السبت، 3 نوفمبر 2018

العقاب الأخلاقي

تأليف : امل شانوحة


سأربّي الجميع !!

إنفجر إطار سيارتها على بعد امتارٍ من محطة البنزين القريبة من الغابة .. وحين اتصلت بزوجها , وجدت جواله مغلقاً .. وباتت محتارة بين أمرين : اما ان تتصل بميكانيكي يُصلّح لها العطل , وهذا يعني ان عليها الإنتظار طويلاً قبل قدومه .. او ان تترك سيارتها وتمشي في هذا الظلام وحدها الى ان تصل للمحطة .. 

في هذه الأثناء .. سمعت طرقاً على نافذة سيارتها الخلفية ..ورأت رجلاً مشرّداً بلحيةٍ كثيفة يقترب منها , ممّا أثار الرعب فيها .. 
فصرخت عليه بغضب :
- إذهب من هنا !! سأقتلك ان اقتربت مني
ووضعت يدها داخل حقيبتها (التي كانت فارغة الا من ادوات الزينة) لتُوهمه بأن داخلها سلاح.. 

فقال مبتسماً : يبدو انك في ورطة .. فهل تريدينني ان أبدّل لك الإطار المثقوب ؟ 
فأجابت بدهشة : ماذا ! ..نعم رجاءً
- اذاً افتحي لي الصندوق كيّ أخرج الإطار الإضافي 
- المشكلة انه ليس عندي إطارٌ ثاني
- اذاً تعالي أوصلك الى بيتك بدرّاجتي الناريّة 
فأجابته بقلق : لا ! شكراً لا اريد 
- أظنك خائفة مني , مع انني بعمر والدك ! .. لا بأس .. أعطيني بعض المال , لأن الإطار الجديد يُكلّف كثيراً 
- لحظة , سأفتّش حقيبتي .. مع انه ليس معي الكثير 

وقد إضّطرت للوثوق به لأنه ليس لديها حلٌ آخر .. ومع ذلك كان ينقصها بعض المال , فقال لها العجوز بعد ان عدّ المبلغ الذي أعطته إيّاه :
- مازال ينقصك 20 دولار 
السيدة : ليس معي غيرهم .. صدّقاً
العجوز : حسناً لا بأس
وأفرغ ما في جيب معطفه العسكري المُهترىء من عملاتٍ واوراقٍ نقدية قديمة , فوق مقدّمة سيارتها..

وبعد ان عدّها , إقترب منها : 
- هآقد إكتمل المبلغ الآن .. سأزيل الإطار القديم , ثم أذهب للمحطة وأحضر لك واحداً جديداً.. حاولي ان تُبقي الأبواب والنوافذ مغلقة , فهذا الطريق عادةً يمرّ به مُدمنيّ المخدرات 
ثم ركب دراجته الناريّة القديمة وهو يحمل الدولاب المثقوب , مُتوجّهاً للمحطة التي يظهر نورها من بعيد..

بهذه اللحظات .. فكّرت السيدة في نفسها : 
((ياله من رجلٍ شهم , أعطاني كل ما يملكه لينقذني من هذه الورطة ! لابد ان أشكره لاحقاً))
***

بعد مضيّ بعد الوقت .. تفاجأت السيدة بشابين يقتربا من سيارتها , وهما يضحكان من أثر السِكر !
فقال أحدهم وهو ينظر اليها من خلف النافذة المغلقة : 
- امرأة جميلة لوحدها ! تعال يا صديقي لنُخرجها ونتسلّى بها قليلاً

وبدآ يحاولان كسر النافذة بالأحجار , والمرأة في الداخل تصرخ برعب .. وحين استطاع أحدهما كسر النافذة الجانبية .. مدّ يده ليسحبها , لكنها قاومته بكل قوتها

وفجأة ! سمعا صرخة المشرّد من بعيد !! بعد ان عاد بدراجته وهو يحمل الإطار الجديد.. 
- هاى انتما !!! ماذا تظنّان أنفسكما فاعلين ؟!!
فقال أحدهما : إذهب من هنا ايها العجوز , فنحن وجدناها قبلك

وإذّ به يهجم عليهما كالمجنون ! ويضربهما بإحترافية وكأنه يتقن بعض الحركات القتالية , حيث استطاع بسهولة التغلّب عليهما بسبب سكرهما 
وبعد إصابتهما برضوض , هربا من المكان وهما يتوعدانه بالإنتقام 

ثم اقترب المشرّد منها :
- اهدأي يا امرأة وكفاكِ بكاءً , فقد ذهبا للجحيم .. والآن دعينا لا نضيّع الوقت .. سأبدّل لك الإطار لتعودي سريعاً الى منزلك .. وحاولي أن لا تخرجي في المساء وحدك ثانيةً , يا ابنتي 

وبعد ان انتهى .. شكرته السيدة بعد ان عرفت إسمه وقامت بتصويره بجوالها .. ثم انطلقت مُسرعة الى بيتها
***  

في اليوم التالي .. تفاجأ الزوج (الذي كان يعمل في ورشة بناء , طوال الليل) بعد عودته الى منزل , بزجاج سيارة زوجته مُحطّماً ! فدخل غرفتها ليجدها نائمة .. وحين أيقظها , أخبرته بما حصل..فقال لها :
- الحمد الله انك وجدت ذلك الشهم , عزيزتي 
الزوجة : لقد أعطاني كل ما يملكه يا مارك , وعلينا شكره 
- حسناً سأجده , وأردّ له العشرين دولار
- لا يكفي هذا , فالسيد جوني عرّض نفسه للخطر من أجلي .. ويجب ان نجمع له مبلغاً يكفيه لإستئجار غرفة , بدل نومه في الشوارع
- كيف يا كيت , وانا مجرّد نجار وانت موظفة استقبال في وزارة النقل ..وراتبنا بالكاد يكفينا لدفع الفواتير
ففكّرت قليلاً قبل ان تقول : ما رأيك ان نستخدم مواقع التواصل الإجتماعي؟ 
زوجها : تقصدين ان نستعطف الناس بعد ان نخبرهم ببطولته ؟
- نعم لنحاول وربما ننجح , طالما ان نيتنا إنقاذه من بؤسه
***

وبالفعل !! أطلقت كيت مكلور وزوجها مارك داميكو حملة جمع تبرعات للمشرّد جوني بوبيت الذي آثارت قضيته ضجّة في وسائل التواصل الإجتماعي..حتى وصلت التبرعات الى مبلغ 400 الف دولار لمساعدته في تحسين ظروف حياته
***

بعد شهر .. إلتقى أحد الشباب بالصدفة بالرجل العجوز قرب المحطة , وعرفه من معطفه العسكري .. فسأله :
- أمازلت في الشارع بعد حصولك على تلك الثروة يا رجل ؟!
المشرّد باستغراب : أيّةِ ثروة ؟ انا لا أملك شيئاً !

فأراه من جواله ردود الناس على بطولته وشهامته التي قام بها مع تلك السيدة التي جمعت له الكثير من التبرعات لمكافأته..  
فقال العجوز غاضباً : كنت مستاءً منها , لأنها لم تردّ لي 20 دولار كما وعدتني.. ولم أدري انها كسبت الكثير من ورائي !
- عليك ان تجدها وتستردّ حقك منها ولوّ بالقوة .. وبدوري سأخبر الجميع بالفيسبوك إنها نصبت عليك وعلينا جميعاً ..

وابتعد الشاب بسيارته تاركاً العجوز يستشيط غضباً , فهو ليس معه ما يكفي لشراء طعام يومه , بينما تلك السيدة تهنأ مع عائلتها على حسابه ..
فقال في نفسه بغضب :((جيد انني أصرّيت تلك الليلة على مرافقتها بدراجتي , وعرفت عنوان منزلها .. والله سأعلمها درساً لن تنساه!!)) 
***

في مكانٍ بعيد عن المنطقة .. كان السيدة كيت وزوجها مارك في رحلة إستجمام لثلاثة ايام , بعد ان أخذا عطلة من عملهما ووضعا ابنهما عند جدته .. 
وفي احدى الكازونيهات وأثناء مراهنة كيت على لعبة الزهر , تقدّم منها النادل ومعه قصاصة ورق :
- هناك رجلٌ عجوز طلب مني ان أعطيك هذه الملاحظة
وكان فيها : ((هل تراهنين بمالي ؟ العشرون دولار ان كنت تذكرين ؟))
فالتفتت بارتباك في أرجاء الكازينو , لتلمح المشرّد وهو ينظر اليها بحنق من خلف زجاج المحل .. 

فأسرعت لزوجها المُنشغل بالمقامرة على طاولةٍ أخرى , وهمست له :
- مارك ..دعنا نذهب من هنا فوراً 
- لماذا ؟!
- المشرّد الذي أخبرتك عنه , انه يلاحقنا .. انظر ما كتبه لي
وبعد ان قرأ الملاحظة .. 
مارك : أمتاكدة انه هو ؟
كيت : لقد رأيته قبل قليل وهو يراقبنا , ونظرته أخافتني بحقّ ! أظنه يعلم بشأن التبرعات .. لذا دعنا نعود سريعاً الى بيتنا , فأنا خائفة على ابننا 

وبعد ان أنهى القمار , قال لها جانباً بعصبية : 
- هذا خطؤكِ , ما كان عليك ان تسمحي له بمرافقتك الى منزلنا ؟!!
- قال بإنه سيحميني في حال لحقتنا العصابة من جديد .. فما كان يدريني بأنه سيكون رجلاً مريباً هكذا !
مارك : برأيّ علينا ان لا نصرف المزيد من مال التبرعات , فقد نضّطر للإنتقال الى منزلٍ جديد هرباً من ذلك المجنون الخرِف 
فأومأت برأسها موافقة .. 
ثم قطعا إجازتهما وعادا سريعاً الى منزلهما ..
***  

بعد ايام .. وصلت حافلة المدرسة لتتوقف قرب منزل جيرانهم , وتنزل منها فتاةٌ صغيرة .. فنادتها كيت من بعيد بقلق :
- اين دونالد يا ماري ؟!!
فردّت الصغيرة : أراد ان يلعب الكرة مع أصدقائه , فلم يصعد معي الى الحافلة
وهنا فتحت ام الطفلة الباب ونادت عليها : 
- ماري !! أدخلي الى المنزل , ولا تتكلمي مجدداً مع هذه اللصّة
فصعقت كيت ممّا سمعته ! وسألت جارتها بدهشة : ماذا قلت ؟!
فقالت لها الجارة بلؤم : لقد علمنا بسرقتك لمال العجوز المسكين ..والجميع يتحدّث عن نذالتك في وسائل التواصل الإجتماعي .. 
كيت بصدمة : أحقاً ؟!
وابتعدت الجارة عنها وهي ترمقها باشمئزاز ..
فقالت كيت في نفسها بقلق :
((يا الهي ! كان ينقصنا الفضيحة الإعلامية)) 

ثم أسرعت نحو سيارتها للذهاب الى مدرسة ابنها التي تبعد كثيراً عن بيتها .. وقبل تشغيل المحرّك , شاهدت من بعيد شيئاً أرعبها للغاية .. فقد رأت المشرّد وهو يوصل دونالد (9 سنوات) بدرّاجته الناريّة !
وما ان نزل ابنها من فوق الدرّاجة حتى ركض باتجاه المنزل , غير آبهٍ بنداءات أمه ! 

فتوجهت نحو العجوز بغضب :
- إيّاك ان تقترب من عائلتي ثانيةً , أفهمت ؟!!
فأجابها بهدوء : لا تعاتبي ابنك على ركوبه معي , فأصدقائه رفضوا اللعب معه بعد ان وصفوه بإبن اللصوص .. وحين وجدته حزيناً هكذا , أوصلته الى هنا بعد ذهاب حافلة المدرسة .. (ثم لبس خوذته) ..والآن عليّ الذهاب .. لكن لا تقلقي , سنلتقي قريباً لنُكمل حديثنا الشيّق .. 

وبعد ذهاب العجوز .. دخلت الأم غرفة ابنها غاضبة , لتجد معه كيساً من الحلوى ..
فسألته بقلق : هل اشتراهم لك العجوز ؟
فأومأ برأسه ايجاباً وهو مازال يلعق المصّاصة , التي سحبتها من فمه بقوة ورمتها في الزبالة مع بقيّة الحلوى .. 
فبكى الولد بعصبية :
- الا يكفي ان أصدقائي يكرهونني بسببك !! والآن تحرميني من ..
الأم مقاطعة وبحزم : دونالد !! لا اريدك ان تتحدّث مع الغرباء , او أن تأخذ شيئاً منهم ثانيةً .. أفهمت ؟!!
ثم خرجت من الغرفة , تاركةً الصبي يبكي بقهر ..
*** 

وقد أخبرت زوجها مساءً بما حصل , فتنهّد بقلق :
- وهآقد بات اللعين يعرف مدرسة ابننا ايضاً ! 
زوجته : الأسوء انني وجدت هذه الورقة في حقيبة ابني قبل قليل 
وكان بها : ((أمازلتما تستمعان بمالي ؟))
مارك : علينا إعادة 20 دولار له بأسرع وقت .. أمازلتي تذكرين مكانه ؟ 
- نعم في الغابة القريبة من المحطة .. لكن لا تذهب الى هناك في هذا الوقت المتأخر , دعها في يومٍ آخر .. او في يوم عطلتنا , كيّ أدلّك على مكانه بنفسي 
***

في مساء اليوم التالي , وأثناء تناولهم العشاء في المطعم .. تفاجأ الأبوان بإبنهما يلوّح لأحدهم من نافذة المحل !
الأم : هل رأيت صديقك في الخارج ؟
الولد : لا رأيت ذلك العجوز , فسلّمت عليه
فسألته امه برعب : أين ؟!
الولد : مرّ قبل قليل بدرّاجته , الم ترياه ؟! 
فنظر الوالدان لبعضهما بخوف ..وأسرعا بالعودة الى المنزل , ليتفاجئا بدهانٍ أحمر على باب منزلهما مكتوباً عليه :
((اريد مالي ايها اللصوص !!!)) 
وبعد ان أدخلا ابنهما الى غرفته , قال لزوجته :
- لن انتظر أكثر .. سأذهب الآن للبحث عنه
- اذاً دعني أتأكّد من نوم الولد , ثم نذهب سويّاً
*** 

وفي منتصف تلك الليلة .. وصل الزوجان الى الغابة , ليجدا المشرّد نائماً قرب درّاجته بعد إفتراشه الأرض بالكراتين .. 
فأيقظه مارك بعد ان رمى في وجهه العشرين دولار , وهو يقول له باشمئزاز :
- إمسك !! هذا مالك .. وإيّاك ان تقترب من عائلتي مجدّداً !!
فوضع المشرّد المال في جيبه وهو يقول : تمام .. هذه هي 20 دولار .. ويتبقّى لي معكم : 399 الف , و980 دولار
كيت بدهشة : ماذا ؟!
المشرّد : هل تظناني أحمقاً ؟ اريد كل مبلغ التبرعات , فالناس دفعوها لي وليس لكم .. والاّ !!
مارك : والا ماذا ؟ اساسا لوّ أعطيناها لك لصرفتها كلها على المخدرات
العجوز : ومن قال انني مُدمن , انا ظابطٌ عسكري قديم .. الا ترى؟
وأشار الى معطفه..

مارك : أتريدنا ان نصدّقك ايها الخرِف .. فربما حصلت على هذا المعطف من محل للملابس المستعملة , او في حاوية الزبالة 
المشرّد : أفهم من كلامك أنك لن تردّ لي مالي ؟ 
فقالت كيت له بتحدّي : إذهب للقضاء ان أردّت , فنحن لن نعطيك شيئاً
العجوز بنبرة تهديد : لا لن أبلّغ عنكما , لكني أعدكما ان تندما كثيراً على سرقة أموالي 
مارك بعصبية : إيّاك ان تهدّدنا ثانيةً ايها العجوز !! فمال التبرعات صرفناه بالكامل , ولا شيء لك معنا

المشرّد وهو ينظر الى سيارتهما : نعم , أرى ذلك بوضوح .. هل اشتريت سيارة جديدة , سيد مارك ؟ هذا عدا عن الإصلاحات التي قمتما بها الفترة الماضية , فقد كنت الاحظ عمّال الصيانة كلما مرّرت من امام منزلكم .. ولا ننسى رحلة الإستجمام .. لذا برأيّ ان نحل المشكلة بيننا ودّياً 
كيت : وكيف ؟ 
العجوز : ما رأيكما ان أبيت الليلة عندكم ؟ فالجوّ بارد كما تلاحظان
مارك بنبرة تهديد : حاول ان استطعت !!
كيت من داخل السيارة : مارك !! أترك المجنون بحاله .. ولنذهب من هنا 
وعادا متضايقين الى البيت , وهما يشعران بالقلق من تهديدات العجوز المجنون !
***

ومع فجر تلك الليلة .. إستيقظ الزوجان على صراخ الجيران , ليتفاجئا بسيارتهم الجديدة تحترق ! فعلما بأن المشرّد هو من قام بذلك .. فوضعا ابنهما في منزل الجدة , وأسرعا الى المخفر للتبليغ عنه.. 
لكن رجال الشرطة لم يجدوه في العنوان الذي دلّتهم عليه الزوجة , فعمّموا صورته الموجودة بالفيسبوك على مراكز الشرطة ..
وعاد الزوجان قلقين الى بيت الجدة لأخذ ابنهما من هناك 
*** 

وفي منزل الجدة , إنفجرت الأم غاضبة : 
- ماذا قلتِ ؟ كيف تركتِ ابني يذهب مع رجلٍ غريب يا امي؟!!
الجدة : هو رجلٌ كبير في السن , أتى بعد ذهابكما ومعه أفطارٌ لذيذ وأخبرني بأنه صديقكم .. كما ان دونالد عرفه , وذهب معه لشراء الحلوى 
فأرتها كيت صورته من جوالها , وهي تسألها بقلق :
- هل هو هذا الرجل ؟
امها : نعم
كيت بعصبية : امي !! هذا هو نفسه الرجل المخيف الذي أخبرتك عنه ..أكيد خطفه الآن

وقبل ان يتصل زوجها بالشرطة , عاد الولد سعيداً الى منزل جدته وهو يحمل كيساً مليئاً بالحلوى..
فسأله والده : اين العجوز ؟!! 
الولد : لقد ذهب الى بيته بعد ان أوصلني 
امه معاتبة : الم أقل لك ان لا تأخذ شيئاً من الغرباء ؟!! هاتها من يدك !!
لكن هذه المرة لم يسمح لها ابنها برمي الحلوى , وصرخ قائلاً :
- هذه الحلوى لي !! فهو أخبرني بأن باستطاعتي شراء ما اريده , بقيمة 20 دولار 
الأب بغضب : اللعنة على تلك 20 دولار !! 

وفي طريق عودتهم الى المنزل .. كان الولد منهمكاً بأكل الحلوى , غير آبهٍ بتحذيرات والديه بشأن العجوز المريب
***

وفي أحد الأيام .. عادت الأم متضايقة الى المنزل بسبب رفض إدارة عملها تحويلها الى قسم المحاسبة , بعد انتشار خبر سرقتها لتبرعات المشرّد ..
وكان ينتظرها صحفي قرب باب منزلها , لكنها رفضت إجراء مقابلة معه , بل وطردته ايضاً .. لتتفاجأ أثناء دخولها , بالعجوز وهو يدرّس ابنها في الصالة !
فسألته وهي ترتجف برعب : ماذا تفعل في بيتي ؟!
فأجابها الصغير قائلاً : جدي يدرّسني الحساب
الأم صارخةً : هذا ليس جدك .. وانت !! أخرج سريعاً قبل ان أنادي الشرطة .. دونالد !! أصعد الى غرفتك حالاً
ورغم اعتراض الصبي , الا انه صعد مُجبراً بعد صراخ والدته عليه..

وأكملت كلامها مع العجوز : أنصحك بأن تخرج من هنا فوراً , قبل وصول زوجي
فقال لها ببرودٍ مزعج : لا يا عزيزتي ..فقد قرّرت ان أبيت عندكم اسبوعاً كاملاً , لتهتموا بي كفردٍ من هذه العائلة .. ومن بعدها أعدكم أن أذهب في حال سبيلي , والا .. 
- والا ماذا ؟ 
العجوز : سأخبر ابنك بالسرّ الذي تخفيه عنه 
وأخرج وثيقةٍ رسمية قديمة من جيبه..
الأم بقلق : ماهذه ؟
- هل نسيتي ورقة الميتم ؟
الأم بدهشة : يا الهي ! كيف حصلت عليها ؟!
- الم أقل لك انني ظابطٌ متقاعد , ولي أصدقاء قدامى يعملون في وظائف الدولة.. 
ثم تمدّد على كنبتها , وهو يقول :
- سأستلقي قليلاً , الى حين وقت الغداء
تاركاً كيت متجمّدة في مكانها من أثر الصدمة !  
***

في المساء .. لم يستطع الزوج فعل شيء بعد ان هدّدهم بإخبار دونالد إنه ابنٌ بالتبني , لذلك قبلا بالتسوية .. وجهزا له غرفة الضيوف ..
واثناء استحمام العجوز .. قالت كيت لزوجها : 
- ماذا نفعل الآن .. هل نتصل بالشرطة ؟
- برأيّ ان نصبر عليه .. فكلّها اسبوع وينتهي هذا الكابوس , فنحن لا نريد ان تتضرّر نفسيّة ابننا طوال حياته
فقبلت الزوجة برأيه مُرغمة.. 
***

في صباح اليوم التالي .. وجدا الزوجان الباب موصداً !
مارك : من أقفل الباب ؟!
فتقدّم منهما العجوز وهو يمسك المفاتيح :
- انا ..غيّرت قفل الباب , قبل استيقاظكما 
كيت بقلق : ولماذا ؟!
العجوز : لأنكما لن تذهبا الى عملكما , حتى دونالد لن يذهب الى مدرسته طوال هذا الأسبوع , كيّ تخدموني جميعاً .. وايضاً لكيّ لا تبلّغوا عنّي الشرطة فأنا لا أثق بكما , لذلك ستبقيان تحت ناظريّ طوال هذه الفترة
مارك : قد نُطرد هكذا ؟!
العجوز : ليست مشكلتي ..إتصلوا بمدرائكم وخذوا إجازة
كيت : لكننا أخذنا إجازةً سابقة 

العجوز : آه , نسيت .. إجازة الكازونيهات ..وحينها صرفتم 100 الف و330 دولار من مالي .. ولا تسألاني كيف عرفت , فلي أصدقاء في كل مكان
مارك : طالما لك اصدقاءٌ أغنياء , وتملك درّاجة نارية جيدة .. وحتى الملابس التي أحضرتها معك , جميعها جديدة .. فهذا يعني انك لست مشرّداً , فلما تصرّ على مالك الذي أهدرناه سابقاً ؟
العجوز : لأنكما سرقتماني , وهذا أزعجني للغاية .. ولأني أؤمن بالحياة العادلة , فسيكون لكل ذنبٍ عقاب .. (ثم جلس على الكنبة , وقال لكيت) ..أشعر بالجوع .. أدخلي المطبخ يا امرأة , وحضّري لنا الفطور.. 
فقال لها زوجها : كيت انتظري , سأساعدك 

العجوز بحزم : لا !! انت إبقى معي ..فالأعمال المنزلية من واجبات الزوجة وحدها
كيت بتهكّم : ومن قال ذلك ؟!
العجوز : والله هذا الذي كان سائداً في زماني ..فلا تكثري من الكلام وافعلي ما أمرتك به .. وانت تعال ودلّك كتفي الذي يؤلمني .. هيا تحرّك !!
مارك بغضب : بالتأكيد لن أفعل !! فنحن لسنا خدمك ..وسأقوم بالإتصال بالشرطة حالاً
العجوز بلؤم : كيف وقد قطعت اسلاك هاتف المنزل , وجوالتكم كلها معي 
مارك بدهشة : كيف هذا ؟!

العجوز : لأنه من الخطأ ان تناموا وابواب غرفكم مفتوحة 
كيت : يا لعين !! كيف تدخل علينا ونحن نيام ؟! والله سأصرخ بعلوّ صوتي ليسمعني الجيران !!
العجوز : رجاءً إفعلي ذلك .. وحينها أخبر العالم بأنكما تحرمانني حتى من المبيت عندكم في هذا الجوّ القارص , رغم مسامحتي لكم على سرقة أموالي .. اساساً قصة نذالتكم تضجّ بها وسائل التواصل الإجتماعي 
مارك بتحدّي : لا يهمّنا ..أفعل ما تشاء

فنادى العجوز ابنهما بصوتٍ عالي : طالما كذلك .. دونالد حبيبي !! تعال لأخبرك سرّاً
الأب بارتباك : حسناً حسناً .. سأدلّك كتفك اللعين !!
العجوز بابتسامةٍ مستفزّة : أحسنت يا مارك .. وانت !! إسرعي الى المطبخ , فقد جعت كثيراً

ومنذ ذلك اليوم , نفّذ الزوجان كل طلباته على مضضّ..
***

وفي اليوم الثالث .. طلب العجوز منهما أخذه الى مطعمٍ قريب ..وهناك طلب الكثير من الأطباق ..
مارك : لقد طلبت أكثر من حاجتك !
العجوز وهو يأكل بنهم : كلّه من مالي , فما دخلك انت ؟!!
فقالت له كيت : على فكرة , الشرطة عمّمت صورتك بعد حرقك لسيارتنا الجديدة , وقد يقبضون عليك في أيّ وقت
العجوز وهو مازال يأكل : لن يعرفونني بعد ان حلقت شعري وذقني .. ..(ثم قال بعد ان أنهى صحنه الرابع) .. وهآقد شبعت .. لكن مازلت اريد الحلوى .. فهيا يا مارك أجلب قطعتين من الكعك , لي ولحبيبي دونالد 
الولد بحماس : نعم اريد حلوى كجدي 
فقال مارك للعجوز بغيظ : انت لن تهنأ الا بعد إفلاسنا , اليس كذلك؟
فهزّ العجوز رأسه موافقاً وهو يشرب الماء..

وهنا اقتربت سيدة (مهمّة في مجمّعهم السكني) وقالت لهم : 
- جيد انكم بدأتم تهتمون به , فهذا أقل واجب اتجاهه بعد أخذكم لماله .. ولولا تنازله عن حقه , لكنّا طردناكم من منطقتنا !!

وبعد ذهابها , سأله مارك :
- ماذا تقصد هذه السيدة ؟
العجوز : لقد نشرت فيديو قبل ايام ..أُخبر فيه العالم إنني سامحتكم , بعد عرضكم عليّ العيش في منزلكم 
الولد بسعادة : أهذا يعني انك ستبقى معنا للأبد يا جدي ؟
العجوز : لا , فقريباً أعود للعيش في الغابة .. لكني سأشتاق اليك يا صغيري
الصبي برجاء : ابي ..امي .. دعاه يبقى معنا , فأنا أحببته كثيراً
لكن والداه التزما الصمت ..
***

وقد ظلّت طلبات العجوز تتزايد كل يوم , بينما كان الزوجين يعدّان ايام الأسبوع التي مرّت عليهما ببطءٍ شديد
***

وفي إحدى الليالي , في السيارة .. بعد عودتهم من النزهة الأخيرة له , في نهاية ذلك الأسبوع الطويل.. 
الولد : جدي .. اليس لديك اولاد ؟
فتنهّد العجوز بضيق , قبل ان يقول : كان لديّ واحد .. اسمه اريك , مهندس ووسيم , وكان على وشك الزواج 
الولد : وماذا حصل له ؟
العجوز : إنثقبت عجلته قرب المحطة ... فمات
فأنصت الزوجان له باهتمام , بينما أكمل ابنهما أسئلته :
الولد : وكيف هذا جدي ؟!

العجوز بحزن : كانت هناك عاصفةً ثلجية ..ونزل ابني لإصلاح العطل فأصيب بالصرع وبدأ يتلوّى من الألم فوق الثلوج ..ولم يساعده احد , الى ان تجمّد من البرد 
فسألته كيت : الهذا تعيش قرب الغابة ؟
العجوز : نعم .. في نفس المكان الذي مات فيه .. ولكيّ أربّي الأنذال أمثالكم
مارك : ماذا تقصد ؟!

فأشارت الزوجة اليه ليصمت , كيّ لا يسمع ابنهما شتائم العجوز ..وأُغلق الموضوع بعد وصولهم للمنزل , ليبيت العجوز ليلته الأخيرة كما وعدهم  
***

في صباح اليوم التالي .. لملّم العجوز أغراضه , بعد ان أعاد لهم جوّالاتهم ومفاتيح القفل الجديد لمنزلهم ..
مارك بابتسامة المنتصر : وأخيراً ستذهب من هنا
العجوز : نعم , فقد عرفت بأنه تبقّى معكم القليل من مال التبرعات , وهو بالكاد يكفي لعلاج ابنكم نفسيّاً
الأم بقلق : ماذا تقصد ؟!
العجوز : لقد أخبرته الحقيقة قبل قليل
فأمسك الأب بقميص العجوز وهزّه بعنف : يا لعين !! لما فعلت ذلك ؟
العجوز : لأنه لابد ان يكون هناك عقاباً أخلاقياً للنذالة 

وقبل ان يسدّد الأب لكمة للعجوز , سمع بكاء ابنه من الطابق العلوي .. فأسرع مع زوجته الى هناك , بينما خرج العجوز بهدوء من المنزل ليركب دراجته ويذهب في حال سبيله..

وكان الولد يصرخ بغضب وهو يبعدهما عنه ..
- إبتعدا عني !! انتما لستما والدايّ الحقيقيان
امه وهي تبكي : ارجوك اهدأ بنيّ , ودعنا نُفهمك الموضوع
الولد صارخاً : قلت أخرجا من غرفتي !!

فخرجا باكيان من عنده .. بعد ان تركهما العجوز مديونان , بعد ان طُردا من عملهما بسبب تغيبهما الغير مبرّر لأسبوعٍ كامل !
*** 

اما العجوز فقد غاب لشهور , قبل ان يعود مجدّداً الى مكانه قرب المحطة

وفي إحدى الليالي .. وبعد ان أخفى درّاجته بالغابة , نثر المسامير على طول الطريق وهو يقول :
((لنرى هذه المرة ان كان السائق التي ستُثقب عجلته , سيكافئني حين أساعده ام سيكون نذلاً كسابقيه .. فقد تعهّدت أن أربّى كل الأنذال الذين خذلوا ابني على هذه الطريق.. وهذا وعدٌ مني لروحه الغالية))
*******

ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من أحداثٍ حقيقية : عن مشرّد أمريكي يُقاضي حالياً زوجين سرقا تبرعات قُدّمت له بقيمة 400 الف دولار
وهذ هو رابط القصة :
http://sawaleif.com/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D8%AF-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A-%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%AC%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A7-%D9%84%D9%87-400-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%AF%D9%88-381785/?fbclid=IwAR1L05wU2ZDdY3FD2PM2c8lDL7TbFG_BdzualGzer6y0dq8zxO3y-og4dUU
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...