تأليف : امل شانوحة
الشهرة الوعرة
في نُزلٍ رخيص على أطراف المدينة ، وفي ساعة العصر .. تجمّعت عصابة الدرّاجات النارية بملابسهم الجلدية وضحكاتهم الصاخبة ، مما أزعج الجميع.. لكن لم يجرؤ أحد من النزلاء على الإعتراض ، إلا شاباً توجه إليهم بعينين متعبتين وصوتٍ غاضب:
- ألا يمكنكم خفض أصواتكم ؟! لديّ حفلة مساءً ، وأحتاج لبعض الراحة
فأرادوا ضربه لجرأته ، لكن رئيستهم (جاكلين التي ورثت القيادة عن أبيها الراحل) منعتهم ، وهي تسأل الشاب الوسيم باهتمام:
- هل أنت مطرب ؟
فأجاب دون النظر إليها:
- مغني صاعد ، وأحتاج إلى الهدوء
جاكلين: كما تشاء، اذهب واسترح
فعاد جاك إلى غرفته ، بينما سألها أحد أفراد العصابة باستياء:
- لما لم تسمحي لنا بتأديبه ؟!
فابتسمت بمكر:
- لأننا سنستمتع بحفلةٍ مجانية
***
في المساء.. غنى جاك بحماس في مطعمٍ متواضع ، قبل اقتحام أفراد العصابة المكان! فهرب الزبائن مذعورين ، بينما أُجبر جاك على غناء أغنية صاخبة تناسب ذوقهم.
وبعد ساعات من مواصلة الغناء، غادروا المكان دون دفع ثمن مشروباتهم ! مما أغضب صاحب المطعم الذي طرد جاك ، دون منح أجرته.
^^^
في موقف السيارات، وجد العصابة بانتظاره.. فصرخ عليهم:
- هل أنتم راضون الآن؟! خسرتُ عملي بسببكم !!
فردّ أحدهم بامتعاض : أهذا بدل شكرنا على تشجيع موهبتك السخيفة!
جاك غاضباً: لا أريد شيئاً منكم ، فقط اتركوني وشأني !!
فاقتربت منه جاكلين :
- لا تقلق عزيزي ، سنجعلك مشهوراً.. فمنذ اليوم ، ستصبح المغني الأول لعصابات الشوارع
ولأن جاك لا يملك مالاً لهذه الليلة.. ركب مُرغماً خلفها على الدرّاجة ، وهو يشعر أنه يمضي نحو مستقبلٍ مجهول العواقب.
***
أمضى جاك بضعة أسابيع يغني في أوكار العصابات ، وسط السُّكر والقمار .. ورغم كسبه الوفير ، إلا أن اكتئابه ازداد كل يوم
وفي إحدى الليالي.. خرج لتدخين سيجارة، فلحقته جاكلين وهي تسأله:
- لم أركَ تبتسم يوماً !
فرد بصوتٍ مخنوق:
- لأني لم أحققّ حلمي بعد! تركت شركة والدي لأصبح فنان الأجيال القادمة ، لا مُهرّجاً للعصابات.. وهآ أنا أُجبر على أغاني الروك الصاخبة ، رغم تفضيلي للأغاني الراقية !
ففكّرت قليلاً ، قبل أن تقول:
- برنامج (سوبر ستار) سيبدأ قريباً .. سأرسلك إلى العاصمة ، للإلتحاق بتجارب الأداء
فابتسم لأول مرة ، بعد عودة الأمل إلى قلبه .. لكنه اشترط إخفاء الأمر عن بقيّة أفراد العصابة ، فوعدته بذلك.
***
وبالفعل ، نجح جاك في المرحلة الأولى.. لكن في المرحلة الثانية ، تفاجأ بأفراد العصابة يحضرون المسرح ، حاملين زجاجات البيرة !
وبسبب ضجيجهم الذي ضايق الجمهور ، وإفسد أداء جاك لأغنيته الهادئة .. تمّ إقصاؤه من البرنامج!
مما أغضب جاك الذي لام جاكلين على إفشائها السرّ ، فحاولت الإعتذار له:
- لم أستطع منعهم بعد أن شاهدوك في التلفاز
فصرخ عليها : إذاً أنتِ لا تعرفين كيف تقودينهم !!
فردّت بعصبية : جاك !! لا تتجاوز حدودك.. فأنا لا أقيّد حريّتك ، لأني مغرمةٌ بك
فأجابها بلؤم: لا يهمّني أمركِ ، او أمر عصابتكِ.. انتهى كل شيءٍ بيننا ، ولا أريد رؤيتك ثانيةً !!
وتركها ورحل ، بعد أن كسر قلبها !
***
وعاد جاك للغناء في مطعمٍ جديد .. وسارت الأمور على ما يرام ، إلى أن قابل رجلٌ عجوز طلبه على انفراد :
- إن وقّعت هذا العقد ، أجعلك أشهر مغنٍ في أمريكا
وما إن قرأ جاك السطور الأولى ، حتى انتفض رعباً:
- أتريدني أن أبيع روحي للشيطان ؟!
فابتسم العجوز بمكر: الجميع فعلوا.. كيف تظنهم اشتهروا في يومٍ وليلة ؟
جاك بتهكّم : هذا صحيح ، لكنك نسيت ذكر حياتهم التي انتهت كمُشرّدين أو مفلسين ومدمنين .. والكثير منهم يعانون حتى اليوم من أمراضٍ نفسيّةٍ مُعقّدة.. لا شكراً ، لا أريد مالك القذر !!
العجوز بنبرة تهديد : تأكّد أنني سأجعلك تندم على قرارك الغبي
وبسبب رفض جاك للعرض ، خسر عمله مجدداً !
كما رفض بقيّة أصحاب المطاعم تعيينه ، خوفاً من العجوز الغامض المُنتمي لمنظمةٍ سرّية.
***
بعد منعه من العمل في كل مكان ، انتهى به المطاف مُشرّداً يغني في الشارع.. إلى أن قابله أحد أفراد العصابة ، الذي سارع بلكمه على وجهه !
وآخر شيءٍ سمعه جاك ، قبل إغمائه:
- هذا لأنك كسرت قلب زعيمتنا، أيها التافه !!
***
استيقظ جاك في النزل القديم .. وجاكلين بجانبه ، تضع كمّادةً باردة على عينه المصابة.. فانتفض رعباً:
- ماذا تفعلين في غرفتي ؟!
فسكتت جاكلين مطولاً ، قبل ان تقول :
- سأكون صريحةً معك.. سأبلغ الأربعين قريباً ، ورغم أنك تصغرني بعشر سنوات ، لكني أرغب بإنجاب طفلٍ منك.. وعلى فكرة ، أفراد عصابتي بالخارج، لذا لا يمكنك الهرب من ليلتنا الأولى
فلم يكن أمامه سوى التحجّج بعذرٍ واهي:
- في الحقيقة يا جاكلين ، أنا معجبٌ بك منذ البداية رغم فارق العمر
فسألته بصدمة: أحقاً يا جاك ؟!
فأكمل كذبته:
- بالتأكيد !! لكني من عائلة محافظة ، لذا لا يمكنني الإقتراب منكِ..
فقاطعته بحماس : موافقة !! لنتزوّج في الحال
فردّ بارتباك: ليس سريعاً.. أقصد ، لنجعله ضمن حفلٍ يجمع أفراد العصابة في نهاية الأسبوع
جاكلين : ولما لا يكون غداً ؟! لما علينا الإنتظار ثلاثة أيامٍ أخرى ، طالما نحن مغرميّن ببعض ؟!
- رجاءً عزيزتي .. هذه الأمور تصبح أجمل بالترويّ والهدوء
فردّت بابتسامةٍ حنونة : كما تشاء حبيبي
وحاولت تقبيله ، فابتعد قائلاً:
- فلتكن قبلتنا الأولى شرعيّة
فردّت ساخرة : هل أنت من طائفة الأميش ؟
- لا، لكن عائلتي متمسكة بالتعاليم المسيحية
- وهل سيحضرون عرسنا ؟
- هم يعيشون بعيداً
جاكلين باهتمام: أنت لم تخبرني عنهم ، في أيّ منطقة يعيشون ؟
لكنه لم يرغب الإفصاح عن المزيد ، فتحجّج بإرهاقه الشديد وحاجته للنوم.. فخرجت من غرفته ، لتزفّ الخبر السعيد لعصابتها..
وبينما كانوا يحتفلون بصخب في الخارج ، كان جاك يخطّط للهرب من ورطته المرعبة.
***
في الصباح الباكر.. تسلّل جاك من غرفته بخفّة ، ليتفاجأ بمراقب من العصابة يجلس بالخارج:
- الى أين يا عريس ؟!!
فردّ بارتباك: سأستنشق بعض الهواء.. لا تقلق، سأعود بعد ساعة
- أتريد أن أوصلك بدرّاجتي ؟
- لا داعي، لن أبتعد كثيراً.. ثم جميع أغراضي هنا، وبالتأكيد لن أهرب دونها
وتمشّى بهدوء وهو يدخن سيجارته .. إلى أن وصل للطريق العام، وهناك سارع بإيقاف السيارات.. لكن الجميع رفض التوقف لغريب ، ما عدا سائق شاحنة وافق مقابل سيجارتيّن على توصيله لمحطّة وقود.. ومن هناك طلب سيارة "أوبر" لتوصله إلى المطار.
ورغم أن الطائرة المتجهة إلى كندا (حيث تعيش عائلته) ستنطلق بعد ساعتين ، إلا انه وافق على الإنتظار بقلقٍ شديد ..
^^^
وفي الوقت الذي بحث فيه أفراد العصابة عنه في الجوار ، لم يتوقع أحد رحيله دون هويّته التي استولوا عليها .. لكنهم لم يعرفوا بحمله لجواز سفرٍ كنديّ..
وبعد أن يأسوا من إيجاده ! اتفقوا على مراقبة جميع المطاعم ، للقبض عليه اثناء غنائه .. وإجباره على الزواج من زعيمتهم التي انكسر قلبها بهروبه المفاجئ.
بينما شعر جاك بعد إقلاع طائرته ، انه غادر جحيم العصابة وتهديدات المنظّمة السرّية معاً..
***
وعند وصوله إلى كندا ، ارتمى في حضن والده باكياً:
- كنت على حق يا أبي ، لن أغني بعد اليوم.. وسأعمل محاسباً في شركتك ، كما نصحتني دائماً
لم يعرف أهله شيئاً عن الجحيم الذي نجا منه ، لكنهم فرحوا بعودته.. بينما حمد جاك ربه على سلامة روحه دون بيعها ، ثمناً لشهرةٍ زائفةٍ قذرة.
***
وبينما كان جاك يعتاد على حياته كموظفٍ عاديّ .. كان العجوز الغامض يجري محادثة من مكتبه في اميركا :
((إذاً هرب الفاشل إلى كندا ! ألا يعلم ان لدينا اتباع في كل العالم ؟ سأجعله يندم على اليوم الذي رفض فيه عرضي المغري .. وانتم !! تابعوا البحث.. أريد جميع المعلومات عنه .. وحدّدوا حجم شركة والده ، وعدد حرّاسه وموظفيه.. لنرى إن كان جاك العنيد سيخضع لنا ، أم يُفضّل رؤية تعب عائلته يحترق أمام عينيه))
وانتهى الاتصال بضحكةٍ مجلّجلة ، تردّدت صداها في ارجاء المكتب الفخم للعجوز الذي اعلن الحرب على الشاب الموهوب الذي سيظلّ مستقبله عالقاً بين النجاة والهاوية !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق