الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

مرآة العدالة

تأليف : امل شانوحة 

إنعكاس الحقيقة


يُعدّ المحقق جاك من الرجال العقلانيين ، لا يصدّق الا بالدلائل الماديّة والبصمات والإعتراف الصريح .. لكن اسلوبه وتفكيره تغيّر بعد ذهابه لسوق الأحد ، بعد رؤيته امرأةً غجريّة تبيع مرآةً كبيرة بسعرٍ غالي ! 

فسألها بتهكّم :

- 500 دولار ! هل إطارها مطلي بالذهب ؟

فابتسمت قائلةً :

- هذه لا ترى فيها الوجوه ، بل ما تخفي النفوس .. ولن يشتريها احدٌ سواك ، فهي ستفيد عملك الجنائيّ يا جاك 

فتفاجأ من معرفتها اسمه وعمله ايضاً ! 

- هل انت مشعوذة ؟!

- بل امرأة ذات بصيرة .. هيا اقترب من المرآة ، لمعرفة سرّها الغامض


وما ان وقف بجانب المرآة (التي طولها متريّن) حتى رأى وجهه نصفه ابيض ونصفه اسود ! 

فتراجع للخلف ، وهو يسمع تحليل العجوز : 

- يبدو بداخلك ، النور والظلمة معاً ! لكن عدلك يغلب سواد شكوكك .. فأنت بحكم عملك ، لا تثقّ بسهولة بالمحيطين بك 

جاك بصدمة : هل مرآتك تعكس الضمير ؟!

فردّت بابتسامة : والنوايا ايضاً .. الم اخبرك انها ستفيد عملك الصعب ؟


فاشتراها بدافع الفضول ، ونقلها باليوم التالي الى مقرّ عمله .. حيث قام بتعليقها على جدار غرفة التحقيق بمركز الشرطة ، خلف الكرسي الذي يجلس عليه المتهمين .. لربما تُسهّل معرفته ، ان كانوا ابرياء ام مذنبين !

*** 


بعد ايام ، بدأ تحقيقه مع متهمٍ بقتل زوجته .. وهو منهار بالبكاء ، ويصرّ على حصول الجريمة اثناء وجوده بالعمل .. مُدّعياً اقتحام لصٍّ بيته ، وقتله زوجته بعد مقاومتها له !


بهذه اللحظات ، إنتبه المحقق على انعكاس الرجل في المرآة السحريّة : حيث رأى خلافاته العنيفة مع زوجته ، وضربه المبرح لها طوال سنوات زواجهما .. الى ان حصلت الجريمة ، بعد طعنها مراراً بالسكين .. ثم إسراعه لمقرّ عمله ، ليضمن شهادة زملائه على وجوده هناك لحظة الجريمة ! 

ليس هذا فحسب ! بل ظهر انعكاس المتهم ، كأنه شيطان يضحك بخبثٍ ومكر .. مما ضايق المحقق الذي صفع المتهم ، للكفّ عن بكائه المُصطنع!


وبعدها سرد المحقّق الحقائق ، بتفصيلٍ أرعب المتهم الذي لم يعلم برؤية جاك لماضيه من خلال المرآة التي خلفه ! 

وبعد الضغط عليه ، إعترف بكل شيء .. وأُرسل للسجن ، لحين محاكمته


بينما كافأ مدير الشرطة ، المحقق على اكتشافه الحقيقة .. دون علم زملائه : بأنه الوحيد الذي يرى انعكاسات المتهمين في مرآته السحريّة 

***


بعدها بدأت سلّسلة إنتصارات المحقق الذي ازال بسهولة ، أقنعة المجرمين المحترفين .. ليصبح اسطورة بمجال عمله ، بعد كشفه العديد من ملابسات الجرائم الغامضة .. عقب إنهيار المتهمين امامه الواحد تلوّ الآخر ، بعد معرفته لأدقّ التفاصيل عن جرائمهم الشبه كاملة !

***


الى ان جاء يوم ، جلس فيه آدم امامه .. وهو سجينٌ افريقيّ ، حٌبس اربعين سنة بتهمة اعتدائه على طفلةٍ بيضاء اثناء لعبها قرب كوخه! 

والغريب بهذا السجين ان تصرّفاته اللبقة لا تُشبه المجرمين ، خصوصاً نظرته الذابلة من ظلم الحياة له !


حيث ظهر إنعكاسه في المرآة : كمراهقٍ خائف من تهديدات المحقق الشهير (استاذ جاك سابقاً) وهو يأمره بالإعتراف بجريمةٍ لم يرتكبها! 


وهنا تفاجأ العجوز آدم ، بجاك يمسك يده قائلاً :

- اعدك بإظهار براءتك 

- انت الوحيد الذي صدّقتني ! فجميع من سبقوك لم يكترثوا بعدم رؤيتي للفتاة الضائعة مُطلقاً 

جاك : المهم ان لا تفقد الأمل ، فأنا سأعيد فتح ملفك القديم 

^^^


وبالفعل ، أخرج ملف آدم من الأرشيف .. ليتفاجأ بقلّة الأدلة نحوه ، ومع ذلك حُكم عليه بالمؤبّد .. فقط لأن شاهداً عابراً ، رأى الفتاة تلعب بدرّاجتها قرب كوخه !


فالبصمة الجينيّة المحفوظة ضمن الأدلّة ، لم تُطابق يوماً آدم ! ولم تُقارن ايضاً بمشتبهٍ آخر (فهي مأخوذة قبل اكتشافهم الحمض النووي) .. حتى قطرة دم المتهم التي وجدوها على فستان الصغيرة ، غير مطابقة لفئة دم آدم !


وكان اكتشافاً عظيماً لبراءة المتهم الذي ضاع شبابه ظلماً.. ومع ذلك أصرّ جاك على العثور على مرتكب الجريمة ، قبل وصول الخبر للإعلام 

الا انه وجد صعوبة بإيجاد المتهم الحقيقيّ ، بعد مرور كل تلك السنوات ! 

^^^


واثناء دراسته الملفات القديمة في غرفة التحقيق .. اضيأت المرآة وحدها ! لتعيد ما حصل للفتاة الصغيرة ، كأنه مشهدٌ سينمائيّ : 

حيث مرّت سيارة بجانبها ، دعاها سائقها لإيصالها الى منزلها .. وقد ظهر وجه المشتبه به في المرآة السحريّة بوضوح ، لتكنّ الصدمة ! 

فالخاطف هو المحقق الشهير (من ضبّاط الجيل القديم) الذي أجبر آدم لاحقاً على الإعتراف بذنبٍ لم يرتكبه ! فهو من اعتدى على الصغيرة ، ودفنها بالغابة .. تاركاً درّاجتها امام كوخ آدم .. وهو من طلب من الشرطة القبض عليه ، كمتهمٍ اساسيّ لاختفاء الصغيرة التي لم يعثروا على جثتها ابداً !


فكتم جاك غيظه .. طالباً من مدير الشرطة ، بعض الحرس وكلابٍ بوليسيّة مُدرّبة للعثور على جثة الصغيرة ! 

وانطلق معهم للغابة ، وتحديداً لتلك المنطقة (دون اخبار احد بما شاهده بالمرآة)

^^^


وبعثوره على رفاتها ، أُعيد فتح القضيّة من جديد .. وباتهامه للمحقق السابق (الذي مات قبل سنوات ، بعد تكريمه كأفضل محقّق للعدالة بالمنطقة) آثار ضجّةً اعلامية ضخمة ، وغضباً جماهريّ : خصوصاً لأصحاب البشرة السمراء الذين تجمّعوا خارج السجن لحمل آدم فوق اكتافهم ، كبطلٍ مظلوم بعد حصوله على حرّيته اخيراً 

***


بعد تلك القضية ، تفاجأ جاك باختفاء المرآة السحريّة من غرفة التحقيق ! 

فسأل عامل النظافة (بالمركز) عنها ، وإن كان نقلها لمكانٍ آخر ؟ 

ليجيبه بإصرار : بعدم وجودها من الأساس بتلك الغرفة !


فراجع المحقق كاميرات المراقبة القديمة ، لينصدم بعدم ظهور المرآة بأيّةِ قضية حققّ بها سابقاً .. كأنها وهم ! رغم انها السبب باكتشافه الجرائم الغامضة التي وهبته العديد من الجوائز والترقيات الوظيفيّة 


ليُدرك اخيراً : أن أثرها السحريّ لم يكن بحلّها للقضايا المُعقّدة ، بل معرفته بأن حدسه هو مرآته الحقيقية .. وأن العدالة المُنصفة ، تُكشف بالبصيرة الواعية الحكيمة! 


هناك 5 تعليقات:

  1. وين راحت المراه؟ القصه ناقصه؟
    ما وضحتي شو صار بالمراه ووين راحت فعنصر المفاجاه ماكو

    ردحذف
    الردود
    1. المرآة غير موجودة من الأساس .. المشعوذة أوهمته بها ، لكي يعتمد على حدسه وبصيرته بدل اعتماده الكلي على الدلائل الحسيّة ، كما وضّحت بالسطر الأول من القصة !

      حذف
  2. القصة جميلة..
    ممكن يتم تغيير منحنى القصة وتسرق المرآة ويستخدمها سارقها في أعمال الشر حتى يتغلب عليه المحقق ويعيد المرآة ثم يكسرها
    لكن أحداث قصتك هي الأفضل لأن المنحنى الآخر مبتذل
    تحياتي أستاذة أمل

    ردحذف
    الردود
    1. فكرتك ايضاً جيدة ، يا استاذ محمد .. سعيدة ان القصة اعجبتك

      حذف
  3. رائعة احببتها 💚

    ردحذف

اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة  بين شرفتيّن في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفج...