تأليف : امل شانوحة
المسابقة العاطفيّة
في صالة قصرٍ فخم .. وقف رجلٌ (اربعينيّ) أمام 12 امرأة ، كل واحدة تمثّل برجاً مختلفاً ! وهو يقول :
- مسابقتي بسيطة .. من تستطع جذبي بحبها وفقًا لصفات برجها ، تكون شريكة حياتي وأم أولادي
فردّت إحداهن بذكاء : كأنك تبحث عن توافق فلكي ، أكثر من زواجٍ حقيقيّ!
الرجل بابتسامة : أبحث عن امرأة تفهمني قبل أن تحبني .. وسأبدأ بترتيب الأبراج... من منكن برج الحمل ؟
فرفعت احداهن يدها .. والتي بدت بملابسها الأنيقة ، كأنها نجمةً سينمائيّة!
فأخذها الى مزادٍ للأثرياء ، حيث أبهرت الجميع باندفاعها الأنثوي الساحر
لكنه فكّر بقلق :
((عفويتها رائعة ، لكن جرأتها أكثر من اللازم !))
وحاول إخفاء ضيقه ، حتى نهاية المزاد
***
وفي اليوم التالي ، اخذ برج الثور الى مطعمٍ فاخر .. فأُعجب بتصرّفاتها الهادئة ، ورغبتها المُلحّة بالإستقرار
فقال في نفسه :
((يمكنني الإعتماد عليها ، فهي صبورة وواقعيّة… لكنها لا تملك كل شيءٍ أحتاجه))
***
في اليوم الثالث ، إقترحت عليه برج الجوزاء الذهاب للملاهي !
ورغم ان تلك الأماكن لا تليق بمكانته الإجتماعية (فهو صاحب شركة مهمة بالبلد) الا انه ذهب معها ، مُرتدياً ملابس بسيطة ، للتخفّي عن الإعلام..
وجلس يراقبها وهي تستمتع بوقتها ، ليقول مُتأففاً :
((خفّة روحها ممتعة ، لكنها غير متزنة بالنسبة لي))
***
ثم جاء دور السرطان التي طلبت تأجيل موعدها ، للإهتمام بأمها التي اصابها اعياءٌ مفاجئ ..
فوافق على طلبها ، بشرط عودتها قبل انتهاء موعد المسابقة
***
وبعد ذهابها ، إقترحت برج الاسد الذهاب الى عرض ازياءٍ لمصممٍ مشهور .. ورغم كرهه لتلك المناسبات ، الا انه وافق على طلبها
حيث بدت كملكة وهي تتحدث بثقة عن نفسها ، لمعرفة قيمتها جيداً (فهي لديها سلوك الأثرياء بالفطرة) لكنه شعر بالإستغلال ، بسبب طلبها المستمرّ للثناء والهدايا!
ففكّر الرجل بضيق :((كبرياؤها قويّ ، لكن تركيزها على الماديات أكثر من المشاعر))
***
بعدها جاء دور صبية العذراء التي طلبت رؤية الصالة التي ستقام فيها عرسهما المستقبليّ ، فهي تهمّها التفاصيل.. حيث حلّلت كل حركة وكلمة ، كأنها تحقّق في جريمة !
الرجل بقلق : ((ذكاؤها مميّز ! لكن حرصها على الكمال ، سيكون خانقاً))
***
بعدها جاء دور صبية الميزان التي طلبت اخذها للمتحف.. وقد تميّز حديثها بالدبلوماسية المُتزنة .. كما أعجبته ابتسامتها الهادئة التي تليّن المواقف الصعبة ، لكنها متردّدة في اتخاذ القرار !
الرجل : ((لطيفةٌ للغاية ، لكني لا أشعر أنها مناسبة لبناء عائلة))
***
وفي اليوم الذي يليه ، ذهب مع امرأة العقرب التي اختارت منتجعاً ساحليّ .. وهناك حاولت اغرائه بملابس البحر.. وعندما ارادت إشعال غيرته ، بحديثها مع شابٍ آخر .. إنتهى الموعد سريعاً ، وأعادها غاضباً الى قصره
***
ثم جاء دور امرأة القوس التي طلبت قيادة طائرةً شراعيّة ! ورغم إعجابه بشخصيتها المستقلّة المرحة ..
لكن حبها الشديد للحرّية ولحياةٍ مليئة بالمغامرات لاستكشاف العالم ، أشعره بعدم مسؤوليتها لتحمّل اعباء عائلته المستقبلية !
وفور انتهاء الرحلة الجويّة ، اعادها الى القصر .. بعد ضيقه من ضحكها ومزاحها المتواصل ، بعكس شخصيّته الجادة الرزينة
***
ثم جاء دور امرأة الجدي التي فاجأته برغبتها الذهاب الى شركته ، ومعرفة طريقة عمله هناك !
وقد أعجبه قوّة شخصيّتها ، وحبها للقيادة وهيبتها الطاغية ..
لكنه لم يشعر بأنوثتها ، لهذا فشل الموعد بينهما !
***
بعدها خرج مع امرأة الدلو التي اختارت مقهى إنترنت .. وهناك أعطته افكاراً إبداعية لتطوير شركته
لكنها في الوقت ذاته : بعيدة المنال ، وتحسب المسافة العاطفية بينهما!
وبعد ان اخبرته بكرهها للقيود والتقاليد ، ورغبتها الشديدة بالحرّية والتجديد ! وهو ما يخالف طبيعته المحبّة للإستقرار .. إنتهى الموعد سريعاً باتفاق الطرفيّن !
***
ثم جاء دور امرأة الحوت الذي اخذها للشاطئ .. وقد أعجبته رقّتها وهدوئها الساحر .. لكنه شعر ان خيالها الواسع ، صعب السيطرة عليه !
ومع هذا ، كانت ضمن الفتيات اللآتي شعر بالراحة معهن
***
وبنهاية اليوم 12 ، قدمت برج السرطان بعد استقرار حالة امها الصحيّة .. فأخذها الى كوخٍ ريفيّ ، بناءً على طلبها ..
وقد أُعجب فوراً بحنانها وعاطفتها الجيّاشة الصادقة .. وحبها للأطفال والأمان الأسري .. مما يناسب ذوقه
وقبل انتهاء الموعد الذي لم يشعر فيه بمرور الوقت.. فاجأته بالقول :
- انت برج الجدي اليس كذلك ؟
الرجل باستغراب : ولما هذا البرج بالذات ؟ لما لا اكون برجاً هوائياً او نارياً ؟
الصبية : لوّ كنت ، لاختنقت من إهتمامي الزائد
- اذاً لما لا اكون برجاً مائياً مثلك ؟
- لأني تعاملت مع جميع الأبراج المائية ، وانت لست منهم .. لأنك جاد وعملي ، وأكاد أجزم انك برج ترابي
الرجل : ماذا لوّ كنت برج عذراء ؟
- العذراء برجٌ خانق بالنسبة لي ، لاهتمامه الزائد بالنظافة والترتيب .. وانا ايضاً تهمّني تلك الأمور ، لكني لا احب المبالغة فيها
- وماذا لوّ كنت برج الثور ؟
الصبية : الثور برجٌ اكول .. وانت لم تُنهي صحنك ، او تطلب الحلوى بعد العشاء .. وهو شيء لا يفعله الثور الذي يهتم بمعدته اولاً
- اذاً انت مصرّة بأني برج الجدي ؟
- نعم ، لأنك مُخطّط وطموح .. وأظنك مولود مباشرةً بعد رأس السنة ، حسب نوعيّة طباعك .. فأنا مهتمة بالأمور الفلكيّة
وهنا تذكّر شيئاً دفيناً : عندما سأل الميتم الذي عاش فيه طفولته (وهو شيء يجهله المقرّبين منه) بأن الممرّضة العجوز اخبرته : بأنه اثناء ذهابها للإحتفال مع عائلتها برأس السنة ، انتبهت لصراخ طفلٍ حديث الولادة مرمي فوق الثلوج .. فأسرعت بأخذه الى الميتم الذي تعمل فيه ! مما يؤكّد أنه برج الجدي فعلاً .. فهو أقام هذه المسابقة ، لعدم معرفته بيوم ميلاده الذي لم يُذكر بدفتر الميتم (الذين تجاهلوا اقوال الممرّضة ذلك اليوم)
وهنا شعرت فتاة السرطان بحزنه ، فأمسكت يده بحنان :
- لما عيناك دامعتان ؟ هل قلت شيئاً احزنك ؟
الرجل بحزن : لا .. لكني سأأجّل نتيجة المسابقة ، للبحث عن معلومةٍ مهمة عن ماضيّ .. دعينا نعود للقصر حالاً
^^^
وبعد اعادتها الى غرفتها ، اجرى العديد من الإتصالات تلك الليلة .. الى ان توصّل لعنوان سيدة في مدينته الصغيرة (التي فيها الميتم) .. والتي اخبرت الجميع بولادة طفلها الغير شرعيّ ميتاً ، دون وجود قبرٍ له !
***
وفي الصباح الباكر ، انتقل الى هناك .. وما ان رأت السيدة وحمة وجهه ، حتى قالت بحسرة :
- انت ابني اليس كذلك ؟
فصمت وهو يتفحّص شقتها المُهملة !
فأكملت الأم كلامها : تبدو من ملابسك ان حالتك الماديّة جيدة
- من حسن حظي ان رجلاً ثريّاً أورثني شركته بعد وفاته
الأم بحماس : ممتاز !! اذاً انت ميسور الحال
وأمسكت يده :
- رجاءً ساعد امك !! فصاحب الشقة يريد طردي بنهاية الشهر ، لعدم دفعي الأجار .. والمطعم الذي عملت فيه نادلة طوال حياتي ، أقالوني قبل ايام لكبر سني .. ولا اريد الموت برداً ، كمشرّدة بالشوارع
فصرخ معاتباً : أتخافين البرد ، دون خوفك على طفلٍ رميتيه فوق الثلوج؟!!
- آسفة بنيّ .. وقد عاقبني الله بذنبك .. فعدم ذهابي للمستشفى تلك الليلة ، جعلني أُصاب بالتهاباتٍ شديدة ، إنتهت بإزالة رحمي .. وبسبب عقمي ، لم يتزوجني احد .. وهآ انا اعيش وحدي ، بسبب خذلان والدك الذي رفض الإعتراف بك .. والا لما كنت تخلّيت عنك ، أحلف لك !!
فسألها باشمئزاز : ومن ذلك الوضيع ؟
- رجلٌ سكّير ، مات بجرعة مخدراتٍ زائدة
- يا سلام ! امٌ عملت نادلة بمطعمٍ رخيص طوال حياتها ، وابٌ مدمن مخدرات وكحول .. يالها من عائلة مُشرّفة !
مقاطعة : هل فهمت الآن لما اردّت موتك ؟ لأنك ستعيش البؤس معي
- اذاً اعتبريني ميتاً !! .. ليتني أقتنعت بموتكما بحادث سير ، كما أخبرني الميتم ، ولم ابحث عنكما ابداً !!
وقبل خروجه من شقتها ، قالت برجاء :
- بنيّ ! الن تساعدني ؟
غاضباً بحزم : مُطلقاً !!
^^^
وخرج من منزلها حزيناً .. لكن قبل وصوله الى قصره ، طلب من محاميه : نقل امه لمكانٍ افضل ، مع اعطائها راتباً شهرياً .. دون إخبارها ان المساعدة من ابنها ، بل من فاعل خير .. وختم المكالمة ، بنبرةٍ غاضبة :
- ايّاك ان تعطيها رقم جوالي او عنوان قصري .. دعها تموت بتأنيب الضمير لما فعلته بطفلها الوحيد .. (ثم تنهّد بضيق) .. لكنها بالنهاية امي ، ولن ارضى موتها ذليلة بالشارع ، كما حصل لوالدي!
والمحامي بدوره وعده بكتمان ماضيه عن الناس والإعلام ، بناءً على طلبه!
***
وعاد الثريّ مقهوراً لقصره ، وحبس نفسه في غرفته ليومٍ كامل .. قبل جمعه الصبايا 12 بالصالة باليوم التالي ، لإخبارهن بنتيجة مسابقته :
- لأنني برج الجدي ، لم ارتحّ للأبراج الهوائية والنارية .. ورغم شعوري برابطٍ قويّ مع الأبراج الترابية.. الا انني وجدّت الأنسب لي ، هي برجٌ مائيّ .. فحياتي كانت خالية من الحنان والعطف .. لهذا اريد زوجة تعوّضني عمّا فاتني من مشاعر صادقة !
ثم اشار لبرج السرطان :
- لهذا اخترتك شريكة حياتي
ثم جثا بركبته امامها ، وهو يرفع خاتم الخطوبة :
- هل تقبلين الزواج بي ؟
فردّت بابتسامةٍ خجولة : اساساً شعرت أنك نصيبي من النظرة الأولى
فوضع الخاتم في يدها ، وسط تصفيق الخدم .. بينما تظاهرت الأخريات بالسعادة ، وهنّ يكتمن غيظهن من فوزها ، رغم جمالها العادي !
^^^
وبعد ذهابهن .. جلس الخطيبان بالشرفة ، وهما يخطّطان ليوم زفافهما ..
ثم امسك يدها بحنان :
- اعدك ان اكون زوجاً مسؤولاً عنك ، وعن اطفالنا بالمستقبل القريب
خطيبته : لا شك لديّ بذلك .. فبرج الجدي معروف بالزوج المثاليّ ، خصوصاً لبرجي الذي يحتاج لقائدٍ حكيم يدير حياتي
ثم سألته :
- لم تخبرني بعد بيوم ميلادك ؟
فسكت بقهر ، قبل ان يقول :
- هو ليلة رأس السنة من العام ....
- إذاً لدينا عيدان نحتفل بهما
فحاول الإبتسام .. وهو مازال يتخيّل نفسه رضيعاً ، يبكي وحيداً فوق الثلوج .. لكنه لن يخبرها بماضيه ، على أمل أن تعوّضه الأمومة التي افتقدها طوال حياته !