الاثنين، 24 نوفمبر 2025

مقبرة البدايات

تأليف : امل شانوحة 

 

موعد الأحد


في مقبرة بأطراف المدينة .. إنشغلت سهى (الثلاثينيّة) بتنظيف قبر وشاهد زوجها الذي توفيّ قبل سنتيّن .. بعد تعوّدها على زيارته صباح ايام الآحاد ، للدعاء له قبل عودتها لمنزلها الكئيب مع آذان الظهر 

***


بعد شهور من قيامها بذلك الروتين الإسبوعيّ ، ظهر نجيب (الرجل الأربعينيّ) الذي بدأ بزيارة قبر خطيبته (التي خطفها الموت قبل موعد الفرح) بعد اختياره المجيء في نفس التوقيت ، وفي اليوم ذاته .. كأن القدر رتّب موعداً بينهما ، دون ارادتهما ! 

حيث دُفنت حبيبته على بُعد صفّين من قبر زوج سهى التي اكتفت بنظرةٍ عابرة للزائر الجديد ، قبل متابعتها قراءة القرآن.. بينما انشغل هو بزراعة الزهور حول قبر خطيبته

***


وتوالت اللقاءات الغير مُتعمّدة بنفس الزمان ، على قبريّن مختلفيّن .. حيث تلاقت نظراتهم الكسيرة .. تبعتها ابتسامةٌ حزينة ، كأنهما يواسيان بعضهما على فقد احبائهما .. ثم صارت تحيّاتٍ من بعيد ، وتعزية سريعة قبل انغماسهما بأحزانهما

***


الى ان وجدها ذات يوم .. تجلس على المقعد الكبير اسفل الشجرة ، بعيداً عن قبر زوجها ! وكانت شاردة الفكر ، لدرجة عدم شعورها بجلوسه امامها وهو يسألها:

- هذه المرة لم تغسلي قبر زوجك ، فهل هناك خطبٌ ما ؟!

 فمسحت دمعتها وهي تقول :

- اكتشفت البارحة أن زوجي كان يسخر مني أمام أصحابه ! يصفني بالساذجة ، عديمة الشخصيّة.. وأنا من أطعتُه حباً واحتراماً ، ورفضت الزواج من بعده .. وظللتُ أزور قبره عاماً كاملاً ، حتى أدركت بإهدار عمري على رجلٍ لم يقدّرني يوماً ! 

فتنهّد نجيب بحزن ، قائلاً :

- حياتنا متشابهة بشكلٍ غريب ! البارحة زرت قبر خطيبتي ليلاً ، على غير عادتي .. فوجدت رجلاً يبكي عندها ، وهو يتكلّم بالجوال : بأنه منشغل بزيارة حبيبته السرّية !.. (ثم بنبرةٍ غاضبة) .. ثلاث شهور وأنا أزرع الزهور حول قبرها ، دون علمي بخيانتها.. أشعر كأنني عشت وهماً ! عدا عن الإحساس بغبائي !! 

سهى : ولما اتيت اليوم ، طالما انتهى كل شيء ؟

فقال بتردّد : ربما .. لأراكِ انتِ 


فالتقت عيناهما بلحظةٍ صامتة ، قبل ان تقول سهى :

- كلاهما لم يستحقا حبنا 

- هذا صحيح .. دعينا نُغلق دفاترنا القديمة اولاً : إذهبي لقبره وعاتبيه على نرجسيّته معك ، وأنا أودّع الخائنة للمرة الأخيرة .. بعدها نتابع حياتنا من جديد 


وبالفعل أمضيا ساعةً في مواجهة الماضي ، أخرجا فيها غضبهما المكبوت  

ثم التقيا عند بوّابة المقبرة ، بعد تعاهدهما بعدم زيارتهما ثانيةً ! 


ورغم ان صباح الأحد بدأ بالدموع ، لكنه انتهى بالضحكات بعد جلوسهما في مطعمٍ قريب .. سردا فيه تفاصيل حياتهما المتشابهة لحدّ الصدمة ، كأنهما وُلدا ليكملا بعضهما ! 

***


وجاءت خطبتهما السريعة ، مفاجئة لكلا عائلاتهما الذين حاولوا مراراً إقناعهما بمتابعة حياتهما !


وهاهما يدفنان الماضي بتلك المقبرة التي وُلدت معها اجمل قصة حبٍ بريئة ومخلصة ، بعد تحرّر العاشقيّن من التزامٍ خاطئ قيّدهما لشهورٍ طويلة !


هناك 10 تعليقات:

  1. ثمة قصة في الأدب العبري تعلمناها في المدرسة بعنوان (عيد ميلاد كل يوم_יום הולדת כל השנה ) وهي عن رجل غني يحيطه أصحاب المصالح ما عدا واحدا صاحبه لذاته, غير أن ذلك الواحد انتحر. فيحزن الرجل ويجد فكرة جهنمية! وهو أن يشتري أعياد ميلاد الناس كي لا يشعر بالوحدة, وبالفعل كل يوم يحتفل بعيد ميلاد شخص آخر وينال هداياهم الخ.. حتى جاء ذلك اليوم الذي يمثل ذكرى انتحار صديقه الوحيد, فارتأى الرجل أن يزور المقبرة وهناك فكر من جديد.. يشتري تواريخ وفيات الناس! ولكنه في النهاية استلم هدية مفخخة (بدون توضيح عن مرسلها) ومات أمام المقبرة محاطا بالهدايا, والناس لا هم لها الا تدبير ثروته بعد مماته. بقيت جثته مرمية دون رقيب, اللهم الا من ملياردير صيني كان مختبئ بطريقة غريبة وراقب الرجل الغني بينما يذرف العبرات.

    ان ما يقوم به الناس في سبيل اشباع عاطفتهم حقا غريب, الثلاثينية في قصتك خانت بعلها الميت لماذا؟ لأنه وصفها بكذا وكذا؟ وذاك الرجل ايضا خائن.. الكل خائن.. وهل اكتشاف خطايا شريكك يبرر لك الخطايا؟

    حب عجيب!

    ردحذف
    الردود
    1. هل على الأرملة البقاء دون زواج ، إكراماً لزوجها الميت ؟! او نحرقها بعد وفاته ، كما يفعل الهنود ؟! طالما مات ، فمن حقها اكمال حياتها .. وهذه ليست خيانة ، بل سنّة الحياة

      اما خطيبة الآخر : فكان عليها اخباره بان لديها حبيب ..سواءً قبله او بعده ، لا يهم.. المهم اخباره بالحقيقة ، بدل متابعتها مراسم العرس ، وقلبها وعقلها مع شخصٍ آخر !

      برأيّ العلاقات هذه الأيام دائماً غير عادلة .. فأحد الطرفيّن بريءٌ بالحب ، والآخر متلاعب .. لهذا كثرت الطلاقات هذه الأيام !

      حذف
    2. اكيد اذا اكملت حياتها وتزوجت ليست خائنه ولكن انتي اسأتي لشخصيه الزوج المتوفي بانه خائن من كلام اصحابه وحكمتي عليه بالخائن دون دليل وايضا للخطيبه المتوفيه حكمتي عليها بالخيانه لان شخصا ما قال حبيبتي القديمه ولربما هو احبها دون علمها من طرف واحد فكان قصدي انكي اسأتي للاموات بانهم خونه وهم لا حول لهم ولا قون ولا يقدرون على المدافعه عن نفسهم فكان الافضل ان ينشأ الحب في المقبره دون الاسائه للاموات بالخيانه الذين ذهبوا لملاقاه ربهم وهم لا يقدرون الدفاع عن انفسهم

      حذف
    3. ربما هم ابرياء وربما لا ، المهم الأبطال وجدا سبباً لمتابعة حياتهما

      حذف
  2. القصه جميله لو كانت اطول
    بس حكيت انه الشخصيتين اساوا لاموات لانه مكمو قادرين يدافعوا عن حالهم وتم تسويه صورتهم بدون سماع المبررات لربما اصحابه كذبوا ولربما الشخص الثاني احبها وهي صدته او احبها قبل خطيبها فالخيانه لم تقنعني لاجزم انها خيانه
    ويا ريت تطولي اكثر بالقصص وتعطيها وصف اكثر لخلق روح للقصه لانك افكارك جدا جميله

    ردحذف
    الردود
    1. انا قصصي عادةً بين 4 صفحات الى 15 صفحة ، حسب فكرة القصة

      حذف
  3. رائعة.. مثيرة..
    قصة حب بطعم الموت ورائحة تراب المقابر
    الفائدة منها في آخر أربع سطور من القصة
    سلمت أناملك أستاذة أمل
    بالمناسبة أريد قراءة بعض القصص القديمة في المدونة وأريدك أن تقترحي لي بعض القصص لإعادة قراءتها

    ردحذف
    الردود
    1. بهذا الرابط تجد ملخصات اجمل قصصي ، وفيها افكاري القديمة ايضاً
      https://www.lonlywriter.com/2020/05/blog-post_31.html

      حذف
  4. قصة معبرة لكن فيها بعض الملاحظات لماذا نهار الأحد وليس الجمعة خاصة انهم مسلمون والصورة المرفقة تبدو لقبور مسيحية

    ردحذف
    الردود
    1. لأن معظم الدول العربية عطلتها يوم الأحد ، مع الأسف !
      اما الصورة من الذكاء الإصطناعي ، مصرّ على القبور بهذا الشكل !

      حذف

اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة  بين شرفتيّن في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفج...