الخميس، 7 أغسطس 2025

ثمار الكفاح

تأليف : امل شانوحة 

الموهبة المُرهقة


في تلك الليلة .. استلقت الصبيّة على سريرها ، وهي تفكّر بقصتها الأولى التي نالت استحسان عائلتها .. وأخذت تتخيّل مستقبلها الزاهر .. وكيف ستتلقّى الدعوات من دوّر النشر ، لتوزيع قصتها التي ستتحوّل حتماً لفيلمٍ سينمائيّ يحصد نجاحاً محلّياً وعالمياً .. وأجرت مع نفسها حواراتٍ وهميّة خلال مقابلاتها التلفازيّة المستقبليّة ..كما تصوّرت نفسها وهي تعتلي المسرح للحصول على جائزتها ، كأفضل كاتبة صاعدة بعالم النجوميّة .. حتى انه تُناهى الى سمعها تصفيق الجمهور وصفيرهم ، تشجيعاً على موهبتها الفريدة التي ستكون سبب ثرائها ، وملاحقة الجمهور لتوقيع كتابها!


ثم وقفت بجانب المرآة ، وهي تتساءل بحماسٍ وفضول :                    - تُرى بأيّ عمرٍ ستنشهر موهبتي الكتابيّة ؟!


لترى انعكاسها وقد تحوّل لأمرأة بسن الخمسينات ، وهي تجيبها على سؤالها :

- النجاح لا يأتي من اول محاولة ، بل هو طريقٌ طويل مليء بالإنتكاسات والعثرات المؤلمة .. اما جواب سؤالك : فستنجحين بعد ٣٠ سنة من الجهد المتواصل


فتراجعت الصبيّة العشرينيّة للوراء ، وهي تقول باشمئزاز :

- لحظة ! أهذه انا بالمستقبل ؟! لقد شاب شعري وزاد وزني ، وضاع شبابي وجمالي ! .. كنت أظن ان القرّاء بإمكانهم تميّز الموهبة الإستثنائيّة بسهولة ، وإن نجاحي بهذا المجال سيكون سريعاً .. لا !! لن أُضيّع عمري بموهبةٍ تحتاج وقتاً طويلاً ، حتى تُعطي ثمارها ! سأبحث عن وظيفةٍ اداريّة ، أسترزق منها


وتوجّهت نحو طاولتها ، لتمزيق قصّتها الأولى .. فنادتها نسختها من المرآة:

- توقفي !! انت لم تسأليني عن حصيلة تعبنا ؟

الصبيّة بتهكّم : الواضح لي ، انكِ ضيّعت صحتك 

النسخة الكبيرة بنبرةٍ حزينة : هذا صحيح

- حسناً إخبريني ، كم ولدٍ أنجبنا ؟

- لم أتزوّج في شبابي ، ولم أخلّف

- يا سلام ! هذا يكفيني للتوقف عن احلامي الزائفة


وأمسكت قصّتها الورقيّة لتمزيقها ، فعادت نسختها الكبيرة لإيقافها :

- لحظة !! انت لم تُكملي اسئلتك

الصبية : إذاً إخبريني عن راتبي الشهريّ ؟

- لم أكسب مالاً ، قبل بيع قصّتي الأولى

- لثلاثين سنة ؟!

النسخة الكبيرة : نعم

- وكل هذا الوقت كنت تأخذين مصروفك من اهلك ، كالصغار؟!

- هذا صحيح

الصبيّة بعصبيّة : إعطيني سبباً واحداً لعدم تمزيق قصّتي المنحوسة؟!!

- هذه قصتك الأولى ، لكنها ليست الأخيرة


الصبيّة باهتمام : وكم قصة ألّفت حتى وصلت لعمرك ؟

النسخة الكبيرة بفخر : ألف قصة 

الصبية بصدمة : ألف ! كنت أظن انني سأكون محظوظة إن وصلت لخمسين فقط ! كيف استطعت فعل ذلك ؟!

- كما يُبنى السور ، حجرةً كل يوم .. وانت صممّتي بأن لا يمرّ اسبوع دون قصةٍ جديدة ، وأحياناً تنشرين خلال ايامٍ فقط


الصبيّة : وهل الكتابة المتواصلة أرهقتني ؟

النسخة الكبيرة : الا يظهر ذلك جليّاً عليّ ؟

الصبية : لا انكر ان شكلك مُزري

- شكراً لذوّقك

- حسناً إخبريني ، ماذا حقّقت بنهاية كفاحي ؟

- صُرتِ من اهمّ كتّاب بلدك .. وتحوّلت قصصك لفيديوهات وأفلامٍ سينمائيّة.. وأجبرت الجميع على احترامك وتقدير جهودك ، خاصة انك تنوّعتِ بالمواضيع الأدبيّة .. ولم تلتزمي بنوعٍ واحد ، كما فعل أكثريّة الكتّاب .. وهذا هو سبب تميّزك عنهم


الصبيّة بفرح : أحقاً !

- لا اريد خداعك .. فهذا الشيء لم يحصل الا بعد سنوات من استهزاء اقرانك بك ، حتى أصبحتِ رمزاً للفتاة الفاشلة والعاطلة عن العمل .. لكن الأقارب والأصدقاء لم يكونوا يعرفون انك تبنين مستقبلك بصمت .. والذي احتاج الكثير من الصبر والإرهاق النفسي والجسدي بسبب السهر المتواصل ، مُتسبّباً ألم العينين والأرق الدائم والصداع المستمرّ

الصبيّة بضيق : أعطيني مُلخّص حياتي .. ماذا استفدّت بالنهاية ؟

النسخة الكبيرة : دعيني أريك منزلك المستقبليّ 


وشاهدت الصبيّة الغُرف الفخمة والحديقة الكبيرة في شريطٍ مصوّر ، كفيديو عُرض على المرآة .. فقالت بدهشة :

- أهذه فلّتي ؟!

النسخة الكبيرة : بل قصرك الذي تعيشين فيه مع زوجك وابنك

- لحظة ! الم تقولي انك لم تتزوجي مُطلقاً ؟!

- قلت لم أتزوّج في شبابي .. لكن بعد شهرتي ، وجدّتُ نصيبي 

الصبيّة : وكيف أنجبتي بعمر الخمسين ؟!

- هو ابن زوجي الذي ربّيته كأبني .. وطالما يحترمني كأمه ، فلا داعي لتجربة متاعب الحمل والولادة                                                                                                                                                             

الصبيّة : أتقصدين بعد المجهود الجبّار ، سأحصل على المال والعائلة ؟

النسخة الكبيرة : بالإضافة للشهرة والسمعة الطيبة .. كما سيتسجّل اسمك بالتاريخ كصاحبة الألف قصة قصيرة ، كل واحدة اجمل من الأخرى ..والتي ستُترجم لاحقاً لعدّة لغات .. ومنها ما تحوّل لفيلمٍ عالميّ .. عدا عن الكثير من الجوائز المحلّية والدوليّة .. حتى أُنظري بنفسك !!

الصبيّة بصدمة : أهذه جائزة الأوسكار ؟!

- نعم ، انت العربية الوحيدة التي حصلتِ عليها

- اذا كانت هذه حصيلة تعبي ، فلن أُمزّق قصتي 


النسخة الكبيرة : أحسنت !! الآن ضعيها بالدرج.. ثم أُخرجي دفتراً جديداً ، لكتابة قصتك الثانية

فتنهّدت الصبيّة : أقلتِ الف قصة ؟!

- مع ملايين المتابعين

الصبيّة بضيق : سيكون مشواراً طويلاً ! 

- لن انكر انه ِسيكون مُتعباً ومُحبطاً بكثير من الأحيان ..عدا انه مُرهق من كافة النواحي .. لكن ثماره ستدوم لآخر عمرك ، وستساعدين مادياً كل من حولك .. والأهم من ذلك ، ستنشهر اسم عائلتك للأبد

- اذاً الأمر يستحق المحاولة

النسخة الكبيرة : بالتأكيد !! هيا عودي الى طاولتك ، للتفكير بموضوع القصة التالية

الصبيّة : على الأقل لن اقلق من نقص الأفكار ، طالما بشّرتني بتحقيق هدفي بنهاية المطاف 


فودّعتها النسخة الكبيرة ، قبل اختفائها من المرآة .. لتبدأ الصبيّة في التفكير بموضوع قصتها الثانية وهي تشعر ببعض اليأس ، بعد الإيقان بزراعتها بذرةٍ تحتاج عمراً لكيّ تنمو وتُثمر ، مع حكمةٍ ووعيٍّ ينضجان بكل حكاية.. لكنها ايضاً شعرت بالراحة ، لامتلاكها القدرة الذهنيّة على المتابعة حتى النهاية .. 


وبدأت بقصتها التي استمرّت بكتابتها طوال الليل .. والتي لن تكون ليلتها الأخيرة ، فالسهر المُرهق سيصبح عادتها لثلاثين سنةٍ القادمة!

 

الأحد، 3 أغسطس 2025

الملكية الفكرية

كتابة : امل شانوحة 

سرقة الإبداع 


جلست جاكلين امام حاسوبها وهي تبحث عن افكارٍ جديدة تُلهمها في الكتابة ، لتجد عنوان قصة اثارت إهتمامها .. وعندما قرأتها ، إنصدمت من تسلّسل الأحداث التي تُشابه قصتها التي تنوي نشرها قريباً في مدوّنتها ! 

- ماهذه الصدفة الغريبة ؟! كيف يمكن لأفكارنا ان تتشابه بهذا الشكل المُستفزّ ؟! مع اني لم اخبر احداً بتفاصيل قصتي !


وبعدها ، تواصلت مع موقعٍ للكتّاب الموهوبين .. وسألتهم وهي تشعر باليأس بعد خسارة قصتها :

- هل صادف ان وجدتم افكاراً مشابهة لقصتكم بالإنترنت ، قبل وقتٍ قصير من نشرها ؟

لتنهال عليها الردود من الكتّاب الذين مرّوا بالتجربة ذاتها في الآونة الأخيرة ! 


وبعد محادثاتٍ طويلة بينهم ، تأكّدت شكوكهم بعد اكتشافهم : أن الذي نسخ افكارهم هو ذات الشخص الذي يطلق على نفسه ، رئيس جمعيّة الإبداع العام ! 

فسألتهم جاكلين ممازحة : هل تظنوا انه سرق الأفكار من عقولنا ، ونسبها لجمعيّته المجهولة ؟!


ليقوم احد الكتّاب بعرض مقالٍ بالإنترنت : عن امكانيّة الذكاء الإصطناعي من إختراق الجماجم البشريّة ، لنسخ الذبّذبات الفكريّة !

مما آثار موجة فزعٍ بين المبدعين الشباب ، وصلت صداها للإعلام 

^^^


ولم يمضي وقتٌ طويل ، حتى نشر صاحب الجمعيّة منشوراً على وسائل التواصل الإجتماعي : مُتفاخراً بقدرة موظفيّه على تحويل افكار المبدعين لواقعٍٍ ملموس ، دون الحاجة لإذنهم !


فسارع الموهوبون بالتواصل فيما بينهم ، لإيجاد حلٍّ لحماية الملكيّة الفكريّة من السرقة الأدبيّة بعد علمهم بأن صاحب الجمعيّة الغامضة : هو رجلٌ ثريّ طمّاع يوظّف مجموعة من الهاكرز المحترفين الّلا إخلاقيين ، لسرقة افكارهم المبدعة سواءً بالفن والتجارة ! مما جعل المؤلّفون والملحّنون والعلماء ، وصولاً لأصحاب المشاريع المُربحة للإختباء في بيوتهم .. حتى انهم وضعوا خوذات الحديد والألمونيوم على رؤوسهم ، لمنع سرقة افكارهم قبل تمكّنهم من تنفيذها !

^^^


ولأنه لا يوجد دليلٌ ملموس ضدّ الرجل الثريّ ، لم تستطع الشرطة اعتقاله!

مما تسببّ بنوبة هلع للمبدعين ، جعلهم يسارعون بنشر قصصهم وإبداعاتهم الفكريّة بالإنترنت .. اما اصحاب الأفكار التسويقيّة وروّاد الأعمال ، فاضّطروا للمجازفة برهن منازلهم او الحصول على قرضٍ بنكي لتحويلها لمشاريع ، قبل سرقة مجهوداتهم غصباً عنهم ! مما طوّر المجتمع خلال ثلاث سنوات بشكلٍ ملحوظ 

***


لكن كل شيء تغيّر ، بعد وقوع احد موظفي الثريّ بالحب : وهو هاكر محترف إخترق مراراً عقل الكاتبة جاكلين ، لسرقة افكارها المُبدعة .. والتي فاجأته بقوّتها الروحيّة ! ورغبتها الأخلاقيّة بمساعدة من حولها بعد شهرتها التي حُرمت منها ، عقب سلّسلة من السرقات المتتالية لقصصها الإحترافيّة .. 

وهذا أشعر الهاكر بتأنيب الضمير اتجاهها ، خاصة بعد قرائته رسالتها التي نشرتها على مدوّنتها : برغبتها التوقف نهائياً عن الكتابة ! 

مما جعله يتواصل معها على انه احد قرّائها المُخلصين الذي نصحها بمتابعة حلمها حتى النهاية !  


وبغضون شهريّن .. تعمّقت العلاقة بينهما دون معرفتها هويّته الحقيقيّة ، بعد رفضه إرسال صورته اليها !

***


وذات يوم في مكتبها ، تفاجأت بشاب يخبرها بطبيعة عمله في شركة الثريّ السرّية .. فانفجرت غاضبة ، وهي تعاتبه على قلّة أمانته .. لتُصدم اكثر بعد إخبارها بأنه صديقها المُتيّم بها ! 

فرمت الأوراق عليه ، بعصبية : 

- ظننتك صاحبي ، لأكتشف الآن انك سبب بؤسي وقهري !! انت سرقت احلامي ، لبيعها للوغد الجشع !

فوضع ملفاً امامها وهو يقول :

- يوجد هنا مستندات مهمّة يمكنك استخدامها لمحاكمة مديري

فقالت بقلق : لكنك بذلك تُجازف بعملك !

- وبحياتي ايضاً .. لأنه إن عرف بخيانتي ، سيقتلني على الفور .. فهو عديم الرحمة والضمير 

- ولماذا تفعل ذلك ؟!

الهاكر : لأني احببت طريقة تفكيرك الواعي .. ولشعوري بقهرك بعد سلب الموهبة منك .. وأعدك بشهادتي ضدّ الثريّ بالمحكمة ، في حال قدمتِ هذا الملف للشرطة .. والقرار يعود لك

*** 


في قاعة الإجتماع بالشركة السرّية للثريّ الذي انفجر غاضباً بالموظفين (العشرين هاكرز المحترفين) :

- الشرطة استلمت مستندات مهمّة ضدّي ، فمن منكم الخائن ؟!!

فوقف الهاكر العاشق بكل شجاعة ، وهو يقول :

- هذا انا

- ايها اللعين !! سأدفنك بمكانٍ مجهول بعد تجرّئِك على سيدك

- حتماً سأقف ضدك .. فأنت تقتل إبداع الموهوبين الذين توقف معظمهم عن التفكير والإختراع ، بعد يأسهم من سرقتك الدائمة لأفكارهم .. وبعضهم اختبأ بمنزله ، مُنعزلاً عن العالم .. 

المدير بلا مبالاة : انا لم اؤذي احداً 

- بلى !! سرقة الأفكار هي جريمة قتلٍ دون رصاص .. وكأنك نحرتهم من الوريد للوريد .. بأيّ حق تسرق احلامهم وجهود حياتهم؟  

- أتدري ما سأفعله بك ؟ سأجعلك كبش المحرقة .. سأدّعي انك انت مدير شركتي .. وأترك الذين تدافع عنهم ينتقمون منك بطريقتهم ، ايها التافه !!


وفجأة ! دخلت الشرطة الى قاعة الإجتماعات السرّية .. بعد وضع الهاكر العاشق كاميرا صغيرة في ملابسه ، صوّرت ما حصل بالإجتماع .. والذي نقله على جميع وسائل التواصل الإجتماعي .. مما احدث موجة غضبٍ عارمة بين الناس الذين طالبوا بمحاكمة الثريّ علناً .. فوافق القضاء على عرض محاكمته مباشرةً على التلفاز الوطني 

***


وفي اليوم المحدّد .. إستمع المتواجدون في قاعة المحكمة ، بالإضافة للمشاهدين لما سيقوله الثريّ المغرور الذي وقف شامخاً في قفص الإتهام :

- انتم تحاكمونني بدل تكريمي على تطبيقي للأفكار المُبدعة التي كادت تتلاشى تحت ملكيّة المبدعين الخائفين والمتردّدين من إطلاق سراحها ، والذين تنقصهم الجرأة لتنفيذها على ارض الواقع .. فالقبور مليئة بالأفكار الخلّاقة التي ماتت مع اصحابها الجبناء .. فالفكرة ليست ملكاً لهم ، بل هي حقّ لمن لديه الجرأة والنفوذ لجعلها حقيقةً ملموسة .. وبسبب طموحي ، نهض مجتمعنا خلال السنوات الثلاث الماضية كما لم ينهض من قبل .. بعد ان ارغمتهم على التحرّك لحماية افكارهم .. وهاهي مكتباتنا تزخر بالكتب النفيسة .. كما انتشرت الأغاني الهادفة بألحانها المميّزة .. عدا عن المشاريع الإنمائية المتطوّرة ، بعد تجرّأ اصحابها الكسالى على طرحها بالسوق .. انا رجلٌ حرّ !! تمكّنت من توليد تلك الأفكار ، ولوّ بعمليةٍ قيصريّة .. انا من بدأت عصر الإنتاج الذهني ، ونقلت المجتمع من ركودٍ فكريّ الى إنفجارٍ إبداعيّ .. وبدل ان تكافؤني على جهودي ، تحاكموني الآن بكل وقاحة .. الا تخجلون من انفسكم ؟!!


ليسمع المبدعون (اصحاب الشكوى) في القاعة ، هتاف الحشود المؤيّدة لكلام الثريّ من خارج المحكمة ، بعد سماعهم كلمته المؤثرة من الشاشة العملاقة ! 

مما ارعب جاكلين ، بإمكانيّة إفلات الثريّ من العقاب على سرقاته الفكريّة! 

وتمتّمت بضيق :

- هل ستتحوّل جريمته لبطولة ؟!

ورفعت يدها ، مُطالبةً القاضي بالسماح لها بالكلام 


ثم قالت امام كاميرات الصحافة ، وهي تشير للمتهم :

- ليس من حقه ، او حقّ ايّ احد سرقة ما وهبه الله لنا .. فالأرزاق قسّمها الله بيننا : بعضنا امتلك المال والثرّوة .. والبعض الآخر لا يملك سوى موهبته التي تميّز بها عن غيره .. اظنكم جميعاً سمعتم بالملحّن المُبدع الذي امضى كل شبابه بتأليف سمفونيّته .. ليقوم هو ..(واشارت للثريّ).. بسرقتها بكل سهولةٍ ويسر .. مما تسبّب بسكتةٍ قلبية لفنّاننا العظيم الذي فقدناه ، بسبب طمع الثريّ وجشعه الغير محدود .. وبذلك خسرنا موهبته للأبد ! 


ثم اقتربت من المتهم : 

- انت لم تسرق فقط افكارنا ، بل سرقت روحنا والموهبة التي نعيش لأجلها .. فتلك الأفكار لم تكن اموراً ترفيهيّة ، بل هي هويّة المُبدعين ونبض قلوبهم 


ثم قالت للقاضي :

- سيدي !! السرقة الأدبيّة تفوق السرقة الماديّة ضرراً ، خاصة من الناحيّة النفسيّة .. فالمال يمكن تعويضه ، والمنزل المُهدّم يمكن إعماره من جديد .. لكن الفكرة المُبدعة هي كنزٌ نادر .. إن نُسخت وقُلّدت ، تنتهي قيمتها للأبد .. نحن كمبدعين لا يهمّنا الكسب المالي ، بقدر ان نترك خلفنا إرثنا الأدبيّ والفكريّ الذي حرمنا هو منها ..(وتشير للثريّ).. بحجّة تقديمه خدمة للمجتمع .. رجاءً سيدي القاضي ، أُحكم بالعدل .. فنحن لا نريد سوى حماية افكارنا التي خصّصها الله لنا ، لحكمةٍ يعرفها وحده.. والقرار النهائي يعود لك

^^^


بعد استراحة القاضي ، عاد للقاعة مع ترقّب الجميع لما سيحكم به .. وعقب طرق طاولته ، طالباً الهدوء .. أصدر حكمه ضدّ الثريّ ، المُتهمّ بثلاث مخالفات :

- السرقة الفكريّة .. والأذى النفسي والمادي للمبدعين .. واساءة استخدامه للذكاء الإصطناعي بواسطة عباقرة الحاسوب (الهاكرز) لمصلحته الشخصيّة .. كما أمره بتعويضٍ ماديّ كبير لأصحاب الأفكار المسروقة ، بالإضافة لسجنه عشر سنوات .. اما الهاكرز : فحصل كل واحدٍ منهم على السجن لخمس سنوات .. بينما الهاكر العاشق : حصل على سنةٍ واحدة ، بعد مساعدته القضاء بالقبض على المتهمين ، وانهائه منظومة الإستغلال الفكريّ

^^^


وفي زنزانته ، ودّعته جاكلين بحزن :

- سأنتظر خروجك بفارغ الصبر 

الهاكر العاشق : وانا اعدك فور تسريحي ، بتحويل احلامك الى حقيقةٍ مُبهرة

***


بعد سنوات .. تمّ تكريم جاكلين على افلامها الشيّقة المنشورة بقناتها على اليوتيوب المليئة بأفكارها الفريدة من نوعها ، بعد قيام زوجها الهاكر (الذي امتهن الجرافيك ديزاين) برسم قصصها (باستخدامه الذكاء الإصطناعي ، البارع فيه) بفيديوهات أنيميشن اثارت اهتمام الشباب والمراهقين .. وبذلك نفّذ وعده لها بتحقيق احلامها .. مما جعلهما من الأثرياء المساهميّن بتحسين المجتمع ، والداعميّن الأقوى للإبداعات الشبابيّة المميّزة ! 


الاثنين، 28 يوليو 2025

العقوبة المتأخرة

تأليف : امل شانوحة 

الماضي الأسود


دفعه الحارس الى زنزانته ، وهو يقول :

- هذه هي الضربة القاضية يا جاك ، ستبقى في ضيافتنا حتى مماتك

فردّ جاك ساخراً : 

- لا تتأمّل كثيراً .. سأخرج بعد مدّةٍ قصيرة ، كما فعلت بالمرّات السابقة

- لا ، هذه المرّة التُهمة ثابتة عليك.. والقاضي حكم عليك بالمؤبّد !! لهذا لن تخرج من زنزانتك إلاّ للقبر


وقفل الباب الحديديّ السميك للزنزانة المتواجدة بعنبر أخطر المساجين.. بينما استلقى جاك على السرير السفليّ ، وهو يقول :

- سأجد طريقة للهرب .. إن لم يكن بطريق الإستئناف القانونيّ ، فبالهرب الفعليّ من هنا.. اما برشوة احد الحرّاس ، او بحفر نفقٍ ما.. فلا شيء سيحرمني حرّيتي !!


وإذّ بجسمه ينتفض ، بعد رؤية رأس سجينٍ ثاني يطلّ من السرير الذي فوقه وهو يقول :

- لن اسمح بهروبك وحدك

جاك بفزع : من انت ؟! وكيف دخلت الى هنا ؟!

السجين : انا هنا قبلك

- لا ! عندما أدخلني الحارس ، كانت زنزانتي فارغة

- هذه زنزانتنا معاً .. كنت فقط مُتكوّراً على نفسي في سريريّ العلويّ ، بعد ان غطيّت كامل جسدي بالملاءة العفنة.. لهذا لم تنتبه عليّ

جاك بضيق : كان على الحارس إخباري بوجود سجينٍ ثاني معي

فنزل السجين اليه ، وهو يقول :

- تبدو مُتفاخراً بنفسك ، كأنك مالك السجن ونحن بضيافتك !

جاك بغرور : بالطبع !! فأنا اكثر شخص تردّد على هذا السجن

- يبدو انك صاحب سوابق ، فماهي تُهمك السابقة ؟

- وما دخلك انت ؟!!

السجين مُحذّراً : بداية غير موفّقة لك.. فأنا سأبقى معك لفترةٍ طويلة ، وعليك التعوّد على وجودي حولك..


جاك : ومن انت ؟ وماهي تهمتك ؟

- انا نسخة عنك ، إرتكبت ذات جرائمك

- ما هذا اللغز السخيف ؟!

فاقترب السجين من وجهه :

- يبدو لم تتذكّرني جيداً ، يا جاك

- انا لا اعرفك بتاتاً !

السجين : لكني اعرف ادقّ التفاصيل عنك

جاك ساخراً : أحقاً ، مثل ماذا ؟

- سأُعرّفك عن نفسي اولاً .. او بالأصحّ ، دعني أخترّ إسماً لنفسي

ثم فكّر قليلاً ، قبل ان يقول :

- حسناً ، لنعتبر ان اسمي اريك

جاك : أفهم من هذا ، انك تخاف إخباري بإسمك الحقيقيّ

اريك : لن يهمّك اسمي بجميع الأحوال.. الأهم هو ما اعرفه عنك

جاك مُتحدّياً : هات ما عندك


اريك : حسناً ، لنبدأ بمرحلة طفولتك.. تحديداً في سن التاسعة ، حين بدأت بوادر الإنحراف السلوكيّ لديك ، بعد قيامك بنتف ريش دجاج جارك.. الى ان قبض عليك ، وضربك ضرباً مُبرحاً امام والدك الذي سارع بالإعتذار منه ، بدل الدفاع عنك ! مما أفقدك الثقة بأبيك ، اليس كذلك ؟

جاك بصدمة : ماهذا الذي سمعته !

- هل فاجأتك ؟

- هذه القصة لها اكثر من اربعين سنة ، وقلّة من الناس تعرفها ! فكيف..

اريك مقاطعاً : لا تُكثر الأسئلة ، دعني أُكمل سجلّك المُشرّف.. بسن ١٣ كنت مشتركاً بسباق اولاد الحيّ الذي ربحه دائماً ، الولد صاحب الدرّاجة الجديدة .. مما اغاظك .. فانتظرت نوم الجميع ، وتسلّلت لحديقته.. ثم غرزت الدبوس مراراً في عجلته .. لتفوز انت في اليوم التالي ، بعد وقوع الصبيّ الذي كسر ذراعه

جاك بدهشة : لا ! هذه صعبة .. فلا احد رآني وانا اقوم بذلك.. هل انت من اولاد حييّ الشعبيّ ؟

- سأجيبك على اسئلتك بعد إنهاء جرائمك السابقة.. (ثم سكت قليلاً) .. هل تذكر جاكلين ، الفتاة البريئة التي تعرّفت عليها بكافتريا الجامعة ؟ والتي أخبرتها بتخصّصك بقسم العلوم ، بالإضافة لعملك بالكافتريا لمساعدة والدك بمصاريف الجامعة .. والمسكينة أحبّتك بصدّق .. الى ان أخبرتها صديقتها أنك مجرّد عاملٌ جاهل ، دون حصولك على شهادة المتوسطة ! حينها لم تكتفي جاكلين بفسخ علاقتها بك ، بل ايضاً غيّرت جامعتها .. وكيف كانت ردّة فعلك ؟ دهست صديقتها بدرّاجتك الناريّة المستعملة دون رحمة !                                                                                                

جاك مقاطعاً : لم انوي قتلها.. فقط كسرت حوضها ، عقاباً لها

اريك : مما تسبّب بعقمها وانفصالها عن خطيبها.. وبسببها سُجنت لأول مرة ، بعد ظهور الحادثة بكاميرا الشارع

- هل تلاحقني منذ طفولتي حتى اليوم ؟!!

- لم انتهي بعد.. (ثم سكت قليلاً) .. بعد سجنك الأول ، تخلّت عائلتك عنك.. وخرجت من السجن دون عملٍ او مُعيل.. وتشرّدت عاماً بالشوارع ، قبل حصولك على عمل بمحطّة بنزين.. وعندما شتمك صاحب السيارة الفخمة بعد مسحك زجاجه الأماميّ دون إذنه.. سكبت بعضاً من البنزين فوق مقعده الخلفيّ من شقّ النافذة ، اثناء إنشغاله بالجوال .. ولم يبتعد بضعة امتار حتى نشب الحريق بسيارته بعد إشعال سيجارته.. وبسبب كاميرا المحطة ، اعادوك الى هنا ، اليس كذلك ؟ 


فهجم جاك على اريك ، مُمسكاً بزيّ سجنه البرتقاليّ .. قائلاً بعصبيّة:

- هل انت مخبرٌ سرّي ، ام طبيبٌ نفسيّ مُندسّ في زنزانتي ؟!! فمن المستحيل ان يعرف احد كل هذه المعلومات عني !

فأزال يد جاك عن ثيابه ، قائلاً ببرود :

- قلت ، سأخبرك بكل شيء .. حتى ادقّ التفاصيل عنك ، قبل الإفصاح عن حقيقتي.. فاجلس بهدوء ، واستمع لما تبقى من حياتك التعيسة 


وبعد جلوس جاك مُرغماً على سريره ، أكمل اريك كلامه : 

- بعد خروجك من الزنزانة ، رفض الجميع توظيفك .. مما جعلك تتهوّر بسرقة بنك بمسدس لعبة ! لكن الحارس انتبه على زيف سلاحك ، قبل خروجك من البنك .. وأوسعك ضرباً .. لتستيقظ من إغمائك داخل الحجزّ .. ولم يمضي وقت ، حتى أُغرمت بحارسة السجن الجديدة التي بغبائها بادلتك المشاعر ! وعندما ساعدتك بالهرب.. أطلق مراقب السجن النار عليكما .. فماتت هي ، وأُصبت انت بذراعك.. وبعد علاجك ، اعادوك للسجن من جديد !

جاك بحزن : لقد أحببتها بالفعل

اريك : كاذب !! انت لم تحب احداً في حياتك

- وما يدريك بمشاعر قلبي ؟!


اريك : انا احفظك ككتابٍ مفتوح .. وانت لم تعشّ تلك المشاعر مُطلقاً .. حتى مع جاكلين التي تقرّبت منها ، للشعور أنك طالبٌ جامعيّ بعد توقف تعليمك.. المهم ، دعني أختم جرائمك بالحادثة الكبيرة التي تسبّبت بحصولك على حكم المؤبّد.. فبعد خروجك من السجن ، تشرّدت مجدداً بالشوارع ..الى ان لمحت عائلةً ثريّة توقف سيارتها الفارهة امام حديقةٍ عامة ، بعد إصرار ابنهم المدلّل على اللعب فيها.. فسارعت بشراء الحلوى ، والإختباء خلف شجرة قريبة من الأرجوحة .. ثم ناديّت الصغير ، اثناء إنشغال والديّه بالشجار حول موضوعٍ ما.. وأغريّته بالحلوى لخطفه ، لأجل فديّةٍ كبيرة من اهله.. لكن سائق العائلة رآك مع الصبيّ .. وركض خلفك.. فكسرت قارورة وجدتها بحاوية النفايات ، ووضعت الزجاجة المكسورة على رقبة الولد الخائف

جاك : الصغير الغبي غافلني ، وأفلت من يدي بعد سماعه صرخة امه .. فقطعت الزجاجة جزءاً من عنقه (الوريد الوداجيّ).. ليعاجل السائق الضخم بضربي بعنف.. وعندما استيقظت في عيادة مركز الشرطة ، أخبروني بموت الولد.. (ثم تنهّد بضيق) ..كل ما اردّته هو بعض المال ، بعد عجّزي عن إيجاد عملٍ لائق

وانهار بالبكاء..


اريك : كفّكف دموع التماسيح !! فأنا اعرف تمثيلك دور النادم ، على امل ان اكون شرطياً ، لكتابة تقريرٍ يُخفّف حكمك .. لكن بسبب سوابقك الماضية ، ستبقى هنا لآخر عمرك الذي يبدو لن يطول كثيراً

فهجم جاك عليه .. وخنقه بقوّة ، وهو يسأله غاضباً :

- من تكون ايها اللعين ؟!! وكيف تعرف اسراري التي لم ابوح بها لأحد ؟!


وهنا سمعا صوتاً من خارج الباب الحديديّ :

- مع من تتكلّم ؟!!

فتوجّه جاك للباب ، قائلاً للحارس :

- إفتح بسرعة !! قبل ان اموت بسكتةٍ قلبيّة ، او اقتل اللعين الذي معي!!

وعندما دخل الحارس ، سأله :

- عن من تتكلّم ؟!


ليتفاجأ جاك بوجوده وحده بالزنزانة ! فسارع بالبحث في السرير العلويّ ، واسفل سريره .. وهو يقول بدهشة :

- كان هنا منذ قليل ! كيف اختفى ؟! هل يوجد بابٌ سرّي بالزنزانة ، لا اعرفه؟!

الحارس : من تقصد ؟!

- اريك اللعين الذي يبتزّني بمعرفته ماضيّ الأسود !!

الحارس : انت مسجونٌ وحدك هنا.. الم أخبرك أنك حوكمت بالإنفرادي ، ام بدأت تفقد عقلك منذ الآن ؟ .. من الأفضل ان تنام قليلاً ، فمازال هناك ساعتان على فترة العشاء


ورغم غرابة الموضوع الا انه استلقى على فراشه في محاولة للنوم ، حتى لا يفكر بما قاله اريك !

***


وبعد ساعتين ، أيقظه الحارس للنزول للقاعة الطعام..

وهناك لمح اريك من بعيد ، وهو يبتسم له !

فأراد الذهاب اليه ، لكن الحارس أجلسه على كرسيّه بالقوة .. وهو يقول :

- ممنوع التحرّك بالقاعة !! إنهي طعامك ، وعدّ الى زنزانتك فوراً

***


عندما عاد جاك الى زنزانته ، فتّش السرير العلويّ دون ايجاد احد..

- يبدو انهم نقلوا اللعين الى زنزانةٍ اخرى


وما ان استلقى على فراشه ، حتى أطلّ اريك من فوقه !

فانتفض جسم جاك ، وهو يسأله مرتجفاً :

- هل انت شبح ؟! كيف تظهر لي وحدي ، دون ان يراك احد ؟!

اريك : لأني بخيالك فقط

- انا لا اعرفك

- لكني اعرفك جيداً

جاك : قل لي من تكون !!

اريك : انا ضميرك الذي أسكتّني لأربعين سنة.. مع اني حاولت كل ليلة تذكيرك بمصائبك ، لكنك تجاهلت صوتي وتنبيهاتي.. واليوم جمعنا القدر ، لأذكّرك بتفاصيل جرائمك كل يوم ، حتى أصغر شعور قهرٍ مررّت فيه ..سأعيد عليك ماضيك مراراً وتكراراً ، حتى تعترف بغلطك


جاك بعصبية : انا لم اخطئ ابداً !! فأبي اعتذر للجار ، بدل منعه ضربي ! وعطّلت درّاجة اللعين ، بعد تفاخره بها على اولاد الحيّ الفقراء .. اما جاكلين فأحببتها بالفعل ، وكذبت لكيّ تقبل صحبتي .. اما صديقتها الفضوليّة ، فاستحقت الدهس لتفريق حبيبتي عني.. والغني المغرور ، إستحق حرق سيارته بعد ان شتمني بقسوة لتنظيف زجاجه ! اما البنك فحاولت سرقته بمسدس لعبة ، مُعرّضاً حياتي للخطر دون أذيّة احد.. فقد رغبتُ برزمة مالٍ ، أفتح به كشكاً أعتاش منه لبقيّة حياتي.. كما ليس ذنبي ان الحارسة المُطلّقة أحبّتني بجنون ، مما تسبّب بموتها .. اما الولد الصغير ، فلم انوي قتله .. هو تحرّك فجأة ، مُسبّباً جرحاً غائراً في رقبته .. كنت اريد مال الفديّة ، لتأمين طعامي .. (ثم تنهّد بضيق) .. كل ما تمنيّته بحياتي : هو منزلٌ دافىء وزوجة حنونة ، وطعامٌ شهيّ وعملٌ احبه.. جميعها احلام بسيطة يتمنّاها كل انسانٍ طبيعيّ.. لكني حرمت منها منذ الصغر !


اريك : لا تزيّف الحقائق .. كل جرائمك بسبب حقدك وغيرتك ، وهمّتك الضعيفة بالدراسة والعمل .. وهذا ذنبك وحدك 

جاك غاضباً : اسكت !!

- أسكتّني سابقاً ، لكني الآن لن اصمت ابداً .. ايها المنحرف الفاشل !!

جاك : لا تقلّ فاشل ! اكره هذه الكلمة التي ردّدها ابي دائماً

اريك : ومعه الحق بقولها .. ايها الولد الفاشل .. فاشل !!!!

جاك صارخاً : قلت اسكت !! اسكت !!!!


وظلّ يصرخ هكذا ، حتى أيقظ حارس السجن الذي توجّه لزنزانته ومعه عصا الصعق ، بعد ان ضايق جميع المساجين بالزنّزانات المجاورة .. ليتفاجأ بجاك مُنتحراً بشرشف سريره الذي ربطه بسقف زنزانته التي سُجن بها بمفرده !


الخميس، 24 يوليو 2025

طفلٌ بعقليّة ملك

تأليف : امل شانوحة 

 

نار الجهل


في العصر القديم ، ببريطانيا .. طلب جاك (رجلٌ ثريّ ، والداعم الأول لدار الأيتام) من الأطفال كتابة امنياتهم لربهم بعيد الميلاد.. دون علمهم بأنه سيقرأها بنفسه ، لتنفيذ طلباتهم..


فكانت معظم طلبات ٢٠٠ يتيم : هي حلويات او ملابس وألعاب.. 

ما عدا رسالة من احدهم ، كتب فيها بالتفصيل : عن مسؤولي الدار الذين يقومون بسرقة تبرّعاته ! 

فالطبّاخ يشوي نصف اللحوم المُرسلة للدار ، بينما يبيع الباقي لحسابه.. 

والأساتذة لا يعلّمونهم كافة الصفوف ، بل يرسلوهم لساحة الدار باكراً ..رغم أخذهم رواتبهم كاملة  

كما يُجبر المدير الأهالي (القادمين للتبنّي) بدفع المال له ، دون علم جاك الثريّ ! 


كما وضّح الولد : قلّة الأدوية وغيارات الملابس ..والمياه الباردة للإستحمام.. والضرب المُبرح عند كل خطأ من الأولاد ، رغم سياسة جاك الواضحة بالرحمة المُلزمة في داره.


وهذه الرسالة أقلقت جاك الذي قام ببحثٍ مُكثّف عن مصاريف الدار مع استجواب عمّالها ، الى ان ثبتّت لديه السرقات والتجاوزات ! مما استدعى طرد العديد من مسؤولي الدار واستبدالهم بآخرين كفوئين..


وأراد جاك تكريم الولد الذي ارسل التنبيه له.. لكن لا احد من الأولاد رفع يده عند سؤاله لهم ! حتى عندما وعد بمكافئة لصاحب الرسالة ، لم يظهر الولد الحكيم ! 

***


فقرّر جاك أخذهم برحلة الى قصره .. وبنهاية الرحلة المليئة بالطعام والألعاب التي ملأت حديقته ، طلب من الأولاد كتابة رأيهم بالرحلة  

ليجد ورقة من بينهم ، يوضّح فيها الولد : خيانة زوجة جاك التي شاهدها تُقبّل حارسه في زريبة القصر ! كما شكّكه بأن حملها ليس منه ، لأن من خلال حديثها مع الحارس : أن علاقتهما تجاوزت السنتيّن.


مما افقد جاك اعصابه .. وهدّد الحارس بالسلاح ، الى أن اعترف مع زوجته بالخيانة ! فقام بطرد الحارس وتطليق زوجته..


وللمرة الثانية لم يعرف من الولد الذي كشف بدايةً : سرقات الدار ، ثم خيانة زوجته ! فالأولاد الأيتام لا يتجاوز اعمارهن ١٣ عاماً .. والذي كتب الرسالتيّن لديه فهم الرجال ! 

***


واستمرّ الغموض للسنة الثانية ، بعد أن وصلته طلبات الأولاد بعيد الميلاد التالي.. ليجد رسالة اخرى من الولد المجهول عن الخطوات التي عليه تتبّعها ، لنجاحه بانتخابات رئيس البلديّة التي رشّح جاك نفسه اليها ! 

وكانت خطواتٌ دقيقة تدل على خبرة الولد بأحوال البلد والمُرشحيّن المنافسيّن ، مُتضمناً رسالته الآتي : 

((سيد جاك .. انت تطمح لمنصبٍ يتنافس عليه الطامعون .. لكنك بخلافهم ، تمتلك الرحمة والإنسانيّة .. اليك خطّة للنجاح على منافسيّك :


1- اللورد جيمس 

رغم قوّته السياسيّة الا ان لديه عثرات يمكنك الإستفادة منها ، للإطاحة به بالإنتخابات القادمة .. اولاً : غروره الذي يمنعه التواصل مع الفقراء ، بينما انت الداعم الأول للأيتام .. ثانياً : ثروّته اتت من البنوك المرابية ، بينما انت من بيع محصول حقولك الزراعيّة ، مما يُثبت نقاء تمويلك .. وثالثاً والأهم : تشجيعه للعبوديّة ، بينما انت تطالب بالحرّية للجميع .. وهذه تكفي لفوزك بالإنتخابات القادمة ، في حال ركّزت عليها بخطابات إنتخابك 


2- المنافسة الثانية : اليزابيث كارتر 

خطاباتها المؤثرة هي بالحقيقة من كتابات مستشارها ، لهذا أحرجها امام الجميع بأن تُلقي كلمة دون تحضير .. حينها سيكون إرتباكها ، سبباً بفوزك .. ثانياً : هي تُعارض التبني ، وانت مؤسسّ فكرة العائلة السعيدة للولد اليتيم .. يمكنك إثارة هذه النقطة بالإنتخابات القادمة ، وستحصل على تأييد الأهالي .. ثالثاً : هي تكره الريفيين ، وقد وضّحت ذلك بأكثر من خطاب عن إشمئزازها من جهلهم وتخلّفهم .. لذلك ركّز انت على أهميّتهم بمجال الزراعة والرعيّ ، وستحصل حتماً على تأييدهم .. فهم اكثر من نصف الشعب البريطانيّ .. 


ختاماً : لا تشتم احداً ، فقط إظهر بمظهر السيد اللبق المحترم .. والناس ستشعر بصدق نواياك .. بالتوفيق لك 

ابنك صغير البنيّة ، كبير الرؤية))

                 

فجمع جاك اساتذة الدار ، وأعطاهم الرسائل الثلاثة (سرقات الدار ، وخيانة زوجته ، وخطّة الإنتخابات) ليسألهم عن خط يد الولد.. لكن لا احد ميّزه او استطاع تحديد احد من تلامذته بهذا الذكاء ! 

***


وبعد نجاح جاك بانتخابات البلديّة .. وصلته رسالة رابعة من اليتيم المجهول ، يبارك فوزه ويخبره الحقيقة :

((انا طالب في دارك للأيتام .. وعمري الحقيقي : اربعين سنة.. انا قزم دون تشوّهات جسديّة.. أقصد ان نموي توقف بعمر العشر سنوات.. وكنت اعيش بإحدى القرى .. وعندما لم اكبر لسنوات ، ظنّوني شيطاناً او جنيّاً مُتلبّساً بهيئة ولد ! وحاولوا حرقي حيّاً.. فهربت منهم ، وقدمت الى مدينتك .. وأصبحات شحاذاً بالشوارع لسنتيّن .. الى ان اتت الشرطة ورمتني بالدار .. ولأني لم اردّ لفت انظاركم اليّ .. كتبت دروسي بيد اليسار ، لأشابه خطوط الصغار الغير مفهومة .. كما لم أُظهر ذكائي لأساتذة الميتم الذين بدأوا يشكّون بي ، لأني لم اطول منذ ثلاث سنوات.. لهذا قرّرت الهرب من الدار ، ومن المدينة كلها .. كيّ لا يحاولوا إحراقي ، كما فعل اهل قريتي.. هذه رسالة وداع.. ورجاءً لا تبحث عني.. سعيد انك سمعت نصائح رجلٍ ، عالق بجسم ولدٍ صغير))


ورغم صدمة جاك بما قرأه ، خاصة ان هذا النوع من التقزّم لم يكن معروفاً في عصره ! لكنه كان مُمّتناً لذلك الرجل الصغير الذي ساعده بالحصول على منصبه الجديد

***


ومرّت السنوات ، إستطاع جاك الحصول على تأييد اهالي منطقته الفرحين بمشاريعه الإنمائيّة ، خصوصاً القرويين .. لكن منافساه القدامى ، لم يكونا سعيدان بسمعة جاك العطرة بين الناس .. فخطّطا معاً للإطاحة به .. وتمكنا من تلفيق تهمة تعامله مع السفير الفرنسي ، بزمن اضّطراب العلاقة بين البلديّن .. مما اغضب الناس الذين طالبوا باستقالته !


ومن شدة حزن جاك من تصديق شعبه لهذه التهمة الباطلة ! رغم مشاريع الإعمار في عهده ، لصالحهم .. إستقال مُرغماً .. مما تسبّب بمرضه الذي تزايد كل يوم 

***


وعلى فراش الموت ، كتب جاك رسالته التالية :

((الى من يقرأ رسالتي بعد موتي .. لم اكن يوماً رجلاً حكيماً .. بل ظننت ان الإهتمام بالفضائل يكفي لرفع مستوايّ بين الناس ، دون الإكتراث لما يجري بالكواليس من دسائس وخيانة .. الى ان وصلتني رسالة طفوليّة من يتيمٍ في داري ، جعلتني اكثر نضجاً وفهماً للواقع والحياة .. وتتابعت رسائله ، كنورٍ وسط عتمة جهلي.. وبنصائح ذلك الولد المجهول ، أوصلني للقمّة ثم رحل .. وبغيابه ، تخبّطت وحدي بقراراتي التي كان بعضها سيئاً ، والتي اوصلتني للإنحدار .. ذلك الولد كان رجل بجسم قزم دون تشوهاتٍ جسديّة .. وهي حالة نادرة ، لم تُعرف حتى الآن ! لذلك اطلب من اطباء وعلماء بلدي دراستها ، في حال وجدوه .. وليخبروه ان كل ثروّتي له .. فهو استحقّها بجدارة بسبب افكاره النيّرة الحكيمة .. فعقله يفوق تاج الملك ، وإن كان مُحتجزاً بجسم طفلٍ صغير))

***  


ووصل الخبر للقزم الذي قدم من القرية المجاورة للحصول على ثروّته ، بعد ان عاش مُشرّداً طوال خمس سنوات هروبه من الدار.. ليحصل ما كان يخشاه ، فمنافسا جاك الطامعيّن بتحويل ثروّته لخزينة البلديّة .. تمكنا من إخافة الشعب بأن القزم هو مرسال الشيطان .. وتمّ تحديد يوم اعدامه حرقاً ، امام الجمهور الغفير الذي تجمّع بساحة العاصمة

 

وقبل إشعال الحطب تحت الصليب المُعلّق عليه ، قال بصوتٍ جهوريّ :

((إبقوا دائماً في عتمة الجهل والتخلّف !! أنا لم اسعى يوماً للملك ، بل وجّهت سياسيّاً طيباً لخدمتكم .. بينما تكترثون انتم بالشكل دون المضمون .. اليوم تحرقونني ، فقط لأن جسمي لم ينمو ! .. الشيطان الحقيقي هو جهلكم !! كم من موهوب سحقتموه بغبائكم .. وكم من طفل قتلتم مستقبله بتمسكّكم بتقاليدكم البالية .. انا كنت الشمعة في حياتكم ، أوجّههكم نحو الأفضل .. لكنكم قرّرتم إطفائها اليوم .. لهذا تستحقون اليأس الذي انتم فيه !! .. انا الطفل الرجل .. ورسائلي ستُدرّس يوماً للأجيال القادمة .. ليعرفوا مدى جهلكم وتخلّفكم .. رسائلي هي صرخة عقلٍ ناضج في زمن الطلاسم والشعوذات .. إحرقوني الآن ، لكنكم لن تطفؤا شعلة الفكر ابداً!!))

***


بعد سنواتٍ طويلة .. تم اكتشاف حالات مشابهة للقزم المُعجزة ، التي تمّ دراستها علميّاً في جامعات الطب ببريطانيا والعالم : وهي حالة توقف النمو الجسدي للطفل ، بينما عقله يستمر كرجلٍ طبيعيّ .. اما رسائل اليتيم : فمازالت تُدرّس بكتب التاريخ ، على انه العبقريّ الذي حوكم كشيطان ! والذي لُقّبه العلماء ب(طفلٌ بعقليّة ملك) !             

الاثنين، 21 يوليو 2025

نقطة تحوّل

تأليف : امل شانوحة 

القصة المُعدّلة


جلست امام كعكة عيد ميلادها ٤٧ ، ببيجامتها وشعرها المنكوش ..وهي تحتفل وحدها بعد زواج إخوتها ، وبقائها مفردها في منزل اهلها .. وأخذت تُدنّدن بنبراتٍ ساخرة ، أغنيّة عيد الميلاد .. قبل إطفاء شمعتها ، وهي تتمنى للمرّة الأخيرة تغيّر حياتها المُملّة !

ومن بعدها فتحت حاسوبها وهي تتأمّل مدوّنتها التي فيها ٨٥٠ قصة متنوّعة ، والتي أمضت سنوات شبابها بكتابتها.. ورغم جوّدة وإحترافيّة الأفكار ، الا ان لديها قلّة من المتابعين ! 

فقالت بحسرة :

- كان عليّ سماع نصيحة إخوتي ، بالعمل بأيّةِ وظيفة اداريّة بدل تضييع عمري بالإهتمام بموهبة ستتلاشى أهميّتها بعد الذكاء الإصطناعي الذي قضى على المواهب البشريّة !


وقبل إغلاق حاسوبها ، إنتبهت لرسالة في بريدها الإلكترونيّ من منتجٍ مشهور يعرض عليها مليون دولار بعد اختيار إحدى قصصها لتحويلها لفيلمٍ سينمائيّ ! 


شعورٌ لم تعهده من قبل ! قشعريرة سرت بكل جسدها ، كأنها نبتةً ميتة سُقيت بماءٍ مُنعش.. 

وبيدين مُرتجفتين ، سألته عن اسم القصة التي أعجبته ؟

لتتفاجأ باختياره قصة : عن رسّامة طموحة تقرّر انهاء حياتها بعد فشلها ببيع لوحاتها ، التي انشهرت بالإنترنت بعد وفاتها ! 

وهي القصة الوحيدة التي سردت فيها الكاتبة معاناتها من تعسّر احوالها ، من خلال البطلة (الرسّامة) التي جسّدت فيها يأسها من الحياة الغير عادلة ! وهي قصة كئيبة بامتياز ، بسبب كره الكاتبة لعنوستها وفشلها بإيجاد وظيفةٍ مُلائمة.. 


ولم تنتهي الصُدف باختيار المنتج لقصة حياتها لتحويلها لفيلم ، بل طلب منها تغيير نهاية القصة لتكون اكثر تفاؤلاً للشباب ! 

فوعدته بتنفيذ طلبه بأسرع وقتٍ ممكن

***


لتمضي ليلتها في صراعٍ نفسيّ مع قصةٍ تحكي تفاصيل حياتها .. مما جعلها بين ناريّن : صدقها الأدبيّ ، ورغبتها بالتأثير الإيجابي على المشاهدين .. من خلال إرغام نفسها على تغيّر اسلوبها الدراماتيكيّ التي اعتادت عليه لسنواتٍ طويلة !


فخطرت ببالها فكرة : وهي نشر النسخة المُعدّلة في مدوّنتها ، لمعرفة رأيّ قرّائها إن كانوا يفضلوّن النهاية القديمة اليائسة ، ام النهاية الإيجابيّة الجديدة : ((وهي تمكّن البطلة (الرسّامة) من بيع اول لوحاتها ، لمعجبٍ يعمل سرّاً كهاكر.. إستطاع نشر لوحتها ضمن موقعٍ الكترونيّ تابع لأهم معرضٍ فنّي ، مُختصّ بلوحات اشهر الفنانين العالميين.. ليقوم الأثرياء برفع سعر اللوحة بالمزاد العلني.. مما جعل مسؤولوا المعرض يطالبون الرسّامة بإرسال المزيد من لوحاتها بعد زيادة الطلب عليها ! وكلّه بمساهمة الهاكر التي وافقت الزواج به ، بعد تغيّره حياتها بذكائه ومكره ، دون ان يكشف خداعه احد !))

***


لتتفاجأ الكاتبة باليوم التالي ، بالكثير من التعليقات الإيجابية على قصتها المُعدّلة ! (رغم ان الكاتبة اعتادت سابقاً بوجود تعليق او تعليقيّن على كل قصة تنشرها ، مهما كانت قوّتها الأدبيّة) لكن هذه المرة تجاوزت المئة تعليق من قرّائها المُخلصين الذين تابعوا مسيرتها الأدبيّة لسنواتٍ بصمت !

وجميعهم أيّدوا تغيير نمطها الكتابيّ .. وابتعادها اخيراً عن السوداويّة التي كانت تُنغّص نفوسهم رغم جوّدة افكارها الإبداعيّة !             


مما صدمها بالفعل ! فهي لم تكن تدري ان قصصها لها تأثير نفسي سلبي عليهم.. فهي حاولت إخراج يأسها من عقلها وقلبها على شكل قصةٍ خياليّة فحسب !

وهذا جعلها تشعر بالمسؤوليّة امام مئات الشباب والمراهقين الذين زوّدت إكتئابهم ونظرتهم المتشائمة للمجتمع طوال سنوات نشرها القصص !


فسارعت بنشر رسالة اعتذارٍ لهم :

((الى قرّاء مدوّنتي المُخلصين :

أعتذر عن كل قصة اطفأت نور الأمل في قلوبكم بسبب نهايتها المأساويّة .. فمن دون قصد تسرّب يأسي وحزني بين السطور ، دون إدراكي بظلالها السوداء التي حطّت على عقولكم وقلوبكم .. ليس رغبةً بإيذائكم ، بل جهلاً مني بتأثير الكلمة على نفوسكم وآمالكم المستقبليّة ! 

من اليوم فصاعداً ، سأكون على قدر المسؤوليّة لما تخطّه يُمنايّ.. رغم أنّي لن أُزيّف واقعنا الكئيب ، لكني سأبحث معكم عن نورٍ في آخر نفقنا الطويل المظلم.. 

الى ان نصل معاً ، لنهاية الألم والمعاناة.. ثم نتساعد للصعود الى سلّم النجاح خطوةً بخطوة.. 


شكراً لمرافقتكم دربيّ الطويل الشائك ، رغم افكاريّ السلبيّة .. انا مُمّتنة لعدم ترككم مدوّنتي المتواضعة.. 

ومنذ اليوم ، لن يكون هناك سوى قصصاً مُفعمة بالأمل والتفاؤل ، وإيماناً بقدرة الله على تغيير مستقبلنا نحو الأفضل .. 

انتم اجمل قصصي وأكثرها وفاءً.. 

كاتبتكم المُحبّة))


لتصلها مجموعة من الردود والمديح .. كما النقد البنّاء من قرّائها المُتمكّنين من اللغة الأدبيّة الذين قدّموا نصائح مفيدة تساعدها بمستقبلها القادم.. كما شجّعوها على تعاملها مع المنتج ، لتحويل قصة حياتها لفيلمٍ سينمائيّ

***


وهذا ما حصل لاحقاً .. بعد رفضها مبلغ المليون دولار من المنتج ، واستبداله بنسبة عشرين في المئة من ارباح الفيلم ، في حال نجح بصالات السينما بنسخته المُتفائلة ..فهي لا تريد الحصول على مبلغٍ كبير إن لم يشاهده احد (كيّ لا يتكبّد المنتج الخسارة وحده)


لكن مالا تعلمه الكاتبة انِِ هذه النسبة جعلتها تحصل على اضعاف المبلغ الذي كان سيقدّمه المنتج ، بعد ترجمة فيلمها لعدّة لغات ! حتى أصبح ايقونة ورمزاً ثقافيّاً للشباب ، بعد ان اعطاهم دفعة امل لمتابعة حلمهم ، وصولاً للنجاح والشهرة !

***


وفي المقابل .. أثّر الثراء المادي على نفسيّة الكاتبة التي اعتنت بجمالها لأول مرة منذ صباها ، بعد ان غيّرت اسلوب لبسها .. واشترت منزلاً صغيراً بالجبل ، لديه مطلّ رائع يلهمها المزيد من الكتابة.. 


كما تحسّنت علاقتها بإخوتها واقاربها بعد مساعدتهم ماديّاً ، عقب ظهورها بعدّة مقابلاتٍ تلفازيّة ، ومعارض الكتاب لتوقيع قصصها التي نشرتها مؤخّراً .. والتي حضرها مجموعة من قرّائها القدامى ، للتصوير معها.. 

وهي في المقابل اعطتهم هدايا قيّمة ، إمتناناً على دعمهم السابق طوال مسيرتها الكتابيّة

***


بعد سنوات ، وفي عيد ميلادها السبعين .. لم تكن وحدها ، بل مع مجموعة من المعجبين الذين اقاموا إحتفالاً لها بإحدى صالات السينما ، بعد عرض فيلمها العشرين الذي نجح عالميّاً كسابقيه


وبعد توديعها لهم ، عادت الى منزلها الجبليّ.. لكن فرحتها بنجاحها الأخير ، حرمها النوم .. فذهبت للشرفة المُطلّة على واديٍ مُزهر ، بنسماته العليلة .. واضاءت مصباحها .. لكتابة قصة جديدة متفائلة ، كعادتها بالسنوات الأخيرة .. والإبتسامة العريضة تعلو وجهها السمح .. يعكس نوراً داخليّاً ، سيضيء درباً للأجيال القادمة !


الخميس، 17 يوليو 2025

اللقاء الأخير

تأليف : الأستاذ عاصم 

الطلب المُوجع !


عاصم : الو زينب .. كيف حالك ؟  

زينب : بخير ، الحمد الله

عاصم بحماس : لجنة المسابقة ارسلت لي تفاصيل المشاركة

زينب بحزم : أخبرتك مراراً انني لن اشارك ، وهذا قراري النهائيّ!!  

- وكل مرة ترفضين توضيح سبب إصرارك الغريب على الرفض ! 

- من فضلك يا عاصم لا تتعبني ، فلا طاقة لديّ للجدال 

عاصم : لكن هذه المرة مُختلفة ، فالرواية التي كتبناها معاً إستثنائيّة ..وقد أخبرني احد اعضاء اللجنة ان إحتمال فوزنا كبيرٌ جداً 

زينب : وانا مازلت عند رأييّ 


عاصم : اذاً سآتي اليك ، لجعل والدتك تُقنعك بالمشاركة ..وبجميع الأحوال ، المسابقة بمدينة النقب القديمة (بين السعودية والأردن وفلسطين وسيناء) ولابد ان اسافر ، حتى لوّ اشتركت وحدي

- هل جننت ؟! وكيف ستخرج من الحدود ؟ هل تسعى للإعتقال ثانيةً؟! 

- لا يهم .. اساساً صحّتي متدهوّرة ، وربما اموت هذا العام 

زينب : عاصم !! توقف عن هذا الجنون 

- الليلة بإذن الله ، سأنطلق مع قريبي في شاحنة نقل لتهريب السلع عبر الحدود

زينب : صدّقني لن تصل بعنادك لشيء 

عاصم : ايّاً تكن النتيجة ... اراكِ قريباً على خير  

***


بالموعد المحدّد.. إنطلق عاصم مع قريبه برحلةٍ طويلةٍ وشاقة .. توقفا خلالها عدّة مرّات ..وسلكا طرقاً في الصحراء ، للتهرّب من الكمائن الأمنيّة.. وما ان وصلا لمدينة النقب سالميّن ، حتى ارسل لزينب : 

- لقد وصلت ..اين انت ؟

زينب : يعني نفّذت ما في رأسك ! 

عاصم مُعاتباً : أهذا ترحيب الضيوف عندكم ؟!

زينب : صدّقني ، انت تُعذّب نفسك دون نتيجة 

عاصم : لا يهم .. إرسلي فقط ، موقعكِ على الخريطة 

- حسناً ، ما دمت مُصرّاً .. سأرسله الآن  ، لأني اريد رؤيتك لسببٍ آخر

- آه ! يظهر على هاتفي انكِ على بعد 5 كيلومترات ! اراكِ قريباً 

***


وصل عاصم الى الموقع المحدّد على الخريطة.. 

- زينب ، اين انت ؟ لقد وصلت ، لكني لا ارى منازل قريبة من هنا !

زينب : لكني اراك .. إقترب اكثر  

عاصم وهو يلتفت حوله بارتباك : اين ؟! 

زينب : هل ترى ذلك السور القديم امامك ؟ إمشي حتى نهايته .. ثم أُدخل من البوّابة الحديديّة على يمينك

عاصم : هآ قد دخلت ، لكني مازلت لا ارى شيئاً !

- انا اراك جيداً 

عاصم بضيق : هل تسخرين مني ؟!

- صدّقني يا عاصم ، انا اراك بوضوح .. إقترب فقط من الحجر الكبير بجانب الشجرة 


فاقترب عاصم من الحجر ، وهو ينظر حوله : 

- واين صار منزلك ؟!

فسمع صوت زينب من اسفل الحجر : 

- ضع الهاتف بجيبك ، فلن تحتاجه بعد الآن 

عاصم وهو ينظر للحجر مذهولاً ! 

لتقول زينب : يبدو انك لم تفهم بعد 

عاصم : أفهم ماذا ! ولماذا تضعين ميكروفوناً اسفل الأرض ؟!  


وقبل ان تجيبه .. ازاح قماشةً بالية مُصفرّة من الشمس فوق الحجر ، ليجد شاهد قبر مكتوباً عليه : 

((كل نفسٍ ذائقة الموت .. إنا لله وإنا إليه راجعون 

المغفور لها بإذن الله : زينب بو صالح التي وُلدت :

29 يناير 1984 ميلادياً ...الموافق 25 ربيع الآخر 1404 هجرياً

والوفاة في يوم : 29 يناير 2000 ميلادياً ...الموافق 22 شوال 1420 هجرياً))


فجثا عاصم على ركبتيّه وهو يضع يده على قلبه الذي يكاد ينفطر من الصدمة !

صوت زينب : مازلت اراك وأسمعك يا عاصم ..هل علمت الآن لماذا تجنّبت لقاءك؟! 

عاصم وهو منهار بالبكاء : 

- هل تمزحين معي ؟ أُخرجي من مخبئكِ الآن ، وكفّي عن هذه السخافات .. مستحيل ان أصدّق انك ميتة .. مستحيل !!!

زينب : كنت اعلم بعدم تقبّلك الحقيقة .. رجاءً توقف عن البكاء والعويل ، ماذا تركت للنساء اذاً ؟! 

عاصم : ايّةِ حقيقة ؟ هل تريدين ان أصدّق انك مدفونة في هذا القبر منذ 25 عاماً ! 

- لا تهتم كثيراً بالتواريخ ، فالزمن يتوقف في القبور  

عاصم بتهكّم : وكيف كنت اراسلكِ على الهاتف منذ سنوات ؟ هل اصبحت المقابر مزوّدة بالهواتف الآن ؟

زينب : ومن قال انني املك هاتفاً بهذا المكان الضيّق والمظلم ! 

عاصم : يعني انا توهّمت كل الأحداث الماضية ! هل كنتِ غير موجودة من الأساس  ، وانا اختلقتك داخل عقلي ؟ يعني كنت احادث شبحاً لسنواتٍ طويلة ؟ 

زينب : لم تكن تتوّهم ، ولم تختلقني يا عاصم 


عاصم : اذاً إشرحي ما حصل قبل ان افقد عقلي ! 

زينب : باختصار ، في عيد ميلادي ال16 .. كنت اسير بالطريق شاردة ، وانا ابكي من خذلان حبيّ الأول الذي حطّم قلبي .. فصدمتني سيارة ، ومُتّ على الفور ..ثم دُفنت كأيّ انسانٍ يموت .. وبُليّ لحمي وأكله الدودّ ، وصُرت تراباً .. لكن في إحدى الليالي المُقمرة .. سمعت غجريّة تجلس امام شاهد قبري ، وهي تنطق بعباراتٍ غير مفهومة .. بعدها سمعتها بوضوح ، كما تسمعني انت الآن ! وعرضت عليّ ان تمنحني قدرة التواصل والتخاطر مع ايّ شخصٍ اريده ، في مقابل حفنة من جسدي الذي أصبح تراباً ، بالإضافة لعظمة من جمّجمتي التي لم تكن تحلّلت بعد ! وحين سألتها عن السبب ؟ قالت ان هناك ارواحٍ مميّزة بخصائص معينة تستفيد منها ، ورفضت الإفصاح اكثر عن الموضوع ! 


عاصم مُعاتباً : ولما اخترتني من بين كل الناس ؟ لما لم تتواصلي مع احد من اقاربك ؟

زينب : كان هذا سيفقدهم صوابهم .. امّا لما اخترتك انت ؟ ربما لتشابه ارواحنا .. فكلانا نعشق كتابة القصص ، وعشنا حياةً صعبة .. لهذا كان سهلاً التواصل بيننا .. او ربما هناك حكمةً قدريّة لا نعلمها بعد !  


فانهار عاصم بالبكاء ، وهو مُنحنيّ الرأس : 

- كلامك يعني انني أحببت سراباً ! .. (ثم تنهّد بقهر) .. آه يا زينب .. كنت انتظر هذا اليوم بشوقٍ ولهفة.. أن اراك وأعانقك ، كما حلمنا معاً ..وأن نتسابق على الشاطيء ، كما وعدتك .. ونتراشق الرمال ، كالمراهقين ..كنت اريد مقابلة الإنسانة الوحيدة التي تعلم بوجودي ، والتي كنت أحيا لأجلها .. لطالما حلمت بلقائنا الأول ، لأروي حنيني بالنظر لعينيّك العسليتيّن اللتيّن تحدّيتني بفقد عقلي لوّ أطلت التحديق بهما ..وكنت اضحك من مزاحك العذب الطفوليّ ..اردت فعلاً مقابلة شقّ روحي ، ونصفيّ الآخر التي تعذّبت كما تعذبت ..والتي كانت تضمّد جراحي ، وتخفّف عني ما اكابده من مصاعب الحياة.. كنت الوحيده بهذا العالم ، التي فهمت ما بقلبي دون كلام ! كنت البلسم والدواء .. وكنت تصفينني بروحك وحبك الحقيقيّ ، وابنك وبهجتك الوحيدة بحياتك الصعبة ..كنت انتظر هذا اليوم ، كيّ اعانق روحك المُعذبة .. وأربت على قلبك الكسير ، وأجبر ما كسرته السنون فيك !  


فظهر صوت زينب وهي تتأوّه بحرقة : 

- لما تقلّب عليّ المواجع يا عاصم ؟ رجاءً لا تنكأ جروحي .. إرفع رأسك .. يكفي هذا القدر من الآلام ، فالتواصل مع عالمكم يتعبني كثيراً ..وأريد ان ارتاح كبقيّة الموتى .. لهذا سأطلب منك خدمة اخيرة 


فاستعاد عاصم بعض قوته ، وهو يرتقّب ما ستقوله حبيبة قلبه : 

- بالطبع عزيزتي ، قولي ما تشائين .. حتى لوّ طلبتي ان نتبادل الأماكن ، فلن أترددّ لثانيةٍ واحدة 

زينب : ليس لهذه الدرجة ، اطال الله عمرك..


وقبل ان تخبره بطلبها ، لاحظت بعض الزوّار يدخلون المقبرة.. 

زينب : إبقى صامتاً حتى يذهبوا ، كيّ لا يظنوك مجنوناً 

عاصم : لم اعد اهتم بآراء الناس .. فقط إخبريني بطلبك 

زينب بصوتٍ خافت : باختصار ايها الكاتب الطموح .. كل قصة ولها نهاية .. واليوم سنختم حكايتنا معاً 

عاصم بقلق : لم افهم ما تقصدين ؟! 

- التواصل معك يُرهقني طاقيّاً ونفسيّاً .. وهو لن ينتهي الا بغلق الرابط بين العالميّن ، عن طريق رشّك الملح فوق قبري .. أخبرني بهذا الحل ، جني مسلم يسكن المقبرة  


عاصم بقلق : هل تدركين ما تطلبينه مني ؟! 

زينب : نعم ، فراقٌ ابديّ  .. لكنه بالدنيا فقط ، حتى نلتقي بالجنة بإذن الله .. هل ظننت انني سأتخلّى عنك بالآخرة ؟ 

عاصم : لا ، لن افعل !! وكأني أقتلك للمرة الثانية .. هذا حرام 

زينب : حرام ! انت آخر شخص يتحدث ناصحاً.. الم تخبرني انه ذات يوم خلال توصيلك لإحدى طلبيّات عميلك ، أغمضت عيناك وانت تقطع الشارع ! والمرة السابقة اوقفت سيارتك على سكّة القطار ، لولا العامل الذي غيّر المسار بآخر لحظة بعد ان رفق بحالك .. يعني لولا لطف الله وأجلك الذي لم يحن بعد ، ما كنا نتحدّث الآن .. ثم انا لست مثلك ، لأني اساساً ميتة.. وسيظلّ بإمكانك زيارتي متى تشاء..  وسأسمع كلامك بوضوح ، حتى لوّ عجزت الردّ عليك 


عاصم : أتقولين زيارتك ؟ انا لن ارحل من هنا ابداً !! 

زينب  : هل جننت ؟! وكيف ستعيش في المقبرة ؟!  

عاصم : سأفرش بجانب قبرك ، او أبني عريشة من فوقي .. سأدبّر اموري ، لا تقلقي بشأني

زينب : وماذا عن عملك ؟ 

عاصم : بعد فوزنا بالجائزة ان شاء الله .. سأرسل لوالدتك نصفها ، لتتصرّف بها كما تشاء .. ونصيبي ، أستأجر به بقالة صغيرة قرب المقبرة .. وإن لم أفزّ بشيء .. سآكل من حشائش الأرض ، دون تركك وحدك .. سأبقى هنا ، حتى أُدفن بجانبك .. اساساً صحّتي تسوء كل يوم  ! 


زينب : لا تفعل هذا بنفسك ، انا رضيت بقصر عمري.. لكن ما تزال امامك فرصة لعيش حياتك .. عُدّ الى بلدك ..

عاصم مقاطعاً : لن اغادر وأتركك !! اساساً ليس لديّ احد في بلدي  

زينب : يبدو اني عشقت مجنوناً ! ومع هذا ستطيعني هذه المرة .. ستتركني ، وتُكمل حياتك .. ستتزوج وتُنجب العديد من الأولاد .. وستحافظ على صحتك حتى يأتي اجلك بعد تجاوزك المئة عام بإذن الله .. ستفعل ذلك ، إن كنت تحبني فعلاً !! 

فسكت عاصم دون اجابة ..


زينب : المهم الآن ، هل ستنفّذ طلبي الأخير ؟

فتنفّس عاصم مطوّلاً ، قبل ان يقول بضيق : 

- إن كان هذا سيريحك ! 

زينب : شكراً يا عاصم 

- أتشكرينني على قتلك مرةً أخرى ؟!

زينب : أتفهّم غضبك ، لكني اعلم ايضاً انك تحبني ..وستفعل الشيء الذي يجعلني ارقد بسلام بعد ان ارتاح من الموجات والتردّدات التي تُنغصّ عيشي ، او الأصح موتي ! وعندما تشتري الملح وترشّه على قبري ، سينتهي الكلام بيننا .. حينها تقرأ الفاتحة ، ثم تمضي في طريقك دون مشاعر ذنبٍ او حنين .. وبذلك يكون وداعنا سهلاً .. اراك في الجنة بإذن الله ، يا حبيّ الحقيقي 

عاصم وهو يكتم دموعه بصعوبة : 

- الوداع يا زينب .. في حفظ الله ورعايته ، حتى لقائنا القريب 


وما ان خرج عاصم من المقبرة حتى انفجر بالبكاء والنحيب ، وهو يشهق بصعوبة .. وقلبه يكاد يتوقف من ثقل المهمّة التي ألقتها زينب على عاتقه ، دون ان يعلم كيف سينفّذها !


الثلاثاء، 15 يوليو 2025

لقب بلا حقوق

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

غدر الورثة 


في ليلةٍ باردة ، إستيقظت صبيّة (عشرينيّة) في مكانٍ غريب ! لتجد سائقها الستينيّ (المتوظّف حديثاً بالقصر) يُقدّم لها الطعام .. فسألته عن مكان تواجدها ؟ وسبب خطفه لها ؟! 

وقبل ان يُجيبها ، سمع صوت سيارة تقف خارج منزله .. فأسرع بتكميم فمها ، وإنزالها بالقوّة الى قبوّ منزله .. وأمرها بعدم إصدار صوت ، مُهدّداً بقتلها !


وعندما سمعت صوت أخيها الكبير في الخارج .. حاولت الصراخ ، لكنها توقفت بعد سماع سؤاله للخاطف : إن كان قتلها ؟!

فأكّد السائق إتمامه المهمّة ! 

فسأل اخوها : وكيف اتأكّد من موتها ؟

الخاطف : يمكنك نبش قبرها الذي حفرته حديثاً في مقبرة القرية 

اخوها : لا !! يكفي ان تُحضر ملابسها المُلطّخة بالدماء ، ليتأكّد اخوايّ بتخلّصي منها 


وكان هذا الحوار ، صدمة حياتها ! فهي لديها ثلاثة إخوة كبار من والدها الذي تزوّج امها كزوجةٍ ثانية .. وبعد وفاته ، كتب كل املاكه لها 


وفي هذا الصباح ، كانت في طريقها الى المحامي لتقسيم الميراث بشكلٍ عادل بينها وبين إخوانها الذين خطّطوا مع سائق العائلة بخطفها لخارج المدينة وقتلها ، لحصولهم على الميراث !


ليختم اخوها اتفاقه ، بالقول :

- لن تحصل على مال الا بعد تقديم دليل موتها غداً ، وهذا قراري النهائي !!


ثم صوت محرّك سيارته يبتعد عن المكان ، ليتبعه خطوات الخاطف وهو ينزل اليها ! والذي فتح باب القبو وهو يحمل سكيناً كبيراً :

- سمعتِ بنفسكِ إتفاقي مع اخيك .. احتاج ملابسك المُلّطخة بالدماء للحصول على المال


ولم تستطع الصراخ بسبب الرباط القماشيّ حول فمها ، بعد فشلها بفكّ الحبل عن يديّها وقدميها المُقيّدين بالكرسيّ الحديديّ في ذلك القبوّ المُعتم ! 

***


بعد انتهاء عزائها ، وتردّد إخوانها على مكتب المحامي للإسراع بتقسيم الورثة بينهم .. بدأت احداثٌ غريبة تحصل في منازلهم ! كسماع احدهم لقهّقهتها المميزة خلف نافذة غرفة نومه ! والآخر إشتمّ عطرها النفّاذ على ملابسه ، والتي كادت تُسبّب طلاقه من زوجته .. والثالث وجد صوراً فوتوغرافيّة تجمعه بأخته في طفولتهما ، مُتناثرة فوق سريره ! 


بعدها صاروا يتلقّون رسائل نصيّة من جوالها الذي دُفن معها (حسب كلام الخاطف) والتي تلومهم على قتلهم لها ، وهي تذكّرهم بمحبّتها وعطفها عليهم قبل وفاة والدهم! 

***


قبل نهاية الشهر .. إجتمع الإخوة الثلاثة في قصر والدهم الذي اصبح خالياً بعد مقتل اختهم (التي توفيّت امها اثناء ولادتها) لمناقشة الأحداث الغريبة التي حصلت معهم  


الأخ الأكبر بعصبيّة : لابد ان السائق حصل على جوال اختنا الذي يُرسل منه ، لابتزازنا بمزيدٍ من المال !!

الأخ الأوسط : لكن الرسالة التي وصلتني تُذكّرني باعتنائها بي ، بعد كسر قدمي قبل سنوات .. فكيف لسائق وظّفته انت (الأخ الكبير) قبل شهرين ، من معرفة ذلك ؟!

الأخ الصغير : وانا وجدّت صور طفولتنا على سريري ، وهي من تحتفظ بهم ! أتظنونها حيّة ؟!

الكبير : مستحيل !! فالخاطف أحضر ملابسها الملوّثة بالدماء ! 

الصغير مُعاتباً : كان عليك نبش قبرها بنفسك !!

الكبير بعصبية : ومن لديه الجرأة للذهاب لمقبرة القرية مساءً ، لحفر القبور!!  

الوسطاني : كان الأصحّ لوّ قتلناها بأنفسنا .. لا ادري لما وكّلنا سائقها بذلك!

الكبير : أتريد توريطنا بجريمة قتل ؟! خاصة ان معظم شوارع مدينتنا مزوّدة بالكاميرات

الصغير : معه حق .. اساساً تعمّدنا حضور عرس قريبنا ، ليكون حجّة غيابنا اثناء خطفها ! 


فتمّتم الكبير بندم : كان عليّ تسميمها ، كما فعلت مع ابي

الأخ الصغير بصدمة : ماذا قلت ؟! هل انت من قتلت والدنا ؟!

فالتزم الكبير الصمت .. فتوجّه الصغير بسؤال اخيه الوسطانيّ :

- هل كنت تعلم بذلك ؟!

الوسطاني : اثناء غيابك ، أخبرنا عن نيّته بكتابة املاكه لإبنته بعد حصولها على منحةٍ دراسيّة بالطبّ ! وعندما خطّط اخي لتسميم طعامه ، لم أعترض .. لأنه برأيّ ظلمنا بحرماننا من الميراث

الصغير معاتباً : لا اصدّق ما اسمعه ! هو لم يحرمنا من شيء .. وكان رحيماً معنا.. 

الكبير مقاطعاً بغضب : تتكلّم وكأنك ملاك !! لا تنسى انك شريكنا بقتل اختنا 

الصغير : انت اخبرتني أن السائق الجديد عرض عليك خطفها لقريته ، بعد قراءته مقالاً عن خسارة ثروّتنا بسببها.. وبعدها أخبرتماني بموتها ! ظننت في البداية انكم ستخيفانها فقط ، للتنازل عن حقوقها 

الوسطاني : لا داعي لمناقشة الماضي .. المهم الآن ، ان نستعجل بتقسيم الميراث بيننا  


وانتهى الإجتماع باتفاقهم على الذهاب لمكتب المحامي ، في ظهر اليوم التالي 

***


الا انه في الصباح الباكر ، تفاجأ الأخ الأكبر والأوسط باقتيادهما لمركز الشرطة بعد حصول المحقّق على تسجيلٍ صوتيّ لهما (اثناء تواجدهما بقصر الوالد) يكشف إعترافهما بقتل اختهما الوحيدة لأجل الميراث ! بالإضافة لجريمة الأخ الكبير بتسميم والده !


فسأل المحقّق الأخ الكبير : هل تنكر إعترافك بالتسجيل الصوتي ؟

فأجاب غاضباً : لا ! لكن اخي الصغير حذف كلامه الذي يُثبت تورّطه معنا بجريمة اختنا 

المحقق : وماذا عنك ؟

الوسطاني : اخي الصغير الماكر ، تخلّص منا بعد تسجيله إعترافنا سرّاً .. وكما قلت بالتحقيق .. اخي الكبير هو من خطّط ، للتخلّص من ابي.. وهو الذي اتفق مع السائق على قتل اختي 

المحقق : لكنك لم تعترض ؟

الوسطاني : ردّة فعلي مُشابهة لأخي الصغير 

المحقق : للأسف لا نملك دليلاً ضدّ اخيكما الصغير على تورّطه بالجريمتيّن .. اما السائق فقد بحثنا عنه في السجلّات المدنيّة ، ويبدو ان اسمه الذي توظّف به مزوّراً .. اما كوخه بالقرية ، فكان خالياً ! 

الأخ الكبير : وماذا سيحصل لنا ؟

المحقق : ستعرفان بالمحكمة 

***


في يوم المحاكمة .. تمّ إعفاء الأخ الصغير من العقوبة ، بعد كشفه الجريمة (عقب تقديمه التسجيل المُدين لأخويّه) 

اما الأخ الأكبر : فصدر الحكم بالسجن عشر سنوات على قتله والده ، مع الشروع بقتل اخته ! 

بينما حُوكم الوسطاني بسنةٍ فقط ، لتستّره على جريمة تسميم طعام ابيه .. اما جريمتهما بحق اختهما ، فسقطت بعد تنازلها عن حقها بمقاضتهما !


وكان قدوم الأخت الى المحكمة ، صدمة للإخوة الثلاثة ! التي نجحت بإقناع الخاطف بالتغاضي عن قتلها ، مقابل جائزةٍ ماليّة ! 

***


بعد خروجها من المحكمة ، وجدت السائق بانتظارها .. فدخلت سيارته ، مُعاتبة :

- الم تحصل على مكافأتك على مساعدتي بتخويفهم ؟ لم اتيت الى هنا ؟ إن رآك اخي الصغير ، سيبلّغ الشرطة عن تورّطك بخطفي السابق 

السائق : لأن عملي معكِ لم ينتهي بعد

وفاجأها بوضع قماشة المخدّر على انفها ، لتسقط مغشيّة عليها في سيارته !

***


إستيقظت مساءً في كوخٍ بالقرية ، لتجد سائقها يشاهد التلفاز 

- لما خطفتني مجدداً ؟! أتطمع بمزيدٍ من المال ؟! واين انا الآن؟

السائق : هذا بيتي الحقيقي ، غير الكوخ الذي استأجرته بالقرية المجاورة لإتمام اتفاقي مع اخيك الكبير

- وماذا تريد مني ؟

- اريد ان أُريك الحقيقة 

ووضع شريط فيديو قديم ، لتظهر امها على التلفاز !

الصبية بصدمة : كيف حصلت على فيديو لأمي التي توفيّت اثناء ولادتي؟! 

السائق : هي ستخبرك بنفسها 


وكانت الأم (في الفيديو) منهارة بالبكاء ، وهي تناشد شخصاً ان يسامحها على تخلّيها عن حبه ، بعد إعترافها بحملها إبنته !

وبعد انتهاء الفيديو ، قالت الصبيّة بصدمة :

- لم افهم شيئاً ! من ذلك الشخص الذي تحدّثت امي عنه ؟

السائق بحزن : هذا انا .. فقد غيّرت اسمي قبل العمل لديكم 

الصبية بدهشة : هل كنت حبيب امي ؟!

- امك من قريتي .. وقد أحببنا بعضنا منذ الطفولة .. لكن والدك اللعين عاد من المدينة ثريّاً .. وأغرق اهلها بالهدايا ، حتى وافقوا على تزويجها له .. رغم علم اهالي القرية بعلاقتي الوطيدة معها .. ومع ذلك انتقلت معه للمدينة ، دون ان تخبرني بحملها مني


الصبية بقلق : أتقصد انني ابنتك ؟!

- نعم .. ووصلني هذا الفيديو بشهرها التاسع ، كأنها تعلم بموتها اثناء ولادتك .. لكني بالسنوات الماضية لم اجرؤ على المطالبة بك ، لأنك عشتي بقصرٍ فخم ، وتعلّمتي بأفضل المدارس .. وانا لا استطيع توفير الرفاهيّة لك 

فصرخت الصبيّة بعصبية : ومالذي تغيّر الآن ؟!!

- عندما رأيت صورتك بالصحيفة ، إهتزّ كياني لشبهك الكبير بأمك .. وبعد قراءتي المقال : عن غضب إخوتك بعد خسارة ثروّة والدهم ، علمت انهم سيخطّطون للقضاء عليك .. فتقدّمت لأخيك الأكبر بوظيفة سائق .. بل انا من اقترحت عليه خطفك ، كيّ أحميك منهم .. 


ثم رمى ظرف المال التي قدمته له ، امامها :

- انا لا اريد مالك يا ابنتي .. اريد فقط ان تعيشي معي ، لما تبقى من عمري .. فأنا كبرت بالسن ، وأحتاج من يؤنس وحدتي 

الصبيّة بعصبية : لن اصدّق ما قلته ، حتى أُجري فحص DNA

- كنت اتوقع ذلك .. وانا مستعد للذهاب معك غداً للمشفى ، لإجراء كل الفحوصات اللازمة

^^^


وبعد ايام ، ظهرت النتيجة مُربكة .. فهو لم يكن والدها فحسب ، بل هناك قرابة تجمعه بأبيها الحقيقي ! 

ليخبرها : بأنه ابن عمه .. وبذلك لن تضّطر لتغيير لقبها ، فالثريّ ايضاً من اهالي قريته

^^^


ووصل الخبر لأخاها الأصغر الذي سارع برفع قضيّة إبطال استحقاقها الميراث ، مُستندًا على نتائج الحمض النووي الذي يُثبت أنها ليست ابنة والده شرعاً.. 


وبالفعل خسرت ميراث والدها الثريّ ، مع إحتفاظها بلقب العائلة !

***


وقبل تركها المدينة ، زارت قبر والديّها المُتجاوريّن .. قائلةً لأمها :

- انت لم تخوني زوجك ، بل هو حرمك حبيبك الفقير .. لهذا اسامحك 


ثم قالت لوالدها الثريّ :

- جيد انك توفيّت قبل معرفتك بأن ابنتك المُدلّلة ، ليست من نسلك .. اشكرك على كل اهتمامك ومحبّتك لي ، واعتنائك بدراستي .. لن انساك ابداً .. لكن عليّ العودة لأبي الحقيقي ، فهو بحاجة اليّ 


وقبل خروجها من المقبرة ، إلتقت بأخيها الصغير الذي قدم لزيارة قبر والده .. 

مشهدٌ صامت ، لا عتاب ولا كلام ! كأن اعينهما تستذكرا طفولتهما ومراهقتهما معاً ، فهو يكبرها بسنتيّن فقط .. لكنها بالنهاية ، ليست من عائلته !

وأمضى كلاً في طريقه ، كأن حياتهما السابقة مُجرّد وهمٍ كبير ! 

***


وبعد عوّدتها للقرية .. قرّرت تحويل منحتها الدراسيّة الى الطبّ البيطري ، لمساعدة المزارعين والرعاة في قريتها الفقيرة ..

ورغم تدهوّر حالتها الماديّة ..الا ان الأهالي استقبلوها بحفاوة ، لحبهم الشديد لأمها 


ولم يمضي وقت .. حتى تعوّدت على حياتها الريفيّة ، بعد زواجها من طبيب عيادتهم الذي خطف قلبها بجمال شكله وأخلاقه العالية .. ليكون تعويضاً إلهياً عن كل خيباتها الماضية !  


ثمار الكفاح

تأليف : امل شانوحة  الموهبة المُرهقة في تلك الليلة .. استلقت الصبيّة على سريرها ، وهي تفكّر بقصتها الأولى التي نالت استحسان عائلتها .. وأخذت...