الأحد، 16 ديسمبر 2018

قروش الجنّ

تأليف : امل شانوحة


 
القرية الملعونة !

رفض البائع أخذ نقوده , قائلاً : من اين حصلت على هذه العُملة الغريبة ؟!
المشتري : انها نقود حسن , الم تسمع بها ؟!
وبالصدفة كان يمرّ الحارس بجانبهما , وسمع القصة .. فأخذ العملة النحاسية وذهب بها الى الوالي :
- سيدي , لقد أحضرت لك قروش الجنّ من السوق
الوالي باستغراب : الجنّ ؟! 

الحارس : سأخبرك بما سمعته بالضبط .. يُقال إن هناك مُجبّرٌ بالقرية اسمه حسن , قام بعلاج عجوزٍ كُسرت يده أثناء صعوده الجبل .. فأصرّ عليه ان يرافقه للأعلى رغم حلول المساء .. وهناك قرأ العجوز تعويذة إنشقّ لها الجبل ! ثم طلب من حسن الدخول الى المغارة لأخذ ثمن العلاج , بشرط ان لا ينطق بحرفٍ واحد .. وحين دخل الشاب وجد شعلات من النار تُضيء المكان ! وعقارباً سوداء تحرس ثلاثة جِرار من الفخّار , فاختار جرّة القروش النحاسية دون جرّتيّ الذهب والفضة ! وما ان أخرجها من الجبل , حتى قال بتعب : يا الهي ! كم هي ثقيلة .. وعلى الفور !! أُقفلت بوابة الجبل من خلفه .. فعاتبه العجوز لكلامه قبل إتمام المهمّة , قائلاً : الم تخترّ سوى النحاس ؟! يا لك من رجلٍ منحوس .. ثم تركه وذهب .. من بعدها صار حسن يشتري بهذه النقود بضائعاً من السوق : فرفضها الباعة لأنها ليست العملة المُتداول بها , لكن بعضهم قبلها بعد تأكّده بأنها نحاسٌ حقيقي , وأسموها : قروش حسن , وصاروا يتداولون بها في السوق منذ شهور .. ورغم ان معظم الناس لم تصدّق بخرافة كنز الجبل , الا ان الخبر انتشر بينهم كالنار في الهشيم !  
فطلب الوالي إحضار حسن اليه فوراً .. 
***

وبعد ساعتين .. أحضره الحارس مُكبّلاً الى الوالي 
فقال حسن بقلق : سيدي , مالذي فعلته لتقبضوا عليّ ؟!
الوالي : انت تزوّر عملتنا 
حسن : هي ليست عملتي , بل عملة..
الوالي مقاطعاً : الجنّ .. نعم سمعنا بكذبتك

لكنه أصرّ على كلامه .. فطلب الوالي من الحرّاس إحضار العجوز بعد ان أخبرهم حسن بعنوان كوخه الذي استأجره حديثاً , لأنه غريب عن قريته
*** 

وبعد قليل .. وصل العجوز الى القصر , وطالبه الوالي بإخباره عن جنّ الجبل ..فنظر بغضب الى الحسن الذي كان بحراسة الجندي الآخر , وقال معاتباً : 
- الم أطلب منك صهر العملات النحاسية الى سبيكة او حُليّ قبل استخدامها؟!!
حسن : كنت محتاجاً اليها كنقود .. آسف , لم أقصد فضح سرّك
الوالي بعصبية : كفاكما عتاباً !! وانت ايها العجوز , ستذهب معي الآن الى الجبل لتقول تعويذتك وتفتح لي البوابة السرّية , لأحصل على جرّتي الذهب والفضة .. فنحن أحقّ بها !!.. (بارتباك) ..أقصد خزينة قريتنا

العجوز بخوف : لا أستطيع فعل ذلك الا حينما يكون القمر بدراً 
الوالي : وانا لن انتظر اسبوعين آخرين .. سنذهب الآن ومعنا شعلات النار , ونجمع الناس لرؤية الحدث .. وسنُعطي ديناراً ذهبياً لكل عائلة , امّا بقيّة الكنز فسيكون لخزينتنا.. هل كلامي مفهوم ؟!!
العجوز بقلق : ان فعلت ذلك دون علم الجنّ , سيفتحون علينا ابواب جهنم , فهم يغضبون كثيراً حين ننتهك خصوصيتهم
الوالي بنبرة تهديد : إسمع يا هذا !! ان لم تقلّ تعويذتك هناك , فسأقوم بتفجير الجبل 
العجوز : والله تكون بذلك أحلّلت اللعنة على قريتك الى أبد الآبدين .. انا فقط أحذّرك من هذا التصرّف المتهوّر
الوالي بغضب : ومن انت لتحذّرني ؟!! ..ايها السيّاف !! إقطع رأس هذا المشعوذ الخرف ..

ولم يستطع العجوز القيام بشيء , وذهب طواعيّةً مع السيّاف بعد ان استسلم لقدره ! بينما كان حسن يرتجف رعباً من ان يلقى نفس المصير , الا ان الوالي كان منشغلاً مع حارسه : الذي أمره بإخراج المتفجّرات من المخزن تحضيراً لخطّة المساء  
***

وبعد ان دلّهم حسن على مكان الكنز , تجمّع اهالي القرية تحت الجبل وهم ينتظرون نصيبهم من العملات الذهبية كما أخبرهم حرس الوالي , بينما كان جنوده في هذه اللحظات يفخّخون الجبل بالديناميت 
ومن ثم عمّ السكوت في انتظار اوامر الوالي الذي قال بصوتٍ جهوريّ لقائد جيشه :
- عند الرقم الثلاثة تُفجّر الجبل .. واحد !! اثنان !!..

وإذّ بحسن يصرخ بعلوّ صوته : توقفوا !!!
الوالي بارتباك وقلق : ماذا هناك يا ولد ؟!
حسن : هناك قطة قرب مدخل الجبل , دعني أبعدها رجاءً
الوالي بغضب : لعنة الله عليك وعلى القطة السوداء !! أخفتني يا رجل , ظننتك رأيت جنّياً هناك ! 
حسن : ارجوك سيدي , دعني أُبعدها قبل التفجير
الوالي : إذهب وخذها , ولا تسمعني صوتك من جديد

فأسرع حسن نحو الجبل , وحاول حمل القطة وهو يقول لها :
- مالذي أحضرك الى هنا ؟ هل أضعتِ امك ؟ هيا تعالي .. لا تهربي مني , فأنا اريد إنقاذك ..
ورغم مقاومة القطة العنيدة له , الا انه استطاع ابعادها .. 

لتنطلق بعدها شرارة الإنفجار الضخم الذي صمّ دويّه الآذان ! 
وفجأة !! خرج بريقٌ ذهبيّ يخطف الأبصار من داخل المغارة السرّية التي ظهرت بعد إنقشاع غبار التفجير , ممّا أفقد الناس عقولها ! وصاروا يركضون كالمجانين باتجاه البوّابة , ولم يستطع حرس الوالي منعهم , فتبعوهم الى داخل الجبل .. ممّا أخاف الوالي على كنزه , فلحقهم وهو يتوعّهدهم بالعقاب لعدم إنتظاره 

بينما ظلّ حسن يراقبهم من الخارج , وهو يحمل قطته التي تكلمت معه قائلةً :
- لما فضحت سرّنا يا حسن ؟!
وما ان سمعها تتكلّم ! حتى رماها فزعاً على الأرض .. لتتحوّل الى ملكة الجنّ بجسمها الأزرق وتاجها الإلماسيّ .. ثم نظرت الى الأعلى , ليشاهد حسن قبيلة الجن برجالها ونسائها واطفالها جميعهم يقفون فوق الجبل .. 
وما ان أشارت لهم الملكة بيدها .. حتى تسارع الجن بحمل الأحجار وإغلاق المغارة , ليعلق أهل القرية بداخل الجبل 

ومرّت دقائق قبل ان يستوعب الناس الموقف ! من بعدها تعالت صيحاتهم من الداخل , وهم يحاولون إزاحة الأحجار الضخمة عن البوّابة .. 
فقالت الملكة لحسن : 
- عقاربنا وثعابيننا ستقوم بدورها في القضاء على اولئك الطمّاعين .. اما انت يا حسن !! فرغم غضبنا منك لفضحك مقرّنا , الا ان إنقاذك لي جعلني أغفر ذنبك .. والآن أخرج من قريتك , فقد أصبحت ملعونة الى أبد الآبدين 
***

كل الأحداث المرعبة التي ذُكرت سابقاً : شاهدها الصبي لؤي خلال ثوانيٍ بعد لمسه للعملة النحاسيّة الموجودة في المتحف , والمكتوب في بطاقتها التعريفيّة : قروش الجنّ .. 
ولم يعدّ لواقعه , الا بعد سماع استاذه بجانبه يعاتبه :  
- لؤي !! لا تلمس شيئاً في المتحف  

فأبعد لؤي يده , وهو يرتجفّ ممّا شاهده ! بينما كان حارس المتحف يُخبر أصدقائه عن هذه العملة (ضمن رحلتهم المدرسيّة) قائلاً لهم : 
- ولا أحد يعرف مصدر هذا القرش النحاسيّ الذي وُجد في جيب عجوزٍ اسمه حسن , مات في مصحٍّ نفسيّ قبل قرنٍ من الزمن ..كل ما قاله لهم : انها آخر ما تبقّى معه من قروش الجنّ
فرفع لؤي يده وهو يقول للحارس : انا أعرف قصّة حسن كاملةً

وقبل ان يُكمل كلامه , لمح لوحده قطةً سوداء أسفل طاولة الآثار تضع يدها على فمها وكأنها تأمره بالصمت ! ثم لمعت عيناها كلهيبٍ من النار , قبل ان تختفي .. 

ولم يستوعب لؤي ما رآه ! الا بعد سماعه لضحكات أصدقائه الساخرة بعد ان لوّث ملابسه بسبب الخوف 
فقال الأستاذ للحارس وهو يكتمّ ضحكته : يبدو ان سيرة الجن أرعبته

فركض لؤي باكياً الى الخارج , مُتجهاً الى بيته القريب من المتحف .. بينما أكمل اصدقائه جولتهم بين الآثار , بعد ان تناسوا قصّة قروش الجنّ التي لن ينساها لؤي طوال حياته !
*********

ملاحظة :
هذه القصّة مستوحاة من أحداثٍ قرأتها في قسم : تجارب ومواقف غريبة , من موقع كابوس .. بعنوان : حسن قروش.. ويُقال انها قصّة حقيقية ! 
الرابط :
https://www.kabbos.com/index.php?darck=1172

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...