الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

طريق الرحمة

تأليف : امل شانوحة 

لم يكنّ ولداً شقياً !

- دوريات !! دوريات !! .. من الأقرب منكم الى شارع 212 ؟
فاستلم الشرطي ادوارد هذه المهمّة , حينما أجاب المركز .. 
- انا على بعد شارعين من الموقع , مالقضية ؟

فقال له موظف اللاسلكي في قسم الشرطة :
- هناك ولدٌ مراهق قام بتهديد والده بالسلاح لأخذ المال منه , كما انه سرق مفاتيح سيارته .. وهو الآن هاربٌ من منزله في المنطقة القريبة منك
الشرطي ادوارد : حسناً .. إخبرني برقم السيارة ونوعها لأقوم بملاحقتها 
موظف اللاسلكي : عندما اتصل والده بنا , أعطانا جميع المعلومات .. سأرسلها لك الآن
***

وبعد ساعتين من البحث المتواصل .. وصلته إخبارية جديدة تقول : بأن السيارة المسروقة متوقفة الآن في محطة البنزين

وعلى الفور !! أسرع الشرطي ادوارد الى هناك للقبض على المراهق المشاغب , الذي كان حينها يُعبأ سيارة والده بالبنزين ليُكمل طريقه نحو المدينة المجاورة 

وما ان رآى جون (البالغ من العمر أربعة عشر سنة) سيارة الشرطة متجهة نحوه .. حتى انطلق هارباً نحو الشارع العام .. الاّ انه لم يبتعد كثيراً , حيث أجبره ادوارد على الإصطفاف جانباً بعد ان صدمَ خلفية سيارته .. 

ولم يجدّ الصبي فائدة من مقاومة الإعتقال , فرفع يديه مُستسلماً .. 
وبدوره قام ادوارد بتفتيشه جيداً , وأخذ سلاحه .. ومن ثم تقييد يديه خلف ظهره , ورميه في المقاعد الخلفية لسيارة الشرطة .. 
ثم أبلغ المركز بنجاحه في القبض على المراهق
***

وفي طريقهما نحو المخفر .. لاحظ الشرطي هدوء الصبي , الذي اكتفى بمسح دموعه بكتفه من حينٍ لآخر .. فقال له ادوارد :
- لما فعلت ذلك ؟ لما سرقت محفظة وسيارة والدك ؟
لكن جون لم يجيبه ..
فتابع الشرطي قوله : مازلت ولداً يافعاً , اتريد ان تقضي شبابك كلّه في سجن الأحداث ؟ الا تدري ما يحدث للأولاد الضعفاء أمثالك في ذلك المكان المخيف ؟ 
فقال جون بصوتٍ منخفض وبحزن : أردّت فقط رؤية امي

الشرطي : ماذا قلت ؟ ارفع صوتك !! 
- قلت .. انني سرقت المال والسيارة كيّ أرى امي
- واين هي امك ؟
- في المدينة المجاورة 
- هل والديك مطلقين ؟
- نعم منذ ان كنت في الثامنة من عمري
- الم ترى امك منذ ذلك الحين ؟
- لا , وابي يرفض إعطائها عنوان بيتنا الجديد .. وللأسف لا اعرف رقم جوالها لأكلّمها .. والمشكلة ان امي لا علاقة لها بوسائل الإتصال الإجتماعي , والاّ لكنت حادثتها بالإنترنت

- وطالما انك لا تعرف كيف تتواصل معها , فلما هربت اذاً من بيتك ؟!
- لأنني مازلت أذكر الشارع الذي فيه بيتنا القديم , واظنّ انني سأعرفه فور وصولي الى هناك 
- الم تطلب من والدك ان يأخذك اليها في العطل المدرسية ؟
- بل ترجّيته كثيراً , لكنه يصرّ عليّ بأن انساها تماماً .. 
- ومالذي تغيّر في هذا اليوم ؟
- اليوم فقدّت اعصابي تماماً , لأنه عيد ميلاد امي وأردّت ان أعايدها بالهاتف 
- وهو رفض طلبك ؟

الصبي بغضب : هو لم يكتفي بالرفض فحسب !! بل ضربني بقسوة ! وحبسني في الغرفة .. لكني تمكّنت من الهرب بصعوبة من نافذة غرفتي 
- ثم قمت بسرقة سيارة والدك , اليس كذلك ؟ 
- نعم , فكما قلت لك : منزلنا القديم في المدينة المجاورة , واحتاج على الأقل الى يومين في الطريق لأصل الى هناك , عرفت ذلك من خلال بحثي في الجوجل .. لكن كان عليّ اولاً الحصول على بعض المال لمصاريف هذه الرحلة الطويلة 
- ومن اين حصلت على المسدس الذي هدّدت به والدك ؟
- هذا مسدسه هو , كان يستعمله في رحلات الصيد مع اصدقائه ..وقد رأيته مرّة يُخبئه في درجه .. (ثم يتنهد بضيق) .. لكنني لم أضع الرصاصات فيه , لأنني لا أنوي قتل والدي .. فأنا لست سيئاً لهذه الدرجة , يا سيدي 

فسكت الشرطي قليلاً وهو محتار بشأنه ! لأنه يبدو له صادقاً , فكل ما أراده الصبي هو زيارة أمه التي لم يرها منذ وقتٍ طويل ..

وهنا قطع تفكير ادوارد صوت اللاسلكي , الذي قال له :
- والد الصبي وصل الآن الى المخفر !! وهو يريد رؤية ابنه قبل ان ننقله الى سجن التوقيف , في انتظار يوم محاكمته
فأجابه الشرطي : حسناً , نحن في طريقنا اليكم

وبعد ان اطفأ اللاسلكي , قال له الصبي (من المقاعد الخلفية) بخوفٍ وترجّي : 
- ارجوك سيدي !! لا تأخذني الى والدي , فأنا أخاف منه
- وهل يعاقبك دائماً بقسوة ؟ 
- نعم كثيراً !! فهو بالعادة يحبسني في قبو بيتنا المظلم , ويحرمني من الذهاب الى المدرسة , وأحياناً يُطعمني مرة واحدة في اليوم .. ارجوك سيدي ..لا اريد ان أُسجّن , فحياتي سيئة بما فيه الكفاية 
- وللأسف ستصبح أسوء عند دخولك سجن الأحداث

- ارجوك لا ترسلني الى هناك , فأنا سمعت بأنهم يعتدون على المساجين الجدّد ..
- بالتأكيد يفعلون
- ارجوك لا اريد ان اصبح شاذاً , فلديّ حبيبة
- أحقاً ! .. أبهذا العمر ؟
- نعم هي ابنة الجيران التي كبرت معها .. فأنا كنت وعدتها قبل ان أرحل مع ابي : بأنني سأعود اليها يوماً  
فيمازحه الشرطي : آها ...اذاً هربت من بيتك لأجل صديقتك , وليس لأجل امك ؟
- بل لأراهما سويّاً .. فأبي لم يكن يحقّ له أن يُبعدني عن اصدقائي وكل من أحب في مدينتي التي ولدت فيها من أجل مشاكله الشخصية مع امي .. الا ترى ان الحق معي , سيدي ؟

وقد أعاد كلام الصبي بعض الذكريات السيئة الى ذهن الشرطي , الذي قال له : 
- طبعاً الحق معك .. لأنه لا يجوز لأيّ أحد ان يحرم شخصاً من احبّائه .. وأنا أتفهّمك جيداً يا جون
- وكيف يمكنك الشعور بألمي , هل والدك كان سيئاً معك ايضاً ؟
- لا .. لكن طليقتي حرمتني من ابنتي , بعد مقتل ابني مايكل 
الصبي بدهشة : وهل قُتل ابنك ؟!

الشرطي : نعم للأسف ! ..(يتنهد بحزن) .. كنت حينها قد تمكّنت من إلقاء القبض على تاجر مخدراتٍ مهم , رغم اعتراض زوجتي مُسبقاً على خوضي لهذه المغامرة الشائكة .. 
جون : وهل انتقمت منك افراد العصابة ؟
ادوارد بحزنٍ شديد : نعم .. لقد قام أحدهم بإطلاق النار على ابني الصغير اثناء خروجه من مدرسته .. وقد انهارت حياتي بعدها .. فزوجتي لم تسامحني ابداً على تعريض عائلتنا لهذا الخطر .. وفي احد الأيام , تفاجأت بسفرها مع ابنتي المراهقة الى الخارج , بعد ان طلقتني بالمحكمة ! 

- الا تعرف الى اين ذهبتا ؟ 
- لم اعرف الاّ من وقتٍ قصير , حين ارسلت ابنتي صورة لحفيدتي
- ماذا ! هل تزوجت ابنتك دون ان تعزمك على عرسها ؟!
- أعتقد ان امها منعتها من ذلك , خوفاً من انتقام اعدائي من العصابات التي قبضت عليها طوال حياتي المهنية .. لكن مع هذا , قامت ابنتي بإرسال عنوان بيت زوجها لي  
- الم تذهب بعد الى هناك لرؤية حفيدتك ؟

- لا .. فكلما اردّت الذهاب , أخاف من معاتبتها لي على مقتل اخيها الصغير .. فقلبي لا يتحمّل خوض ذلك مجدّداً
- هذا ليس مبرّراً لتمنّعك من الذهاب اليها .. (وسكت قليلاً) ..آه صحيح لم اسألك .. منذ متى لم ترى ابنتك ؟
الشرطي بحزن وقهر : منذ ثلاثة عشر سنة 
- يا الهي ! أنا لم ارى امي منذ ستّ سنوات وأكاد اختنق , فكيف تحمّلت انت كل هذا الفراق ؟!
- أشغلت نفسي بالعمل 
- برأيّ عليك تحديد التاريخ الذي ستذهب فيه لرؤيتها , فقد لا يحالفك الحظ كما حصل معي اليوم
ثم عمّ السكوت في سيارة الشرطة .. 
***

لكن وقبل ان يصلا بأمتارٍ قليلة الى المخفر .. تفاجأ الصبي بالسيارة تنحرف عن طريقها , لتسير في الإتجاه المعاكس ! 
جون بدهشة : ماذا حصل ؟! لما ابتعدنا عن المخفر ؟!
الشرطي ادوارد : لأنني سآخذك بنفسي الى منزل والدتك 
الصبي بصدمة : أحقاً !
الشرطي بحزم : نعم !! لأنه من حقك ان تراها , ولا يجوز لوالدك ان يحرمك منها .. فالأولاد بحاجة الى كلا والديهما
- لا اصدّق ما اسمعه ! انا حقاً ممّتناً لك كثيراً , وامي ايضاً ستشكرك على معروفك معي .. لكن ماذا ستقول لإدارتك ؟

فسكت الشرطي وهو يفكّر بحلّ مناسب لهذه المشكلة ..
الصبي : هل ستخبرهم بأنني هربت منك ؟
- لا لأنني ان فعلت , ستصبح جريمتك أكبر
- اذاً ماذا ستفعل ؟
- سأخبرهم الحقيقة
- لكن هذا سيضرّ سمعتك , وربما تُطرد من عملك !
- أحياناً علينا تطبيق العدالة بأنفسنا , فأنا بالنهاية أعرف شعور امك لأنني حُرمت ايضاً من ابنتي , وهو شعورٌ ظالمٌ جداً ! 
- لا ادري ماذا اقول .. شكراً لك , سيدي

وهنا ظهر صوت اللاسلكي من جديد : 
- الضابط ادوارد !! اين انت ؟ لقد تأخّرت كثيراً ! هل الأمور على ما يرام ؟
لكن الشرطي لم يجيبه , بل أقفل اللاسلكي تماماً ! 
ثم قال للصبي : اسمع يا جون ..كما ترى .. أنا أعرّض مهنتي للخطر من أجلك , لذا عليك ان تعدني بأن تصبح شاباً صالحاً , وأن ترعى امك جيداً

- سأفعل سيدي , أعدك بذلك .. فأنا كل ما أرجوه هو ان اعيش معها بدلاً من حياتي مع ابي الظالم
- حسناً اذاً .. إعطني الآن كافة المعلومات عن امك , كيّ ابدأ البحث عنها
- وهل تستطيع إيجادها فعلاً ؟
- لا تقلق , عندي صديق يعمل في بلدية تلك المدينة , ويمكنني طلب المساعدة منه

وبعد ان أخبره جون بكلّ ما يتذكّره عن ماضيه , قام الشرطي ادوارد باتصالاته لتحديد عنوان منزل الأم ..
وقد استغرق ذلك ساعاتٍ طويلة , مما أتعب جون الذي غفى فوق المقاعد الخلفية , بعد ان حلّ المساء.. 
***

وفي منتصف الليل .. كان مايزال الشرطي يقود سيارته باتجاه المدينة المجاورة .. 
الا انه قررّ ايقاف السيارة , كيّ يُفاجأ جون بفكّ أصفاده 
فاستيقظ جون مندهشاً , وقال (وهو مازال يشعر بالنعاس) : ماذا تفعل ؟!
- لا ضرورة لتقيدك , لأني أثق بك
- شكراً لك , والله انك أحنّ عليّ من والدي !
- هيا عدّ الى النوم , وانا سأكمل القيادة
- وهل وجدت عنوان امي ؟
- ليس بعد

لكنه بالحقيقة عرِفَ العنوان , الاّ انه رغِبَ في مفاجأته بالأمر غداً 
***

وفي صباح اليوم التالي ..
استيقظ الصبي بعد ان ترنّحت السيارة يميناً ويساراً ! فأسرع بالطرق على الزجاج الفاصل بينه وبين الشرطي الذي استعاد وعيه مُرتعباً , وبالكاد أوقف السيارة قبل لحظاتٍ قليلة من إرتطامها بالسور ..

وبعد ان هدأ الوضع ..قال الشرطي لجون وهو يُخفي خوفه :  
- الحمد الله على سلامتنا .. هل انت بخير ؟
الصبي وهو يستعيد انفاسه : نعم بخير .. هل غفوت بسبب قيادتك طوال الليل ؟
- كنت مضّطّراً لذلك , لأنني عرفت البارحة اثناء نومك من اللاسلكي بأنهم اصدروا بياناً بالبحث عنّا ! 
- اذاً لابد من إكمال المسير .. هيا تعال ونمّ قليلاً مكاني , وانا سأقود بالنيابة عنك .. ولا تقلق , فأنا ماهرٌ جداً بالقيادة

الشرطي بتردّد : لا يا جون , انا بخير 
- هل تخاف مني ؟! الم تقلّ لي البارحة انك تثقّ بي ؟
فسكت الشرطي مُحتاراً !
المراهق : لا تقلق سيدي , فأنا سأقود الى ان أصل لأقرب محطة كيّ نتزوّد بالوقود ونُحضر بعض الطعام , فأنا جائع كثيراً وأظنك جائعٌ ايضاً .. لكن اولاً عندي شرط !!
- وما شرطك ؟
- ان اشتري الطعام من مالي  

- تقصد من مال والدك ؟
بنبرةٍ غاضبة : لا هو حقي انا !! لأن ابي حرمني من المصروف الدراسي طوال الشهر الفائت 
- حسناً لا تغضب , كنت أمزح معك .. (وسكت قليلاً , ثم قال) .. اذاً دعنا نُبدّل أماكننا .. لكن عليك ان توقظني قبل ان نصل الى المحطة , فأنا لا اريد لأحد ان يراك وانت تقود سيارة الشرطة
- إتفقنا .. هيا افتح بابيّ الخلفي 
***

وبعد ان تناولا طعامهما في المحطة .. أكمل الشرطي سيره نحو المدينة , بعد ان كان قد نام لأكثر من ثلاث ساعات كانت كافية لإراحة بدنه 
***

ومع تباشير الصباح .. وصل الشرطي الى الحيّ الذي تعيش فيه والدة الصبي .. فأوقظه قائلاً :
- جون !! لقد وصلنا 
فاستفاق الصبي من نومه على الفور (من المقاعد الخلفية) وهو يكاد لا يصدّق ما سمعه ! 
- أحقاً ما تقول ! (ثم نظر الصبي نحو الشارع) .. آه نعم !! هذا حيّنا القديم بالفعل  
الشرطي : هل تذكّرته الآن ؟

- نعم تذكّرته حينما مررّنا بالقرب من الحديقة العامة التي كان يأخذني اليها والد امي يومياً عندما كنت صغيراً .. ياه !! كم اشتقت الى جدّي.. آه ! انظر هناك !! انها مدرستي الإبتدائية ..لا تدري كم انا متحمّسٌ لرؤية حبيبتي ليندا 
- بصراحة يا جون ..لم اخبرك بما حصل معي البارحة 
الصبي بقلق : وماذا حصل ؟!
- لقد تكلّمت مع والدتك .. وفي سياق حديثنا , سألتها عن صديقتك القديمة

بدهشة : أوجدت رقم امي ؟! 
- نعم 
- طيب ماذا أجابتك ..هل مازالوا أهل ليندا جيراناً لها ؟ 
- لا للأسف , لقد انتقلوا الى ولايةٍ جديدة .. لكن لا تحزن , لأنك ستنتقل مع امك الى هناك ايضاً
- لم افهم !
- ستفهم بعد قليل
***

وبعد ان مشوا قليلاً في شوارع المدينة .. صرخ الصبي فجأة بفرح !!
- هذا هو !! هذا هو بيت امي , عرفته من الأزهار التي في ساحته
- نعم صحيح , هذا هو العنوان
- ارجوك افتح لي الباب , اريد ان أراها
- انتظر قليلاً , ستكسر القفل يا جون

وما ان فتح له الباب الخلفي , حتى انطلق الصبي كالمجنون نحو باب منزله القديم .. وطرق عليه بكلتا يديه , صارخاً بحماس :
- امي !! افتحي الباب , انا جون !!!!

وقد شاهد الشرطي كيف استقبلته الأم بالأحضان والدموع , وهي تكاد لا تصدّق بأن ابنها الصغير أصبح شاباً يافعاً ! 

ثم اقترب منهما الشرطي , حين سمعها تعاتب ابنها ..
الأم : لقد اتصل بي والدك غاضباً , وأخبرني بما فعلته معه ؟!
ابنها : كنت مضّطراً يا امي , فهو لا يسمح لي برؤيتك او مكالمتك
وعندما رأت الشرطي , سألته :
- هل انت من تكلّمت معي البارحة ؟ 
الشرطي ادوارد : نعم , سيدتي 
الأم بقلق : وهل ستعتقل ابني ؟! 
فقال ابنها لها : لا يا امي , بل هو من أحضرني اليك
فقال الشرطي للأم : من الأفضل ان نتكلّم في الداخل
الأم : آه نعم .. تفضّل 
***

وبعد ان دخلوا المنزل ..اخبرها الشرطي بكل الموضوع ..
الأم : لا ادري كيف اشكرك سيدي .. لكن ألن تتعرّض للمساءلة من قِبل ادارتك , بسبب تهريبك لإبني ؟ 
الشرطي : لقد فعلت ذلك بكامل ارادتي , وانا مستعدّ لتحمّل كافة المسؤولية لوحدي .. المهم الآن ان تهربي مع ابنك قبل ان يصلوا اليكما 
جون بصدمة : أسيلحقوننا الى هنا ؟! 

ادوارد : طبعاً , انسيت ان والدك رفع شكوى ضدّك .. لكن لا تقلقا , فأنا لي صديق بالولاية القريبة من هنا , وهو سيساعدكما على الإستقرار هناك بعد تغير هويتكما 
جون : امي ...هو يقصد الولاية التي انتقلت اليها عائلة صديقتي ليندا 
الأم : آه فهمت , أظنّ ان قوانين تلك الولاية تراعي حقوق الأولاد والعائلة أفضل من ولايتنا هذه , اليس كذلك سيدي ؟
الشرطي : نعم , ولهذا عليكما الإسراع بترتيب اموركما , وانا سأحضر في المساء لآخذكما الى الحدود 

جون : وهل ستأتي معنا ؟
الشرطي : لا .. فبعد الإطمئنان عليكما , سأقوم بتسليم نفسي للمركز 
الصبي بحزن : لكني لا اريدك ان تُسّجن بسببي ! 
فيبتسم الشرطي : لن يسجونني يا جون , لا تقلق .. والآن سأذهب لأقوم باتصالتي لتسهيل اموركما في الخارج .. ارآكما في المساء 
***

وعلى الفور !! قامت الأم بترتيب اغراضها داخل شنطتها .. كما طلبت من والدها العجوز ان يشتري بعض الملابس لجون , ويأتي اليهما فوراً .. 

وفي المساء .. حضر الشرطي ادوارد لأخذهما , فقام الجدّ بشكره على تضحياته لإنقاذ عائلته .. 
ثم ودّعته ابنته (والدة الصبي) بعد ان سلّمته مفاتيح منزلها , قائلة :
- سأجد طريقة للإتصال بك يا ابي
وقام الحفيد بتقبيله وهو يبكي : سامحني يا جدي , فأنا لم أردّ توريطك بهذا الموضوع .. لكني اعدك بأن اصبح ولداً جيداً من اليوم فصاعداً 
الجدّ مبتسماً : ووعدك هذا يكفيني يا جون , انتبه على امك يا صغيري .. ولا تقلقوا بشأني , فأنا لن اخبر الشرطة بشيء .. بالسلامة يا أحبائي !! 
***

وعلى الحدود بين الولايتين .. إستلم صديق الشرطي ادوارد : الصبي جون وامه من نقطة التفتيش , بعد ان ادخلهما الى مدينتهما الجديدة بهويتين جديدتين , ومن دون ايةِ مشاكل ..
وبعد ان جلسا في سيارة الشرطي آدم .. اقترب من صديقه ادوارد وسأله بقلق : 
الشرطي آدم : انا لا افهم حتى الآن لما عرّضت سمعتك ومهنتك للخطر من أجل صبيٍّ لا تعرفه ؟! 
ادوارد مبتسماً : لي اسبابي يا صاحبي .. رجاءً انتبه عليهما .. اما انا.. (يتنهد بقلق).. فسأعود الآن الى المركز 
صديقه بحزن : امامك ايامٌ صعبة , كان الله في عونك يا صديقي ..

ثم ودّعا بعضهما عند الحدود .. وذهب كلاً منهما في طريقه (بولايتين مختلفتين)  
***

لكن الغريب في الموضوع ! وبالرغم ان والد الصبي (جون) أحضر محامياً بارعاً قام بتلقيب ادوارد : بالشرطي الفاسد والمُهمل في جميع مرافعاته التي استمرّت لأكثر من شهرين .. الاّ ان القاضي تفهّم اخيراً الدافع وراء مجازفة الشرطي (ادوارد) بمهنته .. فلم يحكم بسجنه , بل إكتفى بطرده من العمل دون حصوله على تعويض نهاية الخدمة ..

وبعد ان خرج الجميع من قاعة المحكمة , اقترب القاضي العجوز من ادوارد , وربت على كتفه قائلاً :
- معك حق يا ادوارد , فأحياناً علينا تطبيق العدالة بأنفسنا .. واعذرني لسحبي رخصتك , لأنني بالنهاية ملزمّ بتطبيق القانون .. لكن مع هذا , أبقى فخوراً بما فعلته , لأن حياة الصبي جون ستتغير للأفضل بسبب تضحيتك هذه .. أحسنت يا بنيّ 

فشكره الشرطي المعزول بدوره , والذي ذهب بعد انتهاء المحاكمة الى مركز الشرطة للمّلمة أغراضه , غير مُكترثٍ بنظرات رفقائه له , والتي تفاوتت بين الإستحقار والإستغراب ! لكن هذا لم يُضاهي شعوره بالفخر والإعتزاز بما فعله .. حيث قال لصورة ابنه الصغير , وهو يضعها بالصندوق : 

((اتدري يا مايكل انني أنقذت جون لأجلك , لأنني مدينٌ لك بذلك .. فأنا من تسبّبت في موتك وعجزت عن الإنتقام لك , ولهذا كان عليّ التصرّف بإيجابية هذه المرّة لإنقاذ ذلك المراهق .. (ثم يمسح دمعته) .. كما انني قرّرت السفر غداً لرؤية اختك وحفيدتي , فلا تردّد او خوف في حياتي بعد اليوم !! أعدك بذلك يا بنيّ .. يا فقيديّ الغالي))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العقد الأبدي

كتابة : امل شانوحة  العاشق المهووس رغم وسامة إريك إلاّ أن الطلّاب تجنّبوا مصاحبته في مدرسته المتوسطة ، لغرابة طباعه ! فوالداه وأخوه الكبير م...