الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة 

بين شرفتيّن


في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفجر.. والثانية للممرّضة سهى (العشرينية) التي تعود مُنهكة ، بعد نوبات الليل الطويلة في المشفى.

كان لقاؤهما يقتصر على لحظاتٍ عابرة : فعندما يخرج إلى عمله ، تكون في طريقها الى عمارتها .. فيكتفيا بتحيةٍ سريعة وابتسامةٍ خجولة ، قبل ابتعادهما لإكمال يومهما المعتاد !

***


وذات صباح .. تجرّأ احمد على كتابة ورقة ، ارسلها على شكل طائرةٍ ورقيّة نحو شرفتها.. والتي لم ترها سهى إلا بعد الظهر ، حينما خرجت لنشر الغسيل ! 

وكان فيها : ((شاهدت البارحة فيلماً رومنسياً لبطليّن ، لا يلتقيا الا من وراء النوافذ))  

وكتب اسم الفيلم ، في محاولة لفتح الحوار بينهما 

***


في المساء التالي ، عاد أحمد متعباً بعد اغلاق محله مع غروب الشمس .. وقبل اغلاق نافذته للنوم ، انتبه لشيءٍ في شرفة سهى ! 

لوحٌ صغير (خاص بالأطفال) كتبت عليه بالطبشور : 

((شاهدت الفيلم ، وكان جميلاً فعلاً.. يمكننا التحدّث عنه إن أردّت)) 

وكتبت رقم جوالها بخطٍ صغير ، خوفاً من فضول الجيران ..  


فصوّر أحمد اللوح ، وكبّر الصورة.. ثم حفظ الرقم بجواله ، تحت اسم : ((جارتي الجميلة)) 

مُرسلاً رسالةً قصيرة : 

((شاء القدر ، إختلاف ساعات عملنا ! أتمنى حصول معجزة تسمح لي بلقائك)) 


ووصلتها الرسالة خلال وجودها في المشفى .. فاكتفت بإرسال إيموجي لوجهٍ خجول 


هكذا بدأت علاقتهما ، برسائل تُقرأ متأخرة .. وبمكالماتٍ تؤجّل حسب انشغالهما بعملهما الروتينيّ 

***


وذات يوم .. طُلب من سهى تجهيز مريض ، لتجبير قدمه..

وما ان دخلت غرفة الطوارئ ، حتى تفاجأت بأحمد بعد وقوعه عن درّاجته الناريّة اثناء ذهابه لشراء المؤونة ! ورغم ألم قدمه ، الا انه كان سعيداً بوجوده بذات المشفى الذي تعمل فيه سهى (فهو لم يسألها يوماً عن مكان عملها) 


وللمرة الأولى جمعهما القدر في المكان ذاته ، دون نوافذ أو شرفات! 

فأصرّ أحمد على المبيت في المشفى على حسابه..

بينما بدّلت سهى نوبتها مع زميلتها ، للبقاء قرب غرفته..


حيث قضيا الليل في التحدّث بأمورٍ عدّة .. بينما يقاوم احمد النعاس ، بعد اعتياده على النوم في اول المساء.. لكنه لم يردّ تفويت فرصة الحديث مع حبيبته التي أصرّت على ترك جسده يرتاح قليلاً.. 


وقبل خروجها من غرفته ، امسك يدها .. وبصوتٍ متلعثم ، سألها بارتباك:

- هل تتزوجينني يا سهى ؟

فعاتبته بلطف :

- هذه أول مرة نلتقي فيها وجهاً لوجه ، ومع ذلك تقرّر أمراً مصيرياً بهذه السرعة ؟!

فردّ بابتسامة : 

- صحيح هو أول لقاء بيننا ، لكنه ليس أول معرفة .. فأنا سألت عنك جارتك الفضوليّة .. وأخبرتني عن عصاميّتك بالدراسة في المعهد ، للصرف على نفسك ، بعد انشغال إخوتك بحياتهم الزوجيّة .. وكذلك راقبتك جيداً طوال العام .. فأنت لا تخرجين الا لعملك .. اما ايام العطل ، فتقضينها بترتيب منزلك .. حتى طبق الطعام الذي أرسلتِه لي ، يكشف مهارتك بالطبخ .. 

فضحكت بدلال : أكنت تحقّق ورائي ؟! 

- بالطبع سأفعل !! فأنت ستكونين ام أولادنا التسعة 

فقالت بسعادة : التسعة ! .. على فكرة ، انا ايضاً سألت عنك بوّاب عمارتك الذي اخبرني عن برّك لوالديك قبل رحيلهما .. وهذا يكفي للوثوق بأخلاقك 

- طالما اهتمّمنا بماضينا ، فهناك أمل ان يكون لدينا مستقبلاً معاً .. هذا إن وافقتي على الإرتباط بي ؟ 

***


وتزوّجا بعدها بأسبوعيّن ، ضمن حفلٍ بسيط جمع الأهل والأصحاب.. 

وانتقلت سهى الى شقته ، بعد تغيير نوبة عملها الى الدوام النهاريّ ، رغم اعتيادها على السهر منذ تخرّجها.. لكن النوم على صدره الدافئ ، أعاد ضبط توقيتها خلال أيامٍ معدودة ! 

***


وهاهما اليوم يُعرفان بالزوجيّن المثاليّن مع أولادهما الثلاثة ، ، في بيتٍ يملؤه التفاهم والطمأنينة .. حيث لم يعد اختلاف التوقيت سوى ذكرى جميلة ، لقصة حبٍّ صادقة بين جاريّن يافعيّن !


الأحد، 14 ديسمبر 2025

الطائر الحنون (قصة اطفال)

تأليف : امل شانوحة 

بابا اللقلق


عاد اللقلق مُتعباً الى عشّه فوق الشجرة .. 

وبعد تقديم الأم الطعام له ، قالت بحسرة :

- يا بنيّ .. تزوّج طائرة حنونة ، تساعدني باصطياد الطعام .. فأنا كبرت بالسن ، واريد رؤية ابنائك.. فمن غير العادل إفناء شبابك بتوصيل الأطفال البشريين الى عائلاتهم ، بينما تحرم نفسك من هذه النعمة !

فتنهّد ابنها بحزن : ربما معك حق

امه بدهشة : وأخيراً اقتنعت !! لي سنوات ألحّ عليك بهذا الطلب.. فمالذي تغير اليوم؟!

ابنها بتعب : الطفل الذي نقلته اليوم كان سميناً ، ومنزل عائلته بآخر القرية .. وكاد يقع مني اكثر من مرة ! لذلك بعد انتهائي من مهمّتي الصعبة ، قدّمت استقالتي

امه بسعادة : الحمد الله !! دعوت ربي كثيراً ، لتريح نفسك من عملٍ أحنى ظهرك وأوهن جناحيّك

- امي ، لا شيء اجمل من رؤيتي لفرحة والديّن بلقاء طفلهما.. لكن هذا الجيل ليس هادئاً كالجيل السابق ، بل لديه فرط حركة .. ولا يقبل نصائح الكبار ! لهذا تركت العمل  

امه بحماس : اذاً سأخطب لك قريباً .. وإيّاك الإعتراض !! 

ثم حضنته بحنان

***


لكن زواجه فشل بعد عام ، لعدم منح زوجته الأبناء بعد كبره بالسن .. مما قهر امه التي قرّرت الهجرة مع بقية الطيور ، تاركةً ابنها يقضي وقته في مراقبة الأولاد الذين نقلهم طوال سنوات عمله..

***


وذات يوم ، لم يعد يحتمل الوحدة .. فرمى رسائل وداع على عتبة منازل الأطفال .. ثم حلّق باتجاه ارضٍ زراعية ، يقوم صاحبها بحرق الأعشاب الضارّة بها .. وهو ينوي انهاء آلامه !


وبينما ينتظر توقّد النار ، تفاجأ بصرخات اولادٍ (يتراوح اعمارهم من ٦ سنوات الى سن المراهقة) يركضون باتجاه الحقل ..وأهاليهم يحاولون اللحاق بهم ، قبل وصولهم للحريق ! 


وفور رؤيتهم اللقلق (الذي حملهم داخل القماط القماشيّ) حتى سارعوا بمسك ايديهم ، وهم يحاوطون الشجرة .. ويردّدون اللحن الذي غناه لهم ، برحلة نقلهم الطويلة 


ثم بدأوا بشكره على إتمام مهمّته باتقان ، وتوصيلهم الى عائلاتهم بسلام دون اكتراثه برداءة الطقس : من رياحٍ ومطر او بردٍ شديد ! محاولاً حمايتهم بجناحيه الدافئتيّن 


ثم قال احد المراهقين : 

- علمنا من رسائلك انك تنوي الرحيل من الدنيا ، بسبب عقمك ! فهل تقبلنا اولادك ، يا عم لقلق ؟ فلطالما اعتبرناك والدنا الحنون 

وقالت فتاة : الحياة لا تعني شيئاً دونك ، بابا لقلق

احد الإمهات : انت ادخلت الفرحة الى بيوتنا ، ونحن مدينون لك بحياتنا


وارتفعت اصواتهم ، مطالبين نزوله من الشجرة .. والذهاب معهم لاحتفالٍ شعبيّ بالقرية ، لمشاركتهم الغناء والرقص .. 


واثناء تردّده بقبول العرض .. ترجّاه الأهالي الإسراع بالموافقة ، قبل وصول النار اليهم .. وأذيّة اولادهم العنيدين الذين رفضوا الإبتعاد عن الشجرة ، دون قدومه معهم !

فأجاب اللقلق والدموع في عينيه :

- حسناً موافق ، يا ابنائي الأعزاء


وحلّق فوقهم .. بينما يسبقون اهاليهم باتجاه الحفلة التي استمرتّ طوال الليل وهم يمسكون جانحيّ اللقلق ، ويدورون بحلقات .. مشاركين غنائه ، كأنه والدهم بالفعل! 

***


ومن يومها اعتاد الأهالي على زيارات اللقلق لمنازلهم من وقتٍ لآخر ، للإطمئنان على اولاده من اهالي القرية .. بعد فهمه أن الأبوّه : هي امتلاك قلبٍ مُتفهّم ، يحتضن الآخرين بمحبةٍ دافئة !   


الجمعة، 12 ديسمبر 2025

نعمة الجهل

تأليف : امل شانوحة 

العمر المضمون


هبطت مركبة ناسا فوق كوكبٍ غامض ، يُشبه الأرض الى حدٍ كبير : بجباله وبحاره ومدنه ، حتى وجوه سكّانه .. كأنهم نسخةٌ أخرى لبشر الأرض ، والذين استقبلوا الروّاد الثلاثة بترقبٍ حذر  

وما إن بدأوا الحديث معهم ، حتى انكشف نظامهم الغريب ! ففي عالمهم ، الموت ليس لغزاً بل محدّداً بسنٍ معينة :

فالنساء يرحلن بعد بلوغ السبعين ، والرجال عند الثمانين .. في نومٍ هادئ دون مرضٍ او حوادث !   

ظاهرياً يبدو الأمر نعمة .. لكن سرعان ما اكتشف الروّاد بأنها نقمةٌ مُدمّرة.


فشبابهم بعد ضمان اعمارهم ، أهملوا واجباتهم الدينيّة .. فبحسب رأيهم ، مازال لديهم وقتاً طويلاً للتوبة ! لهذا أسرفوا في السهر واللهو ، وتجربة العادات السيّئة التي لن تقصّر عمرهم او تؤذي صحتهم !

بعكس كبار السنّ الذين ازدحمت بهم دور العبادة ، وهم يجتهدون بالصلاة والصوم والدعاء ، في عزلةٍ عن ابنائهم المنشغلين بمتع الحياة !


كما لم يتزوّج احد في سنٍّ مُبكّرة ، فلا حاجة للإستعجال بتحمّل المسؤولية (باعتقاد شبابهم) .. لهذا تناقص عدد اطفالهم بشكلٍ كبير ، حتى خلا عالمهم من لعبِ وضحكات الجيل الجديد ! 


وبلغ استبداد شبابهم ، لدرجة نفيهم عجائزهم للطرف الآخر من الكوكب .. بعد سرقة بيوت اجدادهم ، بحجّة أنهم على وشك الرحيل.. 

وفي المقابل ، بنوا داراً ضخمة للمسنين .. ليموتوا فيها بهدوء ، وبوحدةٍ قاتلة !


حتى الأغنياء من كبار السن : رفضت العائلات تزويجهم بناتهم ، خوفاً من ترمّلهن السريع ! 


مما تسببّ بإحباطهم الذي ادّى لانتشار الإنتحار بينهم ، خوفاً من سنوات المللّ الأخيرة.. بينما فضّل بعضهم : الإستقالة باكراً ، لتوديع عائلاتهم التي سيحرمون منها قريباً !


وهنا تجرّأ أحد الروّاد على القول : 

- نحن في الأرض ، لا نعرف متى او كيف نموت .. فلا شيء مضمون في حياتنا 

فسأله احد الشباب بدهشة : 

- وكيف تعيشون وتستمرّون بالعمل والزواج والإنجاب ، وأنتم لا تضمنون بقاءكم ؟!

فأجاب الرائد بابتسامة :

- لهذا بالذات نحيا حياةً طبيعية.. فالجهل بساعة موتنا ، يجعلنا نحرص على التفاصيل .. كالإهتمام بأطفالنا ، خوفاً من إيذاء انفسهم .. ونبرّ آبائنا ، خشيّة فقدانهم.. ونحافظ على صحتنا النفسيّة والجسديّة .. ونستعجل ببناء مستقبلنا ، كأننا خالدون.. وفي حال مات عزيزٌ علينا ، لا نعترض على قضاء الله الذي ندعوه كل لحظةٍ وحين ، لحماية احبائنا .. ونحمده على كل دقيقة تمرّ علينا بأمانٍ وصحة .. وهذا يجعلنا نقدّر كل يومٍ نعيشه ، في حياتنا مجهولة المصير 


فساد صمتٌ عميق ! قبل ان يقول أحد عجائزهم : 

- يبدو أن الموت المفاجئ ، نعمة لا نفهم قيمتها ! 

وتبعته عجوزة بحسرة : 

- لوّ كانت حياتي مثل الأرضيين ، لما خفت من موتي لوحدي.


ثم توسّل العجوزان للروّاد الثلاثة بأخذهما إلى الأرض ، لعيش ما تبقى لهما هناك .. لكن الرائد اعتذر بأدب : 

- للأسف ، مركبتي صغيرة .. لكني سأحمل قصة كوكبكم معي .. لعلّ أهل الأرض يدركون النعمة التي يعيشونها ، ولا يشتكوا موتاً مُبكراً بعد اليوم.


ثم ودّعوهم ، وانطلقوا بمكّوكهم عائدين لأرضٍ مليئة بالحب والخوف ، والضحك والدموع .. كوكبٌ تسوده المفاجآت ، يجعلنا نستحق العيش فيه حتى أنفاسنا الأخيرة!


الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

الدفن الأخير

تأليف : امل شانوحة 

الشواهد المتعدّدة 


في مقبرةٍ غطّاها الضباب ، التي عبقت برائحة الموتى والأرواح التائهة.. حفرت امرأةٌ اربعينيّة قبراً بثبات ، دون مشاعر حزنٍ وإحباط .. لميتة تُشبهها بالعمر والملامح !

وبعد تسوية التراب بعناية ، غرست شاهداً خشبياً يحمل اسمها ! 


قبل اضاءة كاميرا جوالها ، وهي تقول : 

- لم تكن توأمتي ، بل نسختي القديمة .. الطيبة الى حدّ الغباء ، التي آمنت بالخير يسكن قلوب البشر الذين استنزفوها حتى الرمق الأخير ! ..(ثم تنهّدت بقهر) .. لم أُشفى يوماً من جرح الهجران ، او من استهانتهم بأفكاري وموهبتي ! فهم من أجبروني على التحوّل لشخصٍ جديد ، كما تخلع الفراشة جلد الشرنقة.. تظنون انها جثتي الوحيدة ، أنظروا جيداً !!


وأدارت كاميرا جوالها على ستة قبورٍ أخرى .. بشواهد تحمل اسمها ، بتواريخ مختلفة ! 

ثم اردفت قائلة :

- تلك المقابر هي نُسخي القديمة ، منذ طفولتي حتى الآن .. كل واحدة منها ماتت بعد خذلان ، أو صدمة تلقيّتها من قريبٍ أو غريب هدم جزءاً مني… لكني نهضت ، أصلب من ذي قبل .. فاليوم صارت عظامي من حديد ، وعقلي مُبرمجاً كالحاسوب.. لم تعد نفسيّتي تُجرح بسهولة .. أصابني برود بالمشاعر ، كأني روبوتٌ دون نبض ! لا أقاوم ولا أنتقم ، فقط أُركّز على بناء مستقبلي ! كلماتهم لم تعد تؤذيني ، بل أصبحت وقودي للمضيّ بنفقي الذي بدأته بسن المراهقة .. فأنا لا أحفره لأجلي ، بل تمهيداً لمن يأتي بعدي.. لهذا سأقاتل بذكاء ، لا بسذاجة نُسخي القديمة


ثم مسحت بيدها على اسمها المحفور على الشاهد الأخير :

- لن أمرّ على الدنيا مرور الكرام .. سأترك وراءي أثراً يلمع كالمنارة .. وسأُكرّم يوماً ، حتى لوّ بعد موتي : كأفضل كاتبةٍ للأجيال القادمة


ثم أغلقت الكاميرا ، تاركةً المقبرة خلفها .. وهي تعدّ نفسها : بأن لا تدفن المزيد من نسخها المهترئة .. بعد ان بات النجاح وشيكاً ، كضوءٍ يلوح بآخر النفق ! 

الاثنين، 8 ديسمبر 2025

القرار الصعب

تأليف : امل شانوحة 

الشهداء الصغار


تلقى مدير فندقٍ لبنانيّ إتصالاً من شخصٍ غامض ، يقول بنبرة تهديد:

- لديك نزلاء بالغرفة ١١٢ .. أطردهم بالحال ، وإلاّ سنفجّر فندقك بمن فيه !!

وانتهت المكالمة ، قبل استفسار المدير عن الموضوع !


وفوراً اتصل بموظف الإستقبال ، لسؤاله عن الشخصيّة المهمّة المتواجدة بتلك الغرفة ؟

الموظف : سيدي ..هم الأبناء الثلاثة للمناضل الفلسطيني ، الشهيد فلان الفلانيّ


ففهم المدير ان العدوّ ينوي القضاء على نسل البطل الذين قتلوه مع زوجته ، الشهر الماضي !

^^^


فتوجّه مباشرةً لتلك الغرفة التي تحوي سريراً واحداً.. وطرق بابها بشكلٍ متواصل ، الى أن أيقظ الأولاد الثلاثة : فكبيرهم ١٨ سنة ، وأخوه ١٤ ، اما اختهم الصغرى ف ١٠ سنوات (وهي من نامت على السرير ، بينما أخويّها افترشا الأرض)


وعندما سأله الإبن الأكبر ، عن سبب إيقاظهم باكراً (في الثامنة صباحاً) ؟!

طلب منهم المدير ، حزم أمتعتهم بالحال !! والرحيل لمكانٍ آخر ، بعد تلقيه تهديداً واضحاً بتدمير فندقه !


فأجابه الإبن الكبير بضيق : 

- سيدي.. إن كنت سمعت الأخبار : العدوّ قصف منزلنا الشهر الفائت ، وقتل والدينا اللذين بقيّت جثتاهما تحت الركام ! فاضّطررنا للعيش في سيارة ابي لأسابيع ، لحين بيعنا محلّ أمي (مُصفّفة الشعر) للحصول على مبلغٍ يُمكّننا من الانتقال إلى شقةٍ صغيرة.. لكن الجميع رفض تأجيرنا ، خوفاً من انتقام العدوّ ! فقدمنا الى هنا لكيّ ..

المدير مقاطعاً : اولاً !! كيف لفلسطينيّين امتلاك محل في بيروت ، فهو ممنوع قانوناً ؟!

- ابي تزوّج امي اللبنانية من دار الأيتام ، لتسجيل المحل بإسمها .. ليست هنا المشكلة.. فأنا قدّمت حق اللجوء السياسي لبلدٍ اوروبيّ ، وهم وعدوني بإرسال الموافقة الأسبوع القادم.. لذا رجاءً ، دعنا نبقى هنا لثلاثة ايامٍ أخرى .. فنحن دفعنا ثمن..

فسلّمه المدير ظرفاً :

- هذه بقيّة اموالكم.. رجاءً إخرجوا فوراً !! لا اريد ان يُقصف فندقي بسببكم


ففاجأته الصغيرة باحتضانه ، وهي تبكي :

- رجاءً يا عم !! لا اريد النوم مجدداً بسيارةٍ ضيّقة ، بهذا البرد القارص .. دعنا هنا لبعض الوقت 

الأخ الثالث :

- نعدك بالرحيل ، فور حصولنا على تذاكر السفر

الأخ الأكبر :

- سيدي .. العدو يخاف قيادتي للحركة الجهاديّة ، بدل والدي المرحوم .. لهذا سأرحل وحدي ، بشرط إبقاء أخوايّ هنا

اخته باكية : لا !! لن اعيش دونك 

اخوه : هذا صحيح !! اما ان نبقى معاً ، او نرحل سوياً

المدير بحزمٍ ولؤم : كفوا عن تضييع وقتي !! وارحلوا من هنا ، خلال ساعةٍ واحدة


وخرج من غرفتهم ، تاركاً الأولاد خائفين على مصيرهم المجهول !

^^^


وبالفعل راقبهم المدير (من نافذة مكتبه بأعلى فندقه) وهم يحشرون اغراضهم في سيارة والدهم الصغيرة..


وما ان ابتعدوا بضعة امتار عن بوّابة الفندق ، حتى لحقتهم طائرة درون عسكريّة .. أطلقت صاروخاً صغيراً ، حوّل سيارتهم الى رماد خلال ثوانيٍ معدودة .. وسط صدمة المتواجدين بالشارع ! خصوصاً المدير الذي شعر بوخزٍ بقلبه ، كونه شاهد عيان على الجريمة المروّعة ! 


وهنا تلقّى اتصالاً آخر ، يقول :

- احسنت !! فأنت انقذت مئات النزلاء من موتٍ مُحتّم .. حيث كنا ننوي إحراق فندقك ، إن حلّ المساء دون طردك الملاعين الصغار .. وسنكافئك على جهودك معنا .. فقد حوّلنا قبل قليل ، مكافئة ماليّة على حسابك.. شكراً لتعاونك معنا 


وأغلق ضابط العدوّ المكالمة.. تاركاً المدير يشعر بخيانته الوطنيّة ، بعد أن أُجبر على المساهمة في اغتيالهم اللا إنسانيّ ! 

^^^


فعاد حزيناً الى غرفة الشهداء الثلاثة التي ما تزال غير مرتبة ، بعد رحيلهم المُستعجل ! 

وعندما استلقى على السرير ، إشتمّ رائحة الصغيرة على وسادتها ..فنزلت دمعته وهو يقول :

((ما ذنبها ان تتحوّل لأشلاء بسبب بطولة والدها ، في زمنٍ انتهت به الرجولة والعروبة ؟!..(ثم تنهّد بضيق).. العزاء الوحيد انهم سيجتمعون مع امهم ووالدهم المناضل بالفردوس الأعلى .. فهنيئاً لهم بتلك الشهادة المُشرّفة)) 


وقبل غرقه بتأنيب الضمير ، سمع عامل النظافة يطرق الباب ! 

فتمالك المدير نفسه.. وخرج من الغرفة ، وهو يقول بحزم : 

- نظّف الغرفة جيداً !! لا اريد حتى بصمات الملاعين الصغار في فندقي

^^^


ثم صعد الى مكتبه دون إظهار مشاعره الحقيقة .. خوفاً من خيانة بعض موظفيه الذين كانوا السبب في معرفة العدو ، رقم غرفة ابناء البطل في فندقه !


اما المكافئة المالية التي حصل عليها منهم ، فقد صرفها على إصلاح دورات مياه الفندق.. لشعوره بالاشمئزاز من مالهم القذر الذي يشترون به ضعاف النفوس ، لبناء إمبراطوريتهم الزائفة !


السبت، 6 ديسمبر 2025

الحرف الثائر (قصة للأطفال)

تأليف : امل شانوحة 

المؤتمر اللغوي


في مؤتمرٍ لغويّ.. إعترض حرف (غ) على تقسيم الكلمات التي تبدأ بحروفهم !

- انا افضل من ابن عمي (ع) بنقطة فوق رأسي ، كالتاج.. ومع ذلك حصل هو على الكلمات الجميلة ، بعكسي !

فسألته المديرة (الهمزة) : مثل ماذا ؟!

فردّ غ : 

- مثل : عالم ، عرس ، عطاء ، عسل ، عفوّ ، عُمر ، عمل ، علوم ، عيد..

الهمزة : وانا أعطيتك ايضاً مجموعة من الكلمات بحرفك ..

غ مقاطعاً : نعم !! مثل : غائم ، غاشم ، غافل ، غبار ، ، غصّ ، غضب ، غلّ ، غلطة ، غمّ ، غموض ، غوى .. وغيرها من الكلمات البغيضة ! انا لم أعد أحتمل هذه التفرقة.. لهذا استقيل !!

فضجّت قاعة الحروف بقراره المفاجئ !


الهمزة : لا يمكنك ترك المجموعة ! فمعروف ان عدد الهجاء العربي : ٢٨ حرفاً

غ : اذاً خذي مكاني ، واستقلّي عن الألف.. اساساً توجد الكثير من الكلمات تنتهي بك ، او تتوسّطين حروفها : سواءً على الواو او الكرسي .. دون الحاجة لزوجك الألف الطويل المُتغطرس الذي يتعمّد إذلالك ، بحذفك من همزة الوصل !


الألف مصدوماً : أهذا الكلام يُقال لأول الحروف العربية ؟!

غ بلا مبالاة : لا يهمّني آرائكم !! سأخرج نهائياً من معجمكم ، لعدم احترامكم مكانتي وكبر سني

فقال حرف ض : كأنك الوحيد الذي يعاني بيننا .. أنظر الى حالتي ، الكثير من اللهجات العربية تلفظني (د) رغم ان اللغة العربية معروفة بلغة (ض).. ومع ذلك مازلت متمسكاً بجمعية الحروف العربية

فاعترض حرف (ظ) : تتكلّم وكأنك ضحيّة .. فأنا لديّ القليل من الكلمات .. ومع ذلك اللهجات العربية حوّلتني ل (ض) بدل حرفي ! لهذا لا تُظهر نفسك ، كبطلٍ امامنا !! 

الهمزة : هدوء رجاءً !! لما كل هذا الإعتراض ؟! ثم انت ايها (غ) هناك كلمات جميلة بحرفك ، مثل : غيمة ، غرّد ، غنج ، غناء ، غزالة..


وقبل إكمال كلامها ، غنّى صغار الحروف : ((الغزالة رايقة)) 

وهم يطرقون على طاولاتهم ، لتحويل الشجار لحفلٍ موسيقي .. حتى ان بعضهم رقص على الأغنية .. 


لكن حرف غ أصرّ على موقفه ! رامياً ورقة الإستقالة للمديرة همزة.. ثم خرج من قاعة الإجتماعات ، وسط دهشة بقيّة الحروف ! 

***


بعد شهر ، علموا بسفره الى فرنسا .. وطرده حرف (R) من قاموسهم ، لاحتلال مكانه ! ليصبح (غ) هو الحرف الرائج بلغةٍ اجنبية مهمّة كالفرنسية.. حيث شعر بأهميّته بالغربة التي نطقت صوته باحترام .. بينما في وطنه العربي ، أُهمَل وشوَّه في العديد من لهجاتها الدراجة ! 


مما أشعر بقيّة الحروف بالقلق : 

- إن لم نحافظ على أصواتنا ، قد نخسر بعضنا للأبد ! 


فتعاهدوا على تعليم الأطفال طريقة نطقهم الصحيحة ، مع تذكيرهم بأهميّة كل حرف .. وأن لغتنا العربية لا تزدهر إلا باحترام جميع حروفها ، بلا تمييزٍ او اهمال ! 


الخميس، 4 ديسمبر 2025

السجن المدفون

تأليف : امل شانوحة 

الحريّة الإنتحارية


في وادٍ معزول ، مُحاصر بجبالٍ شاهقة .. بُنيّ سجن شديد الحراسة ، مُخصّصاً لأعتى المجرمين الذين حاولوا بكل الطرق الهرب منه دون فائدة! 


سنواتٌ مرّت دون جديد ، الى أن حلّ شتاءٌ قارص .. تساقطت فيه الثلوج فوق الوادي ، الى ان دُفنت بوّابة السجن تحت طبقاتها الكثيفة! 

مما قطع إتصال المدير بالمدينة الذي قلق من موتهم ببطء ، لقلّة الطعام في مخزنهم الذي بالكاد يكفي شهراً .. عدا عن ثياب المساجين الغير سميكة ، التي لن تحميهم من صقيعٍ لم يعهدوه بطقسهم المعتاد ! 

***


وبعد انتهاء العاصفة الثلجيّة التي استمرّت اسبوعاً متواصلاً .. جمع المدير موظفيه والمحكومين في قاعة الطعام ، لإخبارهم بقراره الأخير : 

- كل من يساهم بخروجنا من هذه الأزمة ، سيحصل على حرّيته !!


ورغم انه الخبر الذي انتظروه طويلاً ، لكنهم لم يُظهروا سعادتهم .. لأن حرّيتهم مرتبطة بمهمّةٍ شبه مستحيلة .. فهم وإن نجحوا بإزالة الثلوج عن البوّابة ، يبقى امامهم التسلّق (دون وسائل حماية) لإرتفاعٍ شاهق شديد البرودة .. 

فهم نقلوا الى السجن على التوالي ، بواسطة مروحيّة .. فعدد المساجين (الأشد إجراماً في البلاد) لا يزيد عن المئة ! 

اما الحرس العشرون ، فعطلتهم سنويّة .. والمدير العجوز الأعزب ، يعيش بالسجن منذ بنائه !    


والخطوة التالية التي اتخذها المدير : هو إجبار المساجين على ازالة الألواح الخشبية من سرائرهم ، وتجميعها بقاعة الطعام .. ثم تكسيرها ، لجعلها حطباً لتدفئة .. بعد ضعف الكهرباء بالسجن ، إثر تعطّل بعض اسلاكها بواسطة العاصفة الثلجيّة السابقة 


ثم قسّم المساجين الى ثلاث مجموعات ، للتناوب على الحفر خارج السجن 

فيما يتقاسم الجميع وجبتيّن يومياً ، بدل ثلاثة ! 

***


بعد ايام من العمل الشاق ، مات بعض المساجين الذين يعانون من امراضٍ مزمنة ..

  

وفي الليلة السابعة .. حصلت ثوّرة بقيادة السفّاح جاك الذي لم يعد يحتمل اوامر مدير السجن الذي سارع بخنقه حتى الموت ، امام مرأى الجميع ! 

ولم يستطع الحرس إنقاذه ، بعد تمكّن مساعدي جاك من السيطرة على غرفة الأسلحة بالسجن ! ليستسلم العساكر لخطة جاك الجديدة ، لنجاة من الأزمة الثلجيّة


لكن قبل تنفيذها ، أمر بإعدام الطبّاخ الذي لطالما قدّم لهم عصيدته المقرفة ! طالباً من احد المساجين إستلام المطبخ ، وطهوّ اللحوم المخصّصة للحرس الذي أجبرهم على إكمال الحفر بدلاً منهم .. وبسبب الجوّ القارص ، ماتوا الواحد تلوّ الآخر ! 

***


وبعد ايام .. لاحظ جاك قرب نفاذ الطعام ، مع انتهاء اخشاب التدفئة!

ورغم تمكنهم الخروج من السجن ، الا ان تسلّقهم الجبل الشاهق تبدو مهمةً انتحارية!


فاقترح اريك (آخر شرطي على قيد الحياة ، لديه خبرة جيولوجيّة) : 

- الجبل طبشوريّ..الأفضل حفر نفقٍ فيه ، فهو يبقى أدفأ من قمته الثلجيّة 


ولم يكن امام جاك الا قبول اقتراحه ، مُرغماً زملائه على استخدام كل ما ينفع بالحفر .. بدأً بالعصيّ المعدنية للحرس ، ووصولاً لسكاكين وشوك المطبخ ! 


ولم يكن الحفر صعباً ، الا ان الجوع والبرد قتل معظمهم .. 

عدا عن الأحجار الزلقة التي انهار بعضها فوق مجموعة من المساجين ، أبادتهم بالحال !


وعندما وصل العشرون ناجياً (مع الشرطي) الى الجهة المقابلة من الجبل ، عبر نفقٍ امتدّ داخله.. وقفوا تائهين بجانب الطريق العام الذي يبعد 70 كيلو عن المدينة ! 

فاقترح إريك الإتصال بالشرطة من برج الإرسال القريب ، كونهم لا طاقة لهم لإكمال المسير ! 

فوافقوا جميعاً .. ماعدا اربعةً ، اختاروا الحرّية مهما كان الثمن !

^^^


لاحقاً وصلت الشرطة بحافلة ، لنقل المساجين 16 الى سجن المدينة .. حيث شهد اريك بشجاعتهم ونزاهتهم خلال الأزمة .. فتمّ تخفيف أحكامهم التي سيكملوها في سجنٍ دافئ ، بطعامه المقبول الذي يبدو حلماً عمّا مرّوا به سابقاً !


أما الأربعة الهاربون ، فلا أثر لهم ! 

فرجّحت الشرطة افتراس الحيوانات البرّية لهم ، لانتشارها بتلك المنطقة المنعزلة ! 


لكن الحقيقة ، لم ينجوا منهم : سوى السفّاح جاك الذي تمكّن من إيقاف شاحنة نقلٍ عابرة .. فقتل سائقها العجوز ، مُكملاً طريقه لمدينةٍ اخرى ، وهو ينوي متابعة سلّسلة جرائمه .. رغبةً بدخول موسوعة جينيس : كأسطورةٍ إجرامية ! 


لهذاً خطّط لاقتحام المنازل المنعزلة ، بملاّكها العجائز او الأشخاص الإنطوائيين الذي فضلوا العيش وحدهم بعيداً عن جيرانهم .. 

واستغلّ انشغالهم بمشاهدة برامج رأس السنة ، لخنقهم بسلكٍ رفيع حتى الموت .. وآخر ما سمعوه ، هو جملته الشهيرة : 

- أراك في الجحيم قريباً

^^^


((وهآ أنت أيها القارئ .. مُستمتعٌ بتصفّح جوالك ، دون الإنتباه للفحة الهواء الباردة التي تسلّلت من نافذتك المفتوحة ! 

نصيحةٌ مني لا تلتفت ، فهو خلفك الآن 

وهذه آخر قصة تقرأها ، قبل سماعك ضحكته الشيطانيّة الماكرة ! 


الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

قلب يكفي الجميع

تأليف : امل شانوحة 

زوجة الأب الحنونة


منذ لحظة خِطبتها ، أدركت سارة (الثلاثينية) إن حياتها مع رجلٍ (خمسيني) أرمل ليس أمراً سهلاً ، فهو لديه أربعة أولاد : أكبرهم ريم (17 سنة) فتاةٌ حسّاسة وعصبية ، ترفض وجود امرأة مكان والدتها !

أما إخوانها الثلاثة (مراهق بعمر 14 ، وولديّن توأميّن بعمر 8) فقد إنساقوا لأختهم التي أخافتهم من زوجة ابيهم التي تريد إحتلال منزلهم (حسب كلامها) 

ومع ذلك تزوّجت سارة ، ودخلت بيتاً مليئاً بذكريات غيرها ! 

^^^


وبعد عودة زوجها الى عمله ، اضّطرت سارة للتعامل مع ابنائه بعطلتهم الصيفية 

وبدأت معركتها الأولى ، حين حاولت تحسين مظهر المنزل .. 

فاعترضت ريم بمساندة اخوانها ، لمنع ايّ تغيير بديكور امها الراحلة .. حتى انها منعتهم من مساعدتها بالتنظيف ! 


وازداد التوتّر بعد رفض ريم تذوّق طعام سارة ، مُفضّلةً الأندومي وشطائر الشارع .. بينما التهم إخوتها الصغار أطباق سارة بشهيّةٍ كبيرة !


لم تغضب سارة ، بل بدأت باستمالة الصغيريّن اولاً : بعد إعدادهما الحلويات معها .. ومشاهدة التلفاز سوياً .. ومشاركتهما ألعاب الكمبيوتر .. حتى انها لم تغضب من تلوين وجههما بمكياجها .. وإن كانت نصحت زوجها بإدخالهما نادي رياضيّ ، لتقوية شخصيّاتهما الرقيقة 


أما المراهق : فكان مسالماً بطبيعته ، يمضي وقته في غرفته..

وحين اكتشفت سارة مشاهدته لمقاطع غير لائقة ليلاً ، لم تعاتبه او تفضحه عند ابيه.. بل اجابت اسئلته حول البلوغ ، موضحةً الحلال والحرام 

ثم اتصلت بشركة الإنترنت لضبط القنوات ، حمايةً له ولإخوانه 


ومع الوقت ، تحسّنت علاقته بها .. بعد أن أشعرته برجولته اثناء مرافقتها إلى السوبرماركت ، بدل أبيه (المشغول بعمله) .. 

وازداد تعلّقه بها ، بعد أن علّمته قيادة سيارتها 


ولم يبقى امامها سوى ريم الصلبة التي ترفض التحدّث معها !

حتى عندما مرضت ، لم تقبل شرب حسائها .. بل رفضت ايضاً تناول الكيك الذي أعدّته في عيد ميلادها ..

^^^


لكن كل شيء تغيّر ، بعد ان سمعتها تتحدّث مع شابٍ بجوالها !

حبيبٌ مجهول اعطاها موعداً في ساعةٍ متأخرة .. 

فرفضت سارة ، مُقفلةً باب الفيلا (بسفر زوجها) وهي تأمر ريم العودة للنوم..


وقبل ان تغفو سارة ، سمعت صوت نافذة ريم !

فركضت لغرفتها .. لتعلم بنزولها على الشجرة ، للهروب خارج الفيلا ..


فلحقتها بالسيارة وهي تبحث بكل شارع ، بفزعٍ شديد .. الى ان رأت ثلاثة شبّان يحاولون جرّ ريم بالقوة إلى سيارتهم ! 

ودون تردّد ، وجهّت مسدس زوجها (الضابط) مُهدّدةً بقتلهم إن لم يتركوها بالحال .. 


فهربوا مذعورين ، بعد ركض ريم الى سيارتها وهي بصدمةٍ شديدة! 

بينما حمدت سارة ربها على إنقاذها الصبيّة بآخر لحظة 

^^^


فور وصولهما إلى الفيلا ، طلبت جوالها .. فاعترضت ريم لانتهاكها خصوصيّتها .. 

لتردّ سارة بحزم : 

- كنتُ سأصبح قاتلة بسببك ، وكان والدك سيدفع الثمن (لأنه مسدس عمله) .. أعطيني الجوال الآن ، وإلا سأخبره بكل ما حصل!! 


فسلّمتها هاتفها مُجبرة ، وأسرعت الى غرفتها باكية بعد انهيار جدار عنادها اخيراً 

***


في اليوم التالي .. وصلت رسالة اعتذار من الحبيب المخادع على جوال الصبيّة .. فردّت سارة ، برسالة تهديد : 

((إن لم تُغيّر رقمك بالحال !! سأرسله لمركز الشرطة ، لمعرفة عنوانك .. وإن عُدّت للإتصال بريم بأيّةِ طريقة ، سأترك والدها يُعذّبك حتى الموت)) 

فاختفى من حياة الصبيّة للأبد !


ولأنها لم تُبلّغ زوجها بالحادثة (بعد عودته من السفر) تغيّرت معاملة ريم معها .. بعد دخول غرفتها لإعطائها مال حصّالتها ، كتعويض عن المبلغ الذي أهدرته سابقاً..

فابتسمت سارة .. وأعطتها فوق مالها ، مبلغاً آخر لشراء الحلوى لإخوتها..


ثم اخبرت الصغار بأن ريم اشترت لهم الحلوى من مصروفها .. مما جعل الصبية تبتسم لأول مرة ، كعربون شكرٍ لها 

***


وذات يوم .. جلست سارة مع الأولاد ، لتعليمهم لعبة المونوبولي .. فسألتها ريم بتردّد : 

- هل تسمحين لعبي معكم ؟ 

فقرّبت سارة علبة المال المزيّف منها ، وهي تقول :

- ستكونين المسؤولة عن مال البنك .. اختاري حجرك ، ثم ارمي النرد 


وكانت ليلتهم الأولى كعائلةٍ مُحبّة ، بعد طلب سارة من ريم إختيار فيلم السهرة على ذوّقها ! 

***


ومع مرور الوقت ، لجأت ريم لسارة في أمورٍ كثيرة.

لكن الأمور تعقّدت من جديد ، بعد علمها بحمل سارة ! خوفاً من منافسة الطفلة على محبة والدها ، بعد اشتعال الغيرة في قلبها  


ثم جاء عرس أحد الأقارب ، فاهتمّت سارة بجمال الصبية .. مما لفت انتباه إحدى الأمهات التي عرضت خطيباً مناسباً لريم..

^^^


وفي المنزل ، رفضت ريم الموضوع تماماً .. 

فذهبت سارة الى غرفتها ، للتحدّث على انفراد : 

- هل ما زلت تتواصلين مع ذلك الأحمق ؟

ريم : كيف افعل ، وأنت تراقبين هاتفي ؟ 

- اذاً لماذا ترفضين رؤية العريس ؟ فهو وافق على إكمال تعليمك بالخارج ، وزيارة عائلتك كل صيف ! 


وبعد التحدّث معها لساعة ، أقنعت الصبيّة بالإجتماع العائلي ..

ومع الزيارة الأولى ، أُعجبت ريم بالشاب الخلوق الذي أتمّ الزواج بوقتٍ قصير ، للعودة لعمله بالبلد الأوربيّ 

***


وبعد سفر ريم مع عريسها .. إطمأنت سارة عليها ، بعد ابتعادها عن الحبيب المُتلاعب  


بعد شهور ، فرح الجميع بخبر حمل ريم ! 

***


وفي العطلة الصيفيّة التالية ، عادت ريم بشهرها الأخير.. 

وقبل دخولها غرفة الولادة ، أمسكت يد سارة : 

- انت بمقام أمي .. أرجوك ابقي معي ، فأنا خائفةٌ جداً 

سارة بحنان : 

- لا تخافي يا ابنتي ، كنتُ مكانك قبل ثلاثة اشهر .. ولن اتركك ، الى ان تحملي طفلك بين ذراعيّك.


ثم عادت ريم إلى منزل والدها بفترة النفاس ، التي استغلّتها سارة لتعليمها كل الأمور المتعلّقة بطفلها .. ليتعاملا معاً كأم وابنتها ، مُنهيان عاماً من العناد والعصبية 

***


بعد سفر ريم مع زوجها وطفلها للخارج .. 

بقيّت سارة مع إخوان ريم الثلاثة ، وابنتها الصغيرة .. في منزلٍ امتلأ بالطعام اللذيذ وضحك الأطفال والتفاهم الدافئ .. بعد فوز سارة أخيراً بمحبة أولاد زوجها بفضل صبرها وحنانها اللذيّن عوّضاهم عن غياب أمهم الراحلة ، مما أشعرها أن جهودها لم تذهب سدى !


اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة  بين شرفتيّن في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفج...