الاثنين، 28 يوليو 2025

العقوبة المتأخرة

تأليف : امل شانوحة 

الماضي الأسود


دفعه الحارس الى زنزانته ، وهو يقول :

- هذه هي الضربة القاضية يا جاك ، ستبقى في ضيافتنا حتى مماتك

فردّ جاك ساخراً : 

- لا تتأمّل كثيراً .. سأخرج بعد مدّةٍ قصيرة ، كما فعلت بالمرّات السابقة

- لا ، هذه المرّة التُهمة ثابتة عليك.. والقاضي حكم عليك بالمؤبّد !! لهذا لن تخرج من زنزانتك إلاّ للقبر


وقفل الباب الحديديّ السميك للزنزانة المتواجدة بعنبر أخطر المساجين.. بينما استلقى جاك على السرير السفليّ ، وهو يقول :

- سأجد طريقة للهرب .. إن لم يكن بطريق الإستئناف القانونيّ ، فبالهرب الفعليّ من هنا.. اما برشوة احد الحرّاس ، او بحفر نفقٍ ما.. فلا شيء سيحرمني حرّيتي !!


وإذّ بجسمه ينتفض ، بعد رؤية رأس سجينٍ ثاني يطلّ من السرير الذي فوقه وهو يقول :

- لن اسمح بهروبك وحدك

جاك بفزع : من انت ؟! وكيف دخلت الى هنا ؟!

السجين : انا هنا قبلك

- لا ! عندما أدخلني الحارس ، كانت زنزانتي فارغة

- هذه زنزانتنا معاً .. كنت فقط مُتكوّراً على نفسي في سريريّ العلويّ ، بعد ان غطيّت كامل جسدي بالملاءة العفنة.. لهذا لم تنتبه عليّ

جاك بضيق : كان على الحارس إخباري بوجود سجينٍ ثاني معي

فنزل السجين اليه ، وهو يقول :

- تبدو مُتفاخراً بنفسك ، كأنك مالك السجن ونحن بضيافتك !

جاك بغرور : بالطبع !! فأنا اكثر شخص تردّد على هذا السجن

- يبدو انك صاحب سوابق ، فماهي تُهمك السابقة ؟

- وما دخلك انت ؟!!

السجين مُحذّراً : بداية غير موفّقة لك.. فأنا سأبقى معك لفترةٍ طويلة ، وعليك التعوّد على وجودي حولك..


جاك : ومن انت ؟ وماهي تهمتك ؟

- انا نسخة عنك ، إرتكبت ذات جرائمك

- ما هذا اللغز السخيف ؟!

فاقترب السجين من وجهه :

- يبدو لم تتذكّرني جيداً ، يا جاك

- انا لا اعرفك بتاتاً !

السجين : لكني اعرف ادقّ التفاصيل عنك

جاك ساخراً : أحقاً ، مثل ماذا ؟

- سأُعرّفك عن نفسي اولاً .. او بالأصحّ ، دعني أخترّ إسماً لنفسي

ثم فكّر قليلاً ، قبل ان يقول :

- حسناً ، لنعتبر ان اسمي اريك

جاك : أفهم من هذا ، انك تخاف إخباري بإسمك الحقيقيّ

اريك : لن يهمّك اسمي بجميع الأحوال.. الأهم هو ما اعرفه عنك

جاك مُتحدّياً : هات ما عندك


اريك : حسناً ، لنبدأ بمرحلة طفولتك.. تحديداً في سن التاسعة ، حين بدأت بوادر الإنحراف السلوكيّ لديك ، بعد قيامك بنتف ريش دجاج جارك.. الى ان قبض عليك ، وضربك ضرباً مُبرحاً امام والدك الذي سارع بالإعتذار منه ، بدل الدفاع عنك ! مما أفقدك الثقة بأبيك ، اليس كذلك ؟

جاك بصدمة : ماهذا الذي سمعته !

- هل فاجأتك ؟

- هذه القصة لها اكثر من اربعين سنة ، وقلّة من الناس تعرفها ! فكيف..

اريك مقاطعاً : لا تُكثر الأسئلة ، دعني أُكمل سجلّك المُشرّف.. بسن ١٣ كنت مشتركاً بسباق اولاد الحيّ الذي ربحه دائماً ، الولد صاحب الدرّاجة الجديدة .. مما اغاظك .. فانتظرت نوم الجميع ، وتسلّلت لحديقته.. ثم غرزت الدبوس مراراً في عجلته .. لتفوز انت في اليوم التالي ، بعد وقوع الصبيّ الذي كسر ذراعه

جاك بدهشة : لا ! هذه صعبة .. فلا احد رآني وانا اقوم بذلك.. هل انت من اولاد حييّ الشعبيّ ؟

- سأجيبك على اسئلتك بعد إنهاء جرائمك السابقة.. (ثم سكت قليلاً) .. هل تذكر جاكلين ، الفتاة البريئة التي تعرّفت عليها بكافتريا الجامعة ؟ والتي أخبرتها بتخصّصك بقسم العلوم ، بالإضافة لعملك بالكافتريا لمساعدة والدك بمصاريف الجامعة .. والمسكينة أحبّتك بصدّق .. الى ان أخبرتها صديقتها أنك مجرّد عاملٌ جاهل ، دون حصولك على شهادة المتوسطة ! حينها لم تكتفي جاكلين بفسخ علاقتها بك ، بل ايضاً غيّرت جامعتها .. وكيف كانت ردّة فعلك ؟ دهست صديقتها بدرّاجتك الناريّة المستعملة دون رحمة !                                                                                                

جاك مقاطعاً : لم انوي قتلها.. فقط كسرت حوضها ، عقاباً لها

اريك : مما تسبّب بعقمها وانفصالها عن خطيبها.. وبسببها سُجنت لأول مرة ، بعد ظهور الحادثة بكاميرا الشارع

- هل تلاحقني منذ طفولتي حتى اليوم ؟!!

- لم انتهي بعد.. (ثم سكت قليلاً) .. بعد سجنك الأول ، تخلّت عائلتك عنك.. وخرجت من السجن دون عملٍ او مُعيل.. وتشرّدت عاماً بالشوارع ، قبل حصولك على عمل بمحطّة بنزين.. وعندما شتمك صاحب السيارة الفخمة بعد مسحك زجاجه الأماميّ دون إذنه.. سكبت بعضاً من البنزين فوق مقعده الخلفيّ من شقّ النافذة ، اثناء إنشغاله بالجوال .. ولم يبتعد بضعة امتار حتى نشب الحريق بسيارته بعد إشعال سيجارته.. وبسبب كاميرا المحطة ، اعادوك الى هنا ، اليس كذلك ؟ 


فهجم جاك على اريك ، مُمسكاً بزيّ سجنه البرتقاليّ .. قائلاً بعصبيّة:

- هل انت مخبرٌ سرّي ، ام طبيبٌ نفسيّ مُندسّ في زنزانتي ؟!! فمن المستحيل ان يعرف احد كل هذه المعلومات عني !

فأزال يد جاك عن ثيابه ، قائلاً ببرود :

- قلت ، سأخبرك بكل شيء .. حتى ادقّ التفاصيل عنك ، قبل الإفصاح عن حقيقتي.. فاجلس بهدوء ، واستمع لما تبقى من حياتك التعيسة 


وبعد جلوس جاك مُرغماً على سريره ، أكمل اريك كلامه : 

- بعد خروجك من الزنزانة ، رفض الجميع توظيفك .. مما جعلك تتهوّر بسرقة بنك بمسدس لعبة ! لكن الحارس انتبه على زيف سلاحك ، قبل خروجك من البنك .. وأوسعك ضرباً .. لتستيقظ من إغمائك داخل الحجزّ .. ولم يمضي وقت ، حتى أُغرمت بحارسة السجن الجديدة التي بغبائها بادلتك المشاعر ! وعندما ساعدتك بالهرب.. أطلق مراقب السجن النار عليكما .. فماتت هي ، وأُصبت انت بذراعك.. وبعد علاجك ، اعادوك للسجن من جديد !

جاك بحزن : لقد أحببتها بالفعل

اريك : كاذب !! انت لم تحب احداً في حياتك

- وما يدريك بمشاعر قلبي ؟!


اريك : انا احفظك ككتابٍ مفتوح .. وانت لم تعشّ تلك المشاعر مُطلقاً .. حتى مع جاكلين التي تقرّبت منها ، للشعور أنك طالبٌ جامعيّ بعد توقف تعليمك.. المهم ، دعني أختم جرائمك بالحادثة الكبيرة التي تسبّبت بحصولك على حكم المؤبّد.. فبعد خروجك من السجن ، تشرّدت مجدداً بالشوارع ..الى ان لمحت عائلةً ثريّة توقف سيارتها الفارهة امام حديقةٍ عامة ، بعد إصرار ابنهم المدلّل على اللعب فيها.. فسارعت بشراء الحلوى ، والإختباء خلف شجرة قريبة من الأرجوحة .. ثم ناديّت الصغير ، اثناء إنشغال والديّه بالشجار حول موضوعٍ ما.. وأغريّته بالحلوى لخطفه ، لأجل فديّةٍ كبيرة من اهله.. لكن سائق العائلة رآك مع الصبيّ .. وركض خلفك.. فكسرت قارورة وجدتها بحاوية النفايات ، ووضعت الزجاجة المكسورة على رقبة الولد الخائف

جاك : الصغير الغبي غافلني ، وأفلت من يدي بعد سماعه صرخة امه .. فقطعت الزجاجة جزءاً من عنقه (الوريد الوداجيّ).. ليعاجل السائق الضخم بضربي بعنف.. وعندما استيقظت في عيادة مركز الشرطة ، أخبروني بموت الولد.. (ثم تنهّد بضيق) ..كل ما اردّته هو بعض المال ، بعد عجّزي عن إيجاد عملٍ لائق

وانهار بالبكاء..


اريك : كفّكف دموع التماسيح !! فأنا اعرف تمثيلك دور النادم ، على امل ان اكون شرطياً ، لكتابة تقريرٍ يُخفّف حكمك .. لكن بسبب سوابقك الماضية ، ستبقى هنا لآخر عمرك الذي يبدو لن يطول كثيراً

فهجم جاك عليه .. وخنقه بقوّة ، وهو يسأله غاضباً :

- من تكون ايها اللعين ؟!! وكيف تعرف اسراري التي لم ابوح بها لأحد ؟!


وهنا سمعا صوتاً من خارج الباب الحديديّ :

- مع من تتكلّم ؟!!

فتوجّه جاك للباب ، قائلاً للحارس :

- إفتح بسرعة !! قبل ان اموت بسكتةٍ قلبيّة ، او اقتل اللعين الذي معي!!

وعندما دخل الحارس ، سأله :

- عن من تتكلّم ؟!


ليتفاجأ جاك بوجوده وحده بالزنزانة ! فسارع بالبحث في السرير العلويّ ، واسفل سريره .. وهو يقول بدهشة :

- كان هنا منذ قليل ! كيف اختفى ؟! هل يوجد بابٌ سرّي بالزنزانة ، لا اعرفه؟!

الحارس : من تقصد ؟!

- اريك اللعين الذي يبتزّني بمعرفته ماضيّ الأسود !!

الحارس : انت مسجونٌ وحدك هنا.. الم أخبرك أنك حوكمت بالإنفرادي ، ام بدأت تفقد عقلك منذ الآن ؟ .. من الأفضل ان تنام قليلاً ، فمازال هناك ساعتان على فترة العشاء


ورغم غرابة الموضوع الا انه استلقى على فراشه في محاولة للنوم ، حتى لا يفكر بما قاله اريك !

***


وبعد ساعتين ، أيقظه الحارس للنزول للقاعة الطعام..

وهناك لمح اريك من بعيد ، وهو يبتسم له !

فأراد الذهاب اليه ، لكن الحارس أجلسه على كرسيّه بالقوة .. وهو يقول :

- ممنوع التحرّك بالقاعة !! إنهي طعامك ، وعدّ الى زنزانتك فوراً

***


عندما عاد جاك الى زنزانته ، فتّش السرير العلويّ دون ايجاد احد..

- يبدو انهم نقلوا اللعين الى زنزانةٍ اخرى


وما ان استلقى على فراشه ، حتى أطلّ اريك من فوقه !

فانتفض جسم جاك ، وهو يسأله مرتجفاً :

- هل انت شبح ؟! كيف تظهر لي وحدي ، دون ان يراك احد ؟!

اريك : لأني بخيالك فقط

- انا لا اعرفك

- لكني اعرفك جيداً

جاك : قل لي من تكون !!

اريك : انا ضميرك الذي أسكتّني لأربعين سنة.. مع اني حاولت كل ليلة تذكيرك بمصائبك ، لكنك تجاهلت صوتي وتنبيهاتي.. واليوم جمعنا القدر ، لأذكّرك بتفاصيل جرائمك كل يوم ، حتى أصغر شعور قهرٍ مررّت فيه ..سأعيد عليك ماضيك مراراً وتكراراً ، حتى تعترف بغلطك


جاك بعصبية : انا لم اخطئ ابداً !! فأبي اعتذر للجار ، بدل منعه ضربي ! وعطّلت درّاجة اللعين ، بعد تفاخره بها على اولاد الحيّ الفقراء .. اما جاكلين فأحببتها بالفعل ، وكذبت لكيّ تقبل صحبتي .. اما صديقتها الفضوليّة ، فاستحقت الدهس لتفريق حبيبتي عني.. والغني المغرور ، إستحق حرق سيارته بعد ان شتمني بقسوة لتنظيف زجاجه ! اما البنك فحاولت سرقته بمسدس لعبة ، مُعرّضاً حياتي للخطر دون أذيّة احد.. فقد رغبتُ برزمة مالٍ ، أفتح به كشكاً أعتاش منه لبقيّة حياتي.. كما ليس ذنبي ان الحارسة المُطلّقة أحبّتني بجنون ، مما تسبّب بموتها .. اما الولد الصغير ، فلم انوي قتله .. هو تحرّك فجأة ، مُسبّباً جرحاً غائراً في رقبته .. كنت اريد مال الفديّة ، لتأمين طعامي .. (ثم تنهّد بضيق) .. كل ما تمنيّته بحياتي : هو منزلٌ دافىء وزوجة حنونة ، وطعامٌ شهيّ وعملٌ احبه.. جميعها احلام بسيطة يتمنّاها كل انسانٍ طبيعيّ.. لكني حرمت منها منذ الصغر !


اريك : لا تزيّف الحقائق .. كل جرائمك بسبب حقدك وغيرتك ، وهمّتك الضعيفة بالدراسة والعمل .. وهذا ذنبك وحدك 

جاك غاضباً : اسكت !!

- أسكتّني سابقاً ، لكني الآن لن اصمت ابداً .. ايها المنحرف الفاشل !!

جاك : لا تقلّ فاشل ! اكره هذه الكلمة التي ردّدها ابي دائماً

اريك : ومعه الحق بقولها .. ايها الولد الفاشل .. فاشل !!!!

جاك صارخاً : قلت اسكت !! اسكت !!!!


وظلّ يصرخ هكذا ، حتى أيقظ حارس السجن الذي توجّه لزنزانته ومعه عصا الصعق ، بعد ان ضايق جميع المساجين بالزنّزانات المجاورة .. ليتفاجأ بجاك مُنتحراً بشرشف سريره الذي ربطه بسقف زنزانته التي سُجن بها بمفرده !


الخميس، 24 يوليو 2025

طفلٌ بعقليّة ملك

تأليف : امل شانوحة 

 

نار الجهل


في العصر القديم ، ببريطانيا .. طلب جاك (رجلٌ ثريّ ، والداعم الأول لدار الأيتام) من الأطفال كتابة امنياتهم لربهم بعيد الميلاد.. دون علمهم بأنه سيقرأها بنفسه ، لتنفيذ طلباتهم..


فكانت معظم طلبات ٢٠٠ يتيم : هي حلويات او ملابس وألعاب.. 

ما عدا رسالة من احدهم ، كتب فيها بالتفصيل : عن مسؤولي الدار الذين يقومون بسرقة تبرّعاته ! 

فالطبّاخ يشوي نصف اللحوم المُرسلة للدار ، بينما يبيع الباقي لحسابه.. 

والأساتذة لا يعلّمونهم كافة الصفوف ، بل يرسلوهم لساحة الدار باكراً ..رغم أخذهم رواتبهم كاملة  

كما يُجبر المدير الأهالي (القادمين للتبنّي) بدفع المال له ، دون علم جاك الثريّ ! 


كما وضّح الولد : قلّة الأدوية وغيارات الملابس ..والمياه الباردة للإستحمام.. والضرب المُبرح عند كل خطأ من الأولاد ، رغم سياسة جاك الواضحة بالرحمة المُلزمة في داره.


وهذه الرسالة أقلقت جاك الذي قام ببحثٍ مُكثّف عن مصاريف الدار مع استجواب عمّالها ، الى ان ثبتّت لديه السرقات والتجاوزات ! مما استدعى طرد العديد من مسؤولي الدار واستبدالهم بآخرين كفوئين..


وأراد جاك تكريم الولد الذي ارسل التنبيه له.. لكن لا احد من الأولاد رفع يده عند سؤاله لهم ! حتى عندما وعد بمكافئة لصاحب الرسالة ، لم يظهر الولد الحكيم ! 

***


فقرّر جاك أخذهم برحلة الى قصره .. وبنهاية الرحلة المليئة بالطعام والألعاب التي ملأت حديقته ، طلب من الأولاد كتابة رأيهم بالرحلة  

ليجد ورقة من بينهم ، يوضّح فيها الولد : خيانة زوجة جاك التي شاهدها تُقبّل حارسه في زريبة القصر ! كما شكّكه بأن حملها ليس منه ، لأن من خلال حديثها مع الحارس : أن علاقتهما تجاوزت السنتيّن.


مما افقد جاك اعصابه .. وهدّد الحارس بالسلاح ، الى أن اعترف مع زوجته بالخيانة ! فقام بطرد الحارس وتطليق زوجته..


وللمرة الثانية لم يعرف من الولد الذي كشف بدايةً : سرقات الدار ، ثم خيانة زوجته ! فالأولاد الأيتام لا يتجاوز اعمارهن ١٣ عاماً .. والذي كتب الرسالتيّن لديه فهم الرجال ! 

***


واستمرّ الغموض للسنة الثانية ، بعد أن وصلته طلبات الأولاد بعيد الميلاد التالي.. ليجد رسالة اخرى من الولد المجهول عن الخطوات التي عليه تتبّعها ، لنجاحه بانتخابات رئيس البلديّة التي رشّح جاك نفسه اليها ! 

وكانت خطواتٌ دقيقة تدل على خبرة الولد بأحوال البلد والمُرشحيّن المنافسيّن ، مُتضمناً رسالته الآتي : 

((سيد جاك .. انت تطمح لمنصبٍ يتنافس عليه الطامعون .. لكنك بخلافهم ، تمتلك الرحمة والإنسانيّة .. اليك خطّة للنجاح على منافسيّك :


1- اللورد جيمس 

رغم قوّته السياسيّة الا ان لديه عثرات يمكنك الإستفادة منها ، للإطاحة به بالإنتخابات القادمة .. اولاً : غروره الذي يمنعه التواصل مع الفقراء ، بينما انت الداعم الأول للأيتام .. ثانياً : ثروّته اتت من البنوك المرابية ، بينما انت من بيع محصول حقولك الزراعيّة ، مما يُثبت نقاء تمويلك .. وثالثاً والأهم : تشجيعه للعبوديّة ، بينما انت تطالب بالحرّية للجميع .. وهذه تكفي لفوزك بالإنتخابات القادمة ، في حال ركّزت عليها بخطابات إنتخابك 


2- المنافسة الثانية : اليزابيث كارتر 

خطاباتها المؤثرة هي بالحقيقة من كتابات مستشارها ، لهذا أحرجها امام الجميع بأن تُلقي كلمة دون تحضير .. حينها سيكون إرتباكها ، سبباً بفوزك .. ثانياً : هي تُعارض التبني ، وانت مؤسسّ فكرة العائلة السعيدة للولد اليتيم .. يمكنك إثارة هذه النقطة بالإنتخابات القادمة ، وستحصل على تأييد الأهالي .. ثالثاً : هي تكره الريفيين ، وقد وضّحت ذلك بأكثر من خطاب عن إشمئزازها من جهلهم وتخلّفهم .. لذلك ركّز انت على أهميّتهم بمجال الزراعة والرعيّ ، وستحصل حتماً على تأييدهم .. فهم اكثر من نصف الشعب البريطانيّ .. 


ختاماً : لا تشتم احداً ، فقط إظهر بمظهر السيد اللبق المحترم .. والناس ستشعر بصدق نواياك .. بالتوفيق لك 

ابنك صغير البنيّة ، كبير الرؤية))

                 

فجمع جاك اساتذة الدار ، وأعطاهم الرسائل الثلاثة (سرقات الدار ، وخيانة زوجته ، وخطّة الإنتخابات) ليسألهم عن خط يد الولد.. لكن لا احد ميّزه او استطاع تحديد احد من تلامذته بهذا الذكاء ! 

***


وبعد نجاح جاك بانتخابات البلديّة .. وصلته رسالة رابعة من اليتيم المجهول ، يبارك فوزه ويخبره الحقيقة :

((انا طالب في دارك للأيتام .. وعمري الحقيقي : اربعين سنة.. انا قزم دون تشوّهات جسديّة.. أقصد ان نموي توقف بعمر العشر سنوات.. وكنت اعيش بإحدى القرى .. وعندما لم اكبر لسنوات ، ظنّوني شيطاناً او جنيّاً مُتلبّساً بهيئة ولد ! وحاولوا حرقي حيّاً.. فهربت منهم ، وقدمت الى مدينتك .. وأصبحات شحاذاً بالشوارع لسنتيّن .. الى ان اتت الشرطة ورمتني بالدار .. ولأني لم اردّ لفت انظاركم اليّ .. كتبت دروسي بيد اليسار ، لأشابه خطوط الصغار الغير مفهومة .. كما لم أُظهر ذكائي لأساتذة الميتم الذين بدأوا يشكّون بي ، لأني لم اطول منذ ثلاث سنوات.. لهذا قرّرت الهرب من الدار ، ومن المدينة كلها .. كيّ لا يحاولوا إحراقي ، كما فعل اهل قريتي.. هذه رسالة وداع.. ورجاءً لا تبحث عني.. سعيد انك سمعت نصائح رجلٍ ، عالق بجسم ولدٍ صغير))


ورغم صدمة جاك بما قرأه ، خاصة ان هذا النوع من التقزّم لم يكن معروفاً في عصره ! لكنه كان مُمّتناً لذلك الرجل الصغير الذي ساعده بالحصول على منصبه الجديد

***


ومرّت السنوات ، إستطاع جاك الحصول على تأييد اهالي منطقته الفرحين بمشاريعه الإنمائيّة ، خصوصاً القرويين .. لكن منافساه القدامى ، لم يكونا سعيدان بسمعة جاك العطرة بين الناس .. فخطّطا معاً للإطاحة به .. وتمكنا من تلفيق تهمة تعامله مع السفير الفرنسي ، بزمن اضّطراب العلاقة بين البلديّن .. مما اغضب الناس الذين طالبوا باستقالته !


ومن شدة حزن جاك من تصديق شعبه لهذه التهمة الباطلة ! رغم مشاريع الإعمار في عهده ، لصالحهم .. إستقال مُرغماً .. مما تسبّب بمرضه الذي تزايد كل يوم 

***


وعلى فراش الموت ، كتب جاك رسالته التالية :

((الى من يقرأ رسالتي بعد موتي .. لم اكن يوماً رجلاً حكيماً .. بل ظننت ان الإهتمام بالفضائل يكفي لرفع مستوايّ بين الناس ، دون الإكتراث لما يجري بالكواليس من دسائس وخيانة .. الى ان وصلتني رسالة طفوليّة من يتيمٍ في داري ، جعلتني اكثر نضجاً وفهماً للواقع والحياة .. وتتابعت رسائله ، كنورٍ وسط عتمة جهلي.. وبنصائح ذلك الولد المجهول ، أوصلني للقمّة ثم رحل .. وبغيابه ، تخبّطت وحدي بقراراتي التي كان بعضها سيئاً ، والتي اوصلتني للإنحدار .. ذلك الولد كان رجل بجسم قزم دون تشوهاتٍ جسديّة .. وهي حالة نادرة ، لم تُعرف حتى الآن ! لذلك اطلب من اطباء وعلماء بلدي دراستها ، في حال وجدوه .. وليخبروه ان كل ثروّتي له .. فهو استحقّها بجدارة بسبب افكاره النيّرة الحكيمة .. فعقله يفوق تاج الملك ، وإن كان مُحتجزاً بجسم طفلٍ صغير))

***  


ووصل الخبر للقزم الذي قدم من القرية المجاورة للحصول على ثروّته ، بعد ان عاش مُشرّداً طوال خمس سنوات هروبه من الدار.. ليحصل ما كان يخشاه ، فمنافسا جاك الطامعيّن بتحويل ثروّته لخزينة البلديّة .. تمكنا من إخافة الشعب بأن القزم هو مرسال الشيطان .. وتمّ تحديد يوم اعدامه حرقاً ، امام الجمهور الغفير الذي تجمّع بساحة العاصمة

 

وقبل إشعال الحطب تحت الصليب المُعلّق عليه ، قال بصوتٍ جهوريّ :

((إبقوا دائماً في عتمة الجهل والتخلّف !! أنا لم اسعى يوماً للملك ، بل وجّهت سياسيّاً طيباً لخدمتكم .. بينما تكترثون انتم بالشكل دون المضمون .. اليوم تحرقونني ، فقط لأن جسمي لم ينمو ! .. الشيطان الحقيقي هو جهلكم !! كم من موهوب سحقتموه بغبائكم .. وكم من طفل قتلتم مستقبله بتمسكّكم بتقاليدكم البالية .. انا كنت الشمعة في حياتكم ، أوجّههكم نحو الأفضل .. لكنكم قرّرتم إطفائها اليوم .. لهذا تستحقون اليأس الذي انتم فيه !! .. انا الطفل الرجل .. ورسائلي ستُدرّس يوماً للأجيال القادمة .. ليعرفوا مدى جهلكم وتخلّفكم .. رسائلي هي صرخة عقلٍ ناضج في زمن الطلاسم والشعوذات .. إحرقوني الآن ، لكنكم لن تطفؤا شعلة الفكر ابداً!!))

***


بعد سنواتٍ طويلة .. تم اكتشاف حالات مشابهة للقزم المُعجزة ، التي تمّ دراستها علميّاً في جامعات الطب ببريطانيا والعالم : وهي حالة توقف النمو الجسدي للطفل ، بينما عقله يستمر كرجلٍ طبيعيّ .. اما رسائل اليتيم : فمازالت تُدرّس بكتب التاريخ ، على انه العبقريّ الذي حوكم كشيطان ! والذي لُقّبه العلماء ب(طفلٌ بعقليّة ملك) !             

الاثنين، 21 يوليو 2025

نقطة تحوّل

تأليف : امل شانوحة 

القصة المُعدّلة


جلست امام كعكة عيد ميلادها ٤٧ ، ببيجامتها وشعرها المنكوش ..وهي تحتفل وحدها بعد زواج إخوتها ، وبقائها مفردها في منزل اهلها .. وأخذت تُدنّدن بنبراتٍ ساخرة ، أغنيّة عيد الميلاد .. قبل إطفاء شمعتها ، وهي تتمنى للمرّة الأخيرة تغيّر حياتها المُملّة !

ومن بعدها فتحت حاسوبها وهي تتأمّل مدوّنتها التي فيها ٨٥٠ قصة متنوّعة ، والتي أمضت سنوات شبابها بكتابتها.. ورغم جوّدة وإحترافيّة الأفكار ، الا ان لديها قلّة من المتابعين ! 

فقالت بحسرة :

- كان عليّ سماع نصيحة إخوتي ، بالعمل بأيّةِ وظيفة اداريّة بدل تضييع عمري بالإهتمام بموهبة ستتلاشى أهميّتها بعد الذكاء الإصطناعي الذي قضى على المواهب البشريّة !


وقبل إغلاق حاسوبها ، إنتبهت لرسالة في بريدها الإلكترونيّ من منتجٍ مشهور يعرض عليها مليون دولار بعد اختيار إحدى قصصها لتحويلها لفيلمٍ سينمائيّ ! 


شعورٌ لم تعهده من قبل ! قشعريرة سرت بكل جسدها ، كأنها نبتةً ميتة سُقيت بماءٍ مُنعش.. 

وبيدين مُرتجفتين ، سألته عن اسم القصة التي أعجبته ؟

لتتفاجأ باختياره قصة : عن رسّامة طموحة تقرّر انهاء حياتها بعد فشلها ببيع لوحاتها ، التي انشهرت بالإنترنت بعد وفاتها ! 

وهي القصة الوحيدة التي سردت فيها الكاتبة معاناتها من تعسّر احوالها ، من خلال البطلة (الرسّامة) التي جسّدت فيها يأسها من الحياة الغير عادلة ! وهي قصة كئيبة بامتياز ، بسبب كره الكاتبة لعنوستها وفشلها بإيجاد وظيفةٍ مُلائمة.. 


ولم تنتهي الصُدف باختيار المنتج لقصة حياتها لتحويلها لفيلم ، بل طلب منها تغيير نهاية القصة لتكون اكثر تفاؤلاً للشباب ! 

فوعدته بتنفيذ طلبه بأسرع وقتٍ ممكن

***


لتمضي ليلتها في صراعٍ نفسيّ مع قصةٍ تحكي تفاصيل حياتها .. مما جعلها بين ناريّن : صدقها الأدبيّ ، ورغبتها بالتأثير الإيجابي على المشاهدين .. من خلال إرغام نفسها على تغيّر اسلوبها الدراماتيكيّ التي اعتادت عليه لسنواتٍ طويلة !


فخطرت ببالها فكرة : وهي نشر النسخة المُعدّلة في مدوّنتها ، لمعرفة رأيّ قرّائها إن كانوا يفضلوّن النهاية القديمة اليائسة ، ام النهاية الإيجابيّة الجديدة : ((وهي تمكّن البطلة (الرسّامة) من بيع اول لوحاتها ، لمعجبٍ يعمل سرّاً كهاكر.. إستطاع نشر لوحتها ضمن موقعٍ الكترونيّ تابع لأهم معرضٍ فنّي ، مُختصّ بلوحات اشهر الفنانين العالميين.. ليقوم الأثرياء برفع سعر اللوحة بالمزاد العلني.. مما جعل مسؤولوا المعرض يطالبون الرسّامة بإرسال المزيد من لوحاتها بعد زيادة الطلب عليها ! وكلّه بمساهمة الهاكر التي وافقت الزواج به ، بعد تغيّره حياتها بذكائه ومكره ، دون ان يكشف خداعه احد !))

***


لتتفاجأ الكاتبة باليوم التالي ، بالكثير من التعليقات الإيجابية على قصتها المُعدّلة ! (رغم ان الكاتبة اعتادت سابقاً بوجود تعليق او تعليقيّن على كل قصة تنشرها ، مهما كانت قوّتها الأدبيّة) لكن هذه المرة تجاوزت المئة تعليق من قرّائها المُخلصين الذين تابعوا مسيرتها الأدبيّة لسنواتٍ بصمت !

وجميعهم أيّدوا تغيير نمطها الكتابيّ .. وابتعادها اخيراً عن السوداويّة التي كانت تُنغّص نفوسهم رغم جوّدة افكارها الإبداعيّة !             


مما صدمها بالفعل ! فهي لم تكن تدري ان قصصها لها تأثير نفسي سلبي عليهم.. فهي حاولت إخراج يأسها من عقلها وقلبها على شكل قصةٍ خياليّة فحسب !

وهذا جعلها تشعر بالمسؤوليّة امام مئات الشباب والمراهقين الذين زوّدت إكتئابهم ونظرتهم المتشائمة للمجتمع طوال سنوات نشرها القصص !


فسارعت بنشر رسالة اعتذارٍ لهم :

((الى قرّاء مدوّنتي المُخلصين :

أعتذر عن كل قصة اطفأت نور الأمل في قلوبكم بسبب نهايتها المأساويّة .. فمن دون قصد تسرّب يأسي وحزني بين السطور ، دون إدراكي بظلالها السوداء التي حطّت على عقولكم وقلوبكم .. ليس رغبةً بإيذائكم ، بل جهلاً مني بتأثير الكلمة على نفوسكم وآمالكم المستقبليّة ! 

من اليوم فصاعداً ، سأكون على قدر المسؤوليّة لما تخطّه يُمنايّ.. رغم أنّي لن أُزيّف واقعنا الكئيب ، لكني سأبحث معكم عن نورٍ في آخر نفقنا الطويل المظلم.. 

الى ان نصل معاً ، لنهاية الألم والمعاناة.. ثم نتساعد للصعود الى سلّم النجاح خطوةً بخطوة.. 


شكراً لمرافقتكم دربيّ الطويل الشائك ، رغم افكاريّ السلبيّة .. انا مُمّتنة لعدم ترككم مدوّنتي المتواضعة.. 

ومنذ اليوم ، لن يكون هناك سوى قصصاً مُفعمة بالأمل والتفاؤل ، وإيماناً بقدرة الله على تغيير مستقبلنا نحو الأفضل .. 

انتم اجمل قصصي وأكثرها وفاءً.. 

كاتبتكم المُحبّة))


لتصلها مجموعة من الردود والمديح .. كما النقد البنّاء من قرّائها المُتمكّنين من اللغة الأدبيّة الذين قدّموا نصائح مفيدة تساعدها بمستقبلها القادم.. كما شجّعوها على تعاملها مع المنتج ، لتحويل قصة حياتها لفيلمٍ سينمائيّ

***


وهذا ما حصل لاحقاً .. بعد رفضها مبلغ المليون دولار من المنتج ، واستبداله بنسبة عشرين في المئة من ارباح الفيلم ، في حال نجح بصالات السينما بنسخته المُتفائلة ..فهي لا تريد الحصول على مبلغٍ كبير إن لم يشاهده احد (كيّ لا يتكبّد المنتج الخسارة وحده)


لكن مالا تعلمه الكاتبة انِِ هذه النسبة جعلتها تحصل على اضعاف المبلغ الذي كان سيقدّمه المنتج ، بعد ترجمة فيلمها لعدّة لغات ! حتى أصبح ايقونة ورمزاً ثقافيّاً للشباب ، بعد ان اعطاهم دفعة امل لمتابعة حلمهم ، وصولاً للنجاح والشهرة !

***


وفي المقابل .. أثّر الثراء المادي على نفسيّة الكاتبة التي اعتنت بجمالها لأول مرة منذ صباها ، بعد ان غيّرت اسلوب لبسها .. واشترت منزلاً صغيراً بالجبل ، لديه مطلّ رائع يلهمها المزيد من الكتابة.. 


كما تحسّنت علاقتها بإخوتها واقاربها بعد مساعدتهم ماديّاً ، عقب ظهورها بعدّة مقابلاتٍ تلفازيّة ، ومعارض الكتاب لتوقيع قصصها التي نشرتها مؤخّراً .. والتي حضرها مجموعة من قرّائها القدامى ، للتصوير معها.. 

وهي في المقابل اعطتهم هدايا قيّمة ، إمتناناً على دعمهم السابق طوال مسيرتها الكتابيّة

***


بعد سنوات ، وفي عيد ميلادها السبعين .. لم تكن وحدها ، بل مع مجموعة من المعجبين الذين اقاموا إحتفالاً لها بإحدى صالات السينما ، بعد عرض فيلمها العشرين الذي نجح عالميّاً كسابقيه


وبعد توديعها لهم ، عادت الى منزلها الجبليّ.. لكن فرحتها بنجاحها الأخير ، حرمها النوم .. فذهبت للشرفة المُطلّة على واديٍ مُزهر ، بنسماته العليلة .. واضاءت مصباحها .. لكتابة قصة جديدة متفائلة ، كعادتها بالسنوات الأخيرة .. والإبتسامة العريضة تعلو وجهها السمح .. يعكس نوراً داخليّاً ، سيضيء درباً للأجيال القادمة !


الخميس، 17 يوليو 2025

اللقاء الأخير

تأليف : الأستاذ عاصم 

الطلب المُوجع !


عاصم : الو زينب .. كيف حالك ؟  

زينب : بخير ، الحمد الله

عاصم بحماس : لجنة المسابقة ارسلت لي تفاصيل المشاركة

زينب بحزم : أخبرتك مراراً انني لن اشارك ، وهذا قراري النهائيّ!!  

- وكل مرة ترفضين توضيح سبب إصرارك الغريب على الرفض ! 

- من فضلك يا عاصم لا تتعبني ، فلا طاقة لديّ للجدال 

عاصم : لكن هذه المرة مُختلفة ، فالرواية التي كتبناها معاً إستثنائيّة ..وقد أخبرني احد اعضاء اللجنة ان إحتمال فوزنا كبيرٌ جداً 

زينب : وانا مازلت عند رأييّ 


عاصم : اذاً سآتي اليك ، لجعل والدتك تُقنعك بالمشاركة ..وبجميع الأحوال ، المسابقة بمدينة النقب القديمة (بين السعودية والأردن وفلسطين وسيناء) ولابد ان اسافر ، حتى لوّ اشتركت وحدي

- هل جننت ؟! وكيف ستخرج من الحدود ؟ هل تسعى للإعتقال ثانيةً؟! 

- لا يهم .. اساساً صحّتي متدهوّرة ، وربما اموت هذا العام 

زينب : عاصم !! توقف عن هذا الجنون 

- الليلة بإذن الله ، سأنطلق مع قريبي في شاحنة نقل لتهريب السلع عبر الحدود

زينب : صدّقني لن تصل بعنادك لشيء 

عاصم : ايّاً تكن النتيجة ... اراكِ قريباً على خير  

***


بالموعد المحدّد.. إنطلق عاصم مع قريبه برحلةٍ طويلةٍ وشاقة .. توقفا خلالها عدّة مرّات ..وسلكا طرقاً في الصحراء ، للتهرّب من الكمائن الأمنيّة.. وما ان وصلا لمدينة النقب سالميّن ، حتى ارسل لزينب : 

- لقد وصلت ..اين انت ؟

زينب : يعني نفّذت ما في رأسك ! 

عاصم مُعاتباً : أهذا ترحيب الضيوف عندكم ؟!

زينب : صدّقني ، انت تُعذّب نفسك دون نتيجة 

عاصم : لا يهم .. إرسلي فقط ، موقعكِ على الخريطة 

- حسناً ، ما دمت مُصرّاً .. سأرسله الآن  ، لأني اريد رؤيتك لسببٍ آخر

- آه ! يظهر على هاتفي انكِ على بعد 5 كيلومترات ! اراكِ قريباً 

***


وصل عاصم الى الموقع المحدّد على الخريطة.. 

- زينب ، اين انت ؟ لقد وصلت ، لكني لا ارى منازل قريبة من هنا !

زينب : لكني اراك .. إقترب اكثر  

عاصم وهو يلتفت حوله بارتباك : اين ؟! 

زينب : هل ترى ذلك السور القديم امامك ؟ إمشي حتى نهايته .. ثم أُدخل من البوّابة الحديديّة على يمينك

عاصم : هآ قد دخلت ، لكني مازلت لا ارى شيئاً !

- انا اراك جيداً 

عاصم بضيق : هل تسخرين مني ؟!

- صدّقني يا عاصم ، انا اراك بوضوح .. إقترب فقط من الحجر الكبير بجانب الشجرة 


فاقترب عاصم من الحجر ، وهو ينظر حوله : 

- واين صار منزلك ؟!

فسمع صوت زينب من اسفل الحجر : 

- ضع الهاتف بجيبك ، فلن تحتاجه بعد الآن 

عاصم وهو ينظر للحجر مذهولاً ! 

لتقول زينب : يبدو انك لم تفهم بعد 

عاصم : أفهم ماذا ! ولماذا تضعين ميكروفوناً اسفل الأرض ؟!  


وقبل ان تجيبه .. ازاح قماشةً بالية مُصفرّة من الشمس فوق الحجر ، ليجد شاهد قبر مكتوباً عليه : 

((كل نفسٍ ذائقة الموت .. إنا لله وإنا إليه راجعون 

المغفور لها بإذن الله : زينب بو صالح التي وُلدت :

29 يناير 1984 ميلادياً ...الموافق 25 ربيع الآخر 1404 هجرياً

والوفاة في يوم : 29 يناير 2000 ميلادياً ...الموافق 22 شوال 1420 هجرياً))


فجثا عاصم على ركبتيّه وهو يضع يده على قلبه الذي يكاد ينفطر من الصدمة !

صوت زينب : مازلت اراك وأسمعك يا عاصم ..هل علمت الآن لماذا تجنّبت لقاءك؟! 

عاصم وهو منهار بالبكاء : 

- هل تمزحين معي ؟ أُخرجي من مخبئكِ الآن ، وكفّي عن هذه السخافات .. مستحيل ان أصدّق انك ميتة .. مستحيل !!!

زينب : كنت اعلم بعدم تقبّلك الحقيقة .. رجاءً توقف عن البكاء والعويل ، ماذا تركت للنساء اذاً ؟! 

عاصم : ايّةِ حقيقة ؟ هل تريدين ان أصدّق انك مدفونة في هذا القبر منذ 25 عاماً ! 

- لا تهتم كثيراً بالتواريخ ، فالزمن يتوقف في القبور  

عاصم بتهكّم : وكيف كنت اراسلكِ على الهاتف منذ سنوات ؟ هل اصبحت المقابر مزوّدة بالهواتف الآن ؟

زينب : ومن قال انني املك هاتفاً بهذا المكان الضيّق والمظلم ! 

عاصم : يعني انا توهّمت كل الأحداث الماضية ! هل كنتِ غير موجودة من الأساس  ، وانا اختلقتك داخل عقلي ؟ يعني كنت احادث شبحاً لسنواتٍ طويلة ؟ 

زينب : لم تكن تتوّهم ، ولم تختلقني يا عاصم 


عاصم : اذاً إشرحي ما حصل قبل ان افقد عقلي ! 

زينب : باختصار ، في عيد ميلادي ال16 .. كنت اسير بالطريق شاردة ، وانا ابكي من خذلان حبيّ الأول الذي حطّم قلبي .. فصدمتني سيارة ، ومُتّ على الفور ..ثم دُفنت كأيّ انسانٍ يموت .. وبُليّ لحمي وأكله الدودّ ، وصُرت تراباً .. لكن في إحدى الليالي المُقمرة .. سمعت غجريّة تجلس امام شاهد قبري ، وهي تنطق بعباراتٍ غير مفهومة .. بعدها سمعتها بوضوح ، كما تسمعني انت الآن ! وعرضت عليّ ان تمنحني قدرة التواصل والتخاطر مع ايّ شخصٍ اريده ، في مقابل حفنة من جسدي الذي أصبح تراباً ، بالإضافة لعظمة من جمّجمتي التي لم تكن تحلّلت بعد ! وحين سألتها عن السبب ؟ قالت ان هناك ارواحٍ مميّزة بخصائص معينة تستفيد منها ، ورفضت الإفصاح اكثر عن الموضوع ! 


عاصم مُعاتباً : ولما اخترتني من بين كل الناس ؟ لما لم تتواصلي مع احد من اقاربك ؟

زينب : كان هذا سيفقدهم صوابهم .. امّا لما اخترتك انت ؟ ربما لتشابه ارواحنا .. فكلانا نعشق كتابة القصص ، وعشنا حياةً صعبة .. لهذا كان سهلاً التواصل بيننا .. او ربما هناك حكمةً قدريّة لا نعلمها بعد !  


فانهار عاصم بالبكاء ، وهو مُنحنيّ الرأس : 

- كلامك يعني انني أحببت سراباً ! .. (ثم تنهّد بقهر) .. آه يا زينب .. كنت انتظر هذا اليوم بشوقٍ ولهفة.. أن اراك وأعانقك ، كما حلمنا معاً ..وأن نتسابق على الشاطيء ، كما وعدتك .. ونتراشق الرمال ، كالمراهقين ..كنت اريد مقابلة الإنسانة الوحيدة التي تعلم بوجودي ، والتي كنت أحيا لأجلها .. لطالما حلمت بلقائنا الأول ، لأروي حنيني بالنظر لعينيّك العسليتيّن اللتيّن تحدّيتني بفقد عقلي لوّ أطلت التحديق بهما ..وكنت اضحك من مزاحك العذب الطفوليّ ..اردت فعلاً مقابلة شقّ روحي ، ونصفيّ الآخر التي تعذّبت كما تعذبت ..والتي كانت تضمّد جراحي ، وتخفّف عني ما اكابده من مصاعب الحياة.. كنت الوحيده بهذا العالم ، التي فهمت ما بقلبي دون كلام ! كنت البلسم والدواء .. وكنت تصفينني بروحك وحبك الحقيقيّ ، وابنك وبهجتك الوحيدة بحياتك الصعبة ..كنت انتظر هذا اليوم ، كيّ اعانق روحك المُعذبة .. وأربت على قلبك الكسير ، وأجبر ما كسرته السنون فيك !  


فظهر صوت زينب وهي تتأوّه بحرقة : 

- لما تقلّب عليّ المواجع يا عاصم ؟ رجاءً لا تنكأ جروحي .. إرفع رأسك .. يكفي هذا القدر من الآلام ، فالتواصل مع عالمكم يتعبني كثيراً ..وأريد ان ارتاح كبقيّة الموتى .. لهذا سأطلب منك خدمة اخيرة 


فاستعاد عاصم بعض قوته ، وهو يرتقّب ما ستقوله حبيبة قلبه : 

- بالطبع عزيزتي ، قولي ما تشائين .. حتى لوّ طلبتي ان نتبادل الأماكن ، فلن أترددّ لثانيةٍ واحدة 

زينب : ليس لهذه الدرجة ، اطال الله عمرك..


وقبل ان تخبره بطلبها ، لاحظت بعض الزوّار يدخلون المقبرة.. 

زينب : إبقى صامتاً حتى يذهبوا ، كيّ لا يظنوك مجنوناً 

عاصم : لم اعد اهتم بآراء الناس .. فقط إخبريني بطلبك 

زينب بصوتٍ خافت : باختصار ايها الكاتب الطموح .. كل قصة ولها نهاية .. واليوم سنختم حكايتنا معاً 

عاصم بقلق : لم افهم ما تقصدين ؟! 

- التواصل معك يُرهقني طاقيّاً ونفسيّاً .. وهو لن ينتهي الا بغلق الرابط بين العالميّن ، عن طريق رشّك الملح فوق قبري .. أخبرني بهذا الحل ، جني مسلم يسكن المقبرة  


عاصم بقلق : هل تدركين ما تطلبينه مني ؟! 

زينب : نعم ، فراقٌ ابديّ  .. لكنه بالدنيا فقط ، حتى نلتقي بالجنة بإذن الله .. هل ظننت انني سأتخلّى عنك بالآخرة ؟ 

عاصم : لا ، لن افعل !! وكأني أقتلك للمرة الثانية .. هذا حرام 

زينب : حرام ! انت آخر شخص يتحدث ناصحاً.. الم تخبرني انه ذات يوم خلال توصيلك لإحدى طلبيّات عميلك ، أغمضت عيناك وانت تقطع الشارع ! والمرة السابقة اوقفت سيارتك على سكّة القطار ، لولا العامل الذي غيّر المسار بآخر لحظة بعد ان رفق بحالك .. يعني لولا لطف الله وأجلك الذي لم يحن بعد ، ما كنا نتحدّث الآن .. ثم انا لست مثلك ، لأني اساساً ميتة.. وسيظلّ بإمكانك زيارتي متى تشاء..  وسأسمع كلامك بوضوح ، حتى لوّ عجزت الردّ عليك 


عاصم : أتقولين زيارتك ؟ انا لن ارحل من هنا ابداً !! 

زينب  : هل جننت ؟! وكيف ستعيش في المقبرة ؟!  

عاصم : سأفرش بجانب قبرك ، او أبني عريشة من فوقي .. سأدبّر اموري ، لا تقلقي بشأني

زينب : وماذا عن عملك ؟ 

عاصم : بعد فوزنا بالجائزة ان شاء الله .. سأرسل لوالدتك نصفها ، لتتصرّف بها كما تشاء .. ونصيبي ، أستأجر به بقالة صغيرة قرب المقبرة .. وإن لم أفزّ بشيء .. سآكل من حشائش الأرض ، دون تركك وحدك .. سأبقى هنا ، حتى أُدفن بجانبك .. اساساً صحّتي تسوء كل يوم  ! 


زينب : لا تفعل هذا بنفسك ، انا رضيت بقصر عمري.. لكن ما تزال امامك فرصة لعيش حياتك .. عُدّ الى بلدك ..

عاصم مقاطعاً : لن اغادر وأتركك !! اساساً ليس لديّ احد في بلدي  

زينب : يبدو اني عشقت مجنوناً ! ومع هذا ستطيعني هذه المرة .. ستتركني ، وتُكمل حياتك .. ستتزوج وتُنجب العديد من الأولاد .. وستحافظ على صحتك حتى يأتي اجلك بعد تجاوزك المئة عام بإذن الله .. ستفعل ذلك ، إن كنت تحبني فعلاً !! 

فسكت عاصم دون اجابة ..


زينب : المهم الآن ، هل ستنفّذ طلبي الأخير ؟

فتنفّس عاصم مطوّلاً ، قبل ان يقول بضيق : 

- إن كان هذا سيريحك ! 

زينب : شكراً يا عاصم 

- أتشكرينني على قتلك مرةً أخرى ؟!

زينب : أتفهّم غضبك ، لكني اعلم ايضاً انك تحبني ..وستفعل الشيء الذي يجعلني ارقد بسلام بعد ان ارتاح من الموجات والتردّدات التي تُنغصّ عيشي ، او الأصح موتي ! وعندما تشتري الملح وترشّه على قبري ، سينتهي الكلام بيننا .. حينها تقرأ الفاتحة ، ثم تمضي في طريقك دون مشاعر ذنبٍ او حنين .. وبذلك يكون وداعنا سهلاً .. اراك في الجنة بإذن الله ، يا حبيّ الحقيقي 

عاصم وهو يكتم دموعه بصعوبة : 

- الوداع يا زينب .. في حفظ الله ورعايته ، حتى لقائنا القريب 


وما ان خرج عاصم من المقبرة حتى انفجر بالبكاء والنحيب ، وهو يشهق بصعوبة .. وقلبه يكاد يتوقف من ثقل المهمّة التي ألقتها زينب على عاتقه ، دون ان يعلم كيف سينفّذها !


الثلاثاء، 15 يوليو 2025

لقب بلا حقوق

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

غدر الورثة 


في ليلةٍ باردة ، إستيقظت صبيّة (عشرينيّة) في مكانٍ غريب ! لتجد سائقها الستينيّ (المتوظّف حديثاً بالقصر) يُقدّم لها الطعام .. فسألته عن مكان تواجدها ؟ وسبب خطفه لها ؟! 

وقبل ان يُجيبها ، سمع صوت سيارة تقف خارج منزله .. فأسرع بتكميم فمها ، وإنزالها بالقوّة الى قبوّ منزله .. وأمرها بعدم إصدار صوت ، مُهدّداً بقتلها !


وعندما سمعت صوت أخيها الكبير في الخارج .. حاولت الصراخ ، لكنها توقفت بعد سماع سؤاله للخاطف : إن كان قتلها ؟!

فأكّد السائق إتمامه المهمّة ! 

فسأل اخوها : وكيف اتأكّد من موتها ؟

الخاطف : يمكنك نبش قبرها الذي حفرته حديثاً في مقبرة القرية 

اخوها : لا !! يكفي ان تُحضر ملابسها المُلطّخة بالدماء ، ليتأكّد اخوايّ بتخلّصي منها 


وكان هذا الحوار ، صدمة حياتها ! فهي لديها ثلاثة إخوة كبار من والدها الذي تزوّج امها كزوجةٍ ثانية .. وبعد وفاته ، كتب كل املاكه لها 


وفي هذا الصباح ، كانت في طريقها الى المحامي لتقسيم الميراث بشكلٍ عادل بينها وبين إخوانها الذين خطّطوا مع سائق العائلة بخطفها لخارج المدينة وقتلها ، لحصولهم على الميراث !


ليختم اخوها اتفاقه ، بالقول :

- لن تحصل على مال الا بعد تقديم دليل موتها غداً ، وهذا قراري النهائي !!


ثم صوت محرّك سيارته يبتعد عن المكان ، ليتبعه خطوات الخاطف وهو ينزل اليها ! والذي فتح باب القبو وهو يحمل سكيناً كبيراً :

- سمعتِ بنفسكِ إتفاقي مع اخيك .. احتاج ملابسك المُلّطخة بالدماء للحصول على المال


ولم تستطع الصراخ بسبب الرباط القماشيّ حول فمها ، بعد فشلها بفكّ الحبل عن يديّها وقدميها المُقيّدين بالكرسيّ الحديديّ في ذلك القبوّ المُعتم ! 

***


بعد انتهاء عزائها ، وتردّد إخوانها على مكتب المحامي للإسراع بتقسيم الورثة بينهم .. بدأت احداثٌ غريبة تحصل في منازلهم ! كسماع احدهم لقهّقهتها المميزة خلف نافذة غرفة نومه ! والآخر إشتمّ عطرها النفّاذ على ملابسه ، والتي كادت تُسبّب طلاقه من زوجته .. والثالث وجد صوراً فوتوغرافيّة تجمعه بأخته في طفولتهما ، مُتناثرة فوق سريره ! 


بعدها صاروا يتلقّون رسائل نصيّة من جوالها الذي دُفن معها (حسب كلام الخاطف) والتي تلومهم على قتلهم لها ، وهي تذكّرهم بمحبّتها وعطفها عليهم قبل وفاة والدهم! 

***


قبل نهاية الشهر .. إجتمع الإخوة الثلاثة في قصر والدهم الذي اصبح خالياً بعد مقتل اختهم (التي توفيّت امها اثناء ولادتها) لمناقشة الأحداث الغريبة التي حصلت معهم  


الأخ الأكبر بعصبيّة : لابد ان السائق حصل على جوال اختنا الذي يُرسل منه ، لابتزازنا بمزيدٍ من المال !!

الأخ الأوسط : لكن الرسالة التي وصلتني تُذكّرني باعتنائها بي ، بعد كسر قدمي قبل سنوات .. فكيف لسائق وظّفته انت (الأخ الكبير) قبل شهرين ، من معرفة ذلك ؟!

الأخ الصغير : وانا وجدّت صور طفولتنا على سريري ، وهي من تحتفظ بهم ! أتظنونها حيّة ؟!

الكبير : مستحيل !! فالخاطف أحضر ملابسها الملوّثة بالدماء ! 

الصغير مُعاتباً : كان عليك نبش قبرها بنفسك !!

الكبير بعصبية : ومن لديه الجرأة للذهاب لمقبرة القرية مساءً ، لحفر القبور!!  

الوسطاني : كان الأصحّ لوّ قتلناها بأنفسنا .. لا ادري لما وكّلنا سائقها بذلك!

الكبير : أتريد توريطنا بجريمة قتل ؟! خاصة ان معظم شوارع مدينتنا مزوّدة بالكاميرات

الصغير : معه حق .. اساساً تعمّدنا حضور عرس قريبنا ، ليكون حجّة غيابنا اثناء خطفها ! 


فتمّتم الكبير بندم : كان عليّ تسميمها ، كما فعلت مع ابي

الأخ الصغير بصدمة : ماذا قلت ؟! هل انت من قتلت والدنا ؟!

فالتزم الكبير الصمت .. فتوجّه الصغير بسؤال اخيه الوسطانيّ :

- هل كنت تعلم بذلك ؟!

الوسطاني : اثناء غيابك ، أخبرنا عن نيّته بكتابة املاكه لإبنته بعد حصولها على منحةٍ دراسيّة بالطبّ ! وعندما خطّط اخي لتسميم طعامه ، لم أعترض .. لأنه برأيّ ظلمنا بحرماننا من الميراث

الصغير معاتباً : لا اصدّق ما اسمعه ! هو لم يحرمنا من شيء .. وكان رحيماً معنا.. 

الكبير مقاطعاً بغضب : تتكلّم وكأنك ملاك !! لا تنسى انك شريكنا بقتل اختنا 

الصغير : انت اخبرتني أن السائق الجديد عرض عليك خطفها لقريته ، بعد قراءته مقالاً عن خسارة ثروّتنا بسببها.. وبعدها أخبرتماني بموتها ! ظننت في البداية انكم ستخيفانها فقط ، للتنازل عن حقوقها 

الوسطاني : لا داعي لمناقشة الماضي .. المهم الآن ، ان نستعجل بتقسيم الميراث بيننا  


وانتهى الإجتماع باتفاقهم على الذهاب لمكتب المحامي ، في ظهر اليوم التالي 

***


الا انه في الصباح الباكر ، تفاجأ الأخ الأكبر والأوسط باقتيادهما لمركز الشرطة بعد حصول المحقّق على تسجيلٍ صوتيّ لهما (اثناء تواجدهما بقصر الوالد) يكشف إعترافهما بقتل اختهما الوحيدة لأجل الميراث ! بالإضافة لجريمة الأخ الكبير بتسميم والده !


فسأل المحقّق الأخ الكبير : هل تنكر إعترافك بالتسجيل الصوتي ؟

فأجاب غاضباً : لا ! لكن اخي الصغير حذف كلامه الذي يُثبت تورّطه معنا بجريمة اختنا 

المحقق : وماذا عنك ؟

الوسطاني : اخي الصغير الماكر ، تخلّص منا بعد تسجيله إعترافنا سرّاً .. وكما قلت بالتحقيق .. اخي الكبير هو من خطّط ، للتخلّص من ابي.. وهو الذي اتفق مع السائق على قتل اختي 

المحقق : لكنك لم تعترض ؟

الوسطاني : ردّة فعلي مُشابهة لأخي الصغير 

المحقق : للأسف لا نملك دليلاً ضدّ اخيكما الصغير على تورّطه بالجريمتيّن .. اما السائق فقد بحثنا عنه في السجلّات المدنيّة ، ويبدو ان اسمه الذي توظّف به مزوّراً .. اما كوخه بالقرية ، فكان خالياً ! 

الأخ الكبير : وماذا سيحصل لنا ؟

المحقق : ستعرفان بالمحكمة 

***


في يوم المحاكمة .. تمّ إعفاء الأخ الصغير من العقوبة ، بعد كشفه الجريمة (عقب تقديمه التسجيل المُدين لأخويّه) 

اما الأخ الأكبر : فصدر الحكم بالسجن عشر سنوات على قتله والده ، مع الشروع بقتل اخته ! 

بينما حُوكم الوسطاني بسنةٍ فقط ، لتستّره على جريمة تسميم طعام ابيه .. اما جريمتهما بحق اختهما ، فسقطت بعد تنازلها عن حقها بمقاضتهما !


وكان قدوم الأخت الى المحكمة ، صدمة للإخوة الثلاثة ! التي نجحت بإقناع الخاطف بالتغاضي عن قتلها ، مقابل جائزةٍ ماليّة ! 

***


بعد خروجها من المحكمة ، وجدت السائق بانتظارها .. فدخلت سيارته ، مُعاتبة :

- الم تحصل على مكافأتك على مساعدتي بتخويفهم ؟ لم اتيت الى هنا ؟ إن رآك اخي الصغير ، سيبلّغ الشرطة عن تورّطك بخطفي السابق 

السائق : لأن عملي معكِ لم ينتهي بعد

وفاجأها بوضع قماشة المخدّر على انفها ، لتسقط مغشيّة عليها في سيارته !

***


إستيقظت مساءً في كوخٍ بالقرية ، لتجد سائقها يشاهد التلفاز 

- لما خطفتني مجدداً ؟! أتطمع بمزيدٍ من المال ؟! واين انا الآن؟

السائق : هذا بيتي الحقيقي ، غير الكوخ الذي استأجرته بالقرية المجاورة لإتمام اتفاقي مع اخيك الكبير

- وماذا تريد مني ؟

- اريد ان أُريك الحقيقة 

ووضع شريط فيديو قديم ، لتظهر امها على التلفاز !

الصبية بصدمة : كيف حصلت على فيديو لأمي التي توفيّت اثناء ولادتي؟! 

السائق : هي ستخبرك بنفسها 


وكانت الأم (في الفيديو) منهارة بالبكاء ، وهي تناشد شخصاً ان يسامحها على تخلّيها عن حبه ، بعد إعترافها بحملها إبنته !

وبعد انتهاء الفيديو ، قالت الصبيّة بصدمة :

- لم افهم شيئاً ! من ذلك الشخص الذي تحدّثت امي عنه ؟

السائق بحزن : هذا انا .. فقد غيّرت اسمي قبل العمل لديكم 

الصبية بدهشة : هل كنت حبيب امي ؟!

- امك من قريتي .. وقد أحببنا بعضنا منذ الطفولة .. لكن والدك اللعين عاد من المدينة ثريّاً .. وأغرق اهلها بالهدايا ، حتى وافقوا على تزويجها له .. رغم علم اهالي القرية بعلاقتي الوطيدة معها .. ومع ذلك انتقلت معه للمدينة ، دون ان تخبرني بحملها مني


الصبية بقلق : أتقصد انني ابنتك ؟!

- نعم .. ووصلني هذا الفيديو بشهرها التاسع ، كأنها تعلم بموتها اثناء ولادتك .. لكني بالسنوات الماضية لم اجرؤ على المطالبة بك ، لأنك عشتي بقصرٍ فخم ، وتعلّمتي بأفضل المدارس .. وانا لا استطيع توفير الرفاهيّة لك 

فصرخت الصبيّة بعصبية : ومالذي تغيّر الآن ؟!!

- عندما رأيت صورتك بالصحيفة ، إهتزّ كياني لشبهك الكبير بأمك .. وبعد قراءتي المقال : عن غضب إخوتك بعد خسارة ثروّة والدهم ، علمت انهم سيخطّطون للقضاء عليك .. فتقدّمت لأخيك الأكبر بوظيفة سائق .. بل انا من اقترحت عليه خطفك ، كيّ أحميك منهم .. 


ثم رمى ظرف المال التي قدمته له ، امامها :

- انا لا اريد مالك يا ابنتي .. اريد فقط ان تعيشي معي ، لما تبقى من عمري .. فأنا كبرت بالسن ، وأحتاج من يؤنس وحدتي 

الصبيّة بعصبية : لن اصدّق ما قلته ، حتى أُجري فحص DNA

- كنت اتوقع ذلك .. وانا مستعد للذهاب معك غداً للمشفى ، لإجراء كل الفحوصات اللازمة

^^^


وبعد ايام ، ظهرت النتيجة مُربكة .. فهو لم يكن والدها فحسب ، بل هناك قرابة تجمعه بأبيها الحقيقي ! 

ليخبرها : بأنه ابن عمه .. وبذلك لن تضّطر لتغيير لقبها ، فالثريّ ايضاً من اهالي قريته

^^^


ووصل الخبر لأخاها الأصغر الذي سارع برفع قضيّة إبطال استحقاقها الميراث ، مُستندًا على نتائج الحمض النووي الذي يُثبت أنها ليست ابنة والده شرعاً.. 


وبالفعل خسرت ميراث والدها الثريّ ، مع إحتفاظها بلقب العائلة !

***


وقبل تركها المدينة ، زارت قبر والديّها المُتجاوريّن .. قائلةً لأمها :

- انت لم تخوني زوجك ، بل هو حرمك حبيبك الفقير .. لهذا اسامحك 


ثم قالت لوالدها الثريّ :

- جيد انك توفيّت قبل معرفتك بأن ابنتك المُدلّلة ، ليست من نسلك .. اشكرك على كل اهتمامك ومحبّتك لي ، واعتنائك بدراستي .. لن انساك ابداً .. لكن عليّ العودة لأبي الحقيقي ، فهو بحاجة اليّ 


وقبل خروجها من المقبرة ، إلتقت بأخيها الصغير الذي قدم لزيارة قبر والده .. 

مشهدٌ صامت ، لا عتاب ولا كلام ! كأن اعينهما تستذكرا طفولتهما ومراهقتهما معاً ، فهو يكبرها بسنتيّن فقط .. لكنها بالنهاية ، ليست من عائلته !

وأمضى كلاً في طريقه ، كأن حياتهما السابقة مُجرّد وهمٍ كبير ! 

***


وبعد عوّدتها للقرية .. قرّرت تحويل منحتها الدراسيّة الى الطبّ البيطري ، لمساعدة المزارعين والرعاة في قريتها الفقيرة ..

ورغم تدهوّر حالتها الماديّة ..الا ان الأهالي استقبلوها بحفاوة ، لحبهم الشديد لأمها 


ولم يمضي وقت .. حتى تعوّدت على حياتها الريفيّة ، بعد زواجها من طبيب عيادتهم الذي خطف قلبها بجمال شكله وأخلاقه العالية .. ليكون تعويضاً إلهياً عن كل خيباتها الماضية !  


الجمعة، 11 يوليو 2025

مسابقة الثقة

كتابة : امل شانوحة

الأقنعة المزيّفة


دخل دكتورٌ جديد الى قاعة علم النفس ، وهو يقول للطلّاب :

- سأدرّسكم مادةً إختياريّة ، ستزيد من علاماتكم النهائيّة .. بدايةً عليكم إخراج اوراقاً بيضاء ، يمكنكم تركها فارغة إن لم تشعروا برغبة للمشاركة بتجربةٍ أكاديميّة ، عبارة عن مسابقةٍ ميدانيّة .. كل ما عليكم فعله ، هو كتابة إسميّن من زملائكم : احدهما صديقكم المقرّب ، والآخر تعتبرونه عدوّاً !


فلم يشارك بالمسابقة سوى 12 طالباً .. والذي أخبرهم بنهاية المحاضرة : أن يأتوا للجامعة ليلاً ، في يوم العطلة !

***


في ليلةٍ باردة ، بملعب كرة السلّة بأنواره الخافتة .. وصل الدكتور ومعه حقيبة جلديّة ، وهو يقول ل 12 طالباً :

- أحسنتم !! أتيتم على الموعد 

فسأله احدهم : لا يوجد بالجامعة سوى حارسها ، الذي أدخلنا بناءً على طلبك .. فما موضوع المسابقة ؟!

ففتح الدكتور حقيبته .. ليشهقوا برعب ، بعد رؤيتهم ل 8 مسدسات !


ولم يكتفي الدكتور بذلك ، بل وزّعها عليهم .. بينما أوقف الطلبة الأربعة (الذين لم يحصلوا على السلاح) بالطرف الآخر من الصالة!


الدكتور : سأراقبكم من الغرفة العلويّة للملعب ، بينما تحدّدون مصير زملائكم الأربعة (طالبتان وطالبان) 


إحدى الطالبتيّن بقلق : لم افهم شيئاً ! لما جعلتنا في مواجهة لأسلحتهم ؟! وهل هي مسدسات حقيقيّة ؟!

فأجابها الدكتور بحزم : 

- كل مسدس يحوي رصاصةً واحدة حقيقيّة .. وأنا سأتكفّل بدفن جثثكم الأربعة ، في حال قرّر زملائكم الثمانية القضاء عليكم .. ليس هذا فحسب ، بل سيحصلون على درجةٍ جيدة بمادتي ، بالإضافة لجائزة عشرة آلاف دولار .. كل ما عليهم فعله هو الإختيار بين القتل او الإنقاذ  


ثم نظر للطلّاب الثمانية الذين أمسكوا المسدسات بأيدٍ مُرتجفة :

- كل واحدٍ منكم يُعتبر الصديق المُقرّب لإحدى الضحايا ، اما الآخر فهو العدوّ الذي يكرهونه .. وعلى الضحايا الأربعة إستمالة قلوبكم ، لإقناعكم بعدم قتلهم خلال نصف ساعةٍ فقط .. والتي تبدأ الآن !!


وظهر العدّ العكسي على شاشة الملعب ! بينما أكمل الدكتور كلامه :

- المسابقة عبارة عن إمتحان الثقة .. يعني هل سيقتلك صديقك ام عدوك ؟ سنعرف الإجابة قريباً 


ثم نظر للضحايا الأربعة :

- ابدأوا بإقناعهم بعدم قتلكم ، فالوقت يمضي سريعاً .. بالتوفيق للجميع !!

وخرج من الصالة ، تاركاً الطلّاب في ارتباكٍ كبير !

^^^


اول الضحايا كان اريك الذي توجّه لصديقه بالكلام :

- انت صديقي منذ مرحلة المتوسطة .. وتعرف جيداً انني دخلت علم النفس لأكون بجانبك ، رغم ان علاماتي كانت تؤهّلني لدراسة الهندسة .. فقط لأنني أُقدّر صداقتنا لست سنوات .. كبرنا معاً ، وتشاركنا همومنا وأحزاننا .. لعبنا ودرسنا سوياً .. والبارحة فقط ، كنا نخطّط المشاركة بالبحث القادم .. هل سأهون عليك يا صديقي ؟

ثم وجّه كلامه لعدوه :

- انا آسف على كل شيء .. رفضّت صداقتك منذ البداية.. ولم أعطك فرصة للتعرّف عليك .. وهذا ذنبي .. رجاءً إقبل اعتذاري

فقال العدوّ وهو مازال يوجّه سلاحه نحو اريك ، بابتسامةٍ لئيمة :

- غريب كيف تعطيك الحياة فرصة للإنتقام !

^^^


وجاء دوّر الضحيّة الثانية ، وهي ديانا التي قالت لصديقتها باستغراب :

- أمازال السلاح بيدك ؟! الم تكوني تخافين الدماء والجرائم ؟! 

لكن صديقتها التزمت الصمت ، وهي مازالت تُمسك السلاح بيدٍ مرتجفة ! لتُجيبها العدوّة :

- لطالما رفضتِ صداقتي يا ديانا ، لكن هذه التجربة ستغيّر رأيك بي 

^^^


ثم تكلّم الضحية الثالثة : جاك .. قائلاً لصديقه :

- لا ادري ما سأقوله لك ، فأنت تعرفني جيداً.. ولوّ كنت مكانك ، لما تردّدت ابداً برميّ سلاحي.. لكن القدر جعل مصيري بين يديك ، يا صديقي!

ليجيب عدوه :

- جاك !! هل يمكنك الوثوق بي ، حتى لوّ كنا خصميّن منذ يومنا الأول بالجامعة ؟!

^^^  


ثم جاء دوّر الضحيّة الرابعة : جاكلين التي قالت لصديقتها بذهول :

- لا أصدّق انك توجّهين المسدس نحوي ، وكأننا غريبتان !

فقالت عدوّتها بحنق :

- مازلت لليوم أتذكّر تنمّرك عليّ في مرحلة الإبتدائية .. وشاءت الأقدار ان نجتمع بذات الإختصاص ، ليكون مصيرك اليوم بين يدايّ! 

*** 


ومرّت الدقائق بسرعة ، والأصدقاء والأعداء مازالوا مُتردّدين بأخذ القرار .. بينما الضحايا الأربعة يرتجفون خوفاً ..

لينتفض الجميع بعد سماع صوت الدكتور من الميكرفون يقول :

- مازال امامكم دقيقتان فقط لإنهاء المسابقة .. على الضحايا الأربعة إسترحام زملائهم للمرة الأخيرة !!


وهنا تبدّد الإرتباك .. لا مجال للإنهيار النفسي .. يجب ضبط النفس !! فالجميع بموقفٍ مُحرج ، حيث يتصارع العقل والقلب مع ضيق الوقت ! 

^^^


فبدأ اريك بالكلام مع صديقه بعيونٍ دامعة :

- فقط تذكّر يا صديقي كل لحظاتنا الجميلة معاً .. ومصيري بالنهاية ، يعود لك

ثم قال لعدوّه :

- ظلمتك برفض صداقتك دون مبرّر .. لا اطلب السماح ، فقط فرصة للنجاة

فردّ عدوّه بقسوة :

- تأخّرت كثيراً بالإعتذار

^^^


وجاء دوّر ديانا التي قالت لصديقتها :

- انت أخبرتني مراراً انني في مقام اختك .. وقد فعلت كل شيء لتقويّة صداقتنا ..الآن جاء دوّرك لإثبات صدق نيّتك اتجاهي

ثم قالت لعدوّتها :

- أعدك ان تغاضيتِ عن أذيّتي ، ان أُعيد التفكير بصداقتنا

^^^ 


ثم تكلّم جاك مع صديقه :

- هذا امتحانٌ قاسي لصداقتنا ، فاثبت أنك جديرٌ بالثقة 

ثم قال لعدوّه :

- صحيح انك لا تعرفني جيداً .. لكن هل حقاً ستلوّث يديّك بالدم لأجل مسابقةٍ نفسيّة ؟!

^^^


اما جاكلين فقالت لصديقتها :

- إن كنتِ ترين انني لا استحق الموت ، فاخفضي سلاحك رجاءً!! 

ثم قالت لعدوّتها :

- أعتذر عن كل شيء .. وأعدك ان نكون صديقتيّن مُقرّبتين إن لم تقتليني الآن

فضحكت عدوّتها بسخرية :

- كم انا سعيدة بخضوعك الذليل امامي ، ايتها المغرورة المُتغطرسة 

***


ثم أغمض الضحايا الأربعة اعينهم ، وقلوبهم تلهج بالدعاء .. اثناء قيام الدكتور بالعدّ التنازلي :

- 5 ..4..3..2..


وقبل نطقه الرقم الأخير ، إنطلقت اربع رصاصاتٍ فقط ! قبل انطفاء الصالة ، ليظهر صوت انفاس المشاركين الثقيلة ..


وعندما اضيئت الصالة من جديد .. رأوا الدكتور في الملعب وهو يضع قطراتٍ من دوائه ، اسفل انوف القتلى الثلاثة (اريك وديانا وجاكلين) .. بينما جاك يقف مرتجفاً ، بعد نجاته من المسابقة الدمويّة! 


وبعد دقائق .. إستيقظ الضحايا الثلاثة ، وسط دهشة زملائهم ! 

ليقول الدكتور :

- الرصاصات لم تكن حقيقيّة ، لكنها كشفت نواياكم المُبطنة !! هل تظنونني مُجرماً لإرتكاب جريمةٍ في ملعب الجامعة ؟! هي رصاصات تُشبه إبر المخدّر المؤقتة

 

ثم حاول الضحايا الثلاثة الوقوف مُترنّحين عقب استيقاظهم من المخدّر ، بعد ان تركت الرصاصات المطاطيّة إحمراراً على جباههم وقمصانهم (جهة القلب) !


ثم بدأ الدكتور بتحليل ما حصل ، قائلاً لجاك :

- انت الوحيد الذي نجوّت من الرصاص ، بعد ان اختار صديقك وعدوّك كسر قواعد مسابقتي !.. فهنيئاً لك !!

ثم قال لإريك :

- يبدو اختياراتك بالحياة صحيحة ! فصديقك لم يطلق النار عليك ، بعكس عدوّك 

وقال ديانا :

- اما انت !! فحصل الأمر بشكلٍ عكسيّ ! صديقتك أطلقت النار عليك ، بينما فضّلت عدوّتك ترك السلاح !

ثم قال لجاكلين :

- للأسف ، انت اسوأهنّ حظاً .. فكلا صديقتك وعدوّتك قرّرتا قتلك ! عليك إعادة التفكير بشروط الصداقة لديك 


ثم قال للجميع :

- الجائزة لم تكن ماليّة ، بل الوعيّ الجديد لمفهوم الحياة .. فبعد هذه التجربة ، ستعيدون تعريف المبادئ في نفوسكم .. (ثم نظر للثمانية الذين يملكون السلاح) .. ضعوا اسلحتكم هنا ، وعودوا الى بيوتكم !! 

ثم قال للضحايا الأربعة :

- اما انتم !! فعليكم الكتابة بدفتري عن ملخّص تجربتكم القاسية لهذه الليلة ، والتي سأضمّها الى كتابي الجديد 


وخرج الثمانية وهم يشعرون بالإحراج من زملائهم الأربعة الذين انشغلوا بكتابة التالي بدفتر استاذهم ..  

اريك :

((انا سعيد بصديقي الذي لم يخذلني ابداً .. اما عدوّي ، فسأكون اكثر حرصاً منه))


بينما كتبت ديانا :

((لا أصدّق إن عدوّتي رفضت ايذائي ، بعكس صديقتي التي حتماً سأفسخ علاقتي بها بعد هذه التجربة .. بينما سأتقرّب اكثر من عدوّتي التي أثبتتّ حسن نواياها اتجاهي ، وبسببها سأعيد تعريفي لمعنى الصداقة))


بينما كتب جاك :

((رغم قساوة التجربة الا انني سعيد بأن كلا صديقي وعدوّي إختارا العدالة على الظلم .. انا فخورٌ بكلاهما))


اما جاكلين فكتبت بعيونٍ دامعة :

((فقدّتُ ثقتي بكل الناس بعد هذه التجربة المريرة ، فكلا صديقتي وعدوّتي قرّرتا قتلي ! سأكون اكثر حرصاً باختياراتي المستقبليّة))

***


لاحقاً .. نُشر كتاب الدكتور الجديد التي سرد فيه احداث مسابقته النفسيّة .. والتي ختمها بالقول :

((الطبّ النفسي لا يعالج فقط العقد الماضية ، بل يكشف النوايا الحقيقيّة خلف الأقنعة المزيّفة ..مسابقتي كانت حرباً بين العقل والقلب .. الضمير والخيانة .. الصداقة والعداوة .. ورغم أهميّة تجربتي الا انها لن تُدرّس بالمناهج ! لكنها ستُخلّد في وعيّ من عاشها ، ولآخر يومٍ في حياتهم !))  


الثلاثاء، 8 يوليو 2025

الحب البريء

تأليف : امل شانوحة 

الحب الطفوليّ


في الموعد المحدّد .. إجتمع 24 شاب وصبيّة (بين الثلاثين والعشرين عاماً) داخل صالة فيها شاشة كبيرة ، بعد تلبيّتهم دعوة حصلوا عليها من مصدرٍ مجهول !

دون فهم الحضور سبب إصرار مُرسل البطاقة على حضورهم بكامل اناقتهم ومعهم صورهم بمرحلة الروضة ، ايّ بعمر الخمس سنوات !


كما كان مكتوباً ببطاقة الدعوة : رقمٌ محدّد لكراسيهم ! بحيث يجلس كل شاب بجانب صبيّة لا يعرفها  

وقبل التحدّث فيما بينهم ، انطفأت الأنوار .. وعُرض شريط فيديو ، يبدو انه صوّر على مدى سنوات داخل صفوف الروضة !


حيث ركّز المصوّر على ثنائيّات كل صفّ (ولد وبنت) اللذيّن كانا واضحاً الإنجذاب القويّ بينهما.. حتى انهما بكيا في كل مرة حاولت فيها المعلمة إبعادهما عن بعض 


ففي بعض الفيديوهات ظهر الولد اكثر تعلّقاً بصديقته .. بينما في فيديوهاتٍ أخرى ظهر العكس : حيث كان جليّاً غيرة الفتيات من زميلاتهنّ اللآتي حاولن التقرّب من احبّائهن ، بمقاطع لطيفة للغاية !


وبعدها ظهرت امرأة عجوز على الشاشة ، وهي تقول :

- ربما لا تتذكّرونني ، لكني علّمتكم جميعاً في مرحلة الروضة .. وكنت أصوّر كل طفليّن أحبّا بعضهما في صفوفي .. مع كتابة جميع المعلومات عنهما في دفتر مذكّراتي : كأسمائهما الكاملة وعناوين منازلهما ووظائف والديهما .. لا ادري لما فعلت ذلك طوال مسيرتي المهنيّة ! ربما لأنه لم يتسنّى لي الشعور بالحب ، بعد إمضاء عمري في التعليم .. لهذا كان يُفرحني رؤية اطفالٍ وجدوا توأم روحهم بعمرٍ صغير .. (ثم سكتت قليلاً).. أتدرون ان بعض الأولاد الذين ظهروا بالفيديو ، هو انتم ؟


فشهق الجمهور بدهشة ، وهم يتلفّتون حولهم بارتباك ! خصوصاً للشخص الذي يجلس بجانبه .. لتكمل المعلمة قولها :

- نعم !! كما تلاحظون ، تعمّدت وجود فراغات بين كل ثنائيين .. فكل شاب يجلس الآن امام صديقته المُقرّبة في الروضة.. صحيح انكم اقل عدداً من الأطفال الذين ظهروا بالفيديو .. ذلك لأنني قبل دعوتكم ، قمت ببحثٍ شامل عن جميع تلاميذي العاشقين ، لأجد ان معظمهم تزوّج من شخصٍ آخر غير حبيبته بالروضة .. اما انتم !! فقد تأكّدت قبل حضوركم ، بأنكم عزّاب او مُطلقيّن .. لهذا لا مانع من لقائكم بحبّكم القديم .. سأدعكم الآن تتعرّفون على بعضكم من جديد ، بعد ان فرّقتكم الدنيا لسنواتٍ طويلة


وانطفأت الشاشة مع اضاءة الصالة .. ليقوم كل شاب بعرض صوره وهو صغير على الصبيّة التي تجلس امامه .. 


وماهي الا دقائق ، حتى استردّوا بعضاً من ذكرياتهم القديمة .. لتمتلأ الصالة بالضحكات العفويّة ، والإبتسامات الخجولة .. 

ولم ينتهي اللقاء ، الا بتبادل أرقام جوّالاتهم  

***


خلال الأشهر التالية ، حصلت المعلمة على الكثير من البطاقات لحضور اعراس من جمعتهم بتلك الصالة .. مع رسالة شكر على تذكيرهم بحبهم الأول .. 


وبالفعل حضرت اعراسهم بعد ان أهدتهم مقاطع الفيديو القديمة ، ليشاركوها مع اطفالهم مستقبلاً 


وعادت الى منزلها وهي سعيدة بإثبات نظريّتها : أن الحب الأصدق بحياة الإنسان ، هو حب الطفولة ! 


الأحد، 6 يوليو 2025

الوسيط الخفي

تأليف مُشترك بين : الأستاذ عاصم وامل شانوحة 

الراقي والمسحورة


في مساء ، إحدى القرى الشعبيّة .. إقتربت سيدة من زوجها وهي تقول :  

- بعد قليل سيأتي المُعالج لرؤية لمى 

 الأب بضيق : تقصدين شيخاً من اولئك الدجّالين النصابين ؟

الأم : هي ابنتنا الوحيده ، وسنفعل ما يلزم لعودتها الى طبيعتها .. ثم هذا ذنبك !! فأنت من ارسلتها للغربة ، لتعود الينا كقوطيّةٍ مُلحدة !

- بعد تخرّجها من الثانوية بعلاماتٍ متفوّقة ، أردّتها ان تصبح طبيبة القرية .. ما يُدريني أن اخلاقها ستفسد هكذا ؟!

- لن نتجادل من جديد .. فالراقي على وشك القدوم 

الأب باستهزاء : حتماً سيفشل ، كما فشل الشيوخ الأربعة قبله 


وقبل إكمال كلامه ، طُرق باب منزلهم .. وكان الراقي في الأربعين من عمره .. يرتدي قميصاً ابيضاً وبنطال جينز ، وليس ثوباً فضّفاضاً كبقيّة الشيوخ ! والذي سارع بسحب نفسٍ أخير من سيجارته ، قبل رميها خارج المنزل وهو يلقي التحيّة على الوالديّن !


الأم باستغراب : هل انت شيخ.. 

مقاطعاً : لست شيخاً ، بل مُعالج روحاني ونفسي وسلوكي.. لكن الناس تظنني راقياً دينياً.. ولا بأس في ذلك ، فأحياناً أستخدم القرآن بجلسات علاجي  

الأب : لن نتحدث عند الباب ، من فضلك تفضّل !! 

وجلسوا جميعاً في الصالة .. 


المعالج : اودّ سماع حكاية ابنتكما قبل رؤيتها ؟ 

الأب وهو يشعر بالندم : كلّه بسببي.. فقد ارسلتها الى اميركا لدراسة الطب ، لتعود بعد اربع سنوات .. وكأن صدمتنا برسوبها لا يكفي ! فقد أصبحت فتاةً شقيّة ، تُناقض إبنتنا السابقة بكل شيء 

المعالج : إشرح اكثر ، لوّ سمحت 

فأكملت الأم وهي تتنهّد بضيق : 

- يعني غاضبة طوال الوقت ، وألفاظها بذيئة .. وتصرّ على سماع موسيقى صاخبة ، بكلماتٍ غير مفهومة ! حتى انها وشمت جسدها ، وثقبت وجهها بالحلق الرخيص .. وتتعمّد اللون الأسود في طلاء أظافرها وملابسها الضيّقة .. كما تفاجأنا قبل ايام ، بأعقاب السجائر وقوارير الخمر اسفل سريرها .. مما أجبرنا على حبسها في غرفتها ، كيّ لا ينتشر صيتها السيء في قريتنا المُحافظة ! 


الأب : وقد أحضرنا قبلك رقاةً محترفين .. احدهم قال انها محسودة بعينٍ قوية .. والأخر رجّح انه مسّ من جني عاشق .. والثالث أكّد انه سحرٌ اسود من إحدى الأقارب الحقودين !

الأم بحزن : ورغم إختلافهم في تحديد مشكلتها ، الا انهم اتفقوا بأن علاجها صعب  

المعالج : وهل هي بغرفتها الآن ؟

الأم : هي تنام نهاراً ، وتسهر طوال الليل.. وأظنها مشغولة بجوالها الآن 

المعالج : هل يمكنكِ إحضار حبلٍ سميك ؟

الأب بقلق : هل ستقيّدها ، كما فعل احد الشيوخ ؟ 

الأم : حتى ان احدهم جلدها ، بحجّة طرده للشيطان الذي يتلبّسها ! 

المعالج : الحبل هو لمنع هربها من العلاج ، فأنا لا استخدم العنف مع مرضايّ .. المهم ان اراها لوحدي .. فهل هناك مشكلة بذلك ؟

الأب : لا ، سنكون بالصالة ان احتجت لشيء 

^^^


ثم دخل المعالج غرفتها ، وقفل الباب خلفه .. مما أفزع لمى التي شتمه بلفظٍ بذيء لعدم استئذانه اولاً .. لكنه فاجأها بوضع كرسي قرب سريرها ، وإشعال سيجارته بهدوء .. 

لمى غاضبة : من انت ايها الحيوان ؟!! وماذا تفعل في غرفتي ؟!! 

- انا الذي سيربّيك من جديد

لمى باستهزاء : لم اسمعك ، أعدّ ما قلته !

- انا المعالج الذي سيؤدّبك ، ويُرشدك للطريق المستقيم .. لتعودي الى  طبيعتك ، وتكفّي عن تعذيب اهلك 

- لا يبدو من مظهرك انك تمتّ لدين بِصلة ! فأنا لم ارى شيخاً يُدخّن ويلبس الجينز من قبل ! هل انت شيخ مودرن او ما شابه ؟!

المعالج : لا تهمّني المُسمّيات..ومن فضلك اعتدلي في جلستك .. والأفضل ان ترتدي شيئاً مُحتشماً

- وهل تجد صعوبة في غضّ بصرك ؟ ام تخشى على نفسك الإنحراف ؟ 

- لنقلّ انك مستفزّة فحسب ..هيا نفّذي ما قلته دون جدال  !!


فقهّقت لمى ساخرة ، وهي تتمطّى بإغراء على سريرها :

- ما رأيك لوّ البس النقاب لأجلك ؟

المعالج : لا داعي لذلك .. تكفي عباءة واسعة وغطاء رأس ، فوق بيجامتك القصيرة

لمى بلؤم : ولما عليّ تنفيذ كلامك من الأساس ؟ فيمكنني بسهولة الصراخ بعلوّ صوتي ، لجعل كل من يسمعني يظن بك السوء 

المعالج : يبدو استخدمتي هذا التهديد مع الرقاة السابقين ، لتركك وشأنك .. لكني هنا لمساعدتك ، فلا تعتبريني عدوّك 


ثم أخرج فلاشة من جيبه ، ووضعها في جهاز اللابتوب الخاص بها:

- رجاءً أضيئي حاسوبك ، لرؤية مقطعٍ مهم 

فقامت مُتثاقلة نحو مكتبها ، قائلةً باستهزاء : 

- حسناً لنرى أيّ الأفلام يُشاهد شيخنا الموقّر 


وبمجرد فتحها الفلاشة ، إرتفع صوت سورة البقرة في ارجاء غرفتها .. فأغلقت أُذنيها بعصبية ، وهي تحاول إخراج الفلاشة من حاسوبها 

ولتوقعه ردّة فعلها .. سحبها من خاصرتها ، ورماها فوق السرير .. ثم استخدم الحبل لربطها جيداً ، وهي تصرخ بعلوّ صوتها .. لكن والداها لم يدخلا الغرفة لإنقاذها ، بناءً على طلب المعالج الذي لم يهتم بشتائمها القذرة وهي تخدشه بأظافرها وتركله .. بل صفعها مراراً ، حتى فقدت وعيها ! 


ثم تناول بخاخّ ماء وجده بحمامها ، ورشّ بها وجهها ..  

فاستفاقت مذهولة ومُرهقة .. وسورة البقرة مازالت تصدح في غرفتها ! 


فإذّ بها تُركّز بصرها في عينيه .. ثم تنتفض بقوة ، الى ان تمكّنت من فكّ حبالها وهي تقول بحزم : 

- أظننت ان حبيبي لن ينقذني ؟!! 

المعالج باهتمام : من تعنين ؟

- الجني العاشق الذي استحضرته مع رفاقي القوطيين ، ليتلبّس جسدي 

- ولما فعلتِ امراً خطيراً كهذا ؟!

- لأني اشعر بالوحدة ، ولأن حبيبي لن يتخلّى عني ابداً .. وهو سيعاقبك على قسوتك معي

- انت تتوهّمين .. فأنا اعرف الجن العاشق جيداً ، وهو ليس متواجداً معك الآن


لمى بعصبية : وكيف اذاً فكّكت الحبال عني ؟!!

- لأني لم اربطها من الأساس .. اصحابك اوهموك بذلك ، لكيّ تنضمّي لمذهب القوطي .. لكنك مازلتي وحيدة ويائسة ..

- انت مخطئ !! انا اراه في منامي ، هو يحتضنني دائماً

- مجرّد اوهام .. إن كنتِ فعلاً تشعرين بالوحدة ، يمكن ان أصبح صديقك 

فضحكت ملء شدقيّها : انت بالفعل شيخ مودرن ! ظننت ستعرض عليّ ، ان اكون إحدى زوجاتك الأربعة

فطأطأ المعالج رأسه حزناً : انا رجلٌ مطلّق

- لم استغرب ذلك .. فأيّ امرأة تقبل العيش مع دجالٍ مثلك

- لست مشعوذاً ، بل معالج روحيّ .. المهم لم تخبريني بعد ، اين ترغبين الذهاب معي .. الى السينما ام المول ؟

لمى : يا الهي ! لا اصدّق ما اسمعه .. انت فريد من نوعك حقاً !

- عليك الوثوق بي اولاً ، قبل تمكّني من علاجك .. 

- لا ترفع سقف آمالك ، فعائلتي مُحافظة ولن ترضى بصداقتك لي

المعالج بابتسامة ثقة : اذاً لأحصل على ثقتهم اولاً ..  

***


بعد توالي جلسات الراقي الشفائيّة ، تحسّنت تصرّفات لمى بشكلٍ ملحوظ .. وصارت تطيع والديها دون اعتراض ، كأنها عادت لشخصيّتها اللطيفة السابقة .. حتى انها تخلّت عن زيّها القوطي الكئيب ، واستبدلته بفستانٍ طويل ! 

لهذا سمحا للراقي بأخذها بنزهةٍ صغيرة بأطراف القرية ، كجلسة نهائيّة لعلاجٍ دام شهراً .. وذلك قبل عودته لقريته المجاورة (كما أخبر عائلتها)

***


لكنه حلّ المساء ، ولم يعيد الراقي لمى الى بيتها ! 

مما اقلق والداها اللذين لا يعرفا عنه ، سوى عيشه مع امه العاجزة  

وأجرى ابوها عدّة اتصالات .. الى ان وصل لرقم الأم ، التي اجابت بدهشة :

- نعم ، ابني احمد كان راقياً ممتازاً 

الأب بقلق : ماذا تقصدين ب(كان) ؟!

الأم : هو مات قبل عامين بطلقٍ عشوائيّ بإحدى اعراس قريتنا الذين عيّنوا خادمة لخدمتي بعد وفاته ، لأني امرأةٌ عاجزة .. لما تسأل عن المرحوم ؟ 

- هل يمكنك ارسال صورة ابنك على جوالي ؟ الأمر ضروري


وما ان رأى ذات الرجل ، حتى كاد يُغمى عليه .. وأنهى المكالمة سريعاً  

وصار يُحدّث نفسه ، بقلق : 

((اذاً من ذاك الرجل الذي سمحت ببقائه وحده مع ابنتي ، طوال جلسات العلاج ؟!))

***


في العالم السفليّ ، سجد الراقي امام عرش ابليس الذي قال بفخر :

- أحسنت يا بطل !! أحضرت لي قرباناً انثويّاً ، كما طلبت منك 

فالتفتتّ لمى للراقي معاتبة :

- ولما كل هذا ؟! كنت وثنيّة بالمذهب القوطيّ ، واؤمن بوجود الشياطين .. فلما اردّت علاجي بالقرآن ، طالما ستوصلني اليه ..(وأشارت لإبليس).. ثم كيف لم تحترق بالآيات القرآنيّة ، طالما انت جني ؟!

فتحوّل الراقي لشكله المخيف :

- لست جنياً ، بل ابن ابليس المُتخصّص بإحضار القرابين البشريّة .. وتلك لم تكن آيات قرآنية ، وانت لم تلاحظي ذلك بعد تنويمك مغناطيسيّاً .. اما عن سبب هدايتك اولاً : فهو لكيّ أحرّرك من سجن والديّك المُتخلّفيّن .. ثم لزعزعة ثقة اهالي قريتك بالرقاة وبالعلاج الروحاني بشكلٍ عام ، بعد انتشار خبر اختطافك .. كما انك فتحتِ البوّابة بين العالميّن ، لمزيد من القرابين

لمى بفزع : ماذا ! هل ستخطفون غيري ؟

فأجاب ابليس : 

- بالتأكيد !! ففتيات قريتك مُلتزمات دينيّاً ، وانا احب القرابين الطاهرة .. طعمها الذّ بكثير

فانتفضت لمى برعبٍ شديد :

- هل ستأكلونني ؟!

ابليس : ليس نيئة ، فاللحم الغير مطبوخ يسبّب لي وعكةً صحيّة

ثم طلب سيفه ، لذبحها بنفسه .. بعد قيام ابنه (الراقي) بتقيّدها فوق البلاطة الساخنة

***


بهذه الأثناء .. فتّش والدها غرفتها بالكامل ، لإيجاد دليل على كون الراقي غير بشري .. فوجد الفلاشة التي كان يضعها بحاسوب ابنته ، والتي فيها الرقية الشرعيّة .. حيث بدأ الفيديو بآياتٍ قرآنيّة صحيحة .. لكن بعد خمس دقائق ، تحوّلت لطلاسم سحريّة ! لتظهر ابنته فزعة على شاشة الكمبيوتر ، بعد تمكّنها من تسجيل فيديو قصير وهي تقول لوالدها :

((ابي إنقذني منه !! هو ليس بشريّاً ! فعيونه تتحوّل لعيون قطة .. انا خائفة ، رجاءً إخرجه من غرفتي))

قبل انقطاع التسجيل .. ليظهر صوت الراقي وهو يردّد كلمات ، بترنيمة أشبه بالتنويم المغناطيسي .. أسقطت الأب على الأرض ، مغشيّاً عليه !


بهذه اللحظات .. دخلت الأم ، لترى زوجها دون حِراك ! فسارعت بغلق الحاسوب بكلامه الغير مفهوم .. ثم هزّت جسد زوجها بقوة ، الى ان استيقظ 

- لا وقت الآن لفقدان قوتك وتركيزك .. علينا إبلاغ الشرطة عن خطف الراقي لإبنتنا ، فالوقت تجاوز منتصف الليل

فانهار زوجها ، قائلاً بصوتٍ مُتهدّج :

- لقد تأخرنا كثيراً .. شاهدت ما حصل لإبنتنا ، أثناء إغمائي .. هم يأكلونها الآن !

الأم بفزع : عن من تتكلّم ؟!

- الشياطين الملاعين !!!

وانهار ببكاءٍ شديد ، وسط صدمة زوجته !

***


وزادت الأمور غرابة بعد رحيل عائلة لمى من القرية ، عقب انتهاء عزائها ..رغم عدم وجود جثتها !

فالأهالي بدأوا بسماع صراخ لمى بجوار بيتها المهجور الذي يُضاء وحده كل ليلة ! حتى الأطفال الذين لعبوا هناك ، فرّوا فزعاً بعد سماع موسيقى قوطيّة مرتفعة صدحت فجأة من غرفتها القديمة ! وبعضهم أكّد شعوره بيدٍ تحاول سحبه لداخل المنزل ، عندما حاول إستراق النظر من نوافذها المظلمة .. 


وبسبب تلك الأحداث ، قرّر رئيس بلديّتهم هدم المنزل .. لكن صراخ العاملان بهستيريا اثناء محاولتهما هدم جدار البيت ، جعلت الإشاعة تنتشر بأن المنزل مسكون .. ليتم هجر المكان تماماً !

***


بعد شهر ، وفي اطراف القرية .. 

حاول الوالدان تهدئة ابنتهما التي تصرخ بألمٍ شديد ، بعد ان تحدّتها صديقتها الإقتراب من المنزل المهجور ..

الأم بقلق : هل نأخذها للعيادة ؟

الأب : يبدو شياطين المنزل اللعين أصابوها بالمسّ !

وهنا سمعا طرقاً على بابهم ..

الأب : من سيأتينا بهذا الوقت المتأخر ؟!


وإذ بعجوزٍ يلبس عباءة بيضاء ، وبيده مصحف :

- ارسلوني لعلاج ابنتكم ، فأنا راقي محترف 

الأب باستغراب : ومن ارسلك ؟

الشيخ : لم يقل اسمه ، لكنه دفع أُجرتي مُسبقاً .. هل يمكنني رؤية الممسوسة ؟

الأم : هي بغرفتها ، دعني اوصلك اليها

الشيخ : من الأفضل ان اراها وحدي ، كيّ لا يحاول شيطانها التلبّس بكما 

فدلّته الأم على غرفة ابنتها التي مازالت تصرخ متألمة من الداخل ..


وسمحا له بإقفال الغرفة ، دون علمهما بأن الشيطان ظهر هذه المرة على هيئة شيخٍ متوفي للحصول على قربانٍ جديد لإبليس الذي لن يهنأ قبل إلحاد اهل القريّة وتركهم للدين ، بعد إختفاء بناتهن الطاهرات الواحدة تلوّ الأخرى بشكلٍ غامضٍ ومخيف ! 


ثمار الكفاح

تأليف : امل شانوحة  الموهبة المُرهقة في تلك الليلة .. استلقت الصبيّة على سريرها ، وهي تفكّر بقصتها الأولى التي نالت استحسان عائلتها .. وأخذت...