الأحد، 23 سبتمبر 2018

الولد الخارق

تأليف : امل شانوحة


سأساعد الأطفال اللقطاء في كل مكان

- امي .. رأسي يؤلمني
- إصابةٌ ثانية ! الم أقل لك ان تنتبه وانت تلعب مع أصدقائك ؟
- لما لست أشبههم ؟! فأنا لا استطيع بعد خرق الحواجز ولا الطيران ولا العودة الى الماضي , بينما جميع الأولاد في مثل عمري يستطيعون فعل أكثر من ذلك ؟!
الأم : هذا لأنك مختلفٌ عن الجميع
- أخبرتني ذلك عشرات المرّات , لكنك لا توضحين لي السبب !
- سأخبرك حين تصبح مراهقاً 
- لا !! اريد ان اعرف الآن , فقد بلغتُ 12 من عمري 
- لكن ..
الولد مقاطعاً بعصبية : امي !! ان لم تخبريني بالسرّ الذي تُخفيه عني فسأقفز من فوق الجبل ..
الأم مقاطعة بقلق : إيّاك ان تفعل !! فأنت لا تملك جناحين بعد .. 
فأمسك يدها , قائلاً بإصرار : إخبريني إذاً !!

فتنهّدت الأم بضيق , ثم قالت : حسناً إجلس بجانبي وسأخبرك بالحقيقة .. (ثم سكتت قليلاً).. فورايّ حبيبي ..انت لست جنياً مثلنا , بل كائنٌ بشريّ
ونزل كلامها كالصاعقة عليه : ماذا ! كيف هذا , وأنت وابي وأخوتي جميعكم من الجن , فلما انا ..
مقاطعة : لقد وجدتك في بيتٍ مهجور حين كنت رضيعاً , بعد ان مررّتُ من هناك بالصدفة ورأيت امك تعود الى سيارتها مُنهارة وهي تشعر بالإعياء لتخلّيها عنك بعد ولادتك مباشرةً
- أيعني هذا انني لقيط ؟!
الأم الجنّية : نعم , للأسف .. وانا لم أكن اريد إخبارك بذلك .. 
- وانت أحضرتني الى عالمكم ؟! 

الأم الجنّية : هذا صحيح , وكان الأمر صعباً في البداية لأن الجميع رفضوا وجودك بيننا وطالبوني بإعادتك لتواجه مصيرك المحتوم .. لكني لم أقدر على رؤيتك تموت من الجوع في ذلك المكان الموحش , او ان ينهش لحمك كلبٌ ضال ! 
فصرخ الولد بغضب : هذا غير معقول !! انا لا أصدّقك , لأني جني مثلكم .. وسأثبت لك ذلك 
فنادته بقلق : فورايّ !! فورايّ !! الى اين انت ذاهب , بنيّ ؟!!

لكنه خرج من البيت راكضاً باتجاه أعلى جبال قرية الجن , فأرسلت خلفه أخاه الأكبر الذي بدوره نادى صديقا أخيه للّحاق به الى هناك , قبل ان يتهوّر أخوه البشريّ !
*** 

وبالفعل !! وصلوا اليه في الوقت المناسب بعد ان لبس أجنحته المزيفة (التي أهدته إيّاها امه في عيد ميلاده الفائت) محاولاً الطيران مثل بقيّة الجن .. لكن أخاه وصديقاه أمسكوا به قبل قفزه بثوانيٍ :
فصرخ فورايّ بغضب محاولاً الإفلات من بين ايديهم :
- اتركوني !! اريد الطيران !!
أخوه : لن تستطيع يا فورايّ .. فأنت لست .. (وسكت)
- إكمل أخي .. إكمل !! فقد أخبرتني امي بأنني بشريٌّ قذر
أخوه مهدّئاً : هذا ليس ذنبك , بل ذنب والديك !
فانهار فورايّ باكياً , بينما حاول الأولاد مواساته ..
***

بعد نصف ساعة .. هدأ غضب فورايّ قليلاً لكنه التزم الصمت , ممّا أقلق أخوه الذي سأله :
- بماذا تفكّر ؟
- اريد ان انتقم من والدايّ 
- وكيف ستعرفهما ؟
- اليس لديكم قدرات تفوق قدراتي البشريّة المحدودة ؟
- نعم
- اذاً اريد منكم خدمة .. اريدكم ان تروني ما حصل في الماضي .. فهل هذا ممكن ؟
أخوه : انا سأفعل ذلك ..
- أحقاً !
- نعم سأذهب الى البيت المهجور الذي وجدتك به امي , ثم اعود للماضي قبل 12 سنة لأعرف هويّة امك

فورايّ بقهرٍ وغضب : حسناً , ولا تنسى ان ترسل لي الفيديو كيّ أرى وجهها القبيح وهي تتخلّى عني 
أخوه : إهدأ قليلاً , فربما تكون مُجبرة
فيصرخ فورايّ بعصبية : ومالذي يُجبر أمّ على التخلّي عن رضيعها ؟!!
أخوه : العار أخي .. فأنت لا تعرف قوانين البشر , فهم لا يحبون الأطفال .. (ويسكت) 
- إكمل أخي .. اطفال الحرام , اليس كذلك ؟
فقال صديقه (دانو) : أعتقد ان والدك هو من أجبرها على ذلك
فورايّ : وهل تستطيع ان تعرف من هو والدي ؟
فأجاب صديقه الآخر (جودي) : انا استطيع 
- كيف ؟!
- علّمني والدي قبل أشهر طريقة إختراق العقل البشريّ لأرى شريط ذكرياتهم 
دانو : وأنا ايضاً تعلّمتها , لكني لم أتمرّن عليها بعد 

أخو فورايّ : يا لكما من محظوظان , كنت أتمنى تعلّم هذه القدرة منذ صغري .. إذاً جودي بما انك أتقنت الطريقة , فتعال معي .. وحين أجد امه , تدخل انت الى ذاكرتها لتعرف من هو والده 
جودي بحماس : يا سلام !! ستكون ذكرياتٌ مثيرة
أخو فورايّ معاتباً : كفّ عن تفكيرك السيء !! فنحن لا نريد لحظاتهما الجميلة , بل لحظة شجارهما بعد ان أخبرته بحملها
الصديق : آه فهمت 
فورايّ : وهل سترسلان صورتهما لي عبر مرآتي السحريّة ؟
أخوه : نعم , فأنا أهديتها لك بعيد ميلادك على أمل ان تستفيد منها لاحقاً .. هيا يا جودي , لنذهب سويّاً الى ماضي أخي 

ثم اختفيا فجأة ! تاركان الصديق الثالث (دانو) برفقة فورايّ لتهدأته في حال أثارت صور والديه غضبه
***

وتقدّم الجنيان ببطء نحو المنزل المهجور .. 
وهناك قال اخو فورايّ لصديقه :
- أذكر ان امي أخبرتنا انها وجدته هنا .. هل نبدأ ؟
جودي : نعم .. انت أعيد الماضي , وانا بدوري أستعيد ذكريات والدته ..

فقام الأخ بقراءة تعويذة أظهرت وميضاً قوياً أضاء المكان المُهدّم ! وبعد ثوانيٍ شاهدا الأم (حين كانت يافعة) وهي تحمل فورايّ الصغير داخل منشفة امتلأت بالدماء , ثم وضعته بحذر بين أنقاض المنزل وهي تبكي بألمٍ وندم :
- سامحني يا صغيري لكني مُضطرة لتركك هنا , فموتك أرحم بكثير من ان تكبر كلقيط بين وحوش البشر 
ثم عادت تجرّ أقدامها بإرهاقٍ شديد لتعود الى سيارتها .. 

فوقف الأخ امام الرضيع الذي كان يبكي من الجوع , وقال بدهشة: 
- ياه ! كم كان أخي صغيراً وضعيفاً
جودي : انتظرني هنا , سألحق بالأم
- حسناً , وانا سأرسل ما صوّرته لفورايّ 

وحلّق جودي مسرعاً خلف السيارة التي اخترقها دون ان تراه الأم التي مازالت تبكي بقهر وهي تلعن صديقها الذي رفض الزواج بها بعد ان أنكر نسب الولد له , رغم انه يعلم تماماً انها لم تعشق غيره! 
واقترب الجني منها قبل ان يدخل الى عقلها من خلال فتحة انفها , مما جعلها تعطس بقوّة !  

وبعد ان أصبح في الداخل , بحث في ملفّات ذاكرتها ليجد مستنداً اسوداً تحت عنوان : حبيبي القذر .. ودخل اليه ليرى ما حصل في الماضي .. فعلم انها تعرّفت على صديقها في الجامعة الذي كان شاباً غنياً رضي بصحبتها رغم فقرها , بعد ان أوهمها بحبه لها وبأنه سيتزوجها ويسكنها القصور وغيرها من الأكاذيب ! 
ثم ذهب جودي الى اللحظة التي غيّرت حياتها , وسمع الحوار التالي :

- سعيد لا استطيع , أهلي سيقتلونني
- لكن لا احد بالمنزل سوانا , وعلينا استغلال ذلك
- لا اريد , ليس قبل الزواج
- نحن سنتزوج بجميع الأحوال , فما المانع لوّ تعرفنا على بعضنا قبل مراسم الزواج الطويلة والمملّة ؟ الا تثقين بي حبيبتي ؟
بتردد : بلى , لكن ..
الشاب مقاطعاً بحزم : اذاً إثبتي لي ذلك 
وأمسك يدها ليصعد بها الى غرفته , لكنها سحبت يدها منه بقوّة :
- قلت لا اريد !!
فاستشاط غضباً :
- إذاً إذهبي الى بيتك فوراً , ولا تريني وجهك بعد اليوم !!
فقالت بارتباكٍ وقلق : ولما غضبت هكذا ؟!
- الا تدرين بأن عشرات الطالبات في جامعتنا يتمنينّ ان يكنّ مكانك , وانت تتمنعين بدلال
- ليس دلالاً , لكني من عائلة ملتزمة وقد يقتلني والدي ان عرف ..
مقاطعاً : أظنني اخطأت حين أحببت فتاةً فقيرة .. هيا اذهبي يا ناديا !! فأنت لست من مستوايّ
ناديا بدهشة : سعيد !
- انا لا اريد طفلة مُتخلّفة , أريد امرأة متحرّرة تعيش معي كل اللحظات الجميلة .. لكن يبدو انني اسأت الأختيار .. هيا عودي الى بيتك الشعبي الذي يبدو انك ستعيشين فيه طوال حياتك
وهي تمسح دموعها : سعيد ارجوك لا تتركني .. انا خائفة فقط ان يحصل حمل !
- يبدو انك جاهلة بهذه الأمور , فالحمل لا يحدث من المرة الأولى
- أحقاً ! 
- نعم , هل سأكذب عليك ؟
فقالت بتردّد : إذاً ..
- ماذا ..هل قبلتي ؟
فأومأت برأسها إيجاباً وهي تشعر بقلقٍ شديد , بينما ابتسم هو ابتسامةٍ خبيثة لإيقاعه بفريسته الجديدة ..

وهنا قال الجني جودي بحزن : 
- المسكينة ! وقعت بشباك الخبيث .. (يتنهّد بضيق) .. متى ستفهم النساء إنهنّ خرافٍ ضعيفة في عالم الرجال الثعالب ؟! .. المهم عليّ الإسراع بإرسال هذه المعلومات الى فورايّ لأنني وعدّته بذلك .. حسناً اين زرّ الإرسال .. هاهو .. تمام , هآقد أتممّتُ المهمّة بنجاح .. يا ترى هل يستطيع المسكين تحمّل كل هذا عن والديه ؟!
***

في عالم الجن وفوق الجبل .. وصلت رسالة جودي , بعد ان كان اخاه ارسل قبله : فيديو للحظة تخلّي امه عنه في الخَرِبة .. 
وبعد ان شاهد كيف أوقع والده الخبيث بإمه , قال صديقه الآخر (دانو) الذي كان بجانبه :
- ارأيت يا فورايّ .. كنت تشتمها قبل قليل , لكن والدك هو من استغلّ براءتها
فورايّ وهو يمسح دمعته : نعم , هي ليست المذنبة .. لذلك سألقّنه وحده درساً لن ينساه
دانو بقلق : وماذا تنوي ان تفعل ؟!
ففكّر قليلاً قبل ان يقول : هذه المرة اريد خدمة منك 
- وماذا تريدني ان افعل ؟
فورايّ : قبل عودة اخي وجودي الى هنا .. اريدك ان تذهب لتجد امي وابي , وكيف أصبحت حياتهما بعد مرور 12 سنة 
- هذه سهلة , فالحاضر أسهل من العودة للماضي .. سأذهب الآن
- ولا تنسى ان ترسل لي كل ما تراه على مرآتي
- بالتأكيد !!

وبعد ذهابه , عاد الصديقان : كيف حالك فورايّ ؟
- بخير , لا تقلقا
أخوه : اين دانو ؟
فورايّ : أرسلته بمهمّة جديدة 
فنظرا لبعضهما بقلق 
***

في هذه الأثناء .. وصل دانو الى منزل أمّ فورايّ الجديد بعد ان تزوجت منذ ست سنوات وأنجبت فتاة عمرها الآن خمس سنوات .. لكنه تفاجأ بأن زوجها يكبرها بكثير وكأنه والدها !
فتساءل دانو بنفسه باستغراب : لما تزوجت هذا العجوز ؟! سأدخل الى ذاكرتها لأرى , أتمنى ان أُجيد الطريقة مثل جودي .. سأحاول

وفي داخل عقلها إسترجع لحظة خطبتها , فرأى والدها وهو يضربها بقسوة , ويقول لها صارخاً : 
- ستتزوجي صاحبي غصباً عنك !! فهو الوحيد الذي قبل بالستر عليك بعد ان انفضحتِ بين الناس , ايتها القذرة !! 
وبعد ان رأى دانو ذلك , قال بشفقة : الآن فهمت .. المسكينة ! لكن يبدو انها سعيدة مع إبنتها الجميلة .. لأعود للحاضر وأشاهدهما معاً 

فرآها وهي تمشّط شعر ابنتها وتتمّتم بحزن , بينما كانت طفلتها مشغولة بلعبتها :
- أتدرين يا فادية انه كان لديك أخٌ جميل , أسميته فؤاد .. كم كان سيحبك لوّ بقي حيّاً
ثم مسحت دمعتها سريعاً , حين أطلّ زوجها الهرِم من الباب قائلاً :
- هيا إسرعي وحضّري لي الطعام !!
زوجته : حاضر سأفعل حالاً

قالتها بارتباك , فعلم دانو انه كان يعاملها بقسوة ويذلّها لأنه قبل الزواج بها , امّا هي فقد رضيت بحياتها البائسة لأجل طفلتها التي لم يُسجّلها بإسمه الا بعد ان قام بفحص الأبوّة , رغم انه حبسها في منزله منذ عرسها ! ممّا جرحّ مشاعرها بقوةّ , لكن كان عليها تحمّل طباعه الصعبة بعد ان تخلّت عائلتها عنها ! 
***

وبعد ان شاهد فورايّ هذه التسجيلات مسح دمعته بحزن , وقال لأخيه وصاحبه :
- لم أعدّ غاضباً من امي , فهي تحمّلت الكثير بسبب والدي الملعون الذي سأعاقبه بيديّ
- ماذا ستفعل ؟
- ستعرفان لاحقاً
ثم أوقف التسجيل على وجه أخته , وقال بابتسامةٍ حزينة :
- انها تشبهني , اليست كذلك ؟
أخوه : نعم , كلاكما لديه عينيّ أمكما الساحرة  
فواريّ : كم أتمنى لوّ ألعب مع الصغيرة .. (تنهّد بضيق).. ربما في حياةٍ أخرى .. على فكرة .. اسمي سيصبح منذ اليوم فؤاد , فهو الإسم الذي سمّتني به امي
أخوه وهو يربت على كتفه : كما تشاء عزيزي

ثم اتصل فؤاد بصديقه دانو عن طريق التخاطر الذهني وطلب منه ان يبحث عن والده الذي وجده بعد دقائق في مكانه المفضل وهو البار القريب من قصره , حيث كان ينتقي الفتيات الرخيصات من هناك 
فقال فؤاد وهو ينظر الى ما أرسله دانو اليه , حين فتح له البث المباشر :
- يا الهي ! أمازال تافهاً وفاشلاً كما في شبابه ؟!
ثم سمع والده وهو يتحدّث مع صاحب البار ..
- أعرف هذا .. لكني مللّت من الفتيات الرخيصات , وأريدك ان تبحث لي عن صبيّة محتشمة توهمها بأنني طبيب جراح واريد زوجة أسافر بها للخارج , ثم تعرّفني عليها .. فأنا مازلت أفضّل الفتيات البريئات 
***

في الجهة الأخرى من العالم .. كان فؤاد غاضباً جداً ممّا سمعه : 
- اللعين ! الا يكفيه ما فعله بأمي المسكينة ؟!
- إهدأ أخي , هذه طباعه .. فماذا يمكنك فعله ؟
- سأجعله يندم على اليوم الذي ولد فيه .. لكن عليّ اولاً الذهاب الى رئيس الجن لأحادثه بموضوعٍ مهم 
جودي بقلق : رئيس الجن ! هل جننت ؟
فؤاد : اريده ان يعطيني بعضاً من مميزاتكم 
اخوه : لكنك بذلك تخسر كينونتك البشريّة !
فؤاد بعصبية : الى الجحيم كل البشر ان كانوا يتصرّفون كأبي !! فأنا قرّرت ان أتخلّى عن هويتي في سبيل إنقاذ اللقطاء الأبرياء.. وهذا قراري النهائي , ولا اريد أحداً ان يجادلني فيه  

ثم أسرع الى قصر ملك الجن دون ان يرافقه اصدقائه لخوفهم من الذهاب الى هناك , حيث لا يذهب اليه سوى كبار الشخصيات من الجن .. وذلك بعد ان وعده اخوه واصدقائه بعدم بوح مخطّطاته لوالديه الجنيين  
***

وفي قصر ملك الجن .. أطلعه فؤاد على كل شيء
- أأنت مصرّ على قرارك ؟
- نعم سيدي .. اريدك ان تهبني بعضاً من صفاتكم الخارقة , وانا في المقابل أتخلّى عن كوني بشريّ ضعيف
- لكن هكذا لن تعود بشراً , ولا حتى جنياً !
فؤاد بإصرار : لا بأس ان أكون جنسٌ ثالث بين عالمين في مقابل تأديب المشاغبين من البشر
رئيس الجن : يبدو انك تريد ان تكون ولداً خارقاً
- نعم هذا ما اريده بالفعل 
- وما رأيّ اهلك بالموضوع ؟
فؤاد بقهر : عن أيّ أهلٍ تقصد ؟ أهلي الجن , ام البشريّان اللذان تخليا عني منذ ولادتي ؟!

الرئيس : حسناً فهمت قصدك .. اذاً تعال وقف بجانبي كيّ ألقي عليك التعويذة , لكن أولاً إخبرني بالصفات التي تريدها من عالمنا
- هل استطيع اختيار ما شئت ؟
الرئيس : نعم , لكن ثلاث صفات لا اكثر ..وأعتقد ان الطيران إحداها
- لا , هناك أهم من الطيران .. أولاً : لا اريد للبشر ان يروني مطلقاً .. وثانياً : اريد أن أجد اللقطاء لحظة التخلّي عنهم .. والأمنية الأخيرة : هي ان استطيع إختراق ذكريات البشر .. فبهذه الصفات الثلاثة أستطيع إعادة الأطفال الى ذويهم
- برأيّ لوّ كانوا يريدونهم منذ البداية لما تخلّوا عنهم 
فؤاد : معك حق سيدي .. لكني اريد معرفة الوالدين كيّ أعاقب المستغلّ منهما  
- وكيف ستعاقبهما ؟
- سأجد طريقة ..وإن لم أستطع فعل ذلك بنفسي , سأستعين برفاقي من الجن
الرئيس : فهمت .. اذاً ودّع بشريتك , لأنك ستصبح منذ الآن : نصف بشريّ ونصف جني 
ثم ألقى عليه التعويذة السحريّة التي أشعرت فؤاد بتغيرٌ جذري يحصل بداخله ! 
***

بعد أيام .. إلتقى والد فؤاد بفتاةٍ جميلة بالمقهى بعد ان دبّر صاحب البار اللقاء بينهما , وأخبره بأنها فتاة بسيطة من الريف تعيش في سكن الطلّاب بمنحةٍ جامعية وليس لديها خبرة في العلاقات العاطفية .. 
فعرّفها بنفسه تحت إسمٍ آخر , وبأنه طبيبٌ قادم من بلدته البعيدة ويعيش لوحده ويحتاج الى صديقة 
الفتاة بقلق : صديقةٌ فقط يا دكتور كمال ؟!
سعيد بابتسامةٍ خبيثة : من يدري ؟ في حال اتفقنا , ربما نتزوج 
فابتسمت بخجل .. وأردف والد فؤاد قائلاً :
- ما رأيك ان نذهب سويّاً في نزهة ؟
- الى اين ؟
- استأجرت كوخاً في أعلى الجبال , فمارأيك ان نمضي به عطلة الأسبوع؟
- موافقة 
ومع انه تفاجأ من سرعة قبولها لعرضه , لكنه ظنّ بأنها ساذجة ولا تدرك ما ينتظرها هناك 
***

ووصلا الى هناك بحلول المساء .. وعلى الفور أمسك بيدها ليأخذها الى غرفة النوم في الأعلى , وهي بدورها لم تعارضه !
وبعد ان رأت السرير الكبير , قالت له :
- لكن عندي شرط
- ماهو ؟
وأخرجت الفتاة الأصفاد من حقيبتها..
والد فؤاد بقلق : لحظة ! صديقي أخبرني بأنه ليس لديك خبرة سابقة في ..
الفتاة مقاطعة : هذا صحيح .. لكني أخاف من سيطرة الرجال , لذلك أفضّل أن أكون انا المتحكّمة في الموضوع 
فابتسم الرجل بخبث : يبدو انك تتعلمين بسرعة , حسناً لا بأس .. إفعلي ما ترينه مناسباً  

وبعد ان قيّدت الأصفاد في يديه , همست في إذنه بإسمٍ أرعب كل كيانه :
- هل تتذكّر ناديا يا سعيد ؟
فارتجف مرتعباً : ماذا قلت ! .. من ؟!
الفتاة : هل نسيتها ؟ هل نسيت كيف أجبرتها على التخلّي عن طفلكما ؟
بدهشة وغضب : وكيف عرفتي بهذه الأمور ؟! هل انت قريبتها ام صديقتها ؟ 
- لا يهم .. انا أتيت فقط لأعاقبك عمّا فعلته بها .. والآن وداعاً 
فصرخ سعيد بغضبٍ وخوف : الى اين تذهبين ؟!! لحظة ! لا تتركيني وحدي هنا .. عودي وفكّي قيودي بالحال !!! 

وصار يصرخ كالمجنون وينتفض محاولاً فكّ أصفاده المُقيدة بالأعمدة الحديدية الصلبة للسرير .. لكنه سمعها وهي تصفق باب الكوخ بقوة , ثم صوت محرّك سيارته تبتعد عن المكان (بعد ان أخذت المفاتيح من بنطاله المُلقى على الأرض) لتتركه وحيداً في الكوخ الذي يبعد كيلومترات عن أقرب مكانٍ مأهول في المنطقة ! 
***

في عالم الجن .. إقتربت ذات الصبية من فؤاد وهي تقول :
- أظنني أتقنت عملي
فؤاد بابتسامة : أحسنت يا صديقتي .. لقد عاقبتي والدي بما يستحق
- وهل ستتركه يموت هناك ؟ 
- لا مجرّد يومين , ثم أرسل له من ينقذه  
- حينها سيكون والدك بوضعٍ مزري وسيءٌ للغاية 
- مهما حصل له سيكون أسهل ممّا واجهته امي طوال السنوات الماضية , فقد دمّر حياتها تماماً بأنانيته وفسوقه .. دعيه يتربّى , كيّ لا يؤذي البنات الطاهرات من جديد
الفتاة : ليت امك تستطيع رؤية عقابه 
- ربما يوماً ما ستعرف كل شيء... المهم .. أشكرك يا صديقتي لتنفيذك المهمّة ببراعة .. سنبقى على اتصال , لربما إحتجتكِ في مهمّاتٍ لاحقة 
وهي تصافحه : انا في الخدمة دائماً يا صديق الطفولة 
***

لكن لم يكن هذا الإنتقام كافياً ليُشفى غليل فؤاد , فذهب بنفسه الى كوخ والده مُتخفيّاً (بعد ان ملك هذه الصفة حديثاً) .. وصار يرمي الأغراض حول والده المقيّد بالسرير والذي كان يصرخ كالمجنون وبرعبٍ شديد !! خاصة بعد ان كسر فؤاد القنديل الذي كان بجانبه ليعمّ الظلام الدامس في المكان ..فانهار والده بالبكاء بعد ان أيقن بوجود الجن في الكوخ :  
- ارجوكم لا تؤذونني !! انا نادمٌ جداً لما فعلته بناديا وبقيّة النساء .. كنت شاباً تافهاً واستغلالياً .. أعدكم ان أتغير .. ارجوكم دعوني وشأني !!

وبعد ان سمع ابنه ما قاله , أوقف وسائل تعذيبه النفسي .. واتصل بصديقه عن طريق التخاطر الذهني كيّ يذهب الى صاحب الكوخ ويطلب منه تفقّد المكان والذي فعل ذلك في صباح اليوم التالي ليجد الرجل في حالةٍ سيئة ..فقام بفكّ قيوده وإشرابه الماء وبعض الطعام ومساعدته في تنظيف نفسه , ثم طلب له سيارة أجرة ليعود الى قصره منهاراً وقد تغيّر تماماً ! بعد ان أمضى الليلة كلّها يستذكر كل ما فعله بحبيبته السابقة ناديا والبنات الأخريات !
***

وفي أحد الأيام .. وبينما كان فؤاد يتنزّه في عالم البشر دون ان يراه أحد , سمع صوت طفلٍ صغير 
- من يبكي ؟! انا لا أرى طفلاً امامي !

ثم تذكّر انه طلب من رئيس الجن ان يعلم بمكان اللقطاء فور التخلّي عنهم , فأغمض عيناه وركّز على مصدر الصوت .. وحين فتحهما , وجد نفسه امام طريقٌ عام , حيث لم يسمع أحد بكاء الطفل المُلقى على جانبه بسبب أصوات الشاحنات العالي التي كانت تمرّ من امامه !
فركض فؤاد اليه وأسرع بحمله ووضعه داخل معطفه لتدفئته : 
- لا تقلق يا صغيري , ستكون بخير معي  

وبثوانيٍ عاد الى عائلته في عالم الجن..
امه بدهشة : طفلٌ بشريٌّ آخر ؟!
- نعم امي , انتبهي عليه لحين معرفة والديه الملعونين

وعاد مجدداً الى عالم البشر , ليستخدم ميزته الثانية التي طوّرها مع الأيام : حيث رأى لحظة تخلّي الأم عن طفلها , قبل ان تعود الى سيارة حبيبها (والد اللقيط) الذي انطلق مبتعداً عن المكان .. 
فاستطاع فؤاد إقتحام ذاكرتهما ليجد إنهما مدمنا مخدرات وغير جديران بتربيته ! 
فتضايق لأنه لا يريد وضع الطفل امام ميتمٍ يسيئون معاملته .. 

وهنا ! وصلته مكالمة ذهنية من اخيه يقول له :  
- أخبرتني امي انك وجدت طفلٌ لقيط جديد ؟
فؤاد : نعم لكن والداه من حثالة البشر , فمالعمل ؟
أخوه : جيد انني اتصلت بك , فقد كنت قبل قليل أتنزّه في مستشفى بشريّ..ووجدت زوجين طيبين لهم أكثر من عشرين سنة يحاولان الإنجاب .. فما رأيك ان نعطيهما الولد ؟
- أتعرف عنوانهما ؟
- نعم سآخذ الطفل من امي , ثم آتي لآخذك الى عنوان منزلهما لأنني لحقتهما الى هناك 
***

ومع تباشير الصباح اليوم التالي .. تفاجأ الزوج الطيب حينما فتح الباب للخروج الى عمله بوجود طفلٍ على عتبة بيته ! .. فنادى زوجته بعلوّ صوته : 
- فوزية !! تعالي الى هنا فوراً
وحين قدمت لم تصدّق ما رأته :
- ماهذا ؟! طفل ! 
زوجها : نعم , يبدو انه مولود حديثاً .. لحظة , هناك ورقة داخل بطانيته
وكان فؤاد كتب فيها : ((مرحباً .. والدي ووالدتي شابان يافعان غير جديران بحمل مسؤوليتي , فهل تتبنونني لتكونا عائلتي الجديدة ؟ .. التوقيع : الملاك الصغير))
فمسحت الزوجة الطيبة دموعها : انه هدية من الربّ لنا
زوجها بحماس وفرح : إدخليه بسرعة قبل ان يتجمّد من البرد , وانا سأذهب فوراً الى الصيدلية لأحضر له الطعام والغيارات وكل مستلزمات طفلنا الجميل
*** 

في المساء .. جلس فؤاد في زاوية منزل الزوجين الطيبين (دون ان يرياه) وهو مستمتع برؤيتهما يعتنيان بالطفل الصغير وكأنه ابنهما بالفعل ! بينما كان فؤاد يبكي بمرارة على ان والده لم يكن حنوناً كهذا الرجل , وقال في نفسه : 
- ليتني كنت مكانك ايها الصغير .. ماذا أقول ؟ .. انا فعلاً مثلك .. ولدٌ لقيط , ربّتني عائلة طيبة غير أهلي الحقيقيّن  .. الفرق الوحيد بيننا : انك ستبقى بشريّاً , اما انا فلم أعد أعرف من أكون !

ثم خرج من المنزل بعد ان أخذ قراراً بأن يُسخّر حياته لمعرفة عناوين الأزواج الطيبين العقماء , كيّ يقوم لاحقاً بتسليم الأطفال اللقطاء اليهم .. 
وهذا ما حصل بالفعل في السنوات اللاحقة ..
***

وفي أحد الأيام .. كان فؤاد (المتخفّي) يجلس بجوار زوج امه العجوز في الحديقة العامة , وهو يراقب امه وهي تمرجح أخاه الجديد الذي أصبح في الثالثة من عمره , بينما كانت أخته (التسع سنوات) تلعب مع صديقاتها في الجهة الأخرى من الحديقة .. 
فقال فؤاد بنفسه بحزن :
- لقد كبرتي بسرعة يا اختي .. وانت يا أخي , كم أرغب الآن أن ألاعبك ..  أتمنى يا امي ان يعوّض هذا الصغير حرمانك لي.. ليتني فقط أستطيع ان أحضنك كما أفعل في مناماتي , لكن الأفضل ان أبقى بعيداً عنكم .. ومع ذلك أعدكم أن أزوركم دائماً يا عائلتي البشريّة 

وقبل ان يقوم من مقعده , سمع نبأً من المذياع الذي يحمله زوج امه العجوز , حين سألت المذيعة محلّلاً إجتماعياً :
- سيد أحمد .. لقد لاحظ المراقبون نقصاً ملحوظاً في أعداد الأيتام بالسنوات الماضية , وفي نفس الوقت إزدادت حالات أيجاد الأزواج العقماء للقطاء امام ابواب منازلهم ... فهل تظن ان هناك رابط بين الحالتين ؟
فأجاب المحلّل : لا ادري , لكن في حال كانت هناك جمعية سرّية تقوم بهذا العمل التطوعي فهي تستحق منّا كل احترام والتقدير , لكن لا ادري لما تصرّ على القيام بذلك في الخفاء ! كل ما يمكنني قوله : ان من يفعل هذا العمل الخيريّ لهو بطلٌ خارق

وبعد ان سمع فؤاد ذلك , ابتعد عن الحديقة العامة وهو يقول في نفسه : 
- نعم , هذا هو هدفي في الحياة .. فأنا ملكت صفة العالمين من البشر والجن , لأكون ولداً خارقاً يُنقذ اللقطاء في كل مكان .. وسأسمّي نفسي : ((مُنقذ الطفولة البائسة)) 

فجأة ! سمع صوت طفلٍ لقيط آخر يبكي في الجهة الأخرى من المدينة , فأسرع قائلاً :
- هآ انا قادمٌ يا عزيزي .. ملاكك الحارس في طريقه اليك

ثم اختفى فؤاد عن المكان دون ان يلاحظه أحد !  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...