الخميس، 13 ديسمبر 2018

الميداليّة الملعونة

تأليف : امل شانوحة


لا تقفز للموت !!

- لقد قرّرت مواعدة من يفوز منكما في المسابقة السنويّة 

قالتها الصبيّة للشابين اليافعين اللذين يتنافسان على حبها منذ قدومها الى قريتهم .. 
واحتارا بالأمر ! فالصخرة عالية ولا يقفز منها الا أشجّع الرجال , في حفلةٍ تُقام كل صيف بحضور أهالي القرية الساحليّة .. فهل سيقبلان بشرطها التعجيزيّ ؟
***

في اليوم التالي .. تفاجأت الصبيّة بأن كلا المراهقين قرّرا المشاركة بالمسابقة , رغم إعتراض أهاليهم الذين لا يعلمون بأنهما يخاطران بحياتهما من أجل ليندا الفاتنة

وبدأت المسابقة بقفزاتٍ ناجحة لبعض رجال القرية المحترفين بالسباحة , بينما تراجع أكثرهم عن القيام بهذه المجازفة ..
ثم جاء دور المبتدئين الذين يقدّمون لأول مرة على هذه التجربة الخطيرة .. وقد خمّن الجميع النتيجة مُسبقاً , حيث عزَفَ 9 منهم على القفز بعد وقوفهم على الحافّة ورؤية العلوّ من فوق .. وكان منهم جاك الذي تراجع للخلف رغم عشقه الكبير لليندا , وكلّ أمله ان يفعل مايكل الشيء ذاته ..

لكنه فاجأ الجميع بقفزته الشجاعة نحو البحر ! حيث تنفّس أهله الصعداء بعد خروجه سالماً من هناك 
وصفّق الجميع له بفخر وهو يتقلّد ميدالية السبّاحين المبتدئين , بينما اشتعلت غيرة جاك وهو يرى ليندا تُبارك له , التي يبدو انها ستصبح صديقته بعد تنفيذه لشرطها الصعب .. وبهذا تكون فرّقته نهائياً عن صديق طفولته !
***  

ومرّت الأيام .. كان فيها جاك يُراقب الحبيبين من بعيد , ونار الحقد يغلي في صدره ..
ثم حصلت صدفةٌ غريبة أعادت الأمل الى قلبه ! بعد ان رأى الميدالية الذهبية في محل والده (صائغ المجوهرات) .. فسأله باستغراب :
جاك : اليست هذه ميدالية مايكل ؟!
- بلى بنيّ , فحلقتها إنقطعت وطلب منّي تصليحها 
ففكّر جاك قليلاً قبل ان يقول : ابي .. ما رأيك ان تذهب لشرب القهوة مع اصدقائك , وانا أنوب عنك في المحل ؟
الأب بدهشة : بالعادة أُجبرك على ذلك ! فكيف دبّ النشاط بك فجأة؟!
- لأنني أشعر بالملّل بهذه العطلة الطويلة ؟ 

فترك المحل في عهدته وذهب .. ليقوم جاك بالإتصال فوراً على إمرأة أجابته :
- البصّارة جاكلين .. من معي ؟
- انا الشاب الذي التقيت بك قبل ايام على الشاطىء وطلبت رقم جوالك , هل تذكرينني ؟
- نعم نعم .. كنت تريد إيذاء صديقك الذي سرق حبيبتك..
جاك مقاطعاً بغضب : هو ليس صديقي !!
- لا يهمّ .. كنت أخبرتك سابقاً ان تحضر شيئاً من ممتلكاته الشخصيّة 
- معي الآن ميداليته التي كسبها في المسابقة التي أخبرتك عنها , فهل تنفع لتسحرينه بها ؟
- بالطبع تنفع .. تعال اليّ وقت الغروب , ستجدني في كوخي الموجود بجانب الشاطىء , هل تعرفه ؟
جاك : نعم رأيته مراراً .. سأذهب اليك مساءً ومعي الميدالية 
- لكن اريد تحذيرك .. فالسحر سيكون أبديّ , ولا يمكن إزالته من الميدالية
جاك بنبرةٍ غاضبة : لا يهمّني حتى لو بقيّ اللعين مسحوراً طوال عمره !!
- إتفقنا اذاً
***

وبالفعل ذهب اليها مساءً , بعد سرقته للميدالية من المحل .. لتقوم البصّارة (التي كانت بالحقيقة أخطر مشعوذة بالمنطقة) بدهن الميدالية بسائلٍ لزجّ شفّاف مكوّن من عدّة خلطاتٍ سحرية .. بعد ان دفع لها جاك كل ما جمعه من اموال أعياد ميلاده السابقة التي كان ينوي استخدامها كمصروفه الجامعي , لكن حقده كان أقوى من تفكيره بالمستقبل !

وبعد ان أنهت عملها , سلّمته الميدالية وهي تقول :
- لن يبدأ مفعول السحر الا بعد يومين من لبسها في عنقه 
جاك باستغراب : ماذا ! وكيف سأجعله يلبسها من جديد ؟
- هذه مشكلتك , إذهب الآن الى بيتك قبل ان تتأخّر على أهلك
***

في صباح اليوم التالي .. مرّ جاك بمحل والده , ليجده يبحث في كل مكان 
..فرفع الميدالية قائلاً :
- أتبحث عن هذه يا ابي ؟
الأب بعصبية : ولما أخذتها من المحل يا ولد ؟!! فربما صاحبها يمرّ بي بعد قليل
- انها لصديقي , وسأذهب بنفسي لتسليمها له 
- إسمع بنيّ ..لقد كلّفتني حلقة السلسلة الجديدة , دولاراً واحد .. وبما انها لصديقك , فاعطه له بالمجّان .. 
فتمّتم جاك قائلاً بعد خروجه من المحل : لكنها كلّفتني الكثير !
*** 

وقبل ان يصل الى بيت مايكل , وجده يتمشّى في الشارع مع ليندا .. ممّا زاده تصميماً على التخلّص منه .. 
فناداه من بعيد وهو يلوّح بالميدالية :
- هاى مايكل !! ابي أصلح ميداليتك
مايكل : آه شكراً له .. كم كلّفني الأمر ؟
جاك : لا شيء , فهو استبدل الحلقة فقط
مايكل بإصرار : لا انا مصرّ على دفع المبلغ
فقال جاك في نفسه مُمّتعضاً : ((أتريد ان تظهر بمظهر الكريم امام حبيبتك , سأريك الآن))

وقال له : ان كنت مصرّ على ذلك , فيكفيني ان تلبس الميدالية امامي 
مايكل : ولماذا ؟
جاك بابتسامةٍ صفراء : لأنها تليق بك يا بطل 
فابتسم مايكل بغرور , ولبسها امام ليندا التي قالت : 
- انت أشجع شاب في منطقتنا يا مايكل
فكتم جاك غيظه قائلاً له : أراك لاحقاً يا صديقي

وذهب وهو يقول في نفسه : ((وهآقد جعلته يلبسها , أتمنى ان يبدأ مفعول السحر فوراً))
***  

بعد يومين .. أيقظه والده صباحاً , وهو يقول بحزن :
- جاك استيقظ .. علينا الذهاب للدفن
جاك بنعاس : دفن من ؟!
- صديقك مايكل .. لقد وجدوا جثته عائمة على البحر هذا الصباح
جاك بفزع : ماذا ! ..هل مات ؟! 
والده : نعم .. رآه أحد الصيادين قبيل الفجر وهو يترنّح كالسكران فوق الصخرة , قبل ان يسقط في البحر !
جاك وهو يرتجف مرتعباً : هذا مستحيل !! ما كان المفترض ان يموت !
- ماذا تقصد ؟!
جاك بارتباك : لا شيء .. سألبس ثيابي فوراً

لكنه لم يذهب الى الدفن , بل توجّه مباشرةً الى الشاطىء ..لكنه لم يجد المشعوذة في كوخها والتي يبدو انها رحلت نهائياً عن القرية !
جاك وهو يتمّتمّ غاضباً : اللعينة !! قلت لها انني اريد إبعاده عن حبيبتي , ولم أقصد قتله ! مالعمل الآن بعد ان غدرت بصديقي الوحيد ؟! 
***

ولاحقاً ذهب الى منزل مايكل وهو يشعر بتأنيب الضمير .. 
وهناك حضر رئيس البلدية لتقديم التعازي لوالد مايكل :
- جميعنا كنّا وما نزال فخورين بإبنك السبّاح الشجاع , رحمه الله 
فأخرج الوالد الميدالية من جيبه وهو يقول : اريد التبرّع بها لجمعية نشاطات الشباب في قريتنا
رئيس البلدية : الا تريد الإحتفاظ بها كذكرى من ابنك ؟
والد مايكل حزيناً : لا ..دعها هديةٍ رمزيّة للفائزين كل سنة , ولتبقى معهم لبعض الوقت قبل ان يعيدوها الى مكتبك

وراقب جاك بقلق الميدالية المسحورة وهي تنتقل الى رئيس البلدية الذي وضعها في جيبه .. فقال في نفسه بفزع : 
((أتمنى ان يكون مفعول السحر إنتهى بموت مايكل , والاّ ستنتقل اللعنة بين شباب قريتي .. (ثم فكّر قليلاً) ..أظن هكذا أفضل ! فربما الرئيس يحتفظ بها في لوحةٍ تذكارية تعلّق على جدار الجمعية , وبذلك يكون الشرّ خرج من منزل أهل مايكل)) 
***

بعد اسبوع من العزاء .. جلس جاك وحيداً فوق الصخرة العالية , وهو يبكي من ثقل إحساسه بالذنب وهو يستذكر ماضيه مع مايكل  
..وإذّ بليندا تجلس بجانبه !
- وأنت ايضاً تبكي هنا ؟
جاك بدهشة : ليندا !
وهي تمسح دموعها : لقد اشتقت اليه كثيراً 
واسندت رأسها على كتفه , ليشعر بالحب اتجاهها من جديد
- ليندا عزيزتي 
باستغراب : أقلت عزيزتي ؟!
جاك بغيظ : نعم فأنا أُغرمت بك منذ البداية , قبل ان يسرقك مايكل مني
- وانت ايضاً كنت تعجبني 

جاك بدهشة : أحقاً ! كنت أظن ان الوحمة الحمراء القبيحة التي في وجهي هي من أبعدتك عني 
فقالت ليندا بخجل :
- بل هي أجمل ما فيك , فهي تبدو كقبلة الملائكة 
- اذاً لماذا إخترتي مايكل ؟
- لأنه نفّذ شرطي
جاك : آسف لأنني لم استطع القفز
ليندا بحزن : اساساً وضعت ذلك الشرط لأني ظننتك أشجع منه .. لكن لا ينفع الندم الآن !

فأمسك يدها وهو يقول : ليندا , أصدقيني القول .. هل كنتما عاشقين ؟
- لا ابداً , مجرّد اصدقاء ..فهو كان شاباً خجولاً 
فقال في نفسه بارتياح : ((ممتاز !!!))
جاك : ما رأيك لوّ نزور قبره سويّاً ؟
ليندا باستغراب : الآن ؟!
- نعم , هيا بنا
(وبالحقيقة لم يكن يرغب بالذهاب الى المقبرة , لكنه اراد البقاء معها فترةً أطول)
***

ومع بداية السنة , انتقلت ليندا الى مدرسته الثانوية المختلطة 
ومع الوقت زاد تعلّقها بها وقلّ حديثها عن مايكل , بعد ان لاحظت تضايقه من ذلك , بحجّة إنه لا يريد تذكّر أوجاع الماضي !
***

وفي حفلة تخرّجهما .. شعرت بالحزن حين أخبرها بحصوله على منحةٍ جامعية 
جاك باستغراب : الستِ سعيدةً لأجلي ؟!
ليندا وهي تمسح دموعها : الجامعة في المدينة يا جاك , وهذا يعني انك ستتركني كما فعل مايكل
جاك بغضب : مايكل ثانيةَ يا ليندا !!
- آسفة ..لم أردّ نكأ الجراح , لكني خائفة ان تنساني بعد ان أصبحنا عاشقين
- لا تخافي , هي اربعة سنوات وأعود لأتزوجك
ليندا بقلق : أهذا وعد يا جاك ؟
جاك بابتسمةٍ حنونة : وعد حبيبتي
***

الا ان حياة المدينة أنسته حبيبته القرويّة التي بسببها إرتكب أكبر ذنوبه وأخرج حبها الوحش الذي بداخله 

ومرّت الأيام .. قضاها جاك في الحفلات والصداقات المتعدّدة والمغامرات المجنونة التي أدّت بالنهاية الى حادثٍ أليم أصابته بالعقم والعرج , وظنّ بأن الله عاقبه على ما فعله بصديقه .. لكنها كانت البداية !

فبعد بلوغه سن الأربعين , إضّطر للعودة الى القرية لحضور جنازة والده .. آملاً بأن تكون ليندا من بين المعزّيين , لكنها لم تحضر بعد انتقالها الى منزلٍ بعيد , على حسب ما قالته صديقتها التي حضرت العزاء
***

وبعد مرور اسبوع .. توجّه جاك الى البحر الذي فيه ذكريات طفولته , ليتفاجأ بأهالي القرية مجتمعين لحضور مسابقة القفز السنوية .. فسأل أحدهم : 
- كنت سمعت انكم ألغيتم هذه المسابقة قبل سنوات ؟
الرجل : هذا صحيح .. فقد طالبنا بإلغائها , بعد موت العديد من الفائزين الذين قفزوا من فوق الصخرة الملعونة
جاك باستغراب : الصخرة الملعونة ؟!
- نعم لكن رئيس بلديتنا الجديد لم يصدّق هذه الخرافة , ونظّم المسابقة من جديد , مُبقياً على المراسم القديمة بتسليم ميدالية المرحوم للفائز
جاك : أيّ مرحوم ؟
- مايكل .. فهو اول سبّاح مات في منطقتنا بسبب الصخرة الملعونة .. لهذا تراني أقف بعيداً عنها .. (تنهّد بقلق) ..أشفق من الآن على الفائز الذي أخاف ان يلحق بالسبعة الذين سبقوه

جاك مرتجفاً : يا الهي ! سبعة سبّاحين  
وسرَت قشعريرة في جسمه , بعد معرفته بتورّطه بمقتل أشجّع شباب قريته!  
فقال في نفسه بقلق :
((عليّ التخلّص من تلك الميدالية الملعونة حالاً !!))

والتي كانت موضوعة فوق طاولة رئيس البلدية الذي كان يتابع المسابقة عبر كاميرات التصوير... 
ففكّر جاك بسرقتها ورميها بالبحر حتى لوّ عُوقب على ذلك , قبل ان يدفع شابٌ آخر حياته ثمناً لخطئه القديم

لكن قبل توجّهه الى هناك , أوقفته امرأة قائلةً :  
- جاك ! أهذا انت ؟!
وحين تمعّن فيها , عرفها على الفور :
- ليندا !
- نعم انا .. عرفتك من وحمة وجهك , لقد كبرت كثيراً !
جاك بارتباك : وانتِ .. أقصد مازلتي جميلة !
- آسفة بشأن والدك 
- ليندا عزيزتي أكلّمك لاحقاً , لأن عليّ القيام بأمرٍ ضروري
ليندا : وانا لديّ شيءٌ مهم أقوله لك .. أترى ذلك الشاب الواقف عند حافّة الصخرة .. انه ابنك 
فقال بدهشة : ماذا ؟!

وللحظة شعر بارتياح لأنه لم يخسر بعد فرصة إحساسه بالأبوّة , لكن فرحته تحوّلت الى فزع بعد رؤيته لإبنه المراهق وهو يقفز ببراعة نحو البحر .. فصفّقت امه له بفخر , بينما أمسكها جاك بقوّة من ذراعيها وهو يعاتبها :
- لما لم تخبريني وقتها بأنك حامل ؟!!
- جاك ! انك تؤلمني
فأبعد يديه عنها , بينما أكملت غاضبةً :
- لأنني عرفت بحملي بعد شهر من سفرك !! وامك رفضت إعطائي عنوانك للذهاب اليك , لهذا إضّطررت الى تسجيله على اسم عائلتي 

فقال جاك غاضباً : 
- ولما جعلته يشارك في هذه المسابقة الخطيرة يا ليندا ؟!!
- لأنني أخبرته سابقاً عن شرطي القديم بينك وبين المرحوم مايكل .. ومنذ وقتها وهو يتدرّب في النادي ليشارك بهذه المسابقة .. (وبنبرةٍ مقهورة) ..لا تقلق عليه , فهو ليس جباناً كوالده ..وسيفوز حتماً لأنه سباحٌ ماهر
- وانا لا اريده ان يفوز يا ليندا !!!

وكان لا يزال هناك سباحين اثنين قبل إعلان النتيجة .. فأمل جاك ان يفوز أحدهما بدلاً من ابنه .. لكن هذا لم يحصل بعد انسحاب الأول , والقفزة السيئة للثاني .. ليصبح ابنه المرشّح الأقوى للفوز عن فئة الشباب المبتدئين 

وما ان أعلن رئيس البلدية فوزه , حتى انطلق جاك كالمجنون بين الحشود لمنعه من تقلّد الميدالية المسحورة
لكنه لم يصل بالوقت المناسب بسبب عرجته ! حيث شاهده من بعيد وهو يرفع يده منتصراً , فخوراً بالميدالية التي في رقبته 
لكن فجأة ! بدأ يترنّح كالسكران قرب حافّة الصخرة .. 
فصرخ والده من بعيد بفزع :
- إنتبه بنيّ !!!!

لتعلو الشهقات والصرخات بعد رؤيتهم للفائز وهو يتحطّم كالتمثال الزجاجيّ فوق الشعاب المرجانية , وسط بكاءٍ مرير لوالديه ! 

ثم إنتشلوا جثة المراهق الذي غرقت ميداليته المسحورة في أعماق البحر , بعد ان دفع روحه ثمناً لخطأ والده الذي انهار امام الجميع وهو يلعن نفسه , دون ان يدركوا تورّطه بقتل ابنه الوحيد مع سبعة آخرين من شباب القرية الذين قضوا نحبهم بسبب حقده الدفين ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...