الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

الدفن الأخير

تأليف : امل شانوحة 

الشواهد المتعدّدة 


في مقبرةٍ غطّاها الضباب ، التي عبقت برائحة الموتى والأرواح التائهة.. حفرت امرأةٌ اربعينيّة قبراً بثبات ، دون مشاعر حزنٍ وإحباط .. لميتة تُشبهها بالعمر والملامح !

وبعد تسوية التراب بعناية ، غرست شاهداً خشبياً يحمل اسمها ! 


قبل اضاءة كاميرا جوالها ، وهي تقول : 

- لم تكن توأمتي ، بل نسختي القديمة .. الطيبة الى حدّ الغباء ، التي آمنت بالخير يسكن قلوب البشر الذين استنزفوها حتى الرمق الأخير ! ..(ثم تنهّدت بقهر) .. لم أُشفى يوماً من جرح الهجران ، او من استهانتهم بأفكاري وموهبتي ! فهم من أجبروني على التحوّل لشخصٍ جديد ، كما تخلع الفراشة جلد الشرنقة.. تظنون انها جثتي الوحيدة ، أنظروا جيداً !!


وأدارت كاميرا جوالها على ستة قبورٍ أخرى .. بشواهد تحمل اسمها ، بتواريخ مختلفة ! 

ثم اردفت قائلة :

- تلك المقابر هي نُسخي القديمة ، منذ طفولتي حتى الآن .. كل واحدة منها ماتت بعد خذلان ، أو صدمة تلقيّتها من قريبٍ أو غريب هدم جزءاً مني… لكني نهضت ، أصلب من ذي قبل .. فاليوم صارت عظامي من حديد ، وعقلي مُبرمجاً كالحاسوب.. لم تعد نفسيّتي تُجرح بسهولة .. أصابني برود بالمشاعر ، كأني روبوتٌ دون نبض ! لا أقاوم ولا أنتقم ، فقط أُركّز على بناء مستقبلي ! كلماتهم لم تعد تؤذيني ، بل أصبحت وقودي للمضيّ بنفقي الذي بدأته بسن المراهقة .. فأنا لا أحفره لأجلي ، بل تمهيداً لمن يأتي بعدي.. لهذا سأقاتل بذكاء ، لا بسذاجة نُسخي القديمة


ثم مسحت بيدها على اسمها المحفور على الشاهد الأخير :

- لن أمرّ على الدنيا مرور الكرام .. سأترك وراءي أثراً يلمع كالمنارة .. وسأُكرّم يوماً ، حتى لوّ بعد موتي : كأفضل كاتبةٍ للأجيال القادمة


ثم أغلقت الكاميرا ، تاركةً المقبرة خلفها .. وهي تعدّ نفسها : بأن لا تدفن المزيد من نسخها المهترئة .. بعد ان بات النجاح وشيكاً ، كضوءٍ يلوح بآخر النفق ! 

هناك 8 تعليقات:

  1. هذه القصة ليست غروراً او ثقة زائدة مني ، مجرّد خواطر تشجيعيّة لنفسي ، لمتابعة المسير بهذا المشوار الطويل الصعب!

    ردحذف
    الردود
    1. لا لوم عليكِ.. لك كامل الحق لتشجيع نفسك
      أعجبتني هذه الخواطر
      لكن لدي تساؤل! كما في هذه القصة ستة قبور لنسخ قديمة كذلك في قصة الظلال الستة ست ظلال لشخصيات أو نسخ قديمة!
      فهل نفهم من ذلك أنكِ تغيرت ست مرات أو تعرضت لست صدمات كانت نقطة تحول بالنسبة لكِ؟

      حذف
    2. بالتأكيد ستة ، وما فوق .. ليت لي فيديو بعمر الطفولة .. كنت أشبه بملاك ، لا أملك ادنى فكرة عن خبث الناس !

      حذف
  2. بعض البشر يخلقهم الله سبحانه وتعالى بقلوب نادره مختلفه يجرحهم نسيم الهواء ويقلقهم حفيف الأشجار أظن أن البطله أو الكاتبه كما يتجلى إنهم نفس الشخص منهم
    بعضنا يؤلمه الأذى من الناس أو النقد المتواصل أو الكلام الجارح أكثر من غيره

    لست أدري مابعيني غير أني لم أنم !
    حيرة في السهد تبدو ثم يغشاها الألم
    طيف ليلات الغرام ثم أطياف الندم
    ثم أغدو كالغريق بين أمواج العدم

    أين في الأضواء نوري ؟
    أين في الأصداء همسي ؟
    أين قيثاري الحبيب ؟
    أين في الأعراس عرسي ؟

    هل غدت ناري رمادا ؟
    أم ذرى الإعصار يأسي ؟!

    ردحذف
  3. https://www.facebook.com/watch/?v=544335108421398

    ردحذف
    الردود
    1. الشهد والدموع .. المقطع والشعر جميلان ، شكراً لك

      حذف
  4. نمر بحياتنا بمراحل كثيرة ندفن فيها حياة سابقة لنبدء من جديد ونكون اصلب مما كنا يبقى الأهم أن نكون تعلمنا من الماضي جيدا ليكون حاضرنا ومستقبلنا أفضل

    ردحذف

اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة  بين شرفتيّن في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفج...