الاثنين، 10 ديسمبر 2018

حياةٌ بلا جريمة

تأليف : امل شانوحة


لا مجرمين بعد اليوم

في عام 2050 وفي اليابان تحديداً .. تمّ إختراع رقاقةٌ إلكترونية تُزرع تحت جلد الأطفال الرضّع , داخل كبسولة تتنقّل في مجرى الدم بالجسم , ولا يمكن إزالتها حتى بالتدخّل الطبّي .. ولاحقاً أُجبرت كافة الدول المتقدّمة على إستخدامها في مستشفيات التوليد , ضمن إتفاقيات دوليّة للحدّ من الجريمة

وفي خلال 50 سنة التالية .. قلّت نسبة الجرائم حول العالم بشكلٍ ملحوظ بعد تمكّن أجهزة الأمن من ترصّد المجرمين بواسطة كاميرات مدسوسة في كل مكان : داخل إشارات المرور ولوحات الإعلانات والبنوك والمدارس والشركات والمطاعم والمنتزهات , وصولاً الى صناديق البريد وحاويات الزبالة !  

حيث يمكن لتلك الأجهزة إلتقاط الرقم التسلّسلي المُسجّل على الرقاّقة المزروعة في جسم المواطنين , ليتمّ خلال 24 ساعة القبض على مرتكبيّ المخالفات .. ممّا أغضب كبار العصابات الذين حاولوا لسنواتٍ عديدة بمساعدة أطباء يعملون لديهم وبالإستعانة بأشعة السينية (( X ray لإزالة تلك الرقاقات التي لقبوها بالجاسوسة اللعينة .. لكن بعد تعرّض الكثيرين منهم لنزيفٍ حاد أثناء تتبّع الرقاقة التي تنتقل سريعاً بالدم , رضخوا للأمر الواقع ببقائهم مراقبين على الدوام من قبل حكوماتهم ! 

ومع الوقت , تخلّى الكثير منهم عن تفكيرهم الإجرامي واندمجوا مجدداً مع مجتمعاتهم 

وهذا ما لم يتقبّله قائد عصابة التنين العنيد (تشو) الذي يرى في سرقة البنوك مغامرةٍ لا يمكنه التغاضي عنها , ممّا جعله يقضي جلّ شبابه متنقلاً بين السجون , الذي سُرّح منها السنة الفائتة .. 
***

وفي أحد الأيام .. خطرت في بال تشو فكرةً جهنّمية بعد قراءته لمقال شامل عن تلك الرقاقة التي قضت على احلام المجرمين 
فحدّث نفسه قائلاً : ((كيف لم أفكّر بهذا من قبل ! الرقاقة زُرعت بداخلنا قبل خمسين عاماً , وهذا يعني ان من عمره في الستين وما فوق لم يخضع لهذا القانون الإجباريّ))
*** 

في صباح اليوم التالي ..أرسل تشو تابعيه الشابين (المتبقيان من عصابته) الى المكتبة للبحث بين السجلاّت القانونية القديمة (بحجّة انهما طلاّب حقوق , ببطاقات جامعية مزوّرة) لإحضار لقائدهم اسماء أخطر اللصوص الذي تتراوح أعمارهم ما بين 60-75 سنة 
ومن بعدها أمضى تشو عدّة ايام لدراسة تلك الملفّات المصوّرة : حيث اكتشف ان معظم هؤلاء المجرمين ماتوا في الحرب العالمية الثالثة التي انتهت منذ عقدين من الزمن .. 

لكنه وجد خمسة اسماء للصوص محترفين سابقين مازالوا على قيد الحياة: 
1- (أراتا) وهو أصغرهم (60 سنة) لكنه يتعالج حالياً من السرطان 
2- (تاكيشي) 65 سنة , أُودع جبراً في مصحٍّ نفسي بسبب نوبات غضبه المتكرّرة 
3- (سوني) 67 سنة .. الهارب من العدالة منذ سنواتٍ طويلة , دون وجود صورة له بسبب قناعه المخيف الذي اعتاد على لبسه أثناء سرقته للأواني الفضيّة من القصور كل مساء على مدى عشر سنواتٍ متتالية , أرعبت الأثرياء الذين لقبوه بالقناع الأسود !
4- (شينجو) سُرّح من السجن الشهر الفائت لكبر سنه , بعد بلوغه سن 70 عاماً
5- و(تسوتومو) دخل طواعيةً الى دار المسنين بعد خسارة منزله بسبب إدمانه على القمار , وهو أكبرهم سناً (73 عاماً) 
وجميعهم لا عائلة لهم بسبب صيتهم السيء !
***

وبعد حصول تشو على عناوينهم .. توجّه اولاً الى الريف لمقابلة سوني الذي تذكّر عنوانه من زميلٍ له في الزنزانة كان يبيع له المسروقات الفضيّة.. 
***

ووصل اليه تشو مع عضويّ عصابته في ظهر اليوم التالي .. وكان تماماً كما توقعه : عجوزاً سيء الطباع رفض استقبالهم , رغم انه عرّفه بنفسه كقائد عصابة التنين .. حيث قال لهم ساخراً :
- قائد عصابة وليس معك سوى مرافقين ؟! 
تشو ممّتعضاً : وماذا أفعل ان كان أفراد عصابتي المئة إعتزلوا الإجرام بعد انهائهم لمحكوميتهم الأولى ؟ .. الجبناء !
العجوز : وماذا تريد مني ؟
تشو : ان تشاركني في عملية سرقة بنك , وستكون أرباحنا بالملايين  
فلمعت عينا العجوز مع ابتسامةٍ شريرة , ودعاهم الى بيته ..
***

في الداخل .. وبعد ان شربوا الشايّ الأخضر 
العجوز سوني : تفكيرك صحيح يا تشو , فجسمي خالي من تلك الرقاقة اللعينة
تشو : ولهذا اريدك ان تسرق بنكاً معيناً أخطّط لسرقته منذ شهور , وستنفّذ العملية مع اصحابك 
سوني باستغراب : أصحابي !

فأعطاه تشو اربعة ملفات .. قام العجوز بعد تفحّصها , برمي إحداها على الطاولة وهو يقول : 
- طالما (أراتا) مريض , فهو لن ينفعنا .. لكن الثلاثة الآخرين أعرفهم جيداً , فهم من أبناء جيلي وكانوا منافسين لي ..ولا اعتقد اننا نطيق بعضنا , رغم اننا لم نتقابل من قبل
تشو : لكني أظن إنهم يشتاقون مثلك لعالم الجريمة 
وإذّ بالعجوز يتوجه للباب بعد لبس معطفه , وهو يقول :
- هيا ماذا تنتظرون ؟ لنذهب اولاً الى منزل (شينجو) ..طالما انه خرج حديثاً من سجنه , فسيكون الأكثر تعطّشاً للجريمة من الباقين 
***

وذهبوا اليه , وأخبروه بخطتهم..
فرفع ساعده , ليروا فيها قطبة جراحية بطول 1 سم .. وقال لهم بحزن : 
- للأسف , لم يعدّ باستطاعتي مساعدتكم 
سوني : هل أدخلوا بك تلك الرقاقة اللعينة ؟!! 
شينجو بيأس : نعم , كيّ يعفوا عن ما تبقّى من محكوميتي في سجنهم .. فأنا كما تعلمون حوُكمت بالمؤبد لقتلي إحدى الرهائن .. لكن بما انني لم أفتعل المشاكل طوال 22 سنة في السجن , لهذا قبلت بشرطهم الأخير للخروج من ذلك الجحيم 

فوقف سوني قائلاً له : اذاً لن تنفعنا في مهمّتنا بعد ان أصبحت مراقباً , لكن رجاءً لا تفشي خطتنا لأحد
شينجو : لا تقلق يا زميلي .. أساساً لا تدري كم أنا مقهور لأنني لن أشارككم في هذه المغامرة المثيرة , فأنا متشوّق لعالم الجريمة.. لكن ليس باليد حيلة !
***

في صباح اليوم التالي .. ذهبوا الى (تسوتومو) في دار العجزة , بعد ان سمحوا لهم بزيارته بحجّة انهم أقاربه.. ثم أخبروه بجزء من خطّتهم التي تحمّس لها جداً رغم كبر سنه , قائلاً :
- اذا دعونا نفعلها الآن !!
سوني : إهدأ قليلاً .. علينا اولاً إنهاء اوراق خروجك , وكتابة تعهّد للدار بالإهتمام بك 
تسوتومو : وهل ستقبل الإدارة ذلك دون وجود رابط عائلي بيننا ؟!
فقال القائد تشو : انا محترف بتزوير الأوراق الرسمية , وقد جعلت أحد الشابين اللذين يعملا لديّ , بأنه إبنك الذي أنجبته من حبيبتك السابقة .. (وأعطاه نسخة عن هويّة الأبن المزوّرة).. هآ ما رأيك بعد ان جعلتك أباً ؟ 

وهنا دخل الشاب عليهم وهو يقول : 
- لقد أنهيت جميع الأوراق , يمكننا إخراج تسوتومو من هنا
فقال العجوز ممازحاً : نادني ابي , ايها العاقّ !!
فضحكوا جميعاً .. ثم خرجوا وهم سعداء بضمّ فردٍ جديد الى عصابتهم
***

وبعد يومين زاروا (تاكيشي) في المصحّ النفسي .. وكانوا يسمعون صراخه من خلف غرفته , بينما الممرّضات في الداخل يحاولنّ تهدئته 
ثم خرجت إحداهن وهي تقول لهم : آسفة .. يبدو انكم لن تروه اليوم , لأن إنتابته نوبة غضبٍ جديدة 
فقال لها سوني : إخبريه فقط بأن صاحبه المقنّع الأسود يريد زيارته , وسيهدأ على الفور 
الممرّضة باستغراب : المقنّع الأسود ؟!
سوني مُبتسماً : هكذا كان يلقّبني سابقاً , فأنا صديقه القديم 

وبالفعل هدأ تاكيشي ما ان سمع الإسم ! 
ثم دخلوا اليه , بعد ان طلبوا من الممرّضات الخروج من الغرفة 
تاكيشي مُحتاراً : المقنّع الأسود هو لقب أشهر لصّ قصور في أيامي , وهو تقريباً في مثل عمري .. لذا اما ان تكون انت !! او انت !! 
وأشار الى سوني و العجوز تسوتومو..
فقال سوني : بل انا !! 
تاكيشي بحماس : لطالما تمنّيت رؤيتك , فأنت المجرم الوحيد الذي لم تقبض الحكومة عليه رغم جرائمك المتعددة .. ويبدو انهم لم يلاحقوك بسبب الأشياء البسيطة التي كنت تسرقها من القصور , قبل تقاعدك  

سوني مبتسماً : اولاً .. من قال ان الأواني الفضيّة اشياء بسيطة , فقد جمعت بسببها مليونيّ ين 
الجميع بدهشة : أحقاً ! 
سوني : نعم .. هي صحيح أقل ثمناً من الذهب , لكن الأغنياء بالعادة يحبون عرضها امام زوّارهم , بعكس الذهب الذي يخفونه بخزناتهم الحديدية .. لذلك إخترتها هدفاً سهلاً لسرقاتي 
تاكيشي : ايها الماكر ! .. لقد قلت اولاً , فما النقطة الثانية ؟ 
سوني بابتسامةٍ خبيثة : انني لم أتقاعد بعد 
فلمعت عينا تاكيشي .. وأخذ يستمع اليهم بحماسٍ شديد 

وبعد ان انتهوا من سرد بعض التفاصيل البسيطة عن خطتهم الشريرة (خوفاً من وجود كاميرات) قال لهم :
تاكيشي : لكن هناك مشكلة .. كيف ستخرجوني من هنا ؟!
فقال القائد تشو : أحد رجالي مُتنكّرٌ بهويّة طبيبٍ نفسي , وهو الآن يتكلّم مع مدير المصحّ لنقلك الى مستشفى آخر مُتخصّص بنوبات الغضب 
تاكيشي : وهل الموضوع سهلٌ لهذه الدرجة ؟!

وقبل ان يُكمل كلامه , دخلت ممرّضتان وهما تقولان له :
- علينا حزم أمتعتك يا تاكيشي , لأن سيارة اسعاف ستنقلك من هنا بعد قليل
وقالت الأخرى له بلؤم : سنرتاح أخيراً من صراخك المزعج
***  

وكان الأمر أشبه بالخيال بعد ان قام الشاب (عضو عصابة التنين) مع صديقه : المتنكران بهيئة طبيب وممرّض .. بنقل تاكيشي في سيارة إسعاف , بعد ان ربطا يديه داخل سترة مخصّصة للمجانين! 
حيث أوصلاه الى كوخ سوني الريفيّ بعد ان أخفوا السيارة في مرآبه .. وهناك أزالوا عنها المصابيح الملونة , واسم (الإسعاف) التي كانت عبارة عن لاصقٍ رخيص طبعوه من الحاسوب !

تاكيشي وهو يحتفل معهم بالكوخ : ولما لم تسرقوا بالفعل سيارة إسعاف ؟!
تسوتومو : لأن الأمر أصبح مستحيلاً مع وجود الكاميرات في كل شوارع البلدة .. لذلك اشترينا سيارةً مستعملة , مع أنوار سيارة اسعاف قديمة محطّمة من سوق الخردة ..
تاكيشي : تفكيرٌ جيد ..والآن أخبروني بتفاصيل خطّتكم لسرقة ذلك البنك ؟
سوني : يبدو انك متحمّس لجريمتك التالية ؟
تاكيشي مبتسماً إبتسامةٍ خبيثة : وماذا أفعل ان كانت الجريمة تمشي في عروقي !
تسوتومو بغيظ : جميعنا كنّا كذلك , قبل إختراع تلك الرقاقة اللعينة!! 

وهنا فتح تشو خريطة الطرق وهو يقول : أتركونا الآن من موضوع التكنولوجيا , وركّزوا معي على الخريطة .. ففي هذه المنطقة الصغيرة يوجد فرع لأحد البنوك ..
تاكيشي مقاطعاً : يبدو انه بنك لأهالي القرية الفقراء !
تشو : نعم لكنه الوحيد في هذه المنطقة , لذلك جميع أهالي القرى المجاورة يضعون أموالهم فيها 
سوني : حسناً , إكمل الخطة يا تشو 

تشو : وقد استطاع رجالي إقناع حارسهم الأمني بالذهاب معهما الى البار .. ومن ثم حرصا على جعله في حالة سكر .. وحينها أخبرهما بأنه سيتمّ إغلاق البنك قريباً , وبأنهم سينقلون المال الى فرعه الآخر في المدينة  
تسوتومو باهتمام : ولماذا ؟!
تشو : لأن مخزنهم أصابه العفن بسبب الأمطار الغزيرة , فهو مبنىً قديم .. ولخوف الإدارة على اوراقهم الرسمية من التلف , قرّروا إغلاقه نهائياً ..ومن خلال مراقبة رجالي لهم على مدى الشهور الماضية , وجدنا انهم دائماً يتخذون الطريق الفرعي لنقل أموالهم وملفّات عملائهم 
تاكيشي : أتقصد انهم يمرّون فوق جسر النهر الحديدي ؟

تشو : نعم , وبتلك اللحظة بالذات نقوم بتنفيذ المهمّة .. فعلى حسب معلوماتي لا يوجد رجال شرطة بتلك المنطقة , وأقرب مركزٍ لهم يحتاج الى ساعة للوصول اليهم 
فيكمل عنه تسوتومو : ونكون نحن بهذا الوقت هربنا بالمال 
تاكيشي بحماس : اذاً أنا من سيقود سيارة النقل بعد سرقتها , فأنا خبير بهذا الأمور
سوني ممازحاً : بالتأكيد انت !! فلطالما شيبت رؤوس الشرطة في محاولتهم اللحاق بك , ايها المتهوّر المجنون ! 
فضحك تاكيشي بفخر : كنت ولا أزال مجنوناً .. لكن علينا التخطيط جيداً للموضوع , فأنا لا أنوي إمضاء بقيّة عمري في السجن
سوني : وانا بالطبع لن أُنهي مسيرتي الإحترافية بالوقوع في الأسر 
تسوتومو : وانا مثلكم , فنحن كبرنا على تلك الحياة الذليلة

تشو : اذاً اسمعوني جيداً .. أنا والشابين للأسف لا نستطيع الإشتراك معكم , بسبب الرقاقة التي دسّوها بداخلنا منذ طفولتنا ..
سوني : نعرف هذا , لذلك اخترتنا للمهمّة.. فقلّ ما المطلوب منّا بالضبط ؟
فبدأ تشو يُخبرهم بتفاصيل السرقة , وهم يستمعون له بكل اهتمامٍ وتركيز
*** 

وفي اليوم المحدّد .. خرجت شاحنة النقل من البنك باتجاه فرعها الآخر , بعد ان وُضعت بداخلها كامل نقود الخزينة .. وذلك بعد تسريح موظفينها بعد أخذهم لرواتب تقاعدهم , الا ان بعضهم فضّل الإنتقال للعمل في فروع البنك الأخرى .. 
وكان المدير هو آخر من خرج من البنك (بعض إقفاله للأبد) مع الحارس الأمني , اللذان ركبا الحافلة المتوجهة للمدينة .. 

وكانا لا يشعران بالقلق , فالجريمة انعدمت في دولتهم منذ سنواتٍ طويلة بفضل الرقاقة السحريّة .. 
وامضيا الوقت بأكل الدونات وسماع الموسيقى , وهما يستمتعان بمناظر القرية لآخر مرة .. 

لكن إنتابهما الرعب , حين أوقفهما شرطي يركب درّاجةً ناريّة ! وقد لاحظا كبَرَ سنه , دون ان يعلما بأنه المجرم سوني المطلوب من العدالة ..والذي أخبرهم بأن هناك تهديداً وصل لمخفره باحتمال وجود متفجّرة داخل شاحنة النقل ..

واثناء مناقشته معهما , كان تسوتومو وتاكيشي قد خرجا من السيارة المتوقفة في الغابة القريبة .. ليُسرع تسوتومو (الذي رغم كبر سنه , الا انه يتمتع بلياقة بدنية جيدة بسبب إتقانه لرياضة اليوغا) بالنزول اسفل الشاحنة المتوقفة , ليضع فيها قنبلةً دخانية

بهذه الأثناء كان حارس البنك يرفض تفتيش الشرطي للشاحنة قائلاً: 
- يبدو انها إخباريةٍ كاذبة , فأنا قمت بتفتيش الشاحنة بدقّة قبل وضع المال فيها 

لكن فجأة ! صرخ الشرطي سوني بعلوّ صوته : 
- دخان !! انها ستنفجر , إقفزا الى النهر فوراً 
وما ان شاهدا الأدخنة تخرج بكثافة من تحت الشاحنة , حتى قفزا بهستيريا من فوق الجسر الى النهر 

ليُسرع تاكيشي بالصعود الى الشاحنة وينطلق بها كالمجنون , مُبتعداً عن المكان .. ويلحق به سوني بدرّاجته الناريّة , وتسوتومو من خلفهما بسيارته
وقبل ان يستوعب مدير البنك وحارسه ما حصل , كان المجرمون ابتعدوا بشاحنة المال الى مكانٍ مجهول !
***

وحين حضرت الشرطة .. قال المحقّق لمدير البنك :
- لا تكن شاحب الوجه هكذا , فسنقبض عليهم من خلال شرائحهم الإلكترونية قبل حلول المساء .. إطمئن يا رجل 
فقال حارس البنك : لكن الشرطي الذي أوقفنا كان كبيراً في السن
فانتاب المحقق القلق : أقلت عجوز ؟! هذه مشكلة
***

وبالفعل لم تلتقط الأجهزة الموضوعة على جنبات الجسر أيّةِ ارقامٍ تسلّسلية للرقاقات , فعلم المحقق ان منفذيّ الثلاثة للجريمة هم فوق سن الخمسين ! 

ورغم ان الكاميرا الوحيدة الموجودة في المكان إلتقطت جانباً من وجه الشرطي , حيث كانا الآخرين مقنّعان .. لكنهم لم يستطيعوا الإستفادة من هذه المعلومة , لأنه لم يظهر في ملفّات المجرمين تطابقاً مع هذه الصورة .. كما ان السيارة والدرّاجة الناريّة كلاهما أُزيلت لوحاتهما الرقمية أثناء العملية .. ممّا وضع صاحب البنك في أزمةٍ حقيقية امام العملاء الذين سُرقت اموالهم التي تحت عهدته !
***

من جهةٍ أخرى وفي الكوخ القرويّ .. كان رجال العصابة يحتفلون بانتصارهم , وهم يتقاسمون المال بينهم
فسأل أحد الشابين سوني : ألست خائفاً من القبض عليك ؟ فهم رأوا وجهك 
سوني بثقة : لا , لأنه ليس لديهم ملفّاً إجرامياً عني .. فهل تظنهم سيبحثون بين عجائز القرى المجاورة ؟
تشو : برأيّ عليك الهرب من هنا , فقد يشاهد أحد افراد قريتك صورتك بالإنترنت ويبلّغ عنك 
تسوتومو بقلق : صحيح , خاصة في حال وضعوا جائزةً مالية للقبض عليك

سوني : ومن قال انني لن أفعل .. فأنا بعد أخذ نصيبي , سأسافر بالقطار الى البلدة المجاورة .. ومن هناك سأسافر بطائرةٍ شراعية الى جزيرتي 
تاكيشي باستغراب : جزيرتك ؟!
سوني : نعم , فبهذا المال استطيع شراء جزيرةٍ صغيرة , في الفلبين او اندونيسيا مثلاً .. فلطالما حلمت بالعيش وحدي في جنّتي .. ماذا عنك ؟
فأجابه تسوتومو : ربما أتزوج 
فضحكوا عليه قائلين : أبهذا العمر ؟!
تسوتومو : ولما لا .. وقد أختارها صبيّة ايضاً , فبهذا المال لا شيء مستحيل 
فقال له أحد الشابين : لا استغرب ان فعلت , فمعظم النساء هذه الأيام لا يهمّهم سوى المال والثروة 

تاكيشي : اما انا , فسأفتح نادي ملاكمة .. 
سوني ساخراً : لا غرابة , فأنت عصبي وتعشق الألعاب الوحشيّة
تاكيشي مبتسماً : ولا تنسى انني مجنونٌ ايضاً 
وضحكوا جميعاً .. 
***

وفي تلك الليلة .. أمضوا سهرتهم الأخيرة الممتعة قبل ان يتفرّقوا للأبد , بعد ان أخذ كل واحدٍ منهم نصيبه من الثروة , غير آبهين بإعلان البنك لإفلاسه , الذي أحدث غضباً عارماً بين عملائه الذين أثاروا الشغب بالطرقات على مدى اسابيع .. في الوقت الذي كان فيه المجرمون الستة يسافرون حول العالم مستمتعين بثرواتهم التي لطالما حلموا بها , مُتحدّيين بذلك التكنولوجيا التي فشلت بالكشف عن جريمتهم , التي عُدّت آخر جريمة لم تحلّ لغزها في العالم الحديث !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...