم يكن مجرّد كابوس , الاّ انني فضّلت اغلاق الموضوع تجنّباً للمزيد من سخرياتهم عليّ .. 
لكن وقبل تناولي للطعام , إنتبه صديقي (الذي كان يجلس بجواري) على إحمرار رقبتي , فسألني : 
- متى أحرقت رقبتك , وبماذا ؟! 

فعرفت حينها بأن ما حصل معي كان حقيقياً , فانتابتني القشعررية ! خاصةً بعد ان تذكّرت تهديد المارد لعائلتي , ممّا جعلني أسرع ناحية سيارتي لأنطلق بسرعة ناحية بيتي , وسط دهشة اصدقائي من رحيلي المفاجىء والغير مبرّر !
***

لكني وصلت الى هناك بعد فوات الأوان , حيث كانت الشرطة تحقّق في اسباب خراب بيتنا .. 
فدخلت لأرى أثاث منزلي مُحطّماً وكل الأدوات فيه مكسّرة , لكن الحمد الله كانوا اهلي خارج المنزل وقتها , فلم يتأذّى منهم أحد 
وبالطبع لم اخبر الشرطة او عائلتي بشأن تهديدات المارد , لأنه بكل الأحوال لن يصدّقني أحد 
***

ورحلت الشرطة بعد ان وعدتنا بمتابعة التحقيق بأمر الجاني .. وامضينا الليلة كلها في تنظيف بقايا المنزل , وكنت أستشعر حزن وقلق والديّ وخوف اخوتي الصغار من عودة اللصّ الى بيتنا ثانيةً 
***  

وفي آخر الليل .. توجهت الى غرفتي , وامضيت ساعاتٍ طويلة على جوالي , لخوفي من رؤية المارد في منامي ..
لكن جسمي كان مرهقاً للغاية , والنعاس بدأ يداعب جفوني .. 
وبينما انا احاول البقاء مستيقظاً , رأيت اخي الصغير يقف قرب سريري .. ثم يُدني بوجهه قربي , ويقول بصوتٍ رجولي أجشّ : 
- هيا نمّ ولا تقاوم اكثر , فأنا بانتظارك لننهي معركتنا يا جبان 
فهل تلبّس المارد بجسد اخي الصغير ؟! 

وقبل ان اعيّ ما سمعته ! كنت غارقاً في النوم , ليحصل بعدها ما كنت أخشاه .. 
فقد رأيت نفسي بالحلبة مجدّداً , لكن دون اجنحة هذه المرة .. بينما كانت الجن من حولي تهتف للمارد للقضاء عليّ 
حينها أدركت بأنه لم يعد باستطاعتي الهرب , خوفاً من إنتقامه من اهلي !
فقرّرت المواجهة .. وليتني لم افعل ! 

فهآ انا اتواصل معكم من خلال التخاطر الذهني , لأني مسجون في باطن الأرض بعد ان تكسّرت عظامي في معركةٍ كانت محسومة النتائج منذ البداية .. 

ولا ادري حقاً ان كنتم تسمعونني ام لا .. لكنني الآن مقيداً بالسلاسل في غياهب سجنٍ مظلم , والى أجلٍ غير مسمّى .. فهل هناك من مُجيب ؟! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...