الجمعة، 9 نوفمبر 2018

الملكة الحقودة

تأليف : امل شانوحة

اريد جمالاً أبديّ !!

في القرن 18 , وفي قريةٍ صغيرة تسكنها النساء بعد ان خسرنّ رجالهنّ في حربٍ دامية مع اهل المدينة قبل سنوات .. 

وفي صباحٍ مشمس من ذلك الصيف .. وبعد مرور سنة على معاناتها مع التلعثم , استطاعت الصبية أخيراً النطق بشكلٍ سليم , ممّا فاجأ والدتها ! ..حيث كانت تُعرف سابقاً بفصاحة لسانها الذي جعلها خطيبة الحفلات السنوية , ولهذا ظنّت بأنها أُصيبت بعينٍ قوية أفقدتها موهبتها وحوّلتها الى إنسانةٍ إنطوائية .. 

لكن مصيرها تغير هذا الصباح بعد ان أخرجت من فمها شعرةً سوداء طويلة , أشبه بالحبل الرفيع عُقد بها لسانها ! ..وحين أرتها لأمها شهقت الأخيرة قائلةً :
- يبدو انكِ كنت مسحورة يا ابنتي ! لكنه إنفك الآن , وعاد نطقك سليماً كالماضي 
وشكرت الربّ على إنقاذ ابنتها من ذلك السحر , المجهولة صاحبته!
***

في نفس اليوم وفي مكانٍ آخر من القرية .. إستيقظت صبية أخرى فجراً بعد ان أُصيبت بنزيفٍ في أنفها .. وأثناء تنظيفه , خرجت قطعة قماش ملوّنة من أنفها .. وحين نظرت الى المرآة , تفاجأت به وقد صغِرَ حجمه ! بعد ان كانت تُعرف بالقرية بصاحبة الأنف الرجوليّ , ممّا ضاعف من جمال وجهها الملائكيّ البريء ..
***

في مطبخ منزلٍ آخر .. وقفت فتاة قرب والدتها لصنع القهوة الصباحية لتجد نظرات الدهشة في عينيّ امها , فسألتها :
- لما تنظرين اليّ هكذا يا امي ؟!
- لقد طولتي !
- ماذا ؟

وبالفعل ازداد طولها فجأة 15 سم , حيث صارت أطول من امها بعد ان كانت تُعدّ أقصر صبايا القرية !
فسألتها امها : هل تناولتي دواءً البارحة ؟
- حتى لو فعلت امي , ما هذا الدواء السحري الذي يُطيل قامتي بهذه السرعة !
- اذاً مالذي حصل لك ؟!
ابنتها : لا ادري .. لكني البارحة حلمت بأنني أخلع ثوباً أسود كريه الرائحة
الأم بدهشة : وهل كنت مسحورة ؟!
ونظرا لبعضهما باستغراب !
***

والأمر تكرّر مع معظم صبايا القرية , حيث عدنَّ جميعاً فاتنات كما كنّا في السابق ! وتجمعنّ في الساحة لتروي كل واحدة قصة تحوّلها المُفاجىء للأخرى ..
- كلامك صحيح , أنظرنّ الى شعري .. لقد عاد لمعانه ونعومته هذا الصباح ! 
- وانا !! تمعّن في عينيّ , لقد عاد بريقهما الجميل الذي اختفى منذ سنوات
- وانا لاحظت بأني استردّيتُ قوة ذاكرتي بعد معاناتي الطويلة مع النسيان , هل تذكرنّ ؟
- نعم , فقد كنّا نلقبك بذاكرة السمكة .. لكن مالذي حصل لنا ؟! هل هو عطاءٌ ربّاني نزل على قريتنا تحديداً ؟

وهنا انقطع حديثهنّ بعد وصول امرأة معروفة بنقلها لأخبار القرية , قائلةً بصوتها الجهوريّ :
- عاجل !! هناك خبرٌ عاجل !!
فتجمّعنّ حولها , ليسألوها عما حصل .. فقالت :
- لقد انتحرت ملكتنا هذا الصباح 

واندهشت النسوة من الخبر ! حتى ان بعضهنّ أنكرنه ..حيث قالت إحداهن: 
- ولما تُقدم امرأة في مثل جمالها وثرائها وذكائها على الإنتحار دون أيّ سبب ؟!
فقالت إحدى الصبايا : بالفعل ..فهي كانت تبدو أجمل من بنات جيلي , رغم انها بعمر جدتي !
فقالت امرأة : أسنظلّ نتكلم هكذا ؟ هيا نذهب الى قصرها لندفنها بشكلٍ لائق 
***

وحين وصلنّ الى ساحة قصر الملكة .. لم يجدنّ الا امرأة عجوز شمطاء بشعرٍ أبيضٍ مجعّد , مشنوقة هناك .. 
وحين فتشنّ القصر , لم يجدنّ فيه أحد ! 
فعدنّ وتجمّعن حول الجثة , بعد ان قطعنّ الحبل حول رقبتها .. ولم يتأكدنّ انها الملكة الا من مجوهراتها التي تلبسها ..
- كيف هذا ؟ كيف تتحوّل امرأة جميلة الى عجوز في يومٍ وليلة ؟!
فقالت صبية : تماماً كما تحوّلنا نحن الى فتياتٍ جميلات بهذا الصباح 

وهنا اقتربت منهنّ امرأة عجوز (كانت قدمت الى قريتهنّ العام الماضي)  وقالت بعد ان عاينت الجثة : 
- إحرقوا هذه الساحرة الى ان يتحوّل جسدها رماداً , لتنتهي لعنتها عليكنّ للأبد
فانصدمنّ جميعاً من رأيها الوحشيّ ! 
فعادت لتشرح كلامها :
- طالما انها عادت الى هيئتها الأصلية , فهذا يعني انها سحرت بناتكنّ لتستولي على ميزة كل واحدة منهنّ ليزداد جمالها .. انت مثلاً !! الم تهنئكِ الملكة بنفسها على خطابك القوي الذي ألقيته في حفل السنة الماضية ؟

فأجابت الصبية بعد ان تحسّن نطقها : نعم .. حتى انها صبّت لي العصير بنفسها .. وأذكر انها أصرّت على إعداد العصائر للحفل السنويّ
العجوز : بالطبع بعد ان أذابت فيهم السحر , وبذلك إستبدلت فصاحة لسانك بتلعثمها
ام الصبية بدهشة : بالفعل ! ابنتي من يوم الحفل إنربط لسانها , بينما اللعينة إنهالت علينا بخطاباتها القوية طوال هذه السنة 
العجوز : وماذا عنكِ ؟ الم يزداد الشيب في رأسك فجأة , رغم انك صغيرة في العمر ؟
الفتاة : نعم , وظننت بأنني أصبتُ بالعين ! لكني تذكّرت الآن كيف ان شعر الملكة ازداد جمالاً بعد حفلة السنة الماضية , رغم انها كانت معروفة بشعرها المجعّد الخشن 

فتساءلت امرأة : هل كانت تمتصّ طاقاتنا ؟!
العجوز : أظن ذلك , وبموتها عاد كل شيءٍ مكانه .. وشكلها البشع الذي ترونه الآن هو شكلها الحقيقي دون تلك الأسحار 
فصرخت إحدى الأمهات بغضب : دعونا نحرق هذه اللعينة !! 
ثم ربطنّ جثتها على الخشب , وشاهدنها وهي تحترق .. 

وما ان تحوّلت جثة الملكة الى رماد , حتى سقطت أجسادهنّ جميعاً موتى من حولها !

وهنا تحوّلت العجوز الى هيئتها الحقيقية كملكةٍ فاتنة .. واقتربت من رماد الجثة قائلةً : 
- أشكرك يا مشعوذة المدينة على نصيحتك .. فبحرقهنّ لجسدك الشيطاني إستطعتُ الإستيلاء على أعمارهنّ , وبذلك لن أموت الا بعد سنواتٍ طويلة او حتى قرون ..

وأطلقت ضحكة مجلّجلة تردّد صداها في ساحات القرية الخالية التي تُنذر بسنوات وحدةٍ قاتلة لن يُشفي غليل قلبها الحقود ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...