السبت، 6 أكتوبر 2018

سفّاح الولاية

تأليف : امل شانوحة

قضيّة قديمة لم تحلّ بعد !

كان مركز الشرطة التابع للمنطقة الشرقية بكاليفورنيا تحتفل بتقاعد أحد رجال الشرطة لديها بعد تجاوزه سن السبعين .. 
وبعد الإحتفال , وضع حاجيات مكتبه في سيارته .. وقبل ان يعود الى منزله , دخل مكتب صديقه المحقق الجنائي لتوديعه للمرّة الأخيرة .. فأخبرته السكرتيرة : انه نزل الى قاعة طلاّب الشرطة الجدّد لإعطائهم درساً عن البصمات .. 

فنزل الى هناك وطرق الباب ..وبعد ان رآه المحقق , قال للعجوز :
- آه جوزيف , تفضّل .. ايها الطلاب !! أقدّم لكم صديقي الذي خدم في سلك الشرطة لأربعين سنة , واليوم احتفلنا بتقاعده 
جوزيف : أردّت توديعك قبل ذهابي 
المحقق : لحظة قبل ان تذهب , اريد منك خدمة .. هل تبصم هنا ؟
فارتبك جوزيف .. فقال له المحقق :
- اريد ان أُريهم كيف يعمل جهاز البصمات .. هيا أبصمّ على الورقة 

وبتردّد قام العجوز بالبصم على الورقة التي وُضعت داخل الجهاز ..حيث كان المحقق هو الوحيد الذي يرى النتيجة على حاسوبه الشخصي , بينما جلس الطلاب امامه ..

وهنا حصل شيءٌ غير متوقع ! فقد ظهرت النتيجة : بأن جوزيف هو نفسه سفّاح الولاية الغامض الذي ارتكب أكثر من 50 حالة قتل واغتصاب لنساء في زمن السبعينات والثمانينات من القرن الماضي !
وبذكاء , قام المحقق بإخفاء النتيجة .. وأسرع باستبدال بصمته مكان بصمة العجوز , لتظهر النتيجة على الشاشة الكبيرة .. قائلاً للجميع :
- كما ترون !! النتيجة سليمة .. فسجلّ الشرطي جوزيف نظيفٌ تماماً

فتنفّس العجوز الصعداء .. بينما توجّه المحقق لتوديعه على عجل , محاولاً تجنّب النظر اليه كيّ لا يرى المجرم ارتباكه !
*** 

بعد ذهابه .. طلب المحقق من شرطي آخر إكمال الدرس عنه , وأسرع باللحاق بالعجوز الذي لم يلاحظه 
وبعد تأكّده من دخوله المنزل , عاد المحقق الى مركز الشرطة لينزل فوراً الى الإرشيف ويحصل على كافّة الملفّات القديمة لقضية سفّاح الولاية التي لم تُحلّ لغزها منذ اربعين سنة !
وأخذهم خلسة الى بيته كيّ لا يثير ضجّة في مركز الشرطة , لأنه أراد التأكّد من المعلومات قبل القبض على صديق عمره !
***

وأمضى ليلته في البحث والتدقيق بالتحقيقات السابقة للقضية التي أشغلت الرأيّ العام والصحافة لسنواتٍ طويلة ! 
فوجد المحقق : ان المجرم حرص دائماً على عدم ترك بصماته في مكان الجريمة , وهذا يدلّ على لبسه للقفازات أثناء إعتدائه على النساء وقتلهنّ .. ماعدا المرة الوحيدة التي ظهرت بصمته على حقيبة السيدة التي قاومته .. لكن الشرطة لم تجد من يطابق تلك البصمة طوال عقود من الزمن ! 

والغريب بكل قضايا إختفاء النساء الخمسين : ان سياراتهنّ كانت جميعها متوقفة على جانب الطريق ! 
واليوم فقط فهم المحقق السبب : فجوزيف في بداية حياته العملية عمل كشرطي مرور , قبل إنتقاله للعمل الإداري في المركز .. ويبدو انه كان يُوقف النساء جانباً على الطرقات العامة البعيدة عن مجمّعات المنازل كيّ يقوم باعتقالهنّ الى جهةٍ مجهولة , ومن ثم يقوم بجريمته ..

والى اليوم لم يُعثر على جثثهنّ , سوى تلك المرأة التي قاومته حيث وجدت جثتها في المقاعد الخلفية لسيارتها التي عُثر فيها على البصمة الوحيدة للمجرم ! ومن بعدها تمّ ربط هذه الجريمة بحالات إختفاء النساء المتكرّرة في المناطق المجاورة 

وقد آثارت جرائمه الرعب في ولاية كاليفورنا لسنواتٍ عدّة , حيث إمتنعت النساء عن الخروج من المنزل مساءً .. 
ورغم ان كل الإدلّة تُشير الى العجوز جوزيف , لكن المحقق لم يرد القبض عليه فوراً قبل ان يعرف مكان الجثث .. لذا خطرت على باله فكرة ذكية : 
وأخذ إحدى المجلات وقام بقصّ الأحرف للصقها كنصّ رسالة , أرسلها صباحاً الى بريد صديقه العجوز ..
***

في اليوم التالي ظهراً , وبعد توقف هطول المطر .. وصل البريد الى جوزيف الذي تفاجأ بمضمون الرسالة التي فيها :
((لقد وجدت إحدى جثث النساء اللآتي قتلتهنّ , وسأبحث عن الباقيات))

فسقط كوب الشاي من يده التي ارتجفت بقوة , محاولاً التقاط انفاسه 
- هذا مستحيل ! من الذي ارسل هذه الرسالة الملعونة ؟!! وكيف عرف بمخبأي السرّي ؟! .. يجب ان أتأكّد بنفسي 
***

في المساء .. خرج العجوز بسيارته نحو الغابة دون ان يعلم بأن صديقه المحقق يسير خلفه بعد إطفائه أنوار سيارته التي أوقفها بعيداً عن المكان الذي توقف به جوزيف .. 
وتابع مراقبته من خلف الأشجار ليراه يفتح باباً حديدياً لمخبأٍ تحت الأرض , ثم رآه ينزل الى أسفل بعد ان أضاء جواله ! 

ومرّ الوقت ببطءٍ شديد .. الى ان خرج العجوز من ذلك المكان وعاد الى سيارته , مُبتعداً عن الغابة ..
***

بعد ذهابه .. اقترب المحقق من نفس المكان ليجد قفلاً على الباب بعد ان غطّاه العجوز بأوراق الشجر .. فأخرج سلكاً يستخدمه رجال الشرطة لفتح كافّة الأقفال , ولخبرته الطويلة بهذا المجال استطاع فتح القفل من المحاولة الثالثة ..
ثم أضاء جواله ونزل الأدراج .. ليتفاجأ بالأسفل بوجود هياكل عظمية مصفوفة بجانب بعضها .. فقال في نفسه :
- يبدو انه يحتفظ بجثثهنّ هنا ! لأقوم بعدّهنّ ..

فوجد انهم ثلاثون جثة فقط .. حتى انه وجد جثة قصيرة , يبدو انها تعود الى الفتاة المراهقة 14 سنة التي إختفت في أواخر السبعينيات 
فقال المحقق في نفسه :
- 30 فقط  ! .. اين 20 الجثة الباقية ؟!

وفجأة ! أُغلق باب القبو عليه , وسمع صوت مفتاح القفل !
فأسرع المحقق بطرق الباب من الداخل : 
- إفتح الباب يا جوزيف !!! 
فسمع صوته من الخارج يقول له :
- عرفت البارحة من تعابير وجهك انك كشفتني .. وأعلم جيداً انكم مازلتم تحتفظون ببصمتي بعد ان قاومتني تلك السيدة المجنونة وأزالت إحدى قفازاتي بالقوّة !
- إفتح يا جوزيف ودعنا نتكلّم بالموضوع
- لا يا صديقي !! ستُدفن حيّاً معهنّ , فأنا لن أُسجّن بهذا العمر 

ثم سمع سيارة العجوز وهي تبتعد عن المكان دون ان يبالي بصرخات المحقق الذي ظلّ عالقاً طوال الليل , مُستفيداً بما تبقى من بطارية جواله للحفر بجانب الباب (حيث التربة مازالت رطبة) محاولاً الوصول الى القفل..

وكانت ليلة صعبة ومرعبة على المحقق , بعد ان أُحيط بالجثث في مكانٍ ضيق ليس فيه هواءٌ نظيف للتنفّس !  
***

مع تباشير الصباح .. استطاع المحقق أخيراً عمل فتحة في الأرض استطاع إخراج يده من خلالها وجذب القفل اليه , ليحاول فتحه من جديد بالسلك الذي يحمله 

وبعد خروجه من ذلك القبر , تنفّس الصعداء .. ثم مشى متعباً باتجاه سيارته التي تفاجأ بأن جوزيف قام بثقب عجلاتها الأربعة , كما حطّم اللاسلكي فيها !  
المحقق بغضب : اللعين !! كيف سأمشي كل هذه المسافة وانا متعبٌ هكذا , خاصةً بعد إنطفاء شحن جوالي ؟! .. يارب ساعدني للقبض على هذا المجرم قبل ان يهرب من جديد 

ومشى بصعوبة في الغابة الى ان وصل للشارع بحلول العصر , لكنه أغشي عليه بجانب الطريق العام .. ولحسن حظه , شاهده أحد السائقين الذي أسرع به الى المستشفى
***

وبعد علاجه .. إتصل بالشرطة ليخبرهم بالمستجدّات , فأتوا لأخذه معهم الى الغابة ليدلّهم على القبو السرّي للمجرم , والذي وجدوه محترقاً بالكامل ! ويبدو ان جوزيف عاد ثانيةً لتفقّد المحقق , وحين علم بهروبه أسرع بحرق الأدلة ..

فقال المحقق لزملائه بعصبية : تفقدوا المطارات والقطارات والحافلات !! فهو حتماً سيهرب من البلاد .. وعمّموا صورته في كل مراكز الشرطة !! ليس فقط في كاليفورنيا , بل كل اميركا ..هذا ان لم يكن اللعين في طريقه الآن الى دولةٍ أجنبية 
***

واستنفرت مراكز الشرطة للبحث عنه ..ووجدوه أخيراً بعد يومين في موقف للحافلات المتجهة الى المكسيك , بعد ان صبغ شعره باللون الأشقر وحلق شاربه .. 
فاقتادوه الى نفس المركز الذي عمل به طويلاً , حيث أصرّ صديقه المحقق على إستجوابه بنفسه .. 

ودخل غرفة التحقيق ليجده يجلس بهدوء , وقد ارتسمت على وجهه ابتسامةٍ صفراء حيث قال له : 
- أحسنت يا جورج , أنت الوحيد الذي كشفتني
فقال له المحقق بغضب : كدّت تقتلني ايها اللعين !!
- للأسف لم أستطع
- لندخل بالموضوع .. أين بقيّة 20 جثة ؟ 
- إخبرني اولاً .. هل تحلّلون رمادهنّ الآن ؟
- نعم , وسنعرف من هنّ عاجلاً ام آجل .. أجبني على سؤالي
فأدنى جوزيف وجهه منه , وقال بنبرةٍ شريرة :
- ومن قال انه تبقّى 20 جثة فقط

المحقق بدهشة : ماذا قلت ؟! ..هل قتلت أكثر ؟
- الحقيقة انني توقفت عن العدّ بعد ان تجاوز عددهم المئة 
- المئة ! مستحيل , انت تكذب .. فكل بلاغات المفقودين بالمنطقة لم تتجاوز الخمسين
- وماذا عن العاهرات والمشردين وأطفال الشوارع ؟
- هل قتلت منهم ايضاً ؟!
المجرم بفخر : أوه , الكثير يا صاحبي .. فأنا بدأت القتل منذ ان كنت مراهقاً , حيث أردّت تنظيف المجتمع من حثالة البشر .. لكنكم لم تلاحظوا جرائمي الا بعد إختفاء تلك السيدة , صاحبة السيارة الفارهة الحمراء 
- نعم , أذكر هذه القضية جيداً .. فماذا حصل وقتها ؟

جوزيف : كنت تبتُ عن أفعالي الشريرة بعد دخولي سلك الشرطة .. لكن حين تجاوزت تلك السيدة الإشارة الحمراء , لحقت بها وأوقفتها .. وكانت فاتنة الجمال .. واقتدتها الى مركزنا بعد ان لاحظت سكرها , لكن حين اقتربنا من الغابة وسوس الشيطان لي من جديد , فلم أجد نفسي الا وانا آخذها الى ذلك المخبأ 
المحقق : وكيف عرفت بشأن المخزن السرّي ؟
- وجدته بالصدفة قبل سنوات أثناء رحلتي للصيد , فخطر لي ان استفيد منه لإخفاء جثتها .. وقد فعلت , بعد ان استمتعت لساعتين في تعذيبها وسماع صراخها الجميل
- وماذا عن جرائمك السابقة , اين دفنت اولئك المشردين ؟ 
جوزيف : هنا وهناك .. لا مكان محدّد .. اساساً لما تسأل عن اولئك الحثالة ؟ اسألني فقط عن سيدات المجتمع اللآتي علمتم باختفائهنّ 
- اذاً أجبني .. أين بقية الجثث العشرين ؟

فأدنى جوزيف رأسه منه ثانية , وابتسم بلؤم : 
- تجدهنّ .. تحت منزلك 
ووقع الخبر كالصاعقة على رأس المحقق : 
- ماذا قلت ؟!
- الم تعطني قبل سنوات مفتاح كوخك بالجبل ؟ 
فأمسك المحقق بقميص جوزيف وشدّه بغضب : 
- أدفنتهم في بيتي ايها النذل ؟!!
- فكّرت انه في حال قبضتم عليّ , فسأورّطك معي لتكون شريكي في جرائمي 
- الم نكن يوماً أصدقاء ؟!
فأجاب جوزيف بقهر وغضب : بلى .. لكنك كنت دائماً شريفاً ومحترماً من الجميع .. وانا لم أستطع تقليدك , ممّا أغضبني جداً !!
- يا حقير !! المهم انني بالنهاية قبضتُّ عليك , وسأحرص بنفسي على إعدامك 
فقال جوزيف بلا مبالاة , وبابتسامة مستفزّة : 
- لا مشكلة عندي .. فأنا عشت أجمل مغامرات حياتي , ولا اريد شيئاً آخر من هذه الدنيا
***

ولاحقاً ضجّت الولاية بخبر إعتقاله بعد ان تناقلت الصحف أحداث محاكمته , ليصّطّف أهالي المفقودين بالمستشفيات لاستلام بقايا جثث أحبائهنّ لدفنها من جديد بشكلٍ لائق .. 
وتنفّس الجميع الصعداء بصدور حكم الإعدام على هذا المجرم الخطير 
***

وفي يوم تنفيذ الإعدام ..جلس المحقق خلف الزجاج لرؤيته وهم يقيدونه بالكرسي الكهربائي .. 
لكن جوزيف فاجأه قائلاً (قبل دقيقة واحدة من قيام الحارس بإشعال الصعقة الكهربائية) :
- على فكرة يا جورج .. حبيبتك لم تتركك وترحل , بل قتلتها لك
فصرخ المحقق من خلف الزجاج بغضب :
- يا لعين !!! .. اين هي الآن ؟! 
- في مكانٍ ما بالغابة .. إذهب وابحث عن ما تبقّى من رُفاتها

وضحك ساخراً بصوتٍ عاليٍ , قبل ان يصرخ صرخته الأخيرة !!!! ..تاركاً المحقق في صدمةٍ كبيرة !
*******

ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية لسفّاح الولاية الذهبية الغامض , الذي تمّ القبض عليه حديثاً .. وإسمه (جوزيف جيمس دي أنجلو) تجدون قصته بالإنترنت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...