تأليف : امل شانوحة
البالون الأحمر
اعتاد الأطفال المصابون بالسرطان على رؤية المهرّج بنهاية كل اسبوع ، بعد تعهّده بملاعبتهم وإضحاكهم طوال النهار
لكن في هذا اليوم ، فرح جميع الأطفال بوجوده .. ما عدا احمد (ولدٌ في الثامنة) تم نقله حديثاً لهذا الجناح ، بعد وصوله للمرحلة الأخيرة من سرطان الدم
فاقترب منه المهرّج (الخمسيني) وهو يعطيه بالوناً احمر ، محاولاً دغّدغته لإضحاكه.. ليفاجئه احمد بالسؤال :
- لما تُخفي دموعك يا عم ؟
وقد اربكه كلامه ! فلا احد لاحظ عينيه الدامعتين خلف مكياجه السميك ، سوى احمد الذي كان ينتظر اجابة المهرّج الذي فضّل العودة لبقيّة الأولاد الذين ينادونه للعب معهم
^^^
بعد انتهاء اليوم .. توجّه المهرّج الى مكتب الإدارة ، للسؤال عن حالة الولد الجديد ؟
فأجابه الطبيب : للأسف ! احمد يحتضر ، سيد سمير .. فالعلاج فشل بتحسين حالته .. ويبدو انه مُستسلمٌ للموت.. فهو من والديّن منفصلين ، إنتقلا لبلدتيّن بعيدتيّن عن هنا .. مُكتفيا بالإتصال به ، من وقتٍ لآخر ! اما جدته (التي عاش احمد معها سنتيّن قبل مرضه) فتحاول زيارته ، كلما تمكّنت من ذلك ..
المهرّج : اذاً مريض ، ويعاني من الوحدة ايضاً ! هذا بلاءٌ كبير على ولدٍ صغير
- هو ليس حزيناً مثلنا .. بل مُتشوّق للطيران بالجنة ، كما رأى بإحدى مناماته
- هو حتماً من طيور الجنة .. (ثم تنهّد بضيق) .. انا حزينٌ عليه ، لأن لديه موهبةً مميّزة : فهو يشعر بآلام الآخرين ، دون تحدّثهم عن مصابهم !
- ماذا تقصد ، سيد سمير ؟!
لكن المهرّج لم يرغب الإفصاح عن اوجاعه.. وخرج من المشفى ، وهو يشعر بثقلٍ في قلبه دون استطاعته التعبير عنه !
***
وتوالت عطل نهاية الإسبوع ، مع زيادة تعلّق الأطفال بالمهرّج وألعاب الخفّة التي يتقنها.. ماعدا احمد الذي يقضي وقته بالنظر للسماء (من نافذة جناح الأطفال المرضى) كأنه يُهيّئ نفسه لرحلته القادمة !
لهذا طلب المهرّج الإذن من الطبيب ، لاصطحاب الصغير لحديقة المشفى
^^^
وبعد إيقاف الكرسي المتحرّك لصبيّ ، بجانب المقعد الذي جلس عليه المهرّج بالحديقة .. سأله احمد :
- ما المصيبة التي واجهتك ، جعلتك تُخفي حزنك خلف ابتسامتك المصطنعة ؟
- انا أملك متجر حلويات في حيٍّ شعبي.. أرمل ، ولديّ طفلة بمثل عمرك
احمد : وهل ماتت ابنتك ؟
فجاء سؤاله صادماً !
- كيف عرفت ؟!
احمد : لأني شعرت بالحزن يملاً قلبك ، ومع ذلك تقاوم البكاء !
فالتزم المهرّج الصمت !
احمد : يبدو أخبروك أن البكاء ليس للرجال ، كما ينصحني ابي بكل مكالمة؟
المهرّج بحزن : أظنها تربيةً خاطئة ، فجميع المخلوقات تبكي عند الألم
- اذاً إخبرني كيف ماتت ؟
- بالسرطان
احمد : ألهذا تطوّعت بمشفانا ، لتوديع المُحتضرين مثلي ؟
- لا تتشاءم هكذا ، فأنت مازلت حيّاً
- لكني سأموت قريباً
سمير : هل سمعت الطبيب او الممرّضة..
احمد مقاطعاً : لا !! لكني رأيت جدي بالمنام يخبرني أنه سيراني قريباً ، لهذا مازحت جدتي بأنني سألاقيه قبلها
فسكت سمير وهو يحاول كبت دموعه ..
فوضع الصغير يده على كتف المهرّج ، وهو يقول :
- عندما علمت بمرضي ، ذهبت مع جدتي للمدرسة لسحب ملفي .. فالتقيت بمعلّم الدين الذي سألته عن الموت ؟ .. فطلب مني ، تخيّل رحلةً مدرسيّة .. وهناك حافلتان مُخصّصتان لأخذ الطلاّب الى الملاهي .. لكن صديقي فضّل الركوب بالحافلة الأولى ، بينما ركبت الثانية .. فهل سأحزن على فراقه ، طالما سألتقيه لاحقاً في الملاهي ؟.. ما أقصده يا عم ، ان جميعنا سنجتمع بالجنة ان لم نُغضب ربنا ، فلما نحزن على فراق أحبّتنا باكراً ؟
فلم يجد سمير نفسه الا وهو يحتضنه بحنان .. محاولاً التماسك بصعوبة ، كيّ لا ينهار امام البطل الصغير
***
في الإسبوع التالي .. قدم المهرّج باكراً للمشفى ، وهو يتمنى رؤية احمد بخيرٍ وسلامة .. لكنه وجد سريره فارغاً !
وقبل السؤال عنه.. تجمّع الأولاد حوله وهم يرغبون ملاعبته ..
فصار يرقص ويغني لهم ، وعقله منشغل بأحمد الذي يتأمّل دخوله الى جناح المرضى بأيّة لحظة
^^^
وبعد ساعة ، لم يستطع المهرّج الإنتظار اكثر.. واعتذر من الأولاد ، مُتحجّجاً بدخول الحمام.. ثم سارع لمكتب الطبيب الذي أطلعه على الخبر السيء ! فأحمد توفيّ ليلة امس ، وتم دفنه صباحاً في قبر جده
^^^
عاد المهرّج مثقلاً بالهموم الى جناح الأولاد الذين تجمّعوا حوله ، وهم يطالبونه بنفخ البالونات لهم..
ولم تكن قدماه (بحذائيه الكبيرتيّن) باستطاعتهما حمله ، بعد انهياره داخلياً على وفاة صديقه الصغير..
وهنا دخلت الممرّضة الى الجناح .. وفور رؤيتها المهرّج ، اخرجت رسالة من جيبها .. وهي تقول :
- البارحة عندما كان احمد يعاني من سكرات الموت ، طلب مني كتابة هذه الرسالة لك
فابتعد سمير عن الأولاد لقراءتها ، وفيها :
((سأبحث عن ابنتك بين قصور الجنة ، الى ان القاها .. وسأخبرها عن شوقك لها .. وسأطلب منها زيارتك بالإحلام ، لتخفيف آلامك.. كما سأرسل لك اشارةً غريبة ، لإفهامك بأنني اصبحت ملاكك الحارس .. طلبي الأخير : إن كنت تحبني بالفعل ، فلا تخفي حزنك هذه المرة .. إبكي لفقدان ابنتك ، ولأجلي ايضاً.. اراك بالحافلة التالية التي ستصل للجنة ، بعد سنواتٍ طويلة من اليوم))
وما ان انهى الرسالة ، حتى سارع سمير الخروج من جناح الصغار .. لينهار باكياً فوق مقعد حديقة المشفى ، كما لم يبكي من قبل ! وكأن وفاة احمد المفاجئة ، أخرجت جميع مشاعره المكبوتة !
ولم يتوقف عن البكاء ، الا بعد حصول امرٍ غريب ! وهو خروج البالون الأحمر من نافذة جناح مرضى السرطان ، ليهبط بجانب مقعد المهرّج !
حينها فهم بأن روح احمد تواسيه ..
وابتسم بحزن خلف مكياجه السميك ، وهو يتمّتم :
- اعدك يا احمد بالإهتمام برفاقك بعد رحيلك
***
بعدها تعاقد سمير مع ادارة المشفى على وظيفةٍ دائمة لإسعاد الأطفال ، بعد ان كانت تطوّعاً في عطل الإسبوع فقط
لكن هذه المرة أفهم الصغار : بأنه حتى المُهرّجين يمرّون بأيامٍ صعبة.. وانه لا بأس من التعبير عن احزاننا ، بجانب ضحكاتنا وتفاؤلنا بالأيام السعيدة القادمة
وبذلك أضاف الى قناعه ، دمعة بجانب عينه .. رمزاً لحزنه على فقدان ابنته ، وملاكه الصغير أحمد !

هذه قصة للأطفال فوق سن 10 .. اتمنى ان تعجبكم
ردحذفالتهريج مهنة نبيلة، رغم من يعيبها لبلاهتها.
ردحذفلكن تلك البلاهة هي ما ترسم البسمة على شِفاه الأطفال. مرة واحدة مر بقربي مهرج، وكان ذلك في مستشفى، أبصرته يمشي أمامي بحذائيه الكبيرين وأنفه الأحمر الكبير. مدحه والدي وفهمت حينها أن هذا المهرج بطل.
لكن السرطان! آخ من السرطان، ما من مرض عاث في صحة الناس فسادًا مثله، تصوري أني طوّرت نوعًا من السادية العلمية ضده وضد الفايروسات.. إن هذه الآفات لا تستحق سوى التهميش وإرباك ال RMA وإبادة انقساماتها!
قصة رائعة، بل منحوتة روحية خلّابة.. كل شيء.. الطفل وروحه، المهرج وخلفيته البائسة.. والبهجة وسط مشقّات الحياة.
يسلموا.
السرطان حتى الكبار لا يتحمّلوا آلامه ، فكيف بالصغار المساكين !
حذفشفى الله جميع المرضى من هذا البلاء المؤلم
سعيدة ان قصتي اعجبتك
كلمة إبداع قليل في حقك أقسم بالله بأنني من شدة ثأتري بالقصة
ردحذفكنت الوم نفسي بأن فكرة القصة بسيطة ، لكن تعليقك اعطاني دفعة إيجابية للمزيد من الكتابة مستقبلاً بإذن الله .. شكراً لك
حذفأكيد تعجبنا
ردحذفأحب قصص الأطفال لأنها لطيفة
بريئة .. حنونة . ككاتبتها أمل
شكراً لمدحك اللطيف ، ودعمك المتواصل لمدونتي المتواضعة .. يا شريك المهنة
حذفهاي ما اصنفها قصه اطفال لانها بتوجع مشاعرهم لازم قصص الاطفال مبهجه وفرحه هاي قصه للكبار
ردحذفبالمناسبه انا ارجعت اقرا قصصك القديمه في كابوس وبدي اسالك هل نشرتي قصص ورقيه او اي شي من هذا القبيل وهل قصصك في امازون نجحت؟ وهل صار اسمك معروف بين كتاب القصص القصيره عربيا ؟ هل اسمك منتشر حاليا ؟
كنت اريد تصنيف القصة كدراما اجتماعية .. لكن لا بأس من تعليم الأولاد فوق سن العاشرة : انه حتى هم ، قد يواجهون آلام الحياة رغم صغر سنهم
ردحذفحالياً احوّل قصصي الطويلة لكتب بالأمازون .. اما نجاحها هناك ، فهو بيد الله وحده
قصه الطفله و السفاح هل نجحت في امازون وقصه ابني الزومبي لانها كانت قصتين جميلتين جدا
ردحذفوهل ربحتي فلوس من كتاباتك لانها جميله وحان وقت جني تعب السنين الطوال التي تعبتيها
لا للأسف .. لكن حالياً انهيت ترجمة قصة طباخة السجن والملاك الصغير وقصص المسابقات وقصص متنوعة اخرى .. سأنتظر للسنة القادمة ، لرؤية ان نجح الأمر ام لا
حذفقصة حزينه
ردحذفلكنه الواقع .. فمرض السرطان يتزايد كل سنة ، بسبب السموم المدسوسة بالطعام والحلويات .. واكثر المتضرّرين هم الصغار ، مع الأسف !
حذف