الاثنين، 30 يونيو 2025

مسابقة حافلة الموت

تأليف : امل شانوحة 

إنتقام الماضي 


وجد عشرة اشخاص انفسهم داخل حافلة دون سائق ، تسير مساءً بشكلٍ دائريّ حول ساحة القرية الخالية من المشاة بعد نوم الأهالي بهذا الوقت المتأخر !


حيث استيقظوا معاً بعد سماعهم صوتاً من مسجّل الحافلة ، لرجلٍ يقول :

- اهلاً بكم في رحلتكم الأخيرة !!

فسأله احدهم بقلق : من انت ؟! وكيف تسير الحافلة وحدها ؟!

الصوت : هذه الحافلة تمّ صُنعها خصيصاً لي .. وانا أتحكم فيها عن بُعد ، بتقنيّةٍ حديثة

- ومالذي تريده منا ؟!

الصوت : لن أفصح عن هدفي الآن .. اردّت فقط إعلامكم بأن الطعام محدود في الحافلة التي تتواجد فيها دوّرة مياهٍ صغيرة.. كما ستجدون اسفل كراسيكم مجموعة من الأسلحة المختلفة مثل : سكين ومسدس وصاعق كهربائي وعصا حديديّة ورذاذّ الفلفل .. وكما تلاحظون ، الأسلحة تكفي نصفكم ! ومن يبقى حيّاً منكم ، يفوز بسيارةٍ جديدة .. بشرط !! ان يقودها خارج القرية دون توقف .. ففي حال عاد الى بيته ، سأقتل بقيّة عائلته وأحرق منزله

احد الركّاب بامتعاض : ولما كل هذا ؟!

راكبة : مالذي فعلنا ، كيّ تعاقبنا بهذه الطريقة الوحشيّة ؟!

راكبٌ آخر غاضباً : اساساً من تكون لتحجزّ حرّيتنا ؟!!


الصوت : إن تذكّرتم الماضي ، ستعرفون السبب .. اما عن مدّة الرحلة ، فهي متوقفة على تصفيّة بعضكم.. فإن بقيّ ناجيٍ وحيد ، سأوقف الحافلة فوراً .. اما ان رفضّتم اللعب ضمن شروطي ، ستبقون داخل الحافلة الى مالا نهاية .. فهي غير مزوّدة بالوقود .. وتقنيّتها الإلكترونيّة المتطوّرة ، تجعلها تسير شهراً بشكلٍ متواصل 

أصغر الركّاب (المراهق) بخوف : سيجدنا احدهم وينقذنا

الصوت : الأبواب والنوافذ ضدّ الكسر .. كما انها كاتمة الصوت ، ومُظلّلة من الخارج.. وانتم تسيرون ضمن ساحة إحتفالات القرية ، التي بالعادة تُفتح صيفاً.. وطالما نحن في فصل الشتاء ، فالأهالي منشغلون بأعمالهم ومدارس اولادهم .. ولن يقترب احد من الساحة ، البعيدة عن منازلهم ومحلاّتهم التجاريّة

- لكنهم سيفتقدون وجودنا ، وسيبلّغون الشرطة عن إختفائنا !

الصوت : لا اظن ذلك .. فبعد ان خطفتكم من سياراتكم ومتاجركم ، واثناء مشيّكم بالشارع برذاذي المُخدّر.. ارسلت لأهاليكم : عن غيابكم الفترة القادمة ، بسبب سفركم للمدينة لموضوعٍ عاجل.. وبعدها تخلّصت من جوالاتكم .. لهذا سينتظرون على الأقل اسبوعاً ، قبل إبلاغهم الشرطة عن إختفائكم .. حتى دوريّات الشرطة لن يخطر ببالها تواجدكم معاً بأطراف القرية .. ما يهمّ الآن ، إن مسابقتي بدأت للتوّ !! وانتم ستحدّدون الفائز بينكم ، بينما سأكتفي بالمراقبة عن..


احدهم مقاطعاً : انت لم تخبرنا بسبب مسابقتك الدمويّة ؟ وهل كان إختيارنا عشوائيّاً؟!

الصوت : بالعكس !! بحثت عنكم بدقّةٍ وحذر .. وعليكم معرفة السبب بأنفسكم .. المهم ان تركّزوا الآن على الطعام والشراب التي تركتها بجيوب كراسيكم .. وهي كما ذكرت سابقاً ، كميّات محدودة .. بينما أراقبكم من كاميراتٍ صغيرة ، وُزّعت بكل أجزاء الحافلة .. ألقاكم لاحقاً !!

وانقطعت المكالمة !


فوقف الراكب (اكثرهم بدانة) وهو يوجّه مسدساً (وجده اسفل كرسيّه) نحوهم :

- من الآن إخبركم ، أنني لن اموت جوعاَ .. لهذا ستعطوني شطائركم وقوارير مياهكم ، لأني أستحقها اكثر منكم .. هيا !! ماذا تنتظرون ؟!!

فأعطوه طعامهم وشرابهم مُجبرين..


فقال احدهم : رجاءً لنهدأ جميعاً !! فنحن لا نريد قتل بعضنا ، لأجل شخصٍ مجنون .. دعونا نفكّر جدّياً بسبب خطفه لنا ، فهو أكّد تعمّده ملاحقتنا بالإسم ! ولنبدأ بوظائفنا ؟


لكن لا احد يعمل بنفس مجال الآخر ! فالعجوزان موظّفان متقاعدان .. والمراهق مازال في الثانويّة .. والسيدة تعمل في متجر ملابس .. والشاب ، عامل نظافة تابع للبلديّة .. وشابٌ آخر كهربائي.. والصبيّة كانت تُجهّز نفسها للسفر ، للدراسة الجامعيّة في المدينة .. وحبيبها السابق (الذي صادف وجوده معها بالحافلة) ملاكم .. والشاب البدين ، عاطل عن العمل .. اما الرجل ، فلديه محل تجاريّ صغير في سوق القرية !


فقال احدهم بضيق : لم نكتشف بعد ، سبب إختياره لنا !

البدين وهو يأكل بقيّة الشطائر بنهم ، قائلاً بلؤم :

- لا تتعبوا انفسكم بالتفكير .. فبجميع الأحوال ، سأفوز انا بالسيارة الجديدة

الشاب (عامل النظافة) ساخراً : أهذا همّك ؟! الطعام والسيارة .. الا تهتم بمنعه رؤية عائلتك من جديد ؟!

البدين بلا مبالاة : أتقصد والدايّ اللذان يرفضا علاج سمنتي او إدخالي نادي رياضيّ لتحسين صحتي ، بعد تجاوز وزني ٢٠٠ كيلو ؟ لا يا عزيزي ، أُفضّل الخروج من القرية قبل توقف قلبي

فردّت السيدة : طالما يُهمّك صحتك ، دعّ لنا بعض الشطائر .. فنحن لا نعلم كم سنبقى هنا


الرجل العجوز بقلق : يا شباب !! إهتموا اكثر بإيقاف الحافلة.. فسيرها بشكلٍ دائريّ يُشعرني بالغثيان .. فأنا رجلٌ كبير ، وعليّ أخذ دواء القلب

المرأة العجوز بخوف : وانا مريضة سكّري ، وأشعر حالياً بالفزع .. وإن لم أحصل على حقنتي ، سأصاب قريباً بنوبة سكّر

البدين بلؤم : ممتاز !! هكذا أتخلّص من اثنين دون خسارة رصاصات مسدسي

عامل النظافة بعصبية : اللعنة عليك !! أتظنه سهلاً بقائك بحافلة مليئة بالجثث ؟

البدين : لا تقلق ، ستنتهي المسابقة قبل تحلّل اجسادكم 

الصبيّة معاتبة : يبدو انك خُلقت دون ضمير !

فقال الرجل ، للبدين : 

- طالما انت قاسي هكذا ، فحاول تذكّر ماضيك .. لربما أذيّت قريباً لذلك المجنون الذي قرّر معاقبتنا على ذنبك ؟!

البدين : لا ، لم افعل شيئاً

عامل النظافة ساخراً : بالتأكيد لم تفعل ، فأنت علقت في مطبخ منزلك طوال حياتك البائسة

البدين باستحقار : إخرس ، ايها العامل القذر !!

فردّ عليه : وماذا ستفعل إن لم أسكت ، ايها الفيل الضخم ؟ اساساً ما كُنا لنسمع تهديداتك ، لولا عثورك على المسدس .. ولوّ كان من نصيبي ، لنسفت بطنك المُترهّل .. لكن يبدو سأكتفي بمقبضي


وضربه على بطنه ، محاولاً اخذ المسدس منه.. ليحصل عراكاً بينهما .. أدّى لكسر رقبة البدين بلكمةٍ قويّة ، وحصول العامل على مسدسه !


فتنهّدت السيدة بارتياح : الحمد الله على تخلّصنا من المشاكس النتن

العجوز للعامل : رجاءً بنيّ ، إخفض مسدسك كيّ لا تخرج منه رصاصةً طائشة


ليُفاجئ العامل الجميع ، بتوجيه المسدس نحوهم !

- ماذا تفعل ؟!

عامل النظافة : طالما انا الوحيد الذي يملك المسدس ، فستطيعون اوامري

- اهدأ قليلاً ، نحن لا نريد مزيداً من القتلى


فأخفى العامل المسدس في خاصرته ، جالساً في مقعد السائق الفارغ وهو يقول :

- سأهدأ في الوقت الراهن .. لكني أؤكّد لكم ، أنني سأكون الناجي الوحيد بهذه الرحلة المشؤومة


وحاول التحكّم بمقوّد الحافلة الذي يتحرّك اوتوماتيكيّاً .. في الوقت الذي انشغل فيه بقيّة الركّاب بكسر الباب والنوافذ .. حتى ان بعضهم صرخ بعلّو صوتهم ، على امل ان يسمعه احد من خارج الحافلة !


بهذه اللحظات .. جلس الشاب (الكهربائي) بجانب الصبيّة الجميلة (الجامعيّة) محاولاً التودّد اليها .. مما أفقد حبيبها السابق (الملاكم) اعصابه ، والذي لكمه بقوة على وجهه ! 


وعلى الفور ! تطوّرت المشادة بينهما ، لاستخدام الحبيب القديم للسكين (الذي وجده اسفل كرسيه) وطعن الكهربائي عدة مرات ، حتى قتله ! 


فصفعته صديقته السابقة على جرمه .. فعاتبها الملاكم بغيظ :

- يبدو انك انجذبتِ له فعلاً ، ايتها الخائنة !

فردّت بحنق : كم مرة أخبرتك بأن علاقتنا انتهت ؟!!


وكادت السيدة (وهي خالة الصبيّة جامعيّة) ان ترشّ الفلفل على وجهه (من العبوّة التي وجدتها اسفل كرسيها) لكن رجلٍ آخر سحبها من يدها :

- هل جننتِ ؟!! إن أطلقتها هنا ، سنموت اختناقاً من رائحتها النفّاذة ..خصوصاً لعجزنا عن فتح الباب والنوافذ

الصبية الجميلة : معه حق يا خالتي ، كما ان الرائحة ستقتلني

خالتها : آه ! نسيت انك مصابة بالربوّ .. كنت احاول فقط إبعاده عنك

فردّ الملاكم بلؤم : لا تتدخّلي بشؤوننا ، ايتها العانس !!

الخالة غاضبة : إسكت ايها الحقير !!

الصبيّة بقلق : رجاءً اهدآ قليلاً !!


ثم طلبت من خالتها العودة الى مقعدها ، وهي ستتصرّف مع حبيبها السابق الذي يبدو مازال غاضباً مما حصل ! حيث تبادلا الشتائم .. لينتهي الجدال بصعق الصبيّة له (من الصاعق الكهربائي الذي وجدته اسفل كرسيها) 

مما أفقده صوابه ، وجعله يسدّد طعنةً مباشرة الى قلبها ! 

وبذلك أضيفت جثتان جديدتان الى البدين المقتول (الصبيّة والكهربائي)


بهذا الوقت العصيب ، أُصيبت العجوز بنوبة سكّر.. 

وانشغل بقيّة الركّاب لإنقاذها .. بينما كان عامل النظافة (الجالس بمقعد سائق الحافلة) يصرخ ألماً بعد لمسه سلكاً عارياً ، صعقه كهربائيّاً ! 


فحاول العجوز إبعاده عن المقوّد ، ليُصعق معه .. ويموتا معاً !

وماهي الا دقائق ، حتى لحقتهما العجوز بنوبة السكّر !

^^^


وبعد ساعة من وضع الجثث الستة فوق بعضها بآخر الحافلة ، بعد تساعد الركّاب الأربعة بجرّ البدين للخلف .. مُستفسراً احدهم :

- كيف استطاع صاحب المسابقة تخدير البدين ، وحمله وحده لداخل الحافلة ؟!

- طالما صُنعت الحافلة المتطوّرة خصيصاً له ، لابد انه صنع آلة لحملنا مُخدّرين الى هنا ! فهو يبدو ثريّاً

- هو مجنون وحسب !! 

- دعونا منه ، ولننهي عملنا سريعاً .. لربما بقينا هنا حتى الصباح ، ونحتاج مقاعد فارغة للنوم عليها


بهذه الأثناء ، تمكّن المراهق من كسر جزء من نافذته بعصاه الحديديّة (التي وجدها اسفل مقعده) مُخرجاً نصف جسمه للخارج وهو يصرخ بعلوّ صوته ، طالباً المساعدة .. قبل ان ترتجّ الحافلة بعد دهسها كلباً بالخطأ .. جعلت الزجاج المكسور يخترق كبد الصبيّ ! 

وقد حاول الركّاب الثلاثة إيقاف نزيفه لنصف ساعة ، قبل تسليمه الروح !

^^^


وبعد ساعة .. كان الراكبان على وشك تقسيم الشطيرة الأخيرة (التي لم يأكلها البدين) قبل سماعهما صراخ السيدة (خالة الصبيّة) التي تمكّنت من خلع مقعد الحمام ، وهي تناديهما فرحاً لإيجادها طريقةً للهرب .. وإذّ بالحافلة يزداد سرعتها فجأة ، لتتعثّر الخالة وتسقط بالحفرة (بأرضيّة الحمام) وتُدهس تحت عجلاتها الخلفيّة !


بهذا الوقت لم يهتم الملاكم بمصير السيدة (خالة حبيبته السابقة) وطعن الرجل (صاحب المتجر) الذي اراد أخذ الشطيرة معه ، قبل دخوله الحمام لمعرفة مصير السيدة (فهو لا يثق بالملاكم) 

وبعد انهائه الشطيرة بثواني من شدّة جوعه ، إنتبه أنه الناجي الوحيد! 


فسارع لمسجّلة الحافلة ، وهو يقول بحماس :

- لا ادري ان كنت تسمعني ، لكني الفائز في مسابقتك !!

لتتوقف الحافلة فوراً ! 


الصوت : مبروك يا بطل !!! والآن إجلس في مقعد السائق ، للتوجّه لمكان الجائزة 

الملاكم بدهشة : هل ستسمح لي بقيادة حافلتك ؟!

الصوت : بكل تأكيد !!

- أخاف ان تصعقني بالمقوّد ..

الصوت مقاطعاً : لا !! اطفأت الصعق الكهربائي .. لكني أنبّههك منذ الآن ، بأن الحافلة مُلغّمة .. وفي حال حاولت العودة لمنزلك او طلب المساعدة من سائقي سيارات الطريق العام ، سأقوم ..

الشاب مقاطعاً : لن افعل ، اعدك بذلك !! اريد فقط الخروج من هذا الجحيم

^^^


ثم قادها حتى وصل الى هناك ، مع بزوغ الفجر...

الملاكم بقلق : لما أخذتني الى بحيرة القرية المتجمّدة ؟!

الصوت : لأن مهمّتك الأخيرة هي إغراق الحافلة بالماء

- لكنك وعدتني بسيارةٍ جديدة ؟!

الصوت : وهي متوقفة هناك ، بين الأشجار .. الا تراها ؟

الشاب بحماس : واو ! يالها من سيارةٍ رائعة 

الصوت : وستحصل عليها ، بعد وضعك احد الجثث فوق دوّاسة البنزين .. بينما تخرج من باب الحافلة قبل سقوطها بالماء

- لكن الباب مغلقاً بإحكام !

وقبل إكمال كلامه .. فُتح الباب ، ثم عاد للإنغلاق من جديد !


الصوت : انا أتحكّم بكل شيء .. ضعّ الجثة فوق الدوّاسة .. وقف بجانب الباب الذي فور فتحه لك ، تقفز من الحافلة .. معك خمس ثواني للنجاة

^^^


بعد إنهاء مهمّته الأخيرة.. وقف الملاكم امام البحيرة منصدماً ، وهو يشاهد غرق الحافلة بجثثها التسعة اسفل اللوح الجليديّ !

- لم اكن اعرف ان بحيّرتنا بهذا العمق !


ثم توجّه لسيارته الجديدة .. ليسمع الصوت ذاته من مسجّلتها :

- مبروك السيارة ، يا بطل !!

الملاكم بضيق : أستراقبني هنا ايضاً ؟!

الصوت : لا ، اردّت فقط تهنئتك .. وعليك قيادة سيارتك نحو المدينة ، دون تفكير العودة الى منزلك

- لا تقلق ، لن أفتقد عائلتي النكديّة .. لكني حزين ، لعدم توديع اخي الصغير  

الصوت : ربما تراه بعد سنوات .. هيا انطلق !!

- لحظة ! لم تفهمني سبب إختياري مع اولئك الأشخاص داخل حافلتك؟!


فسكت الصوت قليلاً ، قبل ان يقول بنبرةٍ حزينة :

- قبل خمس سنوات ، أُقيم حفل الحصاد في نفس المكان الذي تحرّكت فيه الحافلة بشكلٍ دائريّ

- صحيح ، نحن نقيم ذاك الحفل مرّة بالسنة

الصوت : اعلم ذلك ، فأنا من اهالي القرية السابقين

الشاب بصدمة : أحقاً ! ومن تكون ؟!

الصوت : وهل تظنني أحمقاً لأخبرك بهويّتي ؟

- آسف سيدي ، إكمل القصة

الصوت : في ظهر ذلك اليوم .. تمكّن ابني وصديقه الهرب من مدرستهما ، لرؤية الحفل الذي منعته الذهاب اليه.. ونزل صديقه اولاً .. وقبل خروج ابني ، أغلق السائق الغبي باب الحافلة على حقيبته .. ليتمّ سحله حتى الموت !

- اذاً الولد المراهق الذي كان معنا هو صديق ابنك ، اليس كذلك؟!

الصوت : نعم .. وهو وانتم ، لم تفعلوا شيئاً لإنقاذ ابني ! حتى انكم لم تصرخوا لإيقاف السائق ، ايها الملاعين !! مع انه قاد حافلته مرتيّن داخل الحفل !

- كنا مذهولين مما حصل ! كما كان هناك الكثيرين غيرنا ، فلما اخترتنا نحن بالذات ؟!

الصوت: لأن احدهم صوّرالحادثة .. لتظهر انت والأشخاص التسعة داخل الفيديو الذي رأيته اول مرة بمركز الشرطة ، قبل استلامي اشلاء ابني .. وطلبت من المحقّق إحتفاظي بالمقطع المؤلم


الملاكم : أذكر ان الأهالي ساهموا بدفع تعويضٍ كبيرٍ ، على فقدان ابنك الوحيد

الصوت : نعم ، واستثمرت ذلك المال بالبورصة بعد انتقالي للمدينة .. وأصبحت ثريّاً ، لدرجة انني طلبت تصنيع هذه الحافلة للإنتقام منكم .. فمجرّد صراخكم كان كفيلاً بإنقاذ ابني ، ايها الجبناء !

- اذاً لماذا لم تقتل سائق الحافلة المُستهترّ ؟!

الصوت : يبدو لم تسمع بما حصل له ! فقد خنقته بسلكٍ حديديّ ، ورميت جثته بالوادي بعد شهر من وفاة ابني .. لكن موته لم يشفي غليلي ! وخطّطت لسنوات ، للإنتقام من المتخاذلين

- معظم اهالي القرية تواجدوا في حفل ذلك العام ، وهم ايضاً لم يفعلوا شيئاً لإنقاذ ابنك .. لكن لسوء حظنا ، ظهرنا وحدنا بفيديو الرجل المجهول!

الصوت : المهم انه انتهى كابوسي أخيراً

الشاب بقلق : وماذا عني ؟!

الصوت : يمكنك الذهاب في طريقك ، فقد نجوّت من انتقامي


فأسرع بقيادة سيارته الجديدة الى خارج القرية..

لكن قبل خروجه من حدود سياجها الحديديّ .. إستيقظ الأهالي على دويّ إنفجارٍ غامض ، دون علمهم بوفاة الملاكم داخل سيارةٍ مجهولة!

***


في مقبرة القرية .. وقف الرجل امام قبرٍ صغير ، وهو يمسح دموعه:

- إنتقمت لك يا بنيّ .. قتلت الذين اكتفوا بمشاهدة موتك بأسوء الطرق ، وأشدّها إيلاماً ! اتمنى ان تحظى بالسلام الروحيّ .. اما الأهالي ، فلن يعلموا بمصير المفقودين الا بعد ذوبان الجليد عن البحيرة .. لذا عليّ ترك القرية نهائياً والهجرة للخارج .. ليت بإمكاني نقل رفاتك معي ، لكني مجبور على تركك هنا .. في امان الله ، يا ابني الوحيد


وخرج من المقبرة .. راكباً سيارته المستأجرة التي ستوصله لمطار المدينة ، ومنها للغربة بعد حصوله على انتقامٍ طال انتظاره !


الخميس، 26 يونيو 2025

النجومية الصعبة

تأليف : امل شانوحة 

بين الظلام والنور


((هاهو الكابوس اللعين يُعاد من جديد ! ذات المنزل المظلم المُعبّق برائحة البخور الخانقة ! الن تنتهي لعنتي ابداً ؟! سنواتٌ طويلة وانا اهرب من هذا الحلم المزعج .. لكن هذه المرة لن اخاف ، سأستجمع قوايّ لاستكشاف المنزل الكئيب))


وفي المنام : تجرّأت رؤى لأول مرة على الصعود للطابق العلويّ من المنزل المجهول ! وكما توقعت ، الأمر يزداد رعباً كلما اقتربت من ممرّه الطويل ، بغرفه المتعددة .. والمُغلقة بأقفالٍ حديديّة من الخارج ، كأنها زنزاناتٍ نتنة !

حيث تناهى الى سمعها ، انفاس المساجين المضّطربة وهي تنساب بين الجدران وشقوق الأبواب المُعتمة ، كأنها ارواحٌ عالقة داخل سجونها منذ اعوامٍ طويلة !

وفجأة ! بدأت الغرف تُفتح الواحدة تلوّ الأخرى ، ليخرج اشخاصٌ مُكبّلة اقدامهم العارية بالسلاسل الصدئة الطويلة .. جميعهم ينظرون لها بعيونٍ دامعة ، كأنهم فرحوا بصعودها نحوهم لأول مرة منذ طفولتها !


قبل ان تقول صبيّة بوجهٍ مشوّه بمرضٍ جلديّ ، وبنبرةٍ معاتبة :

- كنا نصرخ بإسمك لشهورٍ وأعوام ، الم تسمعي توسّلاتنا كل هذه المدة ؟!

رؤى بدهشة : هل تعرفونني ؟!

فأجاب شيخٌ كبير :

- لا ، لكن مصيرنا مرتبطٌ بك 

رؤى باستغراب : لم أفهم قصدك ، يا عم ! .. إشرح اكثر

فاقترب منها شابٌ اعرج ، وهو يقول :

- إنظري الى قدمك ، وستعرفين أنك سبب معاناتنا 


فتراجعت رؤى للخلف بصدمة ، بعد انتباهها بأن سلاسل المساجين الثلاثين مرتبطة بقدمها !

رؤى باستغراب : لا افهم شيئاً ! متى حصل الإرتباط بيني وبينكم ؟!

فأجابت امرأة بملامح كئيبة :

- انت الذنب الأول لخالتك التي عصت ربها لتدميرك ، قبل إتقانها مهنة السحر التي أذتنا به جميعاً 

رؤى : أتقصدين انه في حال فككّت سحري.. 

فأكمل الشاب قائلاً : 

- نتحرّر جميعاً !! فأنت مركز شبكة العنكبوت او العقدة الأولى في كنزةٍ صوفيّة .. انت سبب إنحراف خالتك ، ومصيرنا مُرتبطٌ بك 

العجوز : طوال سنوات تعذّبنا معك .. فعندما تفقدين الأمل وتتمنّين الموت ، تُشدّ السلاسل على اقدامنا وتُدميها .. ليزداد معها تعسّر حياتنا  

الصبية : وعندما تتفائلين ، وهو شيءٌ تفعلينه نادراً ! ترتخي السلاسل ، ونتنفّس الصعداء ببعض الأمور المُيّسرة في حياتنا الصعبة 


رؤى وهي تمسح دموعها :

- ظننت انني اعاني بصمتٍ وحدي ! فأنا لم اشارك خيبات املي مع احد ، ولم يعرف حتى المقرّبون بدموعي التي سالت كل ليلة من اموري المُعسّرة .. لكن لمَ خالتي تحاول إيذائي لهذه الدرجة ؟!

الرجل : عليك إيجاد الإجابة بنفسك ، والتي ستكون اول الخيط لفكّ مُعضلتنا الصعبة

الفتاة : رجاءً واجهي مخاوفك ، وحاربي عدوّتك .. فتحرّرك ، سيفكّ اسحارنا تِباعاً.. فأنا لم اعد أحتمل مرضي الجلديّ الذي يشمئزّ الناس منه .. فنفسيّتي مُحطّمة تماماً ، وانت املنا الأخير .. رجاءً حاربي لأجلنا !!

فسكتت رؤى مطوّلاً ، قبل ان تقول بقهر :

- ربما لا استحق الغفران ، لكنكم حتماً تستحقون الحياة 


ومشت نحو منتصف الصالة .. وجميع المسحورين يتبعونها مُجبرين ، بسبب السلاسل المُتصلة بها .. 

ثم راقبوها وهي تغمض عيناها .. وتأخذ نفساً عميقاً ، قبل ان تُحدّث نفسها بصوتٍ مسموع :

- روحيّ المسكينة ، لن أخذلك مجدداً .. سأسامح نفسي عن فشلي السابق ، فهو ليس ذنبي .. وسأسامح كل من أذاني ، فيما عدا خالتي الساحرة التي سأحاربها لنصرة المظلومين 


وما ان قالت هذا ، حتى ارتجّت السلاسل بصوتٍ مُهيب ! وإذّ بالأقفال تُفتح الواحدة تلوّ الأخرى ، وسط تهليل المسحورين الذين تحرّروا من قيّدهم الذي دام لسنواتٍ طويلة !


العجوز بفخر : أحسنت يا ابنتي !! فنحن بحاجة لثقتك بنفسك .. انت املنا الوحيد للنجاة

رؤى : هآ انتم تحرّرتم من السلاسل ، لكنّا مازلنا عالقين بمنزل الساحرة ! ترى اين هي الآن ؟!

السيدة : تتبّعي صوتها وهي تتلوّ تعويذاتها اللعينة 

الصبية بغضب : إن وجدتها ، فعليك قتلها.. فأرواحنا لن تتحرّر بشكلٍ تام إلاّ بموتها!!

الرجل : الأمر ليس بهذه السهولة يا اصدقاء .. فعلى رؤى مواجهة جميع خيباتها السابقة ، قبل تمكّنها الوصول لغرفة الساحرة .. وهذا ليس سهلاً ، لأنها ستتذكّر كل آلامها السابقة


فتنهّدت رؤى بضيق :

- لوّ أن الأمر مُرتبطاً بمصيري وحدي ، لهربت من الكابوس كما فعلت سابقاً .. لكن طالما مصيركم مُرتبطاً بي ، سأتحمّل اوجاع قلبي لأجلكم .. هي مجرّد مواجهة أخيرة مع ماضيّ الحزين ، قبل شروق مستقبلنا الزاهر .. وجميعنا نستحق ذلك !!  

فصفّقوا لها ، تشجيعاً على خطوتها الجريئة القادمة

^^^


ثم نزلت الأدراج .. وهي تخترق دخان البخور الكثيف ، برائحته غير مُستحبّة ! 

وأغلقت رؤى انفها وهي تتابع النزول .. الى ان اعترض طريقها ، بابٌ خشبيّ قديم .. فسمّت الله ، وفتحته بيدٍ مرتجفة

^^^


وكانت الغرفة عبارة عن صفّ الإذاعة المدرسيّة .. حيث شاهدت نسختها بعمر الثامنة ، تُغني للطلاّب (فهي تميّزت بصوتها القويّ العذب)


وفجأة ! إختفى صوتها .. وظهرت لثغة في لسانها ، جعلت الطلّاب يضحكون سخريةً منها .. مما اربكها ، وجعلها تترك الغناء نهائياً 


فاقتربت رؤى من الفتاة التي كانت تأكل وحدها بزاوية الصفّ ، وربتتّ على كتفها بحنان :

- رجاءً لا تحزني ، فما حصل ليس ذنبك

فنظرت الفتاة اليها بعيونٍ دامعة :

- اين اختفى صوتيّ الجميل ؟! ولمَ صار كلامي صعباً ؟! الجميع يسخر مني ، حتى صديقتايّ المقرّبتان .. ووالدايّ يظنان إختلاقي لثغة لساني دلعاً ودلالاً !

ثم فتحت الصغيرة فمها :

- وقع سنّان آخران لي ، فهل هما السبب ؟


وهنا انتبهت رؤى على وجود حبلٍ غليظّ يربط لسان الفتاة .. وقبل إستيعاب ما شاهدته ! إمتدّ الحبل حتى خرج من فم نسختها الصغيرة ، الى ان وصل لأسفل باب الصفّ الدراسيّ .. لينفتح الباب ، وتجد خالتها تمسك بالطرف الآخر للحبل وهي تبتسم بلؤم !


رؤى بغيظ : أأنت ايضاً ؟! لما فعلتِ ذلك ؟!

الخالة : لأني عرفت بمستقبلك الزاهر .. وظننت ان صوتك العذب سيوصلك للنجوميّة ، فطمست موهبتك الغنائيّة مُبكّراً

رؤى معاتبة : ولمَ ربطتِّ لساني ، واختلقتي عقدته الصعبة ؟!

- لأن تلعثمك ، سيخفّف من إنطلاقتك .. كما سيحُدّ من علاقاتك الإجتماعيّة 

رؤى غاضبة : كنت مجرّد طفلة ، يا عديمة الرحمة !! أتدرين كم واجهت مُتنمّرين في حياتي الدراسيّة بسببك ؟!!

الخالة بلؤم : سأفعل ايّ شيء لطمس نورك 

وبعدها اختفت !


فأمسكت رؤى ذراع نسختها الصغيرة ، ووضعتها امام الميكروفون الموجود في غرفة الإذاعة المدرسيّة :

- هيا غنّي يا صغيرتي .. يمكنك فعل ذلك 

الفتاة بخوف : 

- لا !! سيسخرون مني الطلاّب مجدّداً

رؤى : لا تهتمي لأحد .. انا معك !! غنّي بكل قوتك ، فأنا اثق بموهبتك الفريدة


وفعلاً غنّت الفتاة بصوتٍ عذب ، جعلت جدران الغرفة تتساقط كعلبة كرتون ! ليظهر ملعب المدرسة مع تصفيقٍ حادّ من الطلّاب ، بعد استعادة موهبتها الغنائيّة

فنظرت الى رؤى بامتنان : 

- أعدّتِ ثقتي بنفسي ، لكن لثغتنا لم تختفي !

- ربما يحصل ذلك ، بعد تحرّري من منزل الساحرة اللعينة 

الفتاة : اذاً سأصبر حتى انتهائك من جميع الغرف

رؤى بقلق : وهل يوجد غير هذه الغرفة ؟! 


فأشارت الفتاة للأمام .. لتنتبه رؤى على وجود بابٍ آخرٍ ضخم ! 

الفتاة : طالما تجرّأت على الغناء ثانيةً امام الساخرين والحاقدين ، فعليك مواجهة مرحلة اخرى من حياتك الماضية .. (ثم شدّت على يدها) .. هيا توجّهي الى هناك .. وكان الله في عونك ، يا نسختي الكبيرة

^^^


فتنفّست رؤى بثقل ، وهي تخطو بتردّد نحو الغرفة الثانية .. وهي عبارة عن صفّها بالمرحلة الثانويّة التي فاحت منه رائحة الطباشير .. بلوحٍ خشبيّ مكسور ، كُتب عليه :

((رؤى ، لا مستقبل لها))


فاقتربت ببطء من طاولتها القديمة .. لتجد ورقة امتحان الرياضيات ، نصفها فارغٌ من الإجابات !

فتذكّرت تلك اللحظة ! بعد ان أمضت ليلتها بدراسةٍ جادة .. وعندما قرأت اسئلة الإمتحان ، عرفت إجاباتها جميعاً .. لكن شيئاً ما حصل يوم الإمتحان ، جعل كتابتها بطيئة للغاية .. حتى انها صُدمت بانتهاء الوقت ، قبل إنهائها نصف الأسئلة !


وهنا تراجعت رؤى للخلف ، بعد ظهور نسختها المراهقة وهي تسند رأسها على الطاولة بقهر .. وصوت معلمتها المفضّلة ، يتردّد صداه داخل الصف:

((للأسف ، خيّبت املي !))


فشعرت رؤى بوخزةٍ قوية في قلبها ، تُشابه ما شعرت به في مراهقتها بعد رؤية علامتها المنخفضة .. رغم تفوّقها بالرياضيات بجميع مراحلها الدراسيّة ! 


وفجأة ! ظهرت خالتها عند باب الصفّ ، وهي تضحك ساخرة .. فصرخت رؤى غاضبة :

- لما فعلتِ ذلك ؟! كنت تعرفين حلمي أن اصبح معلّمة رياضيات .. لما شللّتِ يدي ، وحرمتني من الإجابة ؟!!

فأجابت خالتها بحقد :

- انت بعمر ابني الصغير الذي كان يُرسب دائماً بالرياضيات .. وانت بكل وقاحة أريّتني علاماتك الكاملة على عشرات الإمتحانات .. لهذا لم أتردّد ثانية ، لتحطيم حلمك

رؤى : أعصيّتِ ربك وخسرتِ الجنة ، فقط لتدمير حلم مراهقةٍ بريئة؟!

- انت تحظين بكل المواهب والإمكانيّات التي تمنيّتها لنفسي وأولادي ، لذا توجّب عليّ تدميرك بشتّى الطرق

ثم ضحكت مجدداً ، قبل إغلاقها باب الصفّ خلفها 


فاقتربت رؤى من نسختها المراهقة التي كانت منهارة بالبكاء .. ومسدّت شعرها بحنان :

- لم يكن ذنبك .. انت لست فاشلة ، كما تظنين .. انت درستِ بجهد طوال السنة للحصول على المركز الأول ، كما فعلتِ دائماً.. واستحقّيتِ شهادة التفوّق بكل جدارة ، فلا تعاتبي نفسك .. رجاءً لا ترتكبي الخطأ الذي كرّرته لسنواتٍ طويلة


فرفعت المراهقة وجهها وهي تمسح دمعتها ، قائلةً :

- معك حق ، لن اؤذي قلبي اكثر من ذلك 

وبعدها اختفت المراهقة ..

 

لتجد رؤى الأربعينيّة نفسها ، امام بابٍ آخر .. فتساءلت بقلق :

- تُرى أيّةِ مرحلة من حياتي ، سيكون عليّ مواجهتها بالغرفة التالية ؟

^^^


ليظهر مكتبٌ حكوميّ .. اوراقٌ رسميّة لرؤى تتطاير بالهواء .. شهاداتها بقسم الحقوق تتمزّق لقطعٍٍ صغيرة .. ومقابلاتها الوظيفيّة الثلاثة تُعاد بسرعة امام عينيها ، شريطاً قديماً مُهترئاً.. مدراء مختلفون بوجوهٍ مُستشبرة وهم يستمعون اليها ، اثناء إجابتها على اسئلتهم بثقةٍ وحماس  .. لتراهم بعدها يردّدون الإجابة نفسها :

- نعتذر منك ، فقد اخترنا غيرك

ثم يطبعون على ورقة توظيفها ، العبارة ذاتها :

((مؤهّلة علميّاً وفكريّاً .. لكنها مرفوضة !))


وقبل ان تفهم سبب رفضهم الغير مبرّر ، سمعت صوت خالتها يقول ساخراً :

- كم كنت واثقة من نجاحك ، وانت تلبسين طقمك الرسميّ بحقيبتك المليئة بشهاداتك واوراقك الرسميّة ، قبل تدميري غرورك بوسّوستي لهم برفضك .. فقد استعنت بكبار الجن ، لإشعارهم بالضيق من فكرة قبولك في شركة المحاماة 

فصرخت رؤى غاضبة :

- وهل توظيفي سيضرّك لهذه الدرجة ؟!!

فأجابت بلؤم :

- الأمر لا يتوقف عند التوظيف .. فرغبتي هي تدميرك ، لأنك سرقتي الحياة التي تمنّيتها لنفسي .. وقد نجحت فعلاً بجعلك تتخلّين عن فكرة العمل بشهادة الحقوق التي تفاخرت عائلتك بحصولك عليها


ثم ضحكت مجدداً ، قبل إختفائها كدخانٍ اسود إنتشر داخل المكتب ! 

رؤى : يبدو انني لن اخرج من هذه الغرفة ، قبل إثبات جدارتي بالعمل 


وتوجّهت لخزانة المكتب ، مُخرجةً ملف توظيفها .. ثم حذفت كلمة ((مرفوضة)) لتكتب بدالها :

((مؤهّلة ، وبجدارة))

وما ان فعلت ذلك ، حتى اختفى المكتب .. ليظهر بداله بابٌ جديد !

^^^


فشعرت رؤى بضعف الإرادة ، لمواجهة ما تبقى من ماضيها الكئيب .. ومع ذلك قالت وهي تحاول تشجيع نفسها :

- هيا يا رؤى ، عليك المتابعة .. ليس لأجلك ، بل لأجل الأرواح العالقة في منزل الساحرة اللعينة .. مع ان قلبي يؤلمني مع كل ذكرى سيئة من ماضيّ ، لكن عليّ المتابعة حتى النهاية


وفتحت الباب الجديد ، لتظهر غرفة مليئة بالمرايا !

فبدأت رؤى بعدّها :

- ثلاثة عشر مرآة ! تُرى ما سبب تعدّدها ؟!


وما ان اقتربت رؤى من اول مرآة ، حتى فهمت الحكاية .. حينما رأت نفسها بثوبٍ جميل ، ووجه محمّر خجلاً وهي بعمر التاسعة عشر.. بعد تزينّها لأول مرة ، لمقابلة خطيبها الأول :

- يا الهي ! الآن فهمت .. ثلاثة عشر عريساً تحدثوا معي بحماس ، قبل اختفائهم المُفاجئ ! 


وبخطى متثاقلة ، تنقّلت من مرآةٍ لأخرى .. وهي تحاول حبس دموعها ، وهي ترى نفسها في كل مرة تزيّنت بها ، لمقابلة خطيبٍ جديد ! الحماس نفسه والخجل والآمال العالية .. وإن كان وجهها يكبر في كل مرآة .. وعيونها تذبل مع قلّة حماسها لمقابلة عريسٍ جديد ، كأنها باتت تعرف بأنه غير مُقدّرٌ لها الزواج ! 

ليظهر صوت امها تواسيها ، في كل خيبة امل : 

((كان مُنجذباً لك ، حتى انه تكلّم مع والدك عن تفاصيل العرس .. ولا اعرف سبب إعتذاره الغير مبرّر ! ربما نصيبك لم يأتِ بعد ، فلا تحزني على التأخير يا ابنتي))


وهنا فقدت رؤى اعصابها ، وصرخت بالمرايا الثلاثة عشر التي ظهرت فيها وجوه خطّابها السابقين :

- لمَ رفضتموني ؟! مالذي لم يعجبكم في شخصيّتي ؟!!

لتجدهم جميعاً يشيرون بفزع لشيءٍ خلفها !


وحين التفتتّ ، وجدت مارداً شيطانيّ يقف خلفها كظلٍّ اسود يصل للسقف ! قبل إختفائه مع ضحكات خالتها التي ظهرت بآخر الغرفة وهي تقول : 

- هم لم يروك ، بل رأوا الجني الذي ربطّته خصيصاً لك .. شاهدوه بمناماتهم قبل إتمامهم الخطوبة ، مما أفزعهم وجعلهم ينهون الموضوع سريعاً !

رؤى بغيظ : انت متزوجة ولديك اولاد وأحفاد ايضاً .. لما تحرمينني من متع الحياة ؟ الم يؤنّبك ضميرك على جمالي الذي ذبل مع سنوات الخذلان ؟ فأنت بالنهاية خالتي ، كيف هُنت عليك لهذه الدرجة ؟!

- كما قلت سابقاً .. انت تملكين كل شيءٍ حلمت به ، وأردّت السيطرة على حياتك المُبهرة ..


رؤى مقاطعة بعصبية : قاربت على سن الخمسين دون عملٍ او زوجٍ واولاد ، حتى موهبتي الكتابيّة لم تنفعني حتى الآن .. فعن أيّة حياةٍ تتكلّمين؟!!

- اثناء دراستي السحر ، علمت من نقاشي مع ملك الجن عن مستقبلك الزاهر .. مما أغاظني ، وزادني حقداً عليك

رؤى : الجني الذي أخبرك بذلك ، كاذب !! فأنا فتاةٌ عاديّة بأحلامٍ بسيطة

- لكن القدر رسم لك مستقبلاً يتمنّاه الجميع ! ستعرفين ذلك في حال استطعت الخروج من منزلي ، وأشكّ بقدرتك على ذلك

ثم اختفت من جديد !


ولشدّة غضب رؤى ، صرخت امام المرايا الثلاثة عشر :

- لا يهمّني رفضكم ، فأنا اعرف من اكون !! انا فتاةٌ ، ذات اخلاقٍ ودين .. حنونة ، وأهتم بكل من حولي .. ومن سيكون نصيبي هو المحظوظ !! هل سمعتم جميعاً !! انا استحق الحب والإحترام !!

فتحطّمت جميع المرايا ! 

^^^


لتجد نفسها وقد عادت الى غرفة نومها :

- ماذا ! هل انتهى الكابوس ؟ كيف حصل هذا ؟ فأنا لم أشهد تحرّر المسحورين بعد !


لكن فور رؤية نسختها القديمة وهي منهارة بالبكاء فوق سريرها (الذي شهد كل خيبات املها السابقة) حتى فهمت انها مازالت داخل الحلم !


وقبل إقترابها من نسختها .. دخل والداها الغرفة ، لمواساتها بعد رفض العريس الأخير لها ..

لترى نسختها تصرخ غاضبة :

- لا مزيد من العرسان !! أفهمتهما ؟!! ابنتكما قُدّر لها العنوسة ، لا تكسرا قلبي اكثر من ذلك !! وفي حال سألوا عني ، إخبروهم بموتي قهراً!! 

فخرج والداها حزينان من الغرفة .. بينما تابعت نسختها البكاء فوق وسادتها.. 


فجلست رؤى الأربعينيّة على طرف السرير ، واضعةً يدها على ظهر نسختها وهي تواسيها :

- ما حصل لم يكن ذنبك ، فلا تؤذي قلبك بلوم نفسك.. كان سحراً لعيناً ، وعليك مساعدتي بفكّه


فالتفتتّ نسختها اليها ، بعيونٍ محمرّة من البكاء :

- وكيف أفعل ذلك ؟!

رؤى : 

- عليك اولاً مسح دموعك .. وثانياً : إفتحي حاسوبك ، لبدء تأليف قصصٍ جديدة 

نسختها الثلاثينية : لكني توقفت منذ مدة !

رؤى : ستعودين للكتابة ، فموهبتك هي خلاصك

- وهل نجحتي انت ، طالما تكبرينني بعشر سنوات ؟ رجاءً إخبريني ببيعك قصصك ، وتحويلها لأفلامٍ ناجحة

فتنهّدت رؤى بحزن : 

- سيحدث ذلك قريباً ، اعدك بذلك .. فلكل مجتهدٍ نصيب

^^^


وهنا تسارع الزمن .. لترى نفسها تكبر سريعاً على السرير نفسه ، وجمالها يذبل مع الوقت .. لتزداد سمنةً واكتئاباً !


فتقول رؤى بحزن :

- هذا لم يكن سريري فحسب ، بل الشاهد الوحيد على آلامي .. فلا احد يعرف كم بكيت بصمتٍ عليه .. وانا أراقب حياتي تُهدر دون تطوّرٍ ملحوظ ، كأن الزمن توقف عندي !


ثم خرجت من غرفتها ، لتجد ادراجٍ تصل لقبوٍ مظلم : 

- لكيّ أتحرّر انا وبقيّة المسحورين ، لابد لنوري ان يمرّ بعمق الظلام

^^^


واستجمعت قواها لنزول القبو ، وصوت تعويذات خالتها تزداد وضوحاً :

- اخيراً وصلت لغرفتها .. ومهما سيحصل في الداخل ، لن اسمح لها بإخافتي .. فهي أخذت من حياتي اربعين سنة : طفولتي ومراهقتي وشبابي ، ولن اسمح لها بالمزيد !!


وفتحت باب القبوّ بقوةٍ وثبات .. لتجد دائرة على ارضيّة الغرفة ، مرسوماً عليها النجمة الشيطانية ، المحاطة بالشموع .. وخالتها تجلس في الوسط وهي تتلوّ التعويذات .. مُمسكةً بكتاب الطلاسم السحريّة ، قبل وقوعه من يدها بعد اندهاشها من اقتحام رؤى لمقرّها السرّي !

- مستحيل ! كيف وصلتي الى هنا ؟!

رؤى : وصلت بعد مسامحة نفسي عن خيباتي الماضيّة .. فقط إخبريني لمَ فعلتِ ذلك ؟

خالتها بغيظ : لأنك من عمّال النور .. عرفت ذلك ، فور رؤيتك وانت طفلة .. فنورك كاد يُعمي بصيرتي .. فأنا الفرد الشرير بهذه العائلة ، وولادتك يعني دماري .. لهذا أخفيت نورك وسط ظلامي الدائم 

- أخبروني بأني ذنبك الأول ، فهل هذا صحيح ؟  


الخالة بقهر : انا خسرت الجنة بسببك .. لذا لم يعدّ يهمني إكمال طريقي المشين.. وسأحرص بأن تظلّي عالقة هنا ، لآخر عمرك

- بل سأقاومك ، وسأحارب شرورك .. ليس لأجلي فقط ، بل لجميع الأرواح العالقة هنا .. فتحرّري يعني إطلاق سراحهم من جحيمك اللعين !!

الخالة بصدمة : ماذا ! من أخبرك بهذه المعلومة ؟!

- لم يكن صعباً ملاحظة قيّدهم المرتبط بي.. وطالما انا العقدة الأولى ، فسأفكّها رغماً عنك !!

- لن اسمح بذلك !! فبتحرّرك يضيع تعبي لأربعين سنة ! هل تظنين ان سحرهم كان مجانيّاً ؟ فقد بعت كل املاكي ، لتعلّم السحر وأذيّتهم .. لن اسمح بتحرّرهم ابداً !!


ثم امتدّت يد الساحرة كثعبانٍ طويل ، خنق رقبة رؤى بكل قوة .. ليظهر صوتها الداخلي وهو يُخيّرها بين أمريّن :

- رؤى !! اما ان تستيقظي من منامك ، وتنقذي حياتك .. او تقاومي ، وتحرّري الجميع معك 

فصرخت رؤى بما تبقّى من قوتها : 

- لن اهرب هذه المرة !! فأنا من عمّال النور .. انا من عباد الله الصالحين .. لن اسمح لظلام خالتي ان يطمس نوري وإيماني !!


وإذّ بجناحيّن مضيئيّن يخرجان من جسم رؤى ، ليضغطا بقوة على وجه الساحرة الذي كان يذوب تحت حرارةٍ صادرة من ضوء الجناحيّن ! 

فلم يكن امامها الا إبعاد يدها عن رؤى التي فاجأتها بالقفز عليها ، وخنقها بكل قوتها.. حتى أغميّ على خالتها !

رؤى باشمئزاز : لن اقتلك بيديّ ، وأوسّخ نفسي .. سأدع النيران تطهّر ذنبك


وأخذت إحدى الشمعات ، ورمتها فوق الكتب السحريّة .. ثم أقفلت باب القبوّ خلفها .. وأسرعت بصعود الأدراج

^^^


وما ان وصلت الى المسحورين ، حتى سمع الجميع صرخات الساحرة وهي تنادي اسماء الجن ليساعدوها بفتح باب القبوّ ، قبل إحتراقها مع اعمالها الشيطانيّة


فسألت الصبيّة المشوّهة ، رؤى بدهشة :

- هل فعلاً تمكّنتِ منها ؟!

رؤى بقلق : لا وقت الآن للشرح ، عليكم اللحاق بي !! يجب الخروج من هنا ، قبل احتراقنا مع منزلها اللعين !!

^^^


فنزلوا خلفها على الأدراج ، الى ان وصلوا للباب الرئيسِ للمنزل .. فحاولت رؤى فتحه ، لكنه كان مغلقاً بإحكام .. فنظرت اليهم ، معاتبة: 

- صحيح انكم قُيّدتم بالسلاسل بسببي ، لكني حرّرتكم من اسحاركم.. وعليكم مساعدتي لفتح الباب ، قبل وصول النيران الينا!!


فتعاونوا جميعاً ، بدفع الباب الخشبيّ حتى كسروه .. ليتفاجأوا بمنظرٍ جميل بالخارج .. فالمنزل المحترق كان مبنياً فوق جبلٍ اخضر مليئاً بالزهور !

وبالجبل الملاصق ، ينزل شلال كبير نحو بركةٍ صافية !


واول شيءٍ لاحظته رؤى ان لثغة لسانها إختفت اخيراً ، بعد اربعين سنة من التحدّث بصعوبة .. وبعدها أخبرت بقيّة المسحورين بضرورة التوجّه للبركة .. لكنها لاحظت ان ملابسهم جميعاً ضيّقة (فهي مقاساتهم الصغيرة قبل سنوات) والتي ظهرت وساختها جليّاً مع نور الشمس (دون عتمة المنزل) والملوّثة بالفضلات والدماء القذرة ، او رماد الدخان الذي استُخدم بتلويث آثارهم بأعمالٍ سحريّة!

رؤى : إقفزوا جميعاً في البركة ، لتطهيرٍ نهائيّ من قذارة السحر


وبالفعل سبح الثلاثون مسحوراً بسعادة بعد شعورهم بالنظافة ، والتحرّر من السحر الذي طال انتظاره !

^^^


وبعد خروجهم من البركة ، ظهر سلّمٌ مضيء يصل للسماء !

فاقترحت رؤى صعودهم معاً ، لربما الأدراج توصلهم للجنة

فقال الرجل : لا !! هذا درج النجوميّة ، وهو مقدّرٌ لك فقط .. هيا إصعدي عليه ، ونحن سنشجّعك من هنا


بهذه اللحظة ، فهمت رؤى سبب إصرار خالتها على تجديد سحرها لأربعين سنة ! ويبدو ان الجن أخبروها بأن موهبتها الكتابيّة ستوصلها للعالميّة ، مما أثار غيرتها وحقدها !


فبدأت بصعود الأدراج بثقةٍ وثبات ، مع تصفيق المحرّرين الثلاثين وهم يشعرون بالفخر من شجاعتها النادرة !

***


لتستيقظ بعدها على صوت أمها تُخبرها بوفاة خالتها مُحترقة في منزلها ، وأن عليها التجهّز لحضور الجنازة ! 


وبالوقت الذي ارتعب فيه المعزّون ، فور خروج نارٍ من قبر الساحرة (عقب دفنها) كانت رؤى الوحيدة التي تعرف السبب ، لكنها فضّلت عدم إخبار احد بمنامها الغريب .. 


وعادت الى منزلها لترتيب اوراقها ، للبحث مجدّداً عن عملٍ في مجال موهبتها .. لكن هذه المرة تعلم جيداً أنها لن تنجح فحسب ، بل ستصل للعالميّة بموهبتهما الكتابيّة الجيدة

***


بعد سنوات ، وبقاعة حفل الأوسكار..

صعدت رؤى فوق السجّاد الأحمر ، وصولاً لمنّصة تسليم الجوائز ..وسط تصفيق الممثلين والمخرجين الأجانب ، بعد نجاح اول افلامها الذي تُرجم لأكثر من لغة ! 


فتكلّمت بالميكروفون بابتسامةٍ فخورة ، وهي تُخفي دمعتها وقهر السنين :

- شكراً لكل من آمن بموهبتي ، بالوقت الذي فقدت فيه الثقة بنفسي .. وشكراً لمن أعطاني الدافع ، لإكمال مسيرتي الطويلة والمتعبة .. هذه ليست مجرّد جائزة ، هذه شهادة صمود وبقاءٍ للأقوى .. فشكراً لكم جميعاً ‍!!


واثناء نزولها من المنصّة ، ورغم صوت التصفيق العالي .. الا انها سمعت بوضوح في إذنها ، نبرة صوتٍ مألوفة لروح خالتها وهي تصرخ غاضبة :

- لاااا .. ضاع كل تعبي !! ضاعت دنيايّ وآخرتي سدى !!!!

فقالت رؤى بنفسها :

((شاهدي نجاحي من الجحيم ، أيتها الحقودة الشريرة)) 

لتعلو وجهها إبتسامة النصر والإعتزاز ! 


السبت، 21 يونيو 2025

البطولة المستحيلة

تأليف : امل شانوحة 

الفريق اللبناني


كانت صدمة كبيرة للشعب العربي ، بعد وصول الفريق الوطني اللبناني لأول مرة الى بطولة العالم لكرة القدم !

والأغرب انه كان فريقاً جديداً من شباب لبنان ، بلغ كبيرهم سن 23 وصغيرهم 19 عاماً .. وذلك بعد قيام مدرّب متميّز بمسابقة الموهبة الكرويّة في كل المناطق والشوارع اللبنانيّة ، الى ان أوصل فريقه (بعد تدريبه المكثّف ، وتعليماته الدقيقة الصارمة) الى المباراة النهائية ضدّ الفريق الأقدم في لبنان ، والذي فاز عليه بجدارة .. ليستحق بعدها تمثيل الفريق الوطني اللبناني الذي انتقل الى اميركا لبطولة العالم ، وهي المرة الأولى التي يتأهّل فيها لبنان ضمن الفرق الآسيويّة ! 

وإن كان حصل على اقل ترشيح بالفوز ، لقلّة خبرته بهذا المجال.. رغم كونه محظوظاً بوجوده بأسهل مجموعة : مع هولندا والكاميرون الإفريقي واليابان 

^^^


ومع اول مباراةٍ له مع الكاميرون ، خسر هدفيّن في الشوط الأول.. 

فقال المُعلّق العربي للجمهور : 

- مازالت النتيجة جيدة ، لأن التوقعات العامّة : خسارة الفريق اللبناني بأربعة اهداف على الأقل ، مقابل الفريق الكاميروني الذي لديه 8 مشاركات في بطولة العالم !


وبالفعل دخل هدفٌ آخر مع بداية الشوط الثاني .. مما جعل الكثير من المتابعين اللبنانين وحتى العرب يخرجون من الملعب ، بعد ان حُسمت المباراة بالنسبة لهم


لكن قبل انتهاء المباراة بخمس دقائق .. دخل ((عمر شهاب)) ابن المدرّب الوحيد الذي يلعب لأول مرة مع فريقه ، كونه من لاعبي الإحتياط .. لكن طالما بلغ السن القانونية ١٨ قبل يومين ، فقد سمح الحكم باشتراكه بالمباراة الدوليّة


وفور دخوله الملعب ، أشار لزميله برميّ الكرة له.. 

وما ان وصلت اليه ، حتى ركلها بقوة .. هزّت معها شباك الفريق الآخر .. وسط صدمة رفاقه والجمهور ، لإصابته الهدف من منتصف الملعب !


وبينما كان رفاقه يهلّلون فرحاً ، بهدفهم الأول ببطولة العالم .. كان عمر ينظر بتركيز لساعة الملعب ، وهو يفكّر بقلق :

- مازالت هناك ٤ دقائق فقط ! عليّ تسجيل ثلاثة اهداف اخرى ، للفوز بالمباراة


وما ان قام قائد فريق الكاميرون بوضع الكرة في منتصف الملعب ، حتى ارتبك بانطلاق عمر بكل قوته اتجاهه ! مما سهّل على عمر خطف الكرة ، والركض بها .. متجاوزاً مدافعيّن ، قبل ركلها بقوّة من الناحية الجانبيّة .. ليصيب المرمى من جديد !


وكذلك فعل بالهدف الثالث الذي اختطفه ايضاً من لاعب الوسط الكاميروني ، ليتعادل الفريقيّن قبل دقيقةٍ واحدة من انتهاء المباراة ! 


وهذه النتيجة ، أفقدت المدرّب الأفريقيّ اعصابه الذي لوّح للاعبيه بتكثيف الهجوم ..لأنها ستكون اساءة لفريقه في حال خسر امام فريقٍ عربيّ يلعب لأول مرة ببطولة العالم !


الا ان فريقه بالكامل ارتبك من اللاعب الجديد الذي دخل نشيطاً للملعب ، بينما هم يلهثون تعباً بعد لعبهم ل ٤٥ دقيقة ! 


وقبل نهاية المباراة ، تدحرجت الكرة لخارج الملعب .. فحسبها الحكم ضربةً ركنيّة للفريق اللبناني .. وأصرّ عمر تسديدها بنفسه ! 

وتجمّع كل لاعبي الفريقيّن امام الحارس الكاميروني ، كونها الفرصة الأخيرة للبنان للفوز بمباراته الأولى


ليصدمُهم عمر بإدخال كرته مباشرةً بالمرمى من ضربةٍ ملتويّة من الزاوية ، بعد استغلاله حركة الهواء .. جعلت الجمهور العربي يفقد صوابه وهم يهتفون بعلوّ صوتهم ، ملوّحين بالأعلام اللبنانية والعربية .. بعد إعلان الحكم فوز لبنان ب4 اهداف مقابل 3 .. وهي نسبة لم يتوقعها احد من المحلّلين الرياضيين !

^^^


بعد المباراة .. رغب الصحفيون في إجراء مقابلة مع المراهق الموهوب ، الا ان والده المدرّب أصرّ على الرفض ! مُعللاً ذلك : 

- أخاف ان يصيب ابني الغرور ، وانا احتاج تركيزه لآخر مباراةٍ مع فريقه

***


في مباراة لبنان الثانية مع اليابان.. تفاجأ المشجعون اللبنانيون بجلوس عمر بمقاعد الإحتياط (دكّة البدلاء) جعلهم يشتمون المدرّب لعدم إشراك أفضل لاعبٍ لديه ! 

لكنهم لاحظوا إنشغال عمر بكتابة الملاحظات عن لاعبي الفريق المنافس ، وهو يشاهد المباراة بدقة من شاشةٍ صغيرة وضعت امامه ! حيث ركّز اهتمامه على الحارس الياباني ولاعبي الدفاع


وكما هو متوقع ، دخل هدفان في مرمى الفريق اللبناني ! 

وبقيّت ٥ دقائق على انتهاء الشوط الثاني .. لتعلو الشتائم من المدرّجات ضدّ المدرّب ، لعدم إدخال عمر


لكن ما ان سمح له بالدخول ، حتى هتف الجماهير بإسمه بحماسٍ شديد :

- عُمر !! عمر !! عمر !!!!


وبدوّره لم يخيّب آمالهم ، رغم محاصرته الخانقة من فريق الدفاع الياباني الذي يبدو انه شاهد مهارته بالمباراة السابقة ! 

ومع ذلك تمكّن من إدخال هدفيّن سريعيّن ! 


اما الثالث : فكان من ضربة فاول ، بعد إسقاطه عمداً من المدافع الذي حصل على الكرت الأحمر ! 

وكان هدف عمر قويّاً ، لدرجة انه عُدّ من اجمل اهداف الدوّر 32

^^^


اما بمباراته ضدّ هولندا ، فقد نفّذ المدرّب الخطة ذاتها : وهي إدخال ابنه بنهاية المباراة ! والتي انتهت بالتعادل بين الفريقيّن .. وبسبب نقاط الفرق الثلاثة الأخرى بنفس المجموعة ، تأهّل لبنان للدوّر 16

 

حينها فهم الجمهور العربي رغبة المدرّب بإحتفاظ عمر بقوته ، بالوقت الذي يكون فيه الفريق المنافس متعباً .. لهذا لم يعودوا يعترضون على غيابه طوال المباراة التي يمضيها عمر بمراقبة اللاعبين ، وأخذ ملاحظاتٍ دقيقة عن مهارات الفريق الآخر ، التي جعلته يستغلّ نقاط ضعفهم لتسديد الكرة من زوايا صحيحة ، تمنع حارسهم من صدّها !

***


واستمرّت النجاحات ، الى ان وصلوا للنصف النهائي بإعجوبة ! مع حصولهم على إعجاب ودعم العرب ، كونهم ثاني فريقٍ عربيّ يصل لهذه المرحلة ، بعد المغرب الذي حصل على المركز الرابع بمونديال قطر .. 

حتى ان المعلّق الخليجي قال : 

- سنكون فخورين جداً بالفريق اللبناني إن حصل على المركز الثالث لهذه البطولة  


وكانت مباراةً صعبة ضدّ الأرجنتين (المرشّح الثاني للفوز بالبطولة)  

وفور دخول عمر بالدقائق الخمسة الأخيرة ، تمكّن من تحقيق التعادل لفريقه التي جاءت قبل ثواني من نهاية الشوط الثاني .. مما سيجبره على متابعة اللعب في الشوطيّن الإضافيّن ! 


وقد التقطت الكاميرات قلق والده المدرّب الذي رغب بإخراج عمر من الملعب بهذه المباراة المهمّة.. دون فهم احد سبب خوفه الشديد على ابنه ، من خلال تعابيره المرتبكة .. لكن يبدو ان عمر تعهّد لوالده بعدم إجهاد نفسه ! 


وهذا ما حصل بالفعل طوال الشوطيّن الإضافيين ، حيث تسمّر وسط الملعب ! مكتفياً بتوجيهٍ دقيق للكرات لرفيقيّه المهاجميّن .. مما أحبط المشجعون العرب المستائين من كسله ! 


وانتهى الشوط الإضافي الثاني باستمرار تعادلهم ! مما يعني ركلات الترجيح ..والأسوء ان الحارس اللبناني تعرّض بالهجمة الأخيرة لنزيفٍ حادّ بالأنف بعد ارتطام الكرة في وجهه.. ولأن المدرّب قام بتغيريّن (احدهما : إدخال ابنه عمر بنهاية الشوط الثاني) فهذا يعني أن على احد اللاعبين اخذ مكان الحارس بركلات الجزاء ! 

ليفاجئ عمر الجمهور من جديد ، بأخذ قفازيّ الحارس قبل خروجه مصاباً من الملعب.. مما أقلق المشاهدين العرب ، ظناً بعدم خبرته بمجال الحراسة


وبعد تصفيقٍ حادّ من الجمهور لعمر بعد إدخاله الهدف الأول بركلات الترجيح ، صمتوا بقلق بعد وقوفه لحراسة المرمى ! 


ليضجّ الملعب بالهتاف ، عقب صدّه الكرة باحترافيّة ! ويبدو ان مهارته لا تتوقف عند الهجوم فحسب ، فطول قامته تساعده بهذه المهمّة الصعبة


وبالوقت الذي كان يصدّ فيها ضربات الترجيح بمهارة ، كان فريقه يخفق بتسديد الأهداف ! مما جعله بمنافسةٍ اخيرة مع كابتن المنتخب الأرجنتيني .. فإن تمكّن من إدخال الكرة ، سيلعب لبنان على المراكز الثالثة والرابعة  

اما ان صدّها عمر ، فسيتأهّل لبنان للمباراة الأخيرة .. وهو شيء لم يحصل بكل الفرق العربية والآسيويّة بشكلٍ عام.. مما جعل الجمهور العربي يلهج بالدعاء امام الشاشات لحصول معجزةٍ كرويّة .. 


وهذا ما حصل بالفعل ! فعمر لم يكتفي بصدّ الكرة ، بل أمسكها بكلتا يديه ..ثم رفعها للسماء ، كعلامة نصر ! 


ليصرخ المشجّعون العرب بهستيريا من شدّة الفرح ، ويهجموا جميعاً على الملعب .. مجتمعين حول عمر الذين قذفوه في الهواء ، وهم فخورين بوصول اول فريقٍ عربيّ للمباراة النهائيّة لكأس العالم !

^^^


ورغم كل ما حصل ، أصرّ المدرّب على موقفه : برفض طلب الصحفيين التحدّث مع ابنه حتى نهاية المونديال !

***


وفي المباراة الحاسمة بين لبنان والبرازيل .. وصلت المراهنات ذروّتها ، حيث راهن اكثر الشخصيّات البارزة في العالم على فوز البرازيل (الأكثر خبرة بهذا المجال) بينما اثرياء العرب انفقوا الكثير من ثروتهم على مراهنتهم بفوز اول فريقٍ عربيّ !

بينما علّق المدرّب البرازيلي ساخراً (قبل بداية المباراة) :

- سيكون اسهل فوز بتاريخ البرازيل


ولم يمضي الشوط الأول ، حتى شعر العرب بالقلق بعد هدفيّن سريعيّن للبرازيل

وفي الشوط الثاني ، أدخلوا هدفاً آخر ! 


وبسبب الضغط على المدرّب الذي وصلته إتصالاتٍ غاضبة من اثرياء العرب ، وصولاً لحكّامها بالسماح لعمر باللعب.. إنجبر على إدخاله باكراً ، قبل ربع ساعة من انتهاء المباراة


وبالفعل تعادل مع الفريق البرازيلي الذين تصادموا معه بعنف ، جعله يُصاب اكثر من مرة .. وقد حاول والده إخراجه من المباراة ، خوفاً عليه .. لكن ابنه أصرّ على متابعة اللعب ، رغم جرح رأسه الغزير ورضوض قدميّه !


وفي الدقيقة الأخيرة ، هجم الفريق البرازيلي بكل قوته على الحارس اللبناني ! ليتفاجأ الجميع بعمر يركض الى هناك ، ويستميت بالدفاع مع المدافعين الثلاثة لإبعاد الكرة التي كادت تخترق المرمى اكثر من مرة ..


قبل ان يعلو هتاف المدرّج بأكمله بعد حصول عمر على الكرة ، والإنطلاق بها كالصاروخ للأمام .. بينما يجري جميع لاعبي الفريقيّن خلفه .. الى ان صار بمواجهة الحارس البرازيلي الذي اقترب للأمام لإيقافه .. 

فاستغلّ عمر بُعده عن المرمى ، لرميّ الكرة من فوقه .. وتسجيله هدفاً حاسماً مع إنطلاق صافرة الحكم ، مُعلناً فوز لبنان ببطولة العالم لأول مرة! 

حيث لم يحصل بتاريخ كرة قدم ان سُمعت هتافات هائجة كهذه من المدرّجات التي امتلأت بكل الجنسيّات العربية الذين سكنوا اميركا ، او القادمين من الخارج لتشجيع الفريق اللبناني


كلهم كانوا سعداء ، ماعدا المدرّب الذي ركض مرتعباً باتجاه ابنه الذي أسند ظهره بهدوء على عارضة مرمى الفريق المنافس ! 


وبثواني ! عمّ الصمت الملعب بعد رؤية المدرّب (الذي عُرض وجهه الخائف على الشاشة العملاقة) وهو يشير بفزع للفريق الطبّي لعلاج ابنه الذي كان يجلس هناك دون حراك !


لينصدم العالم برؤية الطبيب يضغط بقوّة على صدر عمر ، مطالباً بجهاز الصعق الكهربائي !


وخلال الدقائق الأربعة للصعق المتواصل ، كان المشجعون بالإضافة للمشاهدين خلف الشاشات يدعون جميعاً لشفاء البطل اليافع الذي توقف قلبه بعد مجهوده الجبّار!


وإذّ بأحد الصحفيين يتسلّل بين المسعفين ، لوضع الميكروفون بجانب الطبيب الذي أعلن للمدرّب بأسى :

- اعتذر منك .. لقد توفيّ ابنك


ليضجّ الملعب بصراخٍ وبكاءٍ هستيريّ ، اثناء نقل اللحظة الصادمة لكل محبّي الكرة حول العالم ! والذين لم يهتمّوا بكون عمر عربيّاً ، او خسارتهم البطولة بسببه .. بل حزن الجميع على فقدان موهبته العظيمة التي أبهرت العالم بمهاراته الإستثنائيّة ، وسرعته وتكتيكاته الجديدة التي يجب ان تُدرّس بجميع الأنديّة !

***


وتمّ تأجيل التتويج لليوم التالي .. حيث استبدل الجمهور ملابسهم الملونة بالزيّ الأسود الحزين وهم يتابعون بصمت ، تكريم الفريق اللبناني بالميداليات الذهبيّة .. 

لترتفع بعدها اصوات البكاء بعد وضع الكأس فوق نعش اللاعب عمر ، بينما اثنين من فريقه يساندان والده المنهار بعد فقد إبنه الوحيد  


وفي المقابل .. نقل الصحفيّون العرب والأجانب الحدث بأصواتهم المُتهدّجة ، وهم ينعون البطل الشاب اثناء عرض (على الشاشة العملاقة) اهدافه الرائعة في البطولة ، تذكيراً بمهارته النادرة !

***


وبنهاية الإسبوع.. إكتظّ وسط البلد (بالعاصمة بيروت) بالمشجّعين (من جميع الطوائف) الذين قدموا ، لا للإحتفال بكأس العالم .. بل لتشييع جثمان عمر الذين عدّوه بطلاً ، ورمزاً من رموز البلد بعد صنع تمثالٍ له وهو يرفع كأس العالم عالياً  

***


وبعدها بأيام .. وافق والده (الذي استرد بعض قوته ، بعد انتهاء العزاء الجماهريّ) على المؤتمر الصحفيّ الذي تُرجم للغات العالم ، قائلاً بحسرة :

- لم أنجب سوى عمر الذي ربّيته بعد وفاة امه .. وكان حلمي جعله افضل لاعبٍ بالعالم.. لكن بعمر ١٣ وقع في الملعب ، اثناء تدريبي له ! ليخبرني الطبيب بأن لديه عيبٌ خلقيّ في القلب ، كثقبٍ صغير يمكنه ان يصبح نزيفاً داخلياً في حال أجهد نفسه ! فطلبت منه ترك التدريب نهائياً.. لكن لعلم ابني بأنه حلم حياتي ، صار يتدرّب دون علمي على تسديد الأهداف البعيدة ، دون إجهاد نفسه بالركض.. وعندما أصرّ على إدخاله فريقي ، وافق طبيبه على لعبه لمدة خمس دقائقٍ فقط.. لهذا استغلّ الوقت المتبقي بدراسة الحرّاس والدفاع ، لمعرفة نقاط ضعفهم.. بينما كانت الصحافة تنتقدني على عدم إدخاله باكراً .. وتشتمه على حرصه على الكرة ، وعدم مشاركتها اصحابه ! دون علم احد بمجهوده الجبّار ، لتخطّي آلام قلبه ..وفي المباراة الأخيرة ، إضّطررت لإدخاله باكراً بعد ضغط كبار العرب ، وتهديدهم بتعيّن مدربٍ آخر مكاني .. واتهامهم بتدليل ابني ، وخوفي الزائد عليه ! فدخل الملعب ، بعد ان وعدني بعدم إتعاب نفسه.. لكن يبدو ان رغبته بتحقيق حلمي ، جعله يركض بقوّة من اول الملعب لآخره .. وبذلك خسرت ابني الذي نجح بتحقيق حلم الجميع ، ببطولة العرب لكرة القدم .. وطالما انا وابني حققنا الهدف المنتظر ، أُعلن امامكم : إعتزالي النهائي بتدريب كرة القدم 


وخرج من القاعة مع تصفيقٍ حار من كل صحفيّ العالم بعد تحقيقه بطولةً مستحيلة ، دفع ثمنها ابنه الوحيد الذي لقّب لاحقاً : بالمعجزة الكرويّة النادرة ! 


الأربعاء، 18 يونيو 2025

العيد الحزين

تأليف : امل شانوحة 

العقوق والبرّ


قبل يوم العيد الكبير ، طلبت العجوز من خادمتها الجديدة تنظيف المنزل..

وبعدها استحمّت السيدة ، وكويّت عباءة العيد المزخرفة.. مع وصول عامل التوصيلات الذي أحضر الحلوى والشوكولا لضيوف الغد.. كما وضعت عيديّات احفادها في ظروفٍ صغيرة..

^^^


في المساء.. 

الخادمة : أنهيت كل عملي ، أتريدين شيئاً آخر ؟

العجوز : 

- إتصلت بالمطعم لطلبيّة الغد ، لذبح خروف الأضحيّة وطبخه بالأرز .. ومع وصول ابنائي ظهراً ، نأكله معاً .. ثم تقدمين العصير والحلويات ، بعد توزيعي الهدايا والمال على احفادي

- كم عدد احفادك ، سيدتي ؟

- لديّ اربعة اولاد ، ومجموع ابنائهم عشرة .. غداً تتعرّفين عليهم .. فأنت لم تري سوى ابني الكبير الذي وظفّك لديّ ، خوفاً من بقائي وحدي في المنزل 

الخادمة : حفظهم الله لك

***


في اليوم التالي ، اوصل المطعم الخروف المحشي ساخناً .. فسارعت الأم الإتصال بأبنائها..

لكن ثلاثة منهم ، لم يجيبوا على مكالمتها ! بينما ابنها البكر ، إعتذر عن القدوم لانشغاله بزيارة حماته !


وراقبت الخادمة العجوز وهي تنادي البوّاب ، لأخذ الطعام وتوزيعه على الفقراء وهي تكتم دمعتها ! كما وزّعت العيديّات والحلوى على اولاد الحارة

وبعدها اتكأت على خادمتها للعودة الى شقتها.. ودخلت غرفتها لتغيّر ملابسها الجميلة التي اشترتها لهذه المناسبة.. ثم طلبت القهوة لشربها على الشرفة

الخادمة بقلق : الن تأكلي ؟ فأنت لم تتناولي شيئاً منذ الصباح !

العجوز بحزن : لا أشتهي الطعام.. ثم الصحن الذي وضعته جانباً من الذبيحه ، هو لك.. كليه قبل ان يبرد


وأكملت نهارها شاردة الذهن في الشرفة ، وهي تراقب اولاد الحارة يلعبون ويطلقون مفرقعات العيد ، وهي غارقة بذكرياتها !

فشعرت الخادمة بحزنٍ وقهر من اولادها العاقّين الذين كسروا قلب امهم بهذا ليوم الجميل

***


وفي المساء .. نزلت الخادمة لأسفل عمارة لرمي النفايات ، بعد نوم العجوز باكراً.. فالتقت بحارس العمارة الذي سألته عن اولاد العجوز

ففاجئها بجوابه :

- طبيعي ان لا يأتوا لزيارتها

الخادمة : ماهذا الكلام ! هي ربّتهم بعد وفاة والدهم ، وهم صغار

الحارس : دعيني أصحّح معلوماتك .. هي من طلّقت والدهم ، رغم حنانه على اطفاله.. وحرمته رؤيتهم ، حتى توفيّ مكسور القلب والخاطر

- لم اكن اعلم ذلك !

- هي امرأة تحب نفسها كثيراً .. ورغم حصولها على معاش طليقها التقاعدي بحجّة اولادها .. الا انها بخلت عليهم كثيراً ، للإهتمام بنفسها ! فأنت لا تعرفين طباعها القديمة ، كجيرانها القدامى التي لطالما افتعلت المشاكل معهم.. فأنا أعمل بهذا المبنى قبل طلاقها ، ايّ ما يقارب ٢٥ سنة ..وأعرف حياة عائلتها جيداً

الخادمة باهتمام : اذاً إخبرني الموجزّ ، فالسيدة نائمة الآن


((فأخبرها عن نرجسيّة الأم وقسوتها على ابنائها الصغار ، خاصة بعد وفاة زوجها الطيّب .. حيث منعتهم الخروج من المنزل الا للدراسة .. وكانت تتفننّ في عقابهم على اقل تقصيرٍ منهم.. كما حرمتهم زيارة الأقارب التي قاطعتهم مُسبقاً ، بسبب إفتراءاتها الكاذبة .. 

ثم أخبرها عن اختهم الصغرى التي انتحرت بعد رفض الأم زواجها من قريبها الذي تحبه كثيراً ، فقط لكرهها والدته ! وموت الصغيرة ، دمّر ما تبقى من نفسيّة إخوانها الذين زاد كرههم لأمهم بسبب تدخّلاتها بزيجاتهم .. بل هناك اشاعة باستخدامها السحر ، لتفرقة اثنين منهما عن زوجاتهما .. لهذا قرّرا العيش بعيداً عنها ، والزواج ثانيةً دون إخبار امهما بذلك.. 

اما أحنّهم عليها ، فهو ابنها البكر الذي يدفع اجرة الخادمة للإهتمام بها .. رغم انها أذته كثيراً ، بضربه دون رحمة .. حتى ان العلامة البارزة على جبينه ، بسبب رميها الطنجرة على رأسه وهو مراهق ! عدا عن إخراجه من الثانوية رغم تفوّقه ، لإدارة متجر والده المتوفي .. وبدوّره حرص على دفع اقساط جامعات إخوته وتزويجهم))


الخادمة : أتقصد ان لديهم اسباب قوية لعقوق والدتهم ؟

الحارس : نعم ، ولا احد من جيرانهم القدامى يلوموهم على قلّة زياراتهم لها .. فصراخها العالي ونقدها المدمّر لأولادها ، سمعناه جميعاً.. حتى انها اعتادت طردهم من الشقة في الليالي الباردة ! وكثيراً ما سمحت لولديّها المبيت في شقتي حتى الصباح.. كما حرمتهم الطعام ومصروفهم المدرسيّ في حال عصوا اوامرها.. لهذا لا تلومينهم على هجرها ، فهي لم تكن اماً صالحة.. وكما تقول المقوّلة الشهيرة : ((برّوا اولادكم قبل ان يبرّوكم))

الخادمة باستغراب : لكني معها منذ اسبوع ، وتعاملني بلطفٍ وحنان!

- ربما تغيّرت بعد هجرهم لها .. لكن توبتها أتتّ متأخرة ، بعد ان فقد اولادها ثقتهم بها !

^^^


فعادت الخادمة الى الشقة حزينة ، بعد فهمها سبب هجر الأولاد للعجوز التي يبدو انها ستعيش وحيدة لآخر يومٍ في حياتها !


الأحد، 15 يونيو 2025

بطلتي للأبد

تأليف : امل شانوحة 

الحب الوهمي


إنتهى المسلسل الرومنسي الناجح الذي اعجب المشاهدين ، خصوصاً فئة المراهقين لصغر عمر البطليّن اللذين أدّيا دورهما بإتقان ، رغم انها تجربتهما الأولى بعالم التمثيل ! وقد نجحا بذلك ، بسبب الكيماء المتطابقة بينهما ..والتي لامست قلوب الجماهير الذين أصرّوا بتعليقاتهم بضرورة زواجهما الحقيقي ، بسبب الحب الواضح في اعينهما البريئة.. فكلاهما عبّرا بإحدى المقابلات : ان ليس لهما تجارب عاطفيّة خارج المسلسل .. مما أكّد للمعجبين وجود شرارة حبٍ اشتعلت مع تطوّر احداث المسلسل الذي حصل على المركز الأول لهذا العام


لكن بعد انتهاء المسلسل .. شعر الجمهور بالإحباط بعد تباعد البطليّن ، عقب انشغالهما بعملهما الجديد في مدينتيّن مختلفتيّن.. وقد حاول احد الصحفين جمعهما في احدى اللقاءات.. لكنهما تعاملا معاً بصداقةٍ عادية ، بعد اختفاء نظراتهما العاشقة التي التقطتها الكاميرات في حفلات تكريمٍ سابقة !

^^^


لكن هذا الجفاء وإنكار المشاعر ، لم يدمّ طويلاً.. بعد ان وصل للبطلة خبر دخول زميلها المستشفى ، عقب حادث سيرٍ خطير ! جعلها تقطع تصوير مسلسلها الجديد ، للسفر الى مدينته والإطمئنان عليه


لكنه خرج من العمليّة ، فاقداً الذاكرة ! ومهما حاول والداه إخباره عن حياته السابقة ، الا انه لا يتذكّر حتى اسمه ! 

لهذا استبشرا بقدوم زميلته (التي أخبرهما عن حبه السرّي لها) لعلّها تعيد ذاكرته..

لكنه ايضاً لم يتعرّف عليها ! وإن أبدى إعجاباً بجمالها اللافت..


وبعد شعورها باليأس ، نادته سهواً بإسمه في المسلسل (الذي جمعهما معاً).. فإذّ بجسمه ينتفض ، وهو يناديها بإسمها بالمسلسل ! 

بل وفتح ذراعيه ، طالباً ضمّها بشوق .. مما ابكى والداه فرحاً بعد تذكّر دوّره التمثيلي ، فهي بشارة خير على استعادته جزءاً من ذاكرته !


وفور احتضانه لها ، تذكّر عطرها (الذي اشتمّه بالمقاطع الرومنسيّة بالمسلسل) وصار يحدّثها ، كأنها ذات الشخصيّة التي مثلّتها ! 

ومهما حاولت إفهامه بأنه دورٌ تمثيليّ فحسب .. الا انه يصرّ على كونها زوجته بالفعل ، وبذات طباعها بالمسلسل !

^^^


وبعد تلك الزيارة ، تحدّثت البطلة ووالداه مع الطبيب الذي اقترح شيئاً غريباً :

- يبدو ان ذاكرته انحصرت بذلك المسلسل !

البطلة بقلق : أتقصد دكتور .. انه يعتقد حقاً انني زوجته ؟!

الطبيب : نعم ، وعليك معاملته كما فعلتي بدوّرك الرومنسي .. والأفضل ان يحدث ذلك بنفس القصر الذي صوّرتما به احداث المسلسل

الأب : ولكم من الوقت ؟

الطبيب : لا ادري ! لنأمل بأن فور ذهابه الى هناك ، يستردّ مزيداً من ذاكرته

***


وبسبب حب الممثلين له ، وافقوا على العودة للقصر المُستأجر على حساب المنتجة القديمة التي وافقت على جمع البطل مع عائلته المزيفة (ممثلوا المسلسل) الذين راقبوه بحسرةٍ وقلق ! بينما تابع هو ايامه ، كروتين مشابه لدوّره في المسلسل


لكن البطلة لم تكن مرتاحة للموضوع ، بل قلقة من مطالبته بواجباتها الزوجيّة (طالما يؤمن فعلاً أنها زوجته) ولكيّ لا تحدث مشاكل من هذا النوع.. أقنعته مع بقيّة الممثلين بضرورة كتابة عقد قرانهما من جديد

فردّ البطل باستغراب :

- لكننا متزوجان منذ شهرين ؟!

(وهو ما حدث بالحلقات الأخيرة للمسلسل)

البطلة بارتباك : صحيح .. لكني ضيّعت ورقة زواجنا ، ونحتاجها للسفر للخارج.. لذا الأفضل إحضار شيخ ، لكتابة عقدنا من جديد

^^^


وبطريقةٍ ما ، أقنعوه بذلك .. وأحضروا شيخاً رسميّاً (وليس مزيفاً كما المسلسل) .. 

وفي يوم العرس ، بالقصر .. إجتمعت عائلة البطليّن الحقيقيّة لحضور زواجهما (الذي لطالما تمنّوه الجمهور)


وبعد انتهاء العرس ، أصرّ البطل على اخذ زوجته لأوروبا لشهر العسل.. وهو شيء ذُكر بالمسلسل (دون عرضه ، توفيراً لمال الإنتاج) 

فلم تعترض البطلة ، بعد تلقّيها خبر إستبعادها من مسلسلها الجديد (بسبب تمديد عطلتها)

***


وفي فرنسا .. نشرت صور شهر عسلها على صفحتها بالإنترنت الذي ضجّ بآلاف تعليقات التهنئة ، بعد تحققّ حلم المشاهدين بارتباطٍ حقيقيّ ، دون علمهم بمشكلة البطل الصحيّة !


وبالفعل عاشت معه شهر عسلٍ جميل ، كما حلمت منذ لقائهما الأول بتجارب الأداء.. فهي تعلّقت به بشدة ، وهو ما ظهر واضحاً في الكواليس التي عُرضت للجمهور ..لكنه في المقابل ، تحفّظ بتعامله معها طوال المسلسل .. ولهذا أنكرت حبها له لاحقاً ، بعد خيبة املها من عدم خطبته لها بعد انتهاء المسلسل (كما كانت تأمل) 

لذلك جاء مرضه مُحققاً لحلمها وحلم الجمهور

***


لكن بعد شهرين على زواجهما .. وفور إخباره بحملها ، حتى جن جنونه : 

- ممّن حملتي ايتها الخائنة ؟!!

البطلة بصدمة : ماهذا الكلام ؟!

زوجها : انا عقيم !! أنسيت ذلك ؟!

(فهو لم يقدر على الإنجاب في المسلسل)

فحاولت إقناعه : لا ، لست عقيماً .. قمّ بالفحوصات الطبيّة ، وستتأكّد من سلامتك

لكنه امسك ذراعها بعنف ، مُطالباً بمعرفة اسم عشيقها ؟


واشتدّ النقاش الجارح بينهما .. جعلها تفقد اعصابها ، وترمي عليه المزهريّة الذي حاول تجنبها .. لينزلق على الأرض ، ساقطاً بقوّة على رأسه ! 

وعلى الفور نقلته للمستشفى ، بعد فقده الوعيّ من شدة النزيف ..

***


وعندما استيقظ ، تراجعت صحته للأسوء ! فقد عاد بذاكرته الى الموسم الأول من المسلسل : ((حينما قدم للقصر للإنتقام من البطلة وعائلتها .. فهو طوال مئة حلقة : عاملها بلؤمٍ شديد ، بعد إجبارها مع اهلها على خدمته داخل قصرهم الذي اشتراه عقب إفلاسهم ، بسبب تارٍ قديم بين العائلتيّن!)) 


فهو ما ان استفاق بالمشفى حتى صرخ في وجهها على تجرّئها على زيارته ، فهي بالنسبة له : الخادمة التي يكرهها ! وليست زوجته (كما حصل بالموسم الثاني للمسلسل) بعد سلّسلة من الحوادث الصعبة ، التي مرّت بها البطلة !


وحالته هذه ، جعلتها تشعر باليأس .. فهي ليس لديها الطاقة لإعادة تلك الحلقات الصعبة من جديد ! 

لكن ما العمل بعد زواجها الفعليّ منه ، وحملها بطفله ؟! خاصةً مع صعوبة العودة للقصر ، بعد إنشغال المنتجة وبقيّة الممثلين بأعمالٍ اخرى !

 

وبسبب تردّي حالته النفسيّة ، علقت زوجته بين أمريّن : 

اما تركه يتعافى وحده ، لحماية نفسها من اذاه الجسدي والنفسي .. او إعادة احداث المسلسل الطويل من جديد

فهل برأيكم ستطلّقه ، لإكمال حياتها مع شخصٍ سليم عقلياً ؟ او ينتصر حبها بالواقع ، كما انتصر في المسلسل ؟!


الخميس، 12 يونيو 2025

المُشرّدة المُغرمة

تأليف : امل شانوحة 

الحب الطائش


اثناء تعبئة وقود سيارته في المحطّة الفاصلة بين مدينتيّن امريكيتيّن ، مدّت صبيّة يدها نحوه وهي تقول :

- أسقطت محفظتك يا سيد

((حيث بدت كفتاةٍ عشرينيّة مُشرّدة ، بينما هو في الأربعينات من عمره))

فردّ عليها : شكراً لأمانتك

وأراد إعطائها بعض المال ، لكنها اوقفته :

- لا اريد شيئاً

فنظر للمكان الذي تنام فيه (القريب من المحطّة)

- أتلك دارّجتك الناريّة ؟!

فأجابت : نعم ، لكنها مُعطّلة منذ فترة.. وانا أشحذ المال لإصلاحها ، وإكمال سفري عبر المدن

- اذاً لما لا تأخذين المال مني ؟! 

- لا ادري ، تبدو محترماً .. ولم ارد إزعاجك 

الرجل : مازلتي يافعة للعيش في الطرقات ؟ هل هربتي من منزلك؟!

فتنهّدت بحزن : نعم ، من زوج امي الذي حاول التحرّش بي.. وتلك درّاجته ، سرقتها كتعويضٍ بسيط عن عنفه معي

فأعطاها رقم جواله :

- إتصلي بي ، فأنا انزل في فندقٍ قريب من هنا

- ألوحدك ؟

الرجل : نعم ، يمكننا التحدّث معاً إن اردّت

فابتسمت بعفويّة : ربما افعل


ثم انطلق بسيارته .. تاركاً الفتاة تطير من الفرح ، فهو يبدو كفارس الأحلام التي لطالما تمنّته في حياتها !  

***


ومرّت الأيام وهي تحادثه من هاتف المحطّة العمومي ، فهي لا تملك جوالاً


وفي إحدى المحادثات .. أخبرها عن حلم مراهقته : بركوب درّاجةٍ ناريّة ، لكن امه الصارمة منعته من ذلك .. وسألها إن كانت تستطيع رفع العجلة الأماميّة اثناء القيادة بسرعة ؟

فأجابت بحماس :

- بالطبع اعرف !!

الرجل : اذاً عديني عندما أجلس خلفك ، أن تريني مهارتك


وبسبب وعدها له ، تديّنت المال من مُرابي (معروف بقسّوته بتحصيل ديونه) رغم نصيحة صديقتها بعدم التسرّع بإصلاح درّاجتها ، ريثما تعرف نوايا الرجل اتجاهها.. ونبّهتها بأن الرجال المُتعلمين ذوّ المكانة الإجتماعية لا يمكنهم الزواج من نساء مشرّدات مثلهما 

فردّت الصبية غاضبة : 

- انت تغارين مني .. لأني وجدّت حب حياتي الذي سينقذني من بؤسي ، بعكسك !!

المرأة المشرّدة معاتبة : ماهذا الكلام ؟! لطالما اهتممت بك ، منذ وصولك الى مدينتنا.. انا فقط قلقة عليك من المرابي اللعين

الصبية : لا تقلقي بشأنه .. فعندما أتزوج حبيبي ، سيدفع هو ديني ..والآن سأذهب لمصفّفة الشعر لتحسين مظهري .. وشراء فستان جميل ، لملاقاة حبيبي

- لا تصرفي كل مالك على..

مقاطعة بحزم : توقفي رجاءً !! الا تعلمين انه أعاد لي الأمل بالحياة ، بعد ان كرّهني زوج امي صنف الرجال كلهم .. أتركيني أفرح قليلاً ، وتوقفي عن إسداء النصائح الغير مفيدة

المرأة بصدمة : الآن اصبحت غير مفيدة ! بعد ان انقذتك من العديد من المواقف السيئة مع العصابات وبقيّة المشرّدين والشرطة ، وأقنعتك بترك الخمور  

الصبيّة بلؤم : ان لم يعجبك كلامي ، فاقطعي علاقتك بي !!


ثم ركبت درّاجتها (التي اصلحتها حديثاً) وذهبت للسوق ، للإهتمام بنفسها .. بعد  انهاء علاقتها بالمشرّدة (صديقتها الوحيدة منذ خمس سنوات) !

***


وفي الفندق (الذي اعطاها الرجل عنوانه) سألت عنه .. فأخبروها انه لم يحجز لديهم شخص بهذه الأسم من قبل !

فطلبت من صاحب الفندق السماح لها بإجراء مكالمة هاتفيّة ، لتجد حبيبها يردّ بلا مبالاة :

- أحقاً صدّقتي بأني سأتزوج مشرّدة ؟! كنت أضيّع الوقت معك .. اساساً مررت بمحطّتكم قبل ذهابي لمدينةٍ اخرى ، لرؤية زوجتي في المستشفى بعد إنجابها طفلنا الأول .. وكل المعلومات التي اخبرتك عني خاطئة .. وسألغي رقمي بعد هذه المكالمة .. فأنا اعتدت شراء رقمٍ ثاني لتحدّث مع الفتيات ، عند إنشغال زوجتي عني.. الى اللقاء ، ولا تحاولي البحث عني مجدداً


وأغلق المكالمة في وجهها ، قبل السماح لها بالإجابة ! 

فانهارت باكية ، اثناء خروجها من الفندق .. لتجد احد رجال المرابي في انتظارها :

- الزعيم يخبرك بأن معك حتى الغد ، لدفع دينك كاملاً .. بالإضافة لفائدة العشرة بالمئة .. والا سيجبرك على العمل بالدعارة ، لتسديد دينك


وبعد ذهابه ، فكّرت بقهرٍ شديد : 

- هذا ما كان ينقصني .. يعني هربت من زوج امي ، خوفاً من التحرّش ..ليكون مصيري الدعارة !

ثم نظرت لدرّاجتها :

- لا !! لن اقبل بذلك .. طالما اصلحت درّاجتي ، فسأكمل سفري عبر الولايات ..الى ان اموت بحادث ، وارتاح من حياتي البائسة


وانطلقت بأسرع ما يمكنها ، للهرب من المرابي ورجاله !

***


وفور وصولها للمدينة المجاورة ، تعطّلت درّاجتها تماماً ! فتركتها بالطريق ، وأكملت سيرها لساعاتٍ طويلة .. الى ان وجدت سوبرماركت .. فبحثت بحاوية النفايات القريية منها ، لتجد بعض المعلّبات مُنتهية الصلاحيّة .. فتناولت بعضاً منها حتى شبعت ! وما تبقى من مالها ، إشترت بها زجاجة خمرٍ رخيصة الى ان سكرت (رغم إقلاعها عن الخمور منذ سنتيّن)

***


وبحلول المساء ، تساءلت بقلق :

- اين سأنام بهذا الجوّ البارد ؟ 

ثم نظرت للسماء ..

- تبدو انها ستمطر ايضاً !

 

وهنا سمعت موظفان (لركن السيارات في موقف السوبرماركت) يتحدثان: 

- ماذا سنفعل بتلك السيارة ؟ فلها شهر مركونة بموقفنا ، دون قدوم صاحبها ؟! 

صديقه : دعها في مكانها .. لربما كان مسافراً .. سيعود حتماً ، لأخذها من جديد

^^^


وبعد ذهابهما .. توجهت لتلك السيارة ، ومعها سلكٌ حديديّ (وجدته بحاوية النفايات) وظلّت تُجرّب في القفل ، حتى فتحته .. وما ان استلقت داخل السيارة ، حتى غفت من شدّة تعبها

***


في الصباح الباكر .. نظرت من الزجاح الأمامي للسيارة ، لتلمح حبيبها يحمل طفلاً برفقة زوجته ، وهما يدخلان السوبرماركت !

فأصابتها نوبة غضبٍ شديدة : 

- الملعون دمّر ما تبقى من آمالي ، ليعيش حياته الروتينيّة مع عائلته !


واثناء تحرّكها الغاضب داخل السيارة ، لكمت بالغلط الدرج الأمامي .. لينفتح ، وتجد فيه سلاحاً محشواً بالرصاص !

فتساءلت بقلق : 

- هل يعقل ان صاحب السيارة ارتكب جريمة بهذا المسدس ؟ فهناك رصاصتيّن فارغتيّن ! وربما ترك سيارته هنا ، لتخلّص من الأدلّة


ورغم ان المسدس مشبوه ! وربما يورّطها بمصيبة ان لمسته ، لكن لم يعد يهمّها الأمر .. فقد قرّرت المجازفة فور رؤيتها حبيبها يخرج من السوبرماركت ، متوجهاً مع زوجته وطفله الى موقف السيارات (التي تختبا فيه) 


فنزلت من السيارة بعد إخفاء المسدس في خاصرتها ، متوجهةً ببطء نحو غريمها .. وعقلها مشغول بخطّة الإنتقام :

- هل أكتفي بقتله ؟.. او أنتحر امام عائلته ؟... او أفعل كلاهما؟!


ليضجّ الموقف بصراخ المتسوّقين ، بعد انطلاق رصاصتيّن متتاليتيّن .. ارعبت سكّان المنطقة ، دون فهمهم سبب جريمة القتل والإنتحار الغامضيّن!  


ثمار الكفاح

تأليف : امل شانوحة  الموهبة المُرهقة في تلك الليلة .. استلقت الصبيّة على سريرها ، وهي تفكّر بقصتها الأولى التي نالت استحسان عائلتها .. وأخذت...