الاثنين، 16 يوليو 2018

زواج القُصّر

كتابة : امل شانوحة

 أعيدوا لي طفولتي !!

أحمد بدهشة : هل جننت ؟ ابنتك في الثامنة من العمر !
والد الفتاة : أصبحت في التاسعة , وزوجتي أخبرتني أنها بلغت الأسبوع الماضي وهذا يكفي لتزويجها
- إتقي الله يا رجل , مازالت طفلة !
- وما دخلك انت ؟ فلوّ كنت تزوجت وأنجبت البنات لأحسسّت بثقل همّهنّ .. والآن أعذرني .. عليّ الذهاب للعريس لتفاوض معه..

صديقه أحمد مقاطعاً : لحظة ! من هو العريس ؟
- الحاج عبد الله حسين
- ماذا ! انه أكبر مني ومنك  
الأب : وما المشكلة , طالما سيدفع لي مهراً جيداً
- إنتظر قليلاً .. وكم سيدفع لك ذلك العجوز الهرم ؟
- ثمناً يكفي لشراء منزلٍ جديد 
صديقه : وما رأيك بمنزلي في الجبل ؟ الم يكن يعجبك ؟ 
- نعم كثيراً , لكن ما دخل منزلك بالموضوع ؟
- سيكون مهر ابنتك ان زوّجتها لي

فضحك الأب ملء شدقيه , ثم قال :
- قلّ انك تريدها منذ البداية , بدل ان تضيع وقتي بنصائحٍ لا لزوم لها
- والآن علمت بنيّتي تجاه الصغيرة , فماذا قلت ؟
ففكّر الأب قليلاً , ثم قال :
- حسناً .. غداً صباحاً تُسجّل بيتك بإسمي .. وفي المساء يُقام عرسكما , ايها الصهر العزيز
- إتفقنا
***

وبعد ان أخبر زوجته بموعد عرس ابنته القريب , قامت بدعوة الأقارب لحفلة الحنّاء مساءً , وهي سعيدة بالتخلّص من ابنة ضرّتها التي توفيت قبل سنوات تاركة (سمر) بعمر الثالثة ..

وقد تجمّعت النّسوة في بيتها لتقديم الهدايا للعروس الصغيرة التي مازالت لم تفهم سبب إهتمامهنّ المُفاجىء بها !
لكنها مع هذا شعرت بحزن بعضهنّ على نصيبها الغير موفّق .. رغم ان (أحمد عليّ) هو مجبّرٌ بارع في منطقتهم , الا انه يبقى في عمر والدها 
***

بعد انتهاء الحفل .. جلست سمر في غرفتها وهي سعيدة بالملابس الجديدة التي أهدوها إيّاها النّسوة ..
فدخلت عليها زوجة والدها وهي تقول لها :
- سمر !! تعالي واجلسي بقربي , فعليّ تعليمك بعض الأمور المهمّة

وبعد مضيّ ساعتين من حديث البالغين , لم يزلّ عقل الصغيرة لم يستوعب ما سمعه ! .. كلّ ما فهمته هو إنها لن تذهب الى المدرسة بعد اليوم , وبأن عليها القيام بأعمال المنزل لرجلٍ غريب ! ممّا أحزنها كثيراً , فرغم قساوة والدها الا انها لا ترغب بالإبتعاد عنه والعيش في منزلٍ جديد , كما انها تحب مدرستها وصديقاتها التي لم يمهلوها الوقت لتوديعهنّ !

فجلست سمر تبكي بحسرة , فظنّت زوجة والدها انها فهمت ما ينتظرها ليلة الغد .. وتركتها في غرفتها بعد ان قالت لها بلؤم :
- غداً سنقلب غرفتك الى غرفة جلوس , وسنتخلّص من سريرك.. لذا لا تظنّي للحظة أنك ستعودين الى هنا .. يعني من منزل زوجك الى قبرك .. أفهمتي ؟!!
***

وأمضت سمر الليل كلّه وهي تبكي بقهر , وتشكي حالها الى خيال امها في الصورة الوحيدة التي تملكها لها :
- ليتك يا امي أخذتني معك , فهم ينوون قتلي غداً .. آه يا الهي ساعدني .. كم أتمنى ان أنام ولا أصحى ابداً
***

في الصباح .. إستيقظت سمر لتجد زوجة والدها في غرفتها ترمي اغراضها داخل صندوق , بما فيهم العابها وحقيبتها المدرسية
فصرخت سمر بفزع : ماذا تفعلين ؟! هذه أغراضي !!
فابتسمت لها بمكر : اليوم أصبحتي فتاةٌ كبيرة , لذا سأرمي كل هذه الأغراض الطفوليّة السخيفة 

فقفزت سمر من سريرها مُحاولةً منعها , لكن دون فائدة .. فقد حكموا عليها بأن تودّع طفولتها للأبد !
وظلّت تبكي كثيراً , خاصة على لعبة القماش التي خاطتها لها امها حين كانت طفلة , وهي الذكرى الوحيدة منها 
***

وظهراً .. عاد والد سمر فرحاً بورقة تمليك بيت الجبل بإسمه , ومن بعدها بدأت تجهيزات العرس تجري على قدمٍ وساق .. وقامت نسّوة المنطقة بمساعدة زوجة الأب بكل ما يلزم .. بينما قامت عجوز بإخاطة فستان أبيض لسمر من أمتارٍ قليلة من القماش لقصر قامتها .. 

ومرّ الوقت بطيئاً على سمر , كانت فيه الأحداث تمرّ امامها كفيلمٍ بالحركة البطيئة ! فكل النسّوة من حولها يتراقصون بفرح , وزغاريدهنّ أشبه بطلقات رصاص تخرق روحها الهشّة .. وكل ما كانت تسمعه في هذه اللحظات هو نبضات قلبها التي علت على صوت الدفوف .. 

وبعد ان ألبسوها فستان الفرح ووضعوا الوان الزينة على وجهها لم تتعرّف سمر على نفسها بالمرآة حيث بدت كشبحٍ مُبهرج أكثر من عروس في ليلة عمرها ! 
وأجلسوها فوق الكوشة لتتأمّل من هناك نظرات صديقاتها الحزينة وهنّ يرونّ زميلتهنّ المتفوقة بالمدرسة تتركهنّ لتنتقل مع زوجها الى مدينته البعيدة !  
 ***

وفجأة ! علت صوت الأغاني والزغاريد بدخول العريس .. 
- انه العم أحمد !
قالتها سمر في نفسها باستغراب : 
- انه صديق والدي ..عمي الذي كان يلاعبني حين كنت صغيرة .. هل هو العريس فعلاً ؟ ام هو والد العريس ؟! لا العم احمد ليس لديه اولاد .. هذا لا يعقل ! .. كنت أحترمه كوالدي , فكيف سأصبح زوجته الآن ؟! .. والله حرام
ودون وعيٍّ منها , حاولت سمر الهرب من الكوشة .. 

الاّ ان زوجة والدها التي كانت تجلس قربها , أمسكت بيدها بقوّة حتى كادت ان تكسرها .. وهمست لها بلؤم :
- إجلسي فوراً !! قبل ان أصفعك امام الجميع
فجلست سمر من جديد وهي ترتجف بخوف .. 

وما ان جلس العريس بجانبها حتى شعر بخوف الصغيرة منه , لكن لم يكن بإمكانه فعل شيء لطمأنتها بوجود تلك النّسوة حولهما ..
***

وانتهى العرس .. وجلست سمر في سيارة العريس , وهي مازالت تنظر الى والدها من بعيد بعيونٍ دامعة وكأنها تترجّاه : 
((ابي , لا تبعدني عنك .. خذني اليك .. لا تجعلني أذهب معه , ارجوك))
لكن والدها كان مشغولاً بإطلاق النار من رشّاشه فرحاً بتزويج ابنته ..
***

وظلّت الصغيرة تراقب بيتها الذي فيه ذكريات والدتها والذي كان يبتعد عنها شيئاً فشيئاً , حتى اختفى مع اختفاء صوت زغاريد النساء وتوقف طلقات العرس !

وعمّ السكوت داخل السيارة .. والعريس الشائب مازال يقود بهدوءٍ أرعبها ..لكنه حين تأكّد من ابتعادهما عن الجميع , قال لها : 
- سمر .. إفتحي الصندوق الذي أمامك .. هيا لا تخافي , إفتحيه
ففتحه لتجد كيساً مليئاً بالحلوى التي كان يشتريها لها قبل سنوات , فهو مازال يذكر الحلويات التي تحبها
وللحظة نست خوفها وأخذت تأكل الحلويات بنهمٍّ كأيّةِ طفلة في مثل عمرها ..وبدوره ابتسم لها بحنان الأبوّة 
***

ووصلا بعد ساعات الى قريته التي لم يُخبر فيها أحد بزواجه , لأنه لم يردّ عرساً آخر .. 
ونزل أحمد من سيارته باتجاه بيته , ليلاحظ تجمّد سمر في مكانها بعد ان عاد لها الخوف من جديد ! 
فناداها قائلاً : 
- انزلي يا سمر , ففي الداخل شيءٌ سيعجبك .. هيا تعالي 
ولم يكن امامها الا ان تطيع اوامره .. فنزلت اليه بخطىً متثاقلة ..

وبعد ان أنار اضواء المنزل .. فتح لها باباً فيه غرفة نومٍ زهريّة تناسب عمرها .. فنظرت اليها بدهشة ! لأن غرفتها كانت عبارة عن سريرٍ صدىء وخزانةٍ قديمة .. لكن هذه الغرفة تشبه غرف الأميرات في الرسوم المتحركة !
وقال لها : لقد اشتريتها هذا الصباح , ستكون هذه غرفتك
فأسرعت تسأله :
- وانت ؟!
فأشار الى الغرفة المجاورة :
- تلك ستكون غرفتي 
فقالت بدهشة وفرح : أحقاً ! هذه غرفتي وحدي
- نعم .. ولتطمئني أكثر اشتريت لك هذا القفل ..وحين تنامين , إقفلي الباب على نفسك

الصغيرة بارتباك : لكن زوجة ابي أخبرتني عن أشياء... 
فقال مقاطعاً : إنسي كل ما قالته لك .. واسمعيني جيداً يا سمر .. كل ما أطلبه منك هو ان لا تخبري أحداً بما يحصل داخل هذا البيت .. فهذه حياتنا ولا دخل لأحدٍ فيها , حتى والدك
- لكنهم أخبروني انهم سيزوروني غداً صباحاً
العريس : نعم أعرف , دعيني أتكلّم معهم .. ومهما سألوك , إلتزمي الصمت
سمر : فهمت ..

العريس : والآن سأخرج لأجلب العشاء , بعد ان أُحضر حقائبك من السيارة .. وانت عليك إدخالها الى غرفتك , ومن ثم ترتّبي ملابسك في الخزانة الى ان أعود
سمر : حاضر عم احمد .. (بارتباك) ..أقصد.. 
العريس مبتسماً : لا بأس , ناديني عمّ احمد ..لكن ليس أمام الناس ..مفهوم 
- حاضر 
- وسأحضر معي المثلّجات ايضاً .. انت تحبين الفراولة على ما أذكر 
سمر بحماس : نعم !! الفراولة بالمكسّرات
- كما تشائين يا أميرتي الصغيرة
فابتسمت الطفلة بارتياح بعد ان أحسّت بحنانه الأبويّ التي إفتقدته مع والدها القاسي

***
وبعد العشاء .. أمضت سمر ليلتها الأولى في غرفتها الزهريّة وهي سعيدة بنعومة سريرها , مُحتضنةً لعبتها الكبيرة التي وجدتها داخل خزانتها , كهديّة من العم احمد .. ونامت بارتياح , بعد ان أقفلت بابها جيداً .
***  

في صباح اليوم التالي .. إستيقظت سمر على صوت زوجة والدها وهي تصرّ على دخول غرفة النوم لرؤية العروس (دون ان تعلم بأن لسمر غرفةٍ خاصة )
لكن العريس رفض تماماً ان يدخل أحد الى غرف بيته , وطلب منها ومن زوجها البقاء في الصالة الى حين حضور العروس والتي ما ان دخلت عليهما , حتى استقبلتها زوجة والدها بالأحضان , كتمثيليةٍ سخيفة امام والد سمر الذي كان سعيداً بصهره الجديد ..
وأرادت زوجة والدها الإنفراد معها للحديث عن ليلة البارحة , الا ان العريس رفض ذلك مطلقاً ..وطلب من سمر ان تحضّر لهم الشايّ 
وبعد ذهابها الى المطبخ..

زوجة الأب بعصبية : لا يحقّ لك ان تمنعني من مكالمتها ! فأنا اريد الإطمئنان عليها
العريس بحزم : قلت لكما انها بخير والأمور جرت على ما يرام !! وبصراحة لا احب لأحد ان يتكلّم في خصوصيّاتي 
فقال الأب لزوجته : إتركيه على راحته 
زوجته باعتراض : كنت فقط اريد ان اتأكّد بأنها بخير , ولم تتألّم من ..
العريس مقاطعاً بغضب : لوّ كان حقاً يهمّك أمرها لما زوّجتها بهذا العمر الصغير !!
والد سمر بقلق : ما بك غاضباً يا صهر ؟ هل حدث شيءٌ البارحة ؟!
العريس بعصبية : قلت !! كل شيءٍ على ما يرام .. الا تفهمان ؟! 

ثم نادى العروس بصوتٍ عالي : سمر !! إحضري الشايّ بسرعة , فعائلتك مستعجلة للذهاب
ففهما بأنهما غير مرحبٌ بهما في بيته ! فغضب الأب وخرج من هناك على عجل , ولحقته زوجته.. 

وحين قدمت سمر ومعها الشايّ , سألته بدهشة :
- اين ذهب ابي ؟!
العريس بضيق : ذهب في حال سبيله .. والآن تعالي لنشرب الشايّ وحدنا
***

في سيارة الأب العائد مع زوجته الى قريته :
قال بغضب : لا يحقّ له منعي من الإطمئنان على ابنتي !!
فخافت زوجته ان يغضب من صهره ويحاول إسترداد ابنته , التي لم تصدّق متى تخلّصت منها .. فتظاهرت بالضحك
زوجها باستغراب : ومالذي يضحكك ؟!
- أعتقد انه خاف ان تفضحه ابنتك
- ماذا تقصدين ؟!
فتغمزه زوجته بمكر : أقصد انه في مثل عمرك , وأكيد يعاني من نفس مشاكلك
- آه ! الآن فهمت ..
وضحكا ساخرين من حالته الصحيّة ..
***

وبعد اسبوعين .. فاجأ العم احمد سمر بحقيبةٍ مدرسية جديدة وأقلام ودفاتر
سمر بدهشة : لمن هذه ؟!
- لك طبعاً
سمر : هل سأعود الى المدرسة ؟!
- بالطبع .. وقد قمت بتسجيلك في المدرسة القريبة من هنا
الفتاة بفرح : أحقاً عم احمد ؟!!
- نعم , وستدرسين الى ان تُنهي مرحلة الثانوية
فحضنته كما تحضن الفتاة والدها .. فربت على ظهرها بحنان وهو يقول :
- اريدك ان تكوني الأولى يا سمر , كما كنتي دائماً
سمر بحماس : سأفعل سأفعل !! ..المشكلة انه ضاعت عليّ اسبوعين من الدراسة 
- لا تقلقي فجارتنا مدرّسة , وقد اتفقت مع زوجها ان تعطيك دروساً خصوصية ابتداءاً من اليوم مساءً
- شكراً جزيلاً لك .. لكن..
- لكن ماذا ؟
سمر بقلق : ان عرف والدي بالأمر فسيغضب مني
زوجها بجدّية : سمر .. والدك لا دخل له بك بعد اليوم .. انت زوجتي , وانا اريدك ان تُنهي دراستك .. مفهوم !! 
فأومات برأسها موافقة.. 

زوجها : والآن خذي هذه ايضاً
سمر بدهشة : مريلة !
- نعم إلبسيها لأتأكّد من مقاسها , وان كانت طويلة أرسلها فوراً للخيّاط كيّ تلبسينها مع بداية الأسبوع
فوضعتها على جسمها وهي تقول :
- أظن ان طولها مناسب , لكني سأتأكّد أكثر
وركضت الى غرفتها لتقيس مريلة المدرسة بسعادةٍ غامرة
***

وفي صباح بداية الأسبوع .. طرق أحمد باب غرفتها
- هيا سمر !! ستتأخّرين على المدرسة
ففتحت الباب وهي تلبس ثياب مدرسة ..
- لما لم تصفّفي شعرك ؟!
- لم أعرف ! 
- تعالي اذاً
وبعد ان مشّط شعرها , ذهب الى المطبخ للفّ السندويشات لها ..
- دعني أقوم بذلك
- لا , انت رتّبي شنطتك بسرعة قبل ان نتأخّر على مدرسة

ومن ثم أرسلها الى هناك .. ورغم ان اليوم الأول في مدرستها الجديدة كان غريباً عليها , خاصة بعد ان لاحظت المعلمات وزميلاتها خاتم الزواج في يدها الصغيرة , الا ان سمر استطاعت إثبات نفسها بعد ان شاركت في الفصل , حيث لاحظ الجميع ذكائها 
***

ومرّت الأيام .. كان فيها أحمد يساعد سمر بأعمال المنزل كيّ تتفرّغ لواجباتها المدرسيّة .. وهي بدورها تفوّقت بالدراسة في كل سنة , حتى وصلت للثانوية العامة .. وحينها فقط وصل الخبر الى والدها بأنها تُكمل دراستها , فأتى على عجل مع زوجته لزيارتهما..

وفي الوقت التي كانت تحضّر لهم القهوة , تفاجأت بصوت أحمد يصرخ على أهلها :
- وما دخلكما ؟!!
الأب : هي ابنتي
الزوج بغضب : وهي زوجتي !! وانا أريدها ان تتعلّم 
الأب بعصبية : لم يبقى الاّ ان تجعلها تعمل معك في تجبير الكسور
الزوج بتحدّي : ربما أفعل 
فوقف الأب غاضباً : والله أقتلها ان فعلت !!
فوقف الزوج في وجهه : بل والله اقتلك انت ان اقتربت منها .. أفهمت !!
وهنا ارتعبت الزوجة كثيراً على زوجها , فقالت لوالد سمر : 
- معه حق , فهي زوجته وهو حرٌ فيها .. هيا لنذهب من هنا

ومن بعد هذه الزيارة , قاطع الأب ابنته سمر الى ان أنهت دراستها.. 
***

وفي نهاية السنة الدراسية .. دخلت سمر الى المنزل سعيدة .. 
- عم احمد !! لقد تخرّجت أخيراً من المدرسة , وكنت الثالثة على الدفعة 
فقال لها مُعاتباً : ولما لستِ الأولى ككلّ مرّة ؟
- والله حاولت , لكن.. 
فقاطعها مبتسماً : كنت أمزح معك .. مبروك يا صغيرتي
- وما هي جائزتي ؟
الزوج : أطلبي ما شئتي
فقالت بسعادة : أريد نزهة بالبرّ كالصيفية الماضية 
- لكني لا أعرف الطريق .. فإبن صديقي هو من أخذنا تلك المرة
فقالت بحماس دون ان تنتبه : نعم نعم !! دعّ وليد يأتي معنا

ولأول مرّة لاحظ حماسها ! وتذكّر سعادتها كلما زاره ابن صديقه الجامعي الشاب الوسيم , فعرف بأن قلبها مال له .. فشعر أحمد بالحزن لأنه أدرك بأنه مُقبلٌ على قرارٍ صعب ..

لكن كان عليه اولاً التأكّد من شكوكه .. فذهب مع زوجته برحلة البرّ برفقة صديقه وابنه .. وصار يراقبها من بعيد ليراها وهي تحاول مكالمة الشاب على انفراد والذي رغم خجله من زوجها الا انه كان ايضاً يشعر بانجذاب تجاهها بعد ان أصبحت صبيّة فاتنة ..
*** 

وفي أحد الأيام .. قدِمَ الشاب الى عيادة المجبّر بناءً على طلبه 
- نعم عم احمد , هل طلبتني ؟
- اهلاً وليد .. تعال واجلس بجانبي , اريد ان أكلّمك بموضوعٍ مهم , لكن اولاً عدّني بأن لا تخبر أحداً عنه , حتى والدك
- يبدو انه موضوعٌ خطير !
أحمد : نعم , فأنا سأضع سمعتي كلّها بين يديك
الشاب بدهشة وقلق : لم أفهم !

فحاول أحمد استدراجه بالأسئلة كيّ يعرف شعور الشاب تجاه زوجته .. فتضايق وليد من ذلك , وقال له بندم :
- أعتذر منك .. وأعدك بأن لا أكلّمها ثانية
ففاجئه بسؤاله : هل تحبها ؟
فأجاب بارتباك : نعم ..أقصد لا !! من المستحيل ان أخون ثقتك بي , عمي
- اجلس اجلس .. سأخبرك بسرٍ مهم

وأخبره بأنه تزوجها شفقةً عليها من والدها , وبأنه طوال السنوات التسع التي أمضتها في بيته لم يعاملها الاّ كأبنته.. 
الشاب بدهشة وهو يكتم فرحه : أتقصد انك لم تلمسها ؟!
- مطلقاً , ولن أفعل ذلك ابداً 
- لكن هذا ظلم بحقها , فهي مازالت صبيّة 
أحمد : أعرف هذا ولذلك سألتك ان كنت مهتمّاً لأمرها , كيّ أطلقها وأزوّجها لك
الشاب باستغراب : أحقاً ؟!
- نعم , وسأسألها الليلة عنك ..وإن أحسسّت بحبها لك , فسأطلقها بالحال .. لكن عندي شرط
باهتمام : ماهو ؟
احمد : ان تبقى سمر في بيتي الى ان تُنهي عدّتها ..ثم أكون وكيلها بتزويجها لك .. وكل ذلك سيتمّ بسريةٍ تامة
- ولما السرّية ؟!
احمد بقلق : لأني أخاف ان علم والدها بطلاقها ان يأخذها الى بيته ويبيعها لعجوزٍ آخر , لهذا عليك الإنتظار قليلاً 

ورغم غرابة الوضع ! الا ان شاب قبل بالأمر , وهو مازال محرجاً من أخلاق العم احمد الراقية..
*** 

في ذلك المساء .. أخبر سمر بخطّته , فبكت متأثّرة من حنانه..
أحمد : لا تبكي رجاءً
سمر بحزن : أشعر وكأنني أخونك !
- لا لم تفعلي , فأنت صبيّة وما تشعرين به أمرٌ طبيعي .. ولوّ كان والدك انساناً سويّ لزوجك بعمرك هذا لشاب بعمر وليد.. 
وهي تمسح دموعها : والله لقد عشت معك أجمل سنوات حياتي , وكأن الله عوّضني بك عن والدي القاسي
أحمد : وانا كوالدك عليّ إكمال المهمّة ..فبعد ان أنهيتِ دراستك , عليّ تزويجك من شابٍ صالح .. ووليد أعرفه جيداً وأعرف عائلته , وهو حتماً سيسعدك .. كل ما أريده منك هو أن تكتمي خبر طلاقك عن والدك
- فهمت
ثم تنهّد أحمد بضيق , وقال بتردّد : 
- والآن عليّ إنهاء الرابط الذي يجمعنا .. سمر .. انت طالق 

وما ان سمعت تلك العبارة التي تخشاها كل النّسوة , حتى أسرعت الى غرفتها باكية , فبالرغم انها لم تعامله الا كوالدها الا ان كلمة الطلاق آلمت قلبها .. 
وهو بدوره أمضي ليلته منكسر القلب وهو يشعر بأنه فقد ابنته الغالية للأبد
*** 

ومضت شهور العدة دون ان تختلف معاملته الحنونة معها .. الشيء الوحيد الذي تغير : انه بات يرفض ان تقوم له بأعمال المنزل 

وفي يوم .. إقتربت منه وهو يجلي الصحون : 
- دعني على الأقل أساعدك ! 
أحمد : لا .. فبعد ايام سأعود للعيش وحدي , وعليّ التعوّد على الإهتمام بنفسي من جديد
- ولما لا تتزوج انت ايضاً ؟ 
مبتسماً : لقد كبرت على هذه الأمور , يا سمر  
سمر : تزوّج من امرأة تناسبك بالعمر لتكون صديقتك في ايامك المقبلة
- لا تشغلي بالك بي , فكّري فقط بأيامك الجميلة القادمة يا عروس
***

وقبل يوم من كتب كتابها على الشاب وليد.. طرق احمد باب غرفتها ليجدها ترتّب حقائبها .. 
احمد : سمر .. اريد ان أعطيك شيئاً 
وأعطاها قلادةً قديمة ..
سمر وهي تتفحّص القلادة المصنوعة يدويّاً : ما هذه ؟!
- هذه قلادة والدتك
- لم أفهم ! 
أحمد : كنت سألتني سابقاً : لما لم أتزوج في حياتي ؟
- نعم لماذا ؟
- لأنني لم أحب احداً سوى امك

سمر بدهشة : ماذا قلت ؟!
- لا تفهميني غلط .. كنت انا ووالدك وامك ثلاثة اصدقاء نلعب سويّاً في الحارة ..وكنت أحبها منذ ان كنت في التاسعة من العمر وهي في الخامسة , وهي ايضاً تحبّني .. لكن حين بلغت امك 13 من عمرها , تفاجأت بوالدك يخطبها ..فاضّطررت لإخفاء حبها في قلبي للأبد !
سمر باستغراب : لم أكن أعرف هذا !
فيتذكّر أحمد بحزن : وحين أُصيبت امك بطلقٍ ناريّ طائش في عرس قريبتها وانت في عمر الثالثة , أحضرها والدك البخيل اليّ .. فجنّ جنوني حين رأيتها تنزف بغزارة , وكُدّت أضربه ليُسرع بإحضار سيارة الإسعاف .. وحين خرج من عيادتي , حاولت قدر المستطاع إنقاذها لكنها كانت تحتضر , ووقتها فاجأتني بإعادة القلادة التي صنعتها لها بعمر 12 , حيث لم تفارق عنقها ابداً , كما طلبت مني ان أرعاك لأنها خائفة عليك من والدك ... وانا بدوري وعدّتها أن أنتبه عليك كإبنتي تماماً 

سمر وهي تمسح دموعها : ألهذا تزوجتني ؟
- لم أجد حلاً آخر لإنقاذك من والدك الطمّاع وزوجته اللعينة 
فقبّلت سمر يده.. وهي تقول باكية :
- أشكرك جزيل الشكر يا عمي , فقد وفّيت بوعدك لأمي .. ليتك حقاً تزوّجتها بدلاً من ابي , لكنّا أصبحنا أسعد عائلة
أحمد بحزن : انا وامك فشلنا في ذلك , لهذا عدّيني ان تحقّقي حلمنا وتبني عائلة سعيدة مع وليد
- أعدك بذلك , يا عمي الغالي
***

وفي اليوم التالي .. أرسلها مع زوجها وعيونه تفيض بالدمع , لكنه في نفس الوقت كان يشعر بالراحة لأنه وفّى الأمانة..
لكن هذا لم يعجب والدها الذي زاره بعد يومين كالمجنون , حين وصله الخبر ..
الأب صارخاً بغضب : أيّها اللعين !! كيف تزوّج زوجتك ؟!
أحمد بحزم : ومالمشكلة ؟ انا طلّقتها , وهي وكّلتني بزواجها
الأب مُعترضاً : وكيف توكّلك انت , وانا والدها ؟!
أحمد : طالما انها كانت متزوجة , فهي حرّة باختيار وكيلها 
الأب بقهر : لا يحقّ لك !! فأنت بذلك حرمتني من مهرها الجديد

وهنا لم يتحمّل أحمد ما سمعه , ولكم الأب بقوّة أسقطته أرضاً ..
وصرخ في وجهه غاضباً : أهذا كلّ ما يهمّك !!! .. المال فقط !.. قتلت زوجتك بإهمالك وبُخلك ..ودمّرت حياة ابنتك , وكل ما يهمّك هو المال ! هيّا أغرب عن وجهي !! وولله ثم والله !! إن سمعت انك تعرّضت لسمر وعريسها , لأفرّغ مسدسي في رأسك .. أفهمت ؟!!!

وقد صدمه موقفه ! فهذه اول مرّة يرى (والد سمر) أحمد غاضباً هكذا ! لهذا إنطلق بسيارته هارباً .. ومن وقتها لم يره أحمد ثانيةً ..

كما ان سمر لم ترى والدها منذ ذلك الحين , لكنها كانت تداوم على زيارة العم احمد مع زوجها وليد واطفالها الثلاثة الذين كانوا ينادونه : ب((جدّي)) .. وهو بدوره كان سعيداً بعائلته الجديدة . 
*****

ملاحظة :
يُقال انها قصة حقيقية حصلت باليمن , ولا أدري مدى صحّتها .. لكن ان كانت حقيقية فبارك الله بالعم احمد الذي أنقذ الصغيرة من مطامع والدها.. وحرص على إكمال تعليمها , وتزويجها لشاب من نفس جيلها .. 
جعل لها عمله هذا في ميزان حسناته , وكثّر الله من أمثاله .

هناك تعليق واحد:

  1. تفاجئت من ان القصه حقيقيه ..
    قصه جميله💕

    ردحذف

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...