الخميس، 28 يونيو 2018

معاناة الجنّ

تأليف : امل شانوحة


 
ثورة الجنّيات ضدّ السحرة البشريين !

إستغلّت الجنّية (هنوف) سفر زوجها الى قرية أهله البعيدة لتقوم بمخاطرة لم يجرأ عليها أحد منذ قرون .. فقد طارت بمساعدة صديق والدها العجوز (من الجن الطيّار) مُتنقلةً معه من واديٍ الى وادي بحثاً عن (وَجد) الجنّية الجريئة التي استطاعت مُعاندة عفاريت ومردة قبيلتها من الجن الناريّ الذين يسيطرون حاليّاً على قبيلة الجن الترابي (سكّان باطن الأرض) والتي منهم هنوف والدة الشاب دوما الذي ظلّ مصيره مُقيّداً منذ سنوات طويلة بفتاةٍ بشريّة وصلت بسببه سن العنوسة .. وذلك بعد ان نفذ صبر والدته التي عقدت العزم على فكّ سجن (وجد) كيّ تساعدها على تحرير ابنها بأسرع وقتٍ ممكن
***

وحين وصلت أخيراً الى شقٍّ عميق في إحدى البراكين الخامدة , وجدت السجينة (وجد) مُقيدة هناك وقد تحوّلت الى ما يُشبه الشبح بجسمها الهزيل ووجهها الشاحب وثيابها المهترئة , كما انطفأ بريق عيونها السبعة , والتي ما أن رأت هنوف (القزمة السوداء بشعرها الكثيف) تقترب منها بحذر , حتى انتفضت برعب وهي تحمي وجهها بيديها :
- لا !! ارجوك لا تقتليني !! لقد أعلنت توبتي ولن أغضب أسيادي مجدداً !!
هنوف مُهدّئة : إهدئي رجاءً .. فأنا أتيت لأفكّ قيودك 
وجد بدهشة : وهل ألغى قضاة الجن حكم المؤبد عليّ ؟!
- بصراحة لا .. لكني أتيت بالخفاء لأحرّرك من سجنك
- ولماذا تخاطرين بحياتك من أجلي ؟ فأنا لا أعرفك !
هنوف : سأخبرك بكل شيء , لكن دعيني أساعدك أولاً

وبعد ان فكّت قيودها , أطعمتها وغسّلتها وغيّرت ملابسها .. ثم بدأت تخبرها بالسبب الحقيقي وراء قدومها ..
هنوف : كما أخبرتك .. قبيلتك سيطرت على قبيلتي منذ خمسين سنة بعد ان خسرنا الحرب معهم , و لا ادري حقاً كيف تطيقون حكم المردة والعفاريت الجائر والجبّار ؟!
فتتنهّد وجد بضيق : نعم , الجن الناريّ هم الأكثر عتوّاً وصلابة بين كل انواع الجن .. وأظنهم ارادوا السيطرة على الجن الترابي لأنكم بالعادة تعيشون في بيوت البشر , لهذا تعتبرون المفضلّون عند السحرة البشريين الملاعيين !!
هنوف : عفواً على سؤالي .. لكن كيف استطعت خرق الحاجز الذي بيننا وبين البشر ؟!
وجد : هذا حصل بعد أن ورثت كتاباً أثريّاً كان لعائلة والدتي , فأمي من الجن المائي الغوّاص 
هنوف بدهشة : لم أكن اعرف ذلك ! كنت أظنك ناريّة من كلا الوالدين

وجد : لا .. (ثم تسعل قليلاً) .. اين كنّا ؟ .. نعم .. حين تمّ إختيار ابني لتنفيذ أوامر الساحر البشريّ , بدأت بدراسة ذلك الكتاب الأثريّ الضخم كيّ أجد أيّ ثغرة تجعلني أنتقل الى عالم البشر , لأفكّ إرتباط ابني بذلك البشريّ المسكين 
هنوف بدهشة : أتسمّين المسحور بالمسكين ؟!
- بصراحة نعم , فقد أشفقت عليه .. فمهمّة ولدي كانت النفخ الناريّ في جسد المسحور الذي بدأ يعاني من آلام تُشبه ألم الحصوة بالكلى , وبعد سنوات من تحمّله لذلك الألم القاسي قام باستئصال كلا كلوتيه وزراعة كلية جديدة , لكن قريب ذلك البشريّ أصرّ على الساحر ان يجدّد له السحر , فقام ابني بالإستجابة لطلبات الساحر مُرغماً , وبدأ يتسبّب بالمزيد من الآلام للمسحور مما أدّى لتدهوّر حالته النفسيّة.. وحين استطعت أخيراً إيجاد التعويذة المناسبة التي تجعلني أصل الى إبني وأفكّ قيود رجله المعلّقة بأعضاء البشريّ الداخلية , قام ذلك المسحور يائساً بالإنتحار , مما تسبّب بمقتل ابني معه 

هنوف بقلق : يا الهي ! أهذا يعني ان أبناءنا بمهمّاتٍ انتحارية ؟!
وجد : ربما .. فالإنسان ليس لديه صلابتنا وصبرنا و بالعادة ييأسون بسرعة , فكيف برأيك سيتحمّلون كل هذه الآلام الجسدية والنفسيّة التي نُسبّبها لهم بسبب السحر ؟
هنوف بجدّية : إذاً جيد انني وجدتك , فأنا اريد تحرير ابني من مهمّته .. ولا تقلقي , فجميع نسّوة قريتي سيساندونك في فكّ العقود التي تربط ابنائهم بالسحرة .. لكن المهم الآن .. هل مازلتي تحفظين تلك التعويذة التي تصلنا بعالم البشر ؟
وَجد بابتسامةٍ ماكرة : بل أحفظها أكثر من اسمي .. (ثم تلفّتتّ حولها بقلق) ..لكني أخاف ان أذهب معك , فلربما أتى أحد الحرس ..وفي حال لم يجدني في مكاني , سيقوم بإبلاغ المجلس عن هروبي .. ومن ثم ..
هنوف مقاطعة وبحزم : ثم ماذا ؟!! .. بكل الأحوال انت محكومٌ عليك بالإعدام , على الأقل لنمتّ جميعنا كأبطال ونحن نحاول التحرّر من عبوديّة سحرة البشر الملاعيين !! 

ففكّرت وجد قليلاً , قبل ان تُومىء برأسها موافقة .. ثم ركبتا ظهر الجن الطيّار الذي كان ينتظرهما خارج الكهف , وانطلق بهما عائداً الى قرية هنوف في باطن الأرض .. وقد وصلوا اليها مع تباشير الصباح والجن نيام , وعادوا الى بيوتهم بسرّيةٍ تامة 
*** 

وماهي الا ساعات .. حتى انتشرّ الخبر بين مجموعة محدّدة من النساء (الجنّ الترابيون) اللآتي يتشاركنّ جميعاً : بأن لديهنّ ابناء رحلوا منذ مدة طويلة بمهمّاتٍ سحريّة , ولهذا فرحنّ جداً برؤية البطلة وجد في قبو منزل هنوف .. 

وبعد ان سلّموا عليها .. بدأوا بالخطيط لمهمّة إنقاذ ابنائهنّ بسرّية تامة دون علم أزواجهنّ الفخورين باختيار العفاريت لأبنائهم الصغار لهذه المهمّات الصعبة .. 
فقالت هنوف لهنّ :
- لقد قمت بهذه المخاطرة وأحضرت البطلة وجد اليكنّ لأننا جميعاً نعاني من الشيء ذاته .. فكما تعرفون .. إبني دوما مازال مرتبطاً بتلك البشريّة لأكثر من 33 سنة ! الا يكفي ان ضاع شبابه معها ؟ لهذا لم أعدّ أحتمل , وأريد عودته اليّ حالاً !! 
فقالت الجنيّة (ام مهران) بحزن : على الأقل ابنك ذهب في مهمّته حين كان مراهقاً , لكن ما ذنب ابني الصغير ان يرتبط بطفلٍ بشريّ لعشر سنواتٍ كاملة , حتى أوشكت على نسيان شكله !
فقالت الثالثة غاضبة : علينا القيام بثورة تطيح حكم العفاريت الناريّة , فنحن لم ننعم بالراحة منذ خمسين سنة .. والمشكلة ان ازواجنا الجبناء يطيعون أوامرهم , بل يهدّدونا بالفراق ان منعنا ابناءنا من تنفيذ طلباتهم !

فقالت القزمة الرابعة بقلق : برأيّ , الأمر شبه مستحيل .. فعبوديّة الجن للسحرة البشريين بدأت منذ ايام النبي سليمان .. أيّ من قرونٍ طويلة .. فكيف بإمكاننا الآن التحرّر والإستقلال عن البشر ؟! وفي حال استطعنا , فالأمر سيؤدي حتماً الى حرقنا في ساحة قريتنا من قبل المردة والعفاريت الذين لديهم مصالحهم الخاصة مع سحرة البشر
هنوف بحزم : كل ما أعرفه ان الأمر بات لا يطاق , وانا قرّرت بأن أفكّ سحر ابني بنفسي , ولوّ جازفت بحياتي !! 
صديقتها مُحذّرة : لا تتهوري يا هنوف , فعنادك قد يتسبّب بموته ايضاً كما حصل مع ابنها (وأشارت الى البطلة وجد) .. ما بك لا تتكلّمين ؟ ارجوك إنصحينا فنحن تائهات , وانت الوحيدة بيننا التي جرّبت الموضوع من قبل

فنظرت وجد اليهنّ بعيونها السبعة , ثم قالت لهنّ :
- ربما لم تنجح مهمّتي لكن الموضوع ليس مستحيلاً ويمكنكنّ إنقاذ اولادكنّ , لكن عليكنّ بعدها إرسالهم الى مكانٍ بعيد كيّ لا ينفضح أمرنا لحكّامنا فيعدمونا جميعاً
هنوف بحزم : سأقوم أنا بالمخاطرة الأولى .. وان مُتّ مع ابني الشاب , فوصيتي لكنّ : ان تهتمّوا بإبني الصغير 
فنظرنّ صديقاتها اليها بحزن , بعد ان شعرنّ بأنه من المستحيل تغير رأيها بعد أن عقدت العزم ..
وجد : طالما انت مصرّة يا هنوف على المجازفة , فسأخبرك بالخطة
واستمعت الجنّيات الى خطة وجد باهتمام ..
***

وفي الجهة الأخرى من العالم .. كانت السيدة البشريّة رؤى تحتفل مع صديقاتها بعيد ميلادها الأربعين .. وبعد ان انتهاء الحفل , إقتربت منها صديقتها التي لم تغادر مع الأخريات ..
- لما أراك حزينة هكذا ؟ فأنت لم تبتسمي ولوّ لمرة طوال الحفلة 
رؤى بحزن : وعلى ماذا أفرح ؟! فقد وصلت اليوم الى سن العنوسة
صديقتها مُعاتبة : لا تقولي هذا , فأنت سيدة ناجحة في عملك ولديك الكثير من الأصدقاء
- وما الفائدة طالما ليست لديّ عائلتي الخاصة ! فكما رأيتي .. جميع أصدقائي القدامى من ايام دراستي المدرسية والجامعية وكذلك زميلاتي في العمل جميهنّ متزوجات , حتى ان بعضهنّ إحتفلنّ بخطوبة اولادهنّ , وانا لم اصبح أماً بعد ! وربما لن أشعر بالأمومة مطلقاً 
صديقتها بتردّد : أتدرين .. لطالما أردّت سؤالك عن هذا الموضوع , لكني كنت اخشى ان اجرحك
رؤى بعد ان تنهّدت بحزن : اسألي عزيزتي
صديقتها : الم يخطبك أحد طوال العشرين سنةً الماضية ؟

تبتسم بحزن : أكثر من 15 شخص , ولا ابالغ ان قلت ان جميعم كانوا يستعجلون اهلي بتحديد موعد الزواج  
- إذا ماذا حصل ؟!
- لا ادري .. فقبل حفلة الخطوبة , يختفون تماماً !
- ماذا تقصدين ؟!
رؤى بحزن : يغيّرون رأيهم في آخر دقيقة , وكنت أظن السبب : ان إحدى أقربائي تقوم باختلاق عيوبٍ في شخصيتي وتُخبرها للعريس , فيعزف الآخر عن اتمام الزواج
- وهل هذا ما حصل حقاً ؟
- يبدو لا .. فقد طلبت من اهلي ان لا يخبروا أحداً بموضوع تقدّم أيّ عريسٍ لي حتى إتمامّ الزواج , لكن مع هذا لم يتغير شيء ! .. وفي أحد الأيام التقيت بصديقتي التي ابتعدت عني بعد فشل الخطوبة مع اخيها , وسألتها عن السبب 
- وماذا قالت ؟

رؤى : قالت شيئاً لم أفهمه ! فقد أخبرتني بأن اخاها قبل يوم من حفلة الخطوبة بدأ يعاني من كوابيسٍ مُقلقلة , ورأى جني شاب في نومه يخنقه ويهدّده بايذائه في حال اقترب مني 
صديقتها : ماهذه الخرافات ! هل بسبب الكوابيس تُلغى الأعراس ؟!
- لا ادري .. لكني بدأت أصدّق كلام جدتي بأنني مسحورة
فنصحتها صديقتها قائلةً : مع انني لا أأمن بهذه الأمور ..لكن اذهبي الى شيخ لديه خبرة بفكّ الأسحار , فلربما تجدين الحلّ عنده  
***

وفي تلك الليلة .. نامت رؤى بعد ان أتعبها التفكير في مستقبلها البائس .. وحينها شاهدت كابوساً أفزعها : 
حيث شاهدت طرف بطانيتها تتحرّك بشكلٍ هستيريّ , وصوت امرأة تقول لها : 
- إمسكيه قبل ان يهرب !!
وكأن كلباً عالقاً تحت الغطاء ! فقامت الفتاة وأطبقت يديها عليه , ليرتفع قليلاً في الهواء .. ثم يخرج من تحت الغطاء علبةٌ حديدية صدئة مربوطة بثلاث خيطان سوداء .. فحاولت رؤى فكّ إحداها .. لكن صوت المرأة حذّرتها قائلةً : 
- لا !! إيّاكِ ان تفتحي العقد دون قراءة المعوذات

فبدأت رؤى بقراءة المعوذات وهي تفكّ العقد الثلاثة .. ومن ثم فتحت الصندوق , لتجد بداخله صرّة قماشيّة مُهترئة .. وحين فتحتها وجدت بها شعر خاروفٍ اسود وبهارٍ أصفر كالكركم تمّ لفّهم حول لعبةٍ قطنية , وعلى وجه اللعبة عُلّقت صورة قديمة بدبوس : وكانت صورة لرؤى في سن السابعة ! وكانت بقيّة الدبابيس مغروزة في جسم اللعبة  
ووسط دهشة رؤى مما تراه , سمعت صوت المرأة ذاتها تقول لها:  
- والآن سمّي الله وانت تزيلين كل دبوس على حدة ..

لكن فجأة ! رأت خالتها تصرخ من بعيد وهي تقول :
- إيّاك يا رؤى ان تفكّي سحرك !! فقد دفعت به مبلغاً كبيراً
وهجمت عليها لتمنعها !!! لكنه نزل من سقف الغرفة نساءٌ أقزام مُتشحات بالسواد كثيفات الشعر ولديهنّ عينٌ واحدة مضيئة تتوسّط وجوههنّ , قاموا جميعاً بعمل حلقة حول رؤى بعد ان امسكوا بأيديهنّ ليحموها من خالتها التي كانت تحاول بقوة إختراق صفوفهنّ , وهي تصرخ من خلفهنّ :
- دعوني أمنعها !! فحياتي بخطر ان فكّت سحرها

لكن المرأة ذاتها (وهي الجنّية هنوف) قالت لها : 
- إسرعي وفكّي سحرك يا رؤى !!
فأسرعت الصبية بفك الدبابيس عن اللعبة , لترى خالتها تصرخ بألم خلف نساء الجن , بعد ان سقطت على الأرض وهي تتلوّى من الألم !
***

استيقظت من بعدها رؤى وهي تحاول التقاط انفاسها برعبٍ شديد , ثم أيقظت امها لتروي لها الكابوس الذي أفزع الأم ايضاً وجعلها تقرّر أخذ ابنتها الى شيخ في اليوم التالي والذي قام بتبشيرهما (بعد ساعتين من القراءة على رؤى) بفكّه لسحرها الذي دام أكثر من ثلاثين سنة !

اما خالتها .. فقد عرفتا ظهر ذلك اليوم بأنها دخلت المستشفى بعد ان أصابها صرعٌ مفاجىء , وقد عجز الأطباء عن كشف علّتها !

فقالت رؤى لأمها بغضب : لن أحزن عليها يا امي , فهي لم تشفق على ابنة اختها وهي ترى شبابي يتلاشى كل سنة .. واليوم وبعد ان تخلّصت من سحرها , قامت الجن بعقابها والإنتقام منها .. فلتذقّ قليلاً ممّا جعلتني أعاني منه لسنوات .. اللعنة عليها وعلى هذه القرابة !!
***

في هذه الاثناء .. كانت نسّوة الجن تُهنىء هنوف بعودة ابنها (دوما) سالماً الى أحضانها بعد ان أصبح رجلاً .. لكن للأسف ليس لوقتٍ طويل , لأنها مُرغمة على تسفيره في الصباح الباكر الى أهلها بالقرية الثانية قبل عودة زوجها من السفر .. 
***

وبعد ان ودّعت دوما بالدموع .. عادت هنوف الى بيتها لنقل وجد الى منزل جنية عجوز تعيش لوحدها 
هنوف : انا آسفة يا وجد , لكن زوجي سيأتي قريباً ولا اريده ان يراك هنا 
وجد بابتسامة : لا تقلقي عليّ , فبقائي في منزل العجوز أأمن لي .. المهم الآن .. انني سعيدة لنجاحك في المهمّة
- لم اكن لأنجح لولا توجيهاتك , يا صديقتي ..
- وانا سأعلّمها للبقيّة , كيّ ينقذنّ ابنائهنّ الواحد تلوّ الآخر .. هل جميعهنّ مجتمعات هذا المساء في بيت العجوز ؟

هنوف : كلهنّ ماعدا ام نارند , فهي تصرّ على معارضتنا ! لكني لا الومها فأبنها لم يُرسلوه بعد في أيّةِ مهمّة , وان كان دائماً يُسارع بتسجيل اسمه ضمن المتطوعين الشباب , وهي رغم قلقها عليه الا انها تخاف مُخالفة اوامر العفاريت .. الجبانة !
وجد : دعيها , فهي لم تذقّ بعد ألم الفراق الذي عانينا منه جميعاً  
فأومأت هنوف برأسها موافقة بحزن
***

في مساء اليوم التالي ..استيقظوا على صوت البوق العالي الذي يخشاه جميع الجن , فهو اعلان لإجتماعٍ خاص بشباب الجن في ساحة القرية ..وهذا يعني بأن أحد البشر قام بسحر شخصٍ آخر , لهذا طلب الساحر البشريّ من أتباعه من المردة والعفاريت الناريّة ان يحضروا له متطوّعاً من شباب الجن الترابيين كيّ يربط مصيره بالمسحور , الذي ربما يكون للأبد !

ام نارند بعد ان سمعت النداء : 
- اللعنة !! ليس من جديد .. هاى ابني ! الى اين انت ذاهب ؟!
ابنها وهو يستعد للذهاب : الم تسمعي يا امي .. عليّ الإلتحاق برفقائي بالساحة
- لا ابني , أخاف ان يختارك العفريت لهذه المهمّة الإنتحارية
- انتحارية ! لا تبالغي امي ..هي مجرّد سنواتٍ قليلة وأعود اليك
- سنوات ! الم تسمع ما حصل لابن وجد الذي مات مع المسحور
- تلك حالةٌ استثنائية .. فالبشر عادة ما يفكّون أسحارهم سريعاً .. لا تقلقي امي 
وودّعها , غير آبهٍ بتوسّلاتها ودموعها ..
وكان خوفها في محلّه , حيث تمّ إختياره لهذه المهمّة 
***

ومع تباشير الصباح من تلك الليلة.. تفاجأت النّسوة المُختبئات في قبو منزل العجوز بقدوم ام نارند اليهنّ .. 
هنوف بدهشة : أهذا انت ؟! ما الذي أتى بك الينا ؟ 
- اريد ان أنضمّ اليكنّ 
وجد باستغراب : أحقاً ؟!
ام نارند : نعم , لكن بشرط ان تفكّوا قيد ابني اولاً
جنّية أخرى : لكنه التحق اليوم بالمهمّة !
ام نارند وهي تبكي بقهر : نعم , واريد عودته حالاً !! فأنا ترملّت وهو طفلٌ صغير وربّيته لوحدي , ولا استطيع العيش دونه , فهو كل ما تبقي لي من أهلي 
وجد : حسناً إهدأي قليلاً .. وأجلسي معنا في الحلقة , لأننا سنبدأ بالتعويذات بعد قليل 
***

وبدأنّ بتلاوة تراتيل التعويذة التي تجعل إحداهنّ تنتقل الى عالم البشر .. وكانت المهمة : إرسال ام نارند الى هناك للبحث عن ابنها وتحريره من مهمّته.. وقد فعلت ذلك رغم اعتراض ابنها الذي كان يخشى سخرية اصدقائه عليه , لكنها وعدته بتسفيره سريعاً الى منطقة اخرى وبسرّية تامة .. وحينها فقط قبل العودة معها 
***  

وبعد النجاحات المتتالية للبطلة وجد بمساعدة الجنّيات استطعنّ تحرير معظم ابنائهنّ من سحر البشر وارسالهنّ الى اماكن بعيدة عبر الأنفاق الأرضية كيّ لا يراهم أحد من القرية ويوصل الخبر الى العفاريت ..

وعلى الفور !! انتشر خبر البطلة وجد بين مجموعة الأمهات اللآتي إنضممّن الى الحلقة التي غصّت بها بيت العجوز الصغير , وكل واحدة منهنّ ترغب في تخليص ابنها او ابنتها من الإعتقال البشريّ ..
***

ووصل الدور الى ام مهران التي تم اختيار ابنها الصغير ليلازم طفلاً بشرياً سحرته زوجة والده العقيمة كيّ يصبح كسيحاً وأعمى , وهذا يعني ان يشاركه الجني (مهران) بنفس مرضه الذي دام عشر سنوات ..

وقد نجحت (وجد) بارسال ام مهران الى مكان ابنها .. والتي قامت بالتسلّل الى حلم والد الطفل البشريّ وإخباره بمكان السحر الذي قامت زوجته بدسّه في وسادة ابنه .. فقام الأب مفزوعاً من المنام , وذهب الى غرفة ابنه النائم وسحب الوسادة من تحت رأسه وفتحها ليجد التميمة الجلدية التي بها كلمات السحر , فقام بحرق ورقة التعويذات .. ثم جلس قرب ولده النائم وهو يبكي ويقرأ له القرآن .. ليتفاجأ بعدها برؤية ولدٍ اسود يخرج من جسد ابنه ويسرع راكضاً الى امه الجنية المتشحة بالسواد التي كانت تقف قرب باب غرفة الولد , وكل هذا حصل في ثواني .. وأدّت صرخة الأب بعد ان أفزعه المنظر لإيقاظ ابنه وزوجته الأولى من نومهما .. ورغم ان ام الصبي لم تصدّق ما قاله , الا انها تلعثمت بسعادة حين رأت ابنها يسير باتجاهها وقد عاد لون عينيه بعد ان كانتا بيضاوتين لسنوات .. فحضنته وهي تبكي .. وحينها وعد الأب الغاضب بتطليق زوجته الجديدة التي تسبّبت لعائلته بالألم لسنواتٍ طويلة بسبب حقدها وغيرتها !
***

في اليوم التالي وفي باطن الأرض .. جاء دور جنّية أرادت فكّ رباط ابنتها الشابة الجميلة التي إختارها قادة العفاريت لمهمّة منع شابٍ بشريّ من الزواج , وبعد ان ارسلت (وجد) امها الى منزل المسحور .. طلبت الأم من ابنتها العودة معها الى عالم الجن , لكن ابنتها رفضت ذلك بحجة انها أحبته بعد ان لازمته لعشرين سنة .. لكن امها صرخت عليها قائلة :
- كفّي عن هذا الهراء !! لا زواج بين البشر والجن .. الا يكفي انك حرمته من حبيبته طوال هذه المدة .. هيا عودي معي الى بيتك , فإبن عمك مازال ينتظرك 
وحاولت الصبية تحرير يدها من قبضة امها وهي تصرخ :
- انا لا احب ابن عمي , اريد البقاء مع هذا البشريّ الوسيم !!!

لكن امها استطاعت إعادتها بالقوّة الى عالم الجن .. وكان هذا خطأً فادحاً , لأن الصبية ارادت الإنتقام من امها القاسية , فأخبرت أحد الجنود من الجن الناريين بما فعلته امها .. ووصل الخبر سريعاً الى قادة العفاريت والمردة الذين استشاطوا غضباً من مخالفة الجن الترابيين لأوامرهم .. ولاحقاً تمّ القبض على هنوف وبقيّة النّسوة الخونة .. لكن (وجد) كانت الوحيدة التي هربت منهنّ .. وتم تحديد موعد الإعدام حرقاً في ساحة الجن امام الجميع ..واصّطفت النّسوة الأبطال فوق منصّة الحرق بثباتٍ وقوّة ليس لها مثيل 
*** 

في هذه الاثناء .. كانت وجد تتنقّل بسرعة بين احلام كل البشر التي أنقذتهنّ من سحرهم في الآونة الأخيرة ..
***

وفي الساحة .. تفاجأ الجن بحضور الأبن الأكبر لأبليس بعد ان ارسله والده لحلّ هذه المشكلة .. وبعد ان سجد الجن الترابيين والناريين له .. قال لهم بصوتٍ جهوري : 
- لقد وصل الخبر لوالدي .. وكان له رأيٌّ آخر
فأنصت الجميع له باهتمام ..
ابن ابليس : سنقوم فقط بحرق هنوف ووجد لتكونا عبرة للجميع .. اين الخائنتان ؟ 
فاقترب رئيس العفاريت منه , وأشار من بعيد على إحدى النّسوة المقيدات فوق المنصّة .. 
- تلك هي الجنية هنوف التي تجرّأت على فكّ سجن المجنونة وجد
ابن ابليس : واين وجد ؟
فسكت العفريت بارتباك .. 
بغضب : الم تسمعني ؟!!
العفريت بخوف : لقد اختفت , سيدي 
- ماذا ! الم تقبضوا عليها بعد ؟!

فقال ماردٌ شاب : هي اساساً لن تستطيع فعل شيء من دون مساعدة صديقاتها..
ابن ابليس بغضب : اسكت انت !! 
ثم فكّر قليلاً , قبل ان يقول : 
- حسناً.. سأشرف اليوم على اعدام هنوف ..وحين تقبضون على تلك الخائنة تخبرونني , كيّ نقيم اجتماعاً جماهريّاً آخر لإعدامها
المردة والعفاريت بصوتٍ واحد : حاضر سيدي !!

وبدأوا بإنزال بقيّة النّسوة اللآتي كنّ يبكين على مصير هنوف التي ظلّت لوحدها مقيّدة بالعامود الخشبي في انتظار إعدامها .. بينما كان زوجها يحمل ابنه الصغير ويراقبها من بعيد وهو يشعر بالأسى عليها وفي ذات الوقت يشعر بالخزيّ لما فعلته , كما كان متضايقاً منها لأنها رفضت ان تخبره بمكان ابنه الشاب بعد ان قامت بتحريره ..

وهنا ! فاجأت هنوف الجميع بشجاعتها , حين قالت بصوتٍ عالي من فوق المنصّة :  
- لا يهمّني ان أموت !! فنحن كأمهات سنرفض دائماً إرسال ابناءنا في مهماتٍ انتحارية .. وان كنتم ايها القادة ترضون بالخضوع للبشر , فارسلوا ابناء الجن الآخرين من الناريين والهوائيين و المائيين او القمريين .. وحتى الضوئيين !! 
فشهق الجميع لجرأتها , لأن الجن الضوئيين هم أشد الجن إيماناً وأبعدهم عن الشر ! 

وهنا أشار ابن ابليس بإصبعه للعفريت المسؤول عن الأعدام , فاقترب من هنوف التي كانت تُخفي خوفها , وبدأ بوضع الاخشاب تحتها لإحراقها..بينما كان الحزن يعمّ الجميع , خاصة رفيقاتها من النّسوة الأمهات..

لكن فجأة ! سمعوا صوت أحصنة من بعيد , يقودها البشريين الذين فُكّت أسحارهم في الثلاث الشهور الماضية , وكانوا يهجمون بسرعة باتجاههم 
فدبّ الرعب ارجاء الساحة ..وطارت الجن في كل مكان , حتى ابن ابليس والعفاريت والمردة كانوا اول الهاربين ! 

وحينها قفزت الصبية البشرية رؤى من فوق حصانها باتجاه المنصّة وبدأت بفكّ قيود هنوف التي قالت لها بدهشة :
- أهذا انت ؟!
رؤى بابتسامة : نعم , فأنت أنقذتني من سحرٍ كاد يتسبّب في عنوستي , وبسببك ..ومن بعد توفيق ربي طبعاً .. إنخطبت البارحة وسأتزوج قريباً بعد ان كنت يئست من الحياة 
ثم اقترب شابٌ بشريّ من الجنّية هنوف , قائلاً لها : 
- وانا أخيراً وجدت عملاً بعد ان عانيت لسنوات من البطالة

ثم صعد الى المنصة والد الطفل الأعمى : 
- وبسببك انت وصديقاتك , وبحمدٍ من الله تعافى ابني من إعاقته .. وقد قمنا بتسجيله قبل ايام في المدرسة , وكاد يطير من الفرح وكأنه وُلدَ من جديد
ثم اقترب الشاب الوسيم بعد ان تزوج من حبيبته أخيراً , قائلاً لها بابتسامة: 
- انت بطلة يا هنوف , وعلينا جميعاً ردّ الجميل لك
هنوف بدهشة : لكن كيف وصلتم الى هنا ؟!

فأشاروا الى جبلٍ بعيد , حيث كانت تقف عليه وجد ..
وقال الأب : هي أتت الينا في احلامنا وطلبت مساعدتنا في إنقاذك .. وقالت لنا ان نعطيك هذا الكتاب..
واعطاها الكتاب الأثريّ التابع لعائلة وجد ..
هنوف وهي تمسك الكتاب باستغراب : انه كتاب جدّها السحريّ ! 
فنظرت الى صديقتها وجد التي كانت تلوّح لها من بعيد مودّعة , قبل ان تختفي !
هنوف بقلق : الى اين ذهبت ؟!
رؤى : قالت لنا ان نخبرك بأنك المسؤولة من بعدها عن هذه المهمّة , فهي علّمتك كل شيء .. وحان دورها لتعود الى حياتها .. لكنها تريدك ان تخبري والدة الجنيّة الشابة بأنها عاقبتها لأنها وشت عليكنّ , وقد حبستها بإحدى الأودية , وستبقى هناك حتى يذبل جمالها ومن ثم تُعيدها الى قريتها 
هنوف : هذا سيغضب والدتها , لكنها بالحقيقة إستحقت العقاب

وبعد ان نزلوا جميعاً من فوق المنصّة ..
الشاب البشريّ : انطلقي يا هنوف , فأنت حرّة الآن
وهنا أسرع اليها ابنها الصغير (الجني) ليحتضنها..بينما اختفى البشريين فجأة من الساحة (بعد ان أفاقوا من حلمهم) !  

ثم اقترب منها زوجها.. 
- ما فعلته يا هنوف كان غباءً , لكن في نفس الوقت جرأة لم يقوى عليها أحد من قبل .. لهذا اريدك ان تأخذي ابننا الصغير وتذهبي به الى حيث أرسلتي إبننا البكر , كيّ تعيشوا سوياً 
- وماذا عنك ؟ 
يتنهّد زوجها بضيق : سأبقى هنا , فانا لا أستطيع تحمّل لوم الجن .. وسأخبرهم بأنني طلّقتك لشعوري بالعار ممّا فعلته 
هنوف يقهر : أتبيع عائلتك خوفاً من كلام الجن ؟!
- انا هكذا منذ 600 سنة , ولا أظنّني سأتغير الآن .. إذهبي يا هنوف وانتبهي على اولادنا .. فحياتك هنا في خطر 

فقامت بتوديع زوجها , ثم أخذت ابنها الصغير وطارت به الى قرية أهلها البعيدة بعد ان أعطت كتاب التعويذات الى ام نارند لتستلم عنها قيادة فكّ اسحار الشباب في القرية .. 
***

ومع مرور الزمن .. وقف الأزواج أخيراً مع زوجاتهنّ ضمن ثورة جماعيّة , أرغمت العفاريت النارية على الإنسحاب من تلك القرية متوجهين الى قريةٍ أخرى بعيدةً عنهم..
***

ومع تباشير الصباح بالقرية الثانية .. وبينما كانت هنوف تحاول تنويم ابنها الصغير.. 
هنوف : وهذه كانت قصة البطلة الجنية وجد التي أنقذت قريتنا من ذلّ العبودية للبشر , وأتمنى أن يقلّدونها في جميع قرى الجن
طفلها : وهل أنفكّ رباطنا مع البشر للأبد يا امي ؟
- نعم , ففي وقتنا الحالي سننعمّ بالسلام , وكذلك البشر بعد ان ضعفت قوة السحرة والجمعيات السرّية المُعتمدة على مساعداتنا ..لكن الأمر سيعود أسوء من ذيّ قبل مع ظهور الدجّال
ابنها : أتقصدين المسيح الدجال ذوّ القوة الخارقة ؟
- قوته تنبع من استخدامه لأقوى عفاريت الجن .. وهم جن سليمان

ابنها بدهشة : واو ! جن سليمان .. الم يعتزلوا عالمنا ويسكنون البحر مع الشياطين ؟!
- نعم لكنهم سيعودون وقلوبهم مليئة بالحقد على البشر وعلينا ايضاً , وحينها ستكون اياماً سوداء على كلا العالمين .. أتمنى ان لا نعيش الى ذلك العصر .. (تتنهّد بصيق) ..أعاننا الله جميعاً .. نمّ الآن يا بنيّ ولا تفكّر بالمستقبل .. فنحن بأمانٍ الآن 
*******
ملاحظة : 
رابط المقالة عن : أنواع الجن وأصنافهم وخواص كل نوعٍ منهم
https://www.akhbaralaan.net/news/world/2013/3/8/great-importance-human-life-devils

الأحد، 17 يونيو 2018

البُعد الزماني

تأليف : امل شانوحة

الى أيّ زمانٍ ومكانٍ إنتقلت اليه ؟!

عادت السيدة جسيكا الى شقة والدها في العمارة القديمة التي لا يسكنها سوى جيران الطابق الأخير , بينما ظلّت بقيّة الشقق فارغة لسنواتٍ طويلة ولا أحد يعرف السبب الحقيقي لعدم رغبة الناس في البقاء في تلك الشقق , مما ساهم في انتشار الإشاعة : بأن شيئاً مُقلقاً يحصل هناك .. لكن طالما الأمر كذلك , فلما لم يغادرها الجيران الثلاثة الذين يسكنون جميعهم في الطابق الخامس بالقرب من الشقة الرابعة التي تعود لوالد جسيكا المتوفّى منذ ثماني سنوات ؟!

امّا عن سبب عودة جسيكا مع ابنتها المراهقة ديانا (15 سنة) فهو رغبتها بمواجهة الماضي التي لطالما هربت منه : وهو ما حصل لإبنتها الأخرى جاكلين (أخت ديانا التوأم) والتي إختفت حرفياً من الوجود وهي في سن السابعة .. نعم كما قرأتم بالضبط .. لقد اختفت تماماً قبل ثماني سنوات في ليلة إنشغال جسيكا بعلاج طفلتها ديانا بالمستشفى في ذلك المساء الكئيب .. وحين عودتها في اليوم التالي الى منزل والدها وجدته متوفي في سريره بنوبةٍ قلبية , دون وجود أثر لإبنتها الثانية في أيّ مكان ! 

وبعد فشل الشرطة في ايجادها لشهورٍ طويلة استنتجوا بأن ما حصل لجاكلين في تلك الليلة : هي أنها فزعت حين رأت جدها يحتضر وخرجت من المنزل على أمل ان تصل الى المستشفى الموجودة بآخر الحيّ لإخبار امها بما يحصل او لجلب المساعدة الطبية له ..وربما في طريقها الى هناك , إستغلّ احدهم وجود فتاةٌ صغيرة تمشي لوحدها في الشارع بمنتصف الليل فقام باختطافها 

وبعد ان يئست الأم من إيجاد ابنتها الضائعة , إنتقلت مع إبنتها الأخرى الى منطقة بعيدة بعد ان تعبت نفسيتهما مما حصل ..
***

لكن اليوم وبعد ثماني سنوات من تلك الحادثة .. أرادت الأم العودة الى المنزل الذي فيه ذكريات طفولتها مُتحدّيةً جميع آلامها , فكل شيء هناك يذكّرها بإبنتها المفقودة .. وكذلك الأمر لم يكن سهلاً على ديانا التي أصرّت ان تنام في سرير أختها القديم , والتي أغرقت وسادته بدموعها في ليلتها الأولى هناك 
***

وفي الأسبوع الثاني .. وبعد ان قامت الأم بتسجيل ابنتها بمدرسة الثانوية القريبة من مبنى سكنهم , عادت ديانا ظهر ذلك اليوم الى منزلها ..

لكن قبل ان تصعد الى شقة جدها في هذا المبنى الشبه مهجور , أوقفتها سيدة عجوز تبدو من هيئتها وكأنها مشرّدة , وقالت لها شيئاً أربكها ..
- يا ابنتي , إقتربي مني ..اريد ان اخبرك بشيءٍ مهم
- ماذا تريدين يا خالة ؟
- أخبري امك ان تعود من حيث أتت , فهذا المبنى لأناسٍ معينة 
- ماذا تقصدين ؟ نحن عدنا الى منزل جدي , فقد أصبح ملكاً لأمي بعد وفاته 
- جدك كان منهم 
الصبية باستغراب : مِن مَن ؟!
العجوز وهي تتلفّت حولها بخوف : كان من الأشخاص المسموح لهم بسكن هذا المبنى , اما انتم فلا 
- لا ادري ماذا تقولين , المهم ..عليّ العودة الى المنزل , فأمي تنتظرني

وقبل ان تدخل الى المبنى , قالت لها العجوز بصوتٍ عالي :
- اذاً !! أنصحك بأن لا تسهري في المساء , كيّ لا تلحقي بالمسكينة جاكلين
وقبل ان تعيّ ديانا ما سمعته , إختفت تلك المرأة تماماً ! 

فأسرعت الفتاة بصعود الأدارج بفزع (فلا يوجد مصعد في هذا المبنى القديم)
وحين فتحت أمها الباب , وجدتها تلهث بتعب..
فقالت لها الأم : معك حق , حتى انا انقطعت أنفاسي هذا الصباح , ولا ادري كيف كان والدي العجوز يصعد كل يوم الى الطابق الخامس وهو بعمر السبعين !

وهنا أخبرت ديانا ما قالته لها العجوز , فأسرعت الأم للنافذة لكنها لم تراها في الشارع..
ديانا : لا تحاولي يا امي , فأنا ايضاً لم أجدها حين التفت خلفي ! وكأن الأرض إنشقت وبلعتها .. هل يعقل ان تكون جنية ؟!
الأم وهي تُخفي خوفها : لا ! لا يوجد جنّ هنا .. لا تقلقي .. اذهبي الآن وغيّري ملابسك فالغداء جاهز 
***

ومرّت الأمور بشكلٍ طبيعي طوال الأربعة الشهور التالية .. لكن الغريب في الموضوع ان جسيكا وابنتها لم يلتقيا يوماً بجيرانهم الثلاثة : حيث كان يسكن في الشقة المجاورة لهم شابٌ ثلاثيني .. بينما تسكن في مواجهتم سيدة بعمر الأم جسيكا تقريباً , وكانت ايضاً تسكن لوحدها .. بينما يسكن في الشقة الأخيرة من ذلك الطابق رجلٌ عجوز كان نادراً ما يخرج من منزله .. بينما الجار الشاب والسيدة المجهولي الهويّة , فقد إعتادا الخروج صباحاً والعودة في المساء دون ان يتحدثا مع احد !
***

وفي مساء هذه الليلة .. شاهدت المراهقة ديانا كابوساً أفزعها وجعلها تستيقظ قرابة الساعة الثالثة صباحاً , وعلى الفور شعرت بشيءٍ غريب !
فقد كانت غرفتها مضاءة بنورٍ قويّ ينفذ من خلال الستارة السميكة لنافذتها 
فقامت بفتحها لترى ما يحصل بالخارج , وحينها رأت شيئاً أرعبها للغاية وجعلها تتجمّد في مكانها !

فقد كانت هناك غيوماً تحيط بالمبنى , وكأنه تحوّل فجأة الى ناطحة سحاب حيث تجمّعت تحته كتلة ضخمة من الضباب والدخان ! وكان وسط تلك الغيوم نوراً يسطع من داخل فوهةٍ مخروطيّة .. 
وقبل ان تستوعب ديانا ما تراه , شاهدت جارها الشاب يفتح نافذة شقته وهو يتكلّم في جواله , وكان يلبس طقماً رسمياً .. ثم مشى بخطواتٍ ثابتة فوق السحاب باتجاه فوهة النور , ثم إنزلق بداخلها واختفى !

وبعده بدقائق .. لحقته الجارة وهي تُسرع الخطى فوق السحاب وكأنها تأخّرت على موعدٍ ما , ثم انزلقت بداخل الفتحة المضيئة 
بينما كانت ديانا تقف خلف نافذتها فاتحةً ثغرها من هول المشهد ! وإذّ بها ترى الجار العجوز يخرج من نافذته وهو يتّكأ على عصاه ويمشي باتجاه الفتحة المضيئة بخطواتٍ بطيئة .. 

وهنا أسرعت الصبية نحو جوالها لتصوّر ما تراه .. فظهر نور جوالها من خلف الستارة , ممّا نبّه العجوز بأن هناك أحداً يسترق النظر اليه .. 

وفجأة ! وجّه عكازه باتجاه غرفة ديانا بعد ان تحوّل الى شيءٍ أشبه بالبندقية .. وحين رأته ديانا يصوّب سلاحاً باتجاهها , قفزت على سريرها مُبتعدةً عن النافذة , الا ان ذلك السلاح الغريب خرج منه زوبعةً هوائية إقتحمت غرفتها ..وقد حاولت ديانا الصراخ لأمها مُتمسّكةً بقوة بأطراف سريرها , الا ان الزوبعة استطاعت سحبها لداخلها !
***

وحين فتحت عيناها ..وجدت نفسها تجلس خلف جارها الشاب فوق دراجةٍ نارية , وهما يسيران بسرعةٍ جنونية ويقتحمان نفقاً أسوداً مكتوباً عليه :
((أهلا بكم في الجحيم))
وحينها صرخت بفزع !! فنظر اليها الشاب مُعاتباً بعينيه الحمراوتين المضيئتين اللتان أفزعاها وجعلاها تفلت يديها من حول خاصرته , لكن قبل ان يسقط جسمها فوق الشارع ..

فتحت عيناها لتجد نفسها مُقيدة اليدين والرجلين ومُكمّمة الفم وهي مرمية في خلفية شاحنة نقل صغيرة , وبقربها ولدان بعمر السابعة والعاشرة أحدهما صيني والآخر إفريقي مُقيدان مثلها ويظهر الفزع جليّاً من عينيهما الدامعتين ! 

وحين نظرت من النافذة الخلفية للشاحنة وهي تشعر ببردٍ قارص , وجدت لافتة امام مفرق الشارع الذي دخلوه , مكتوباً عليها : 
((مدينة كلاست – استونيا))  
فصعقت ديانا تماماً , فقبل خمس دقائق كانت في شقتها بأميركا , فكيف انتقلت الى دولة قرب روسيا ؟ يعني بالطرف الآخر للكرة الأرضية وبهذه السرعة الخيالية !

لكن ما كان يقلقها في هذه اللحظات هما الطفلان اللذان يرتعشان بجانبها من شدّة البرد , فاستلقت فوقهما كيّ تُدفئهما بجسدها ..وحينها إعتقدت بأنهما شاهدا أحدهم ينتقل عبر البعد الزماني فعاقبوهما مثلها بأخذهما الى مكانٍ مجهول
***

وبعد قليل توقفت الشاحنة الصغيرة .. وما ان فُتح بابها حتى تضاعفت البرودة في الخارج ..
فألقى الرجل المُلثّم لحافاً سميكاً لكل واحداً منهم بعد ان فكّ قيودهم , وقال لهم بلغةٍ انجليزية ركيكة : 
- ما كان عليكم التلصّص على غيركم .. هيا تعالوا ورائي

ومشو جميعاً الى ان وصلوا الى (بحيرة بيبوس) المتجمّدة , وكان يجلس حولها أناسٌ خرجوا من خيمهم التي أوقدوا النار حولها لرؤية المعتقلين الجددّ !
وكان معظمهم من الأطفال والعجائز حيث يظهر البؤس واضحاً على ملامح وجههم , وكأنهم عالقون بهذا المعتقل المحاط بالحرس المسلحين منذ سنواتٍ طويلة ! 

وبعد ان أدخلهم الحارس من البوابة المكهربة , أخبرهم قائلاً :
- هذا مكان المتطفلين أمثالكم .. هيا إدخلوا وجدوا مكاناً لكم
***

في الداخل .. أمضت ديانا دقائقها الأولى بالتجوّل حول الخيم وهي تشدّ اللحاف على جسمها كيّ تتدفأ قليلاً .. 
وهناك شاهدت شيئاً صدمها للغاية ! فقد وجدت فتاة مراهقة في نفس عمرها تقف وحيدة قرب الشاطىء وهي تتأمّل الأفق المُثلّج بشرودٍ تام ..وكلما اقتربت منها لاحظت وجه الشبه بينهما !

وحين وقفت ديانا بجانبها , قالت لها بصوتٍ مرتجفّ :
- جاكلين ! أختي .. أهذا انتِ ؟!
فالتفتت اليها الصبيّة , وهي تقول : 
- من انتِ ؟
فقالت بفرح وهي تكاد لا تصدّق عينيها : انا ديانا !! أختك التوأم 
وحاولت إحتضانها , لكن الفتاة أبعدتها عنها بقسوة : 
- من انت لتحضنيني ؟!!
ديانا بدهشة : أمعقول انك لم تلاحظي الشبه الذي بيننا ؟!
فأجابت الفتاة : انا لم أرى وجهي منذ سنوات , فليس لدينا مرآة هنا

وهنا اقتربت منهما سيدة وهي تبتسم بدهشة : هل انتما توأمتان ؟!
فقالت ديانا لأختها : ارأيتي !! الجميع لاحظ الشبه الذي بيننا
فاقتربت الفتاة منها وهي تقول باستغراب : أحقاً ! هل هذا انت يا ديانا ؟ فأنا لم اراك منذ اليوم الذي مرضتِ فيه 
فحضنتها ديانا وهي تبكي : كان ذلك يوماً مشؤوماً , إختفيت فيه عنا ومات جدي فيه 

لكن جاكلين لم تُبدي تأثّراً ممّا سمعته , بل أخذت أختها الى خيمتها .. وهناك قالت لها :
- جدي لم يمت يا ديانا , بل قتلوه امام عينيّ 
ديانا بدهشة : عن ماذا تتحدثين ؟! فنتائج التشريح أوضحت بأنه مات أثر أزمةٍ قلبية
جاكلين بغضب : بل قُتل , وقد استحق ذلك !! فلما لم يُنبه امي على الأمر , بدلاً من دعوتنا للمبيت عنده في يوم اجتماعهم , فهم يجتمعون مرتين في السنة
ديانا باستغراب : اجتماع من ؟! انا لا أفهم شيئاً
فاخبرت جاكلين اختها بما حصل معها ذلك اليوم.. 
ديانا : يعني انت ايضاً رأيتي الجيران الثلاثة وهم ينتقلون بالبعد زماني الى هنا
- ليس الى هنا , بل الى غابة في وسط افريقيا
- ولماذا ؟

جاكلين : لتخطيط على تغير أحداث الماضي وبالتالي المستقبل على حسب أوامر رئيسهم
ديانا : ومن هو رئيسهم ؟
جاكلين : مجنون آخر من علماء الفيزياء والرياضيات , الا تذكرين كيف كان جدنا مهوساً بالأبحاث بعد تقاعده من التدريس في الجامعة ؟
ديانا بدهشة : أتقصدين ان جدي كان واحداً منهم ؟!
- طبعاً !! لكنهم ظنوا تلك الليلة بأنه خانهم , فقتلوه 
- لا أصدّق ما أسمعه .. طيب , ماذا عنّا ؟ 
جاكلين بيأس : سنبقى في هذا المعتقل البارد الى ان نموت جميعاً , تماماً كما حصل مع 12 شخص منذ انتقالي الى هنا , وقد رمينا جثثهم داخل حفرة في تلك البحيرة المتجمّدة 
ديانا بغضب : لا !! انا لن اموت هنا .. علينا العودة الى امي , فهي ستجنّ حتماً ان عرفت باختفائي انا ايضاً

جاكلين بحزن : ليتك سمعتي نصيحة العجوز
بدهشة : وكيف عرفتي بأمرها ؟!
جاكلين : لأنها أنا
- لم افهم !
فابعدت جاكلين بعد حاجياتها المتراكمة في طرف الخيمة , لتظهر من تحتها حفرةً عميقة يخرج منها طيفٌ أخضر !
ديانا بقلق : ما هذا الشيء ؟! هل هو غازٌ سام ؟
جاكلين : لا ليس غازاً , بل شيئاً سحري لم أجد تفسيراً له .. فقد كنت أحفر هنا قبل شهور لأجعله حمامي الخاص , فأنا لا احب استخدام الحمام الخشبي المشترك الذي بالخارج .. لكن بعد ان وصلت للعمق المطلوب , خرج منه هذا الطيف الغريب ..ولشدّة يأسي , قمت برميّ نفسي داخل الحفرة , لربما تكون بعداً زماني آخر يعيدني اليكم

ديانا باهتمام : وماذا حصل بعدها ؟!
- وجدت نفسي وقد تحوّلت الى امرأةٍ عجوز مشرّدة أسفل عمارة جدي .. وحاولت وقتها صعود العمارة لكني لم استطع وكأن هناك حاجزاً شفّافاً يمنعني من التجوّل الا في بضعة امتار قرب المكان ! وبعد عشر دقائق تقريباً , وجدت نفسي وقد عدّت مجدداً الى هنا 
ديانا : الهذا حين رأيتني .. 
جاكلين مقاطعة : لم اعرف وقتها انك اختي , لكني عرفت انكم السكّان الجددّ في ذلك المبنى المشؤوم وأردّت تنبهيك , فأعضاء الجمعية الذين يسكنون الطابق الأخير استطاعوا خلال السنوات الماضية إرعاب بقية الجيران ليصبح المبنى لهم وحدهم .. 
ديانا : والى اليوم لم يسكن المبنى سواهم !

جاكلين : وهل مازالوا في نفس العمر الذي رأيتهم فيه حين كنت صغيرة ؟ أقصد جارنا الشاب الثلاثيني والسيدة الأربعينية والرجل العجوز السبعيني ؟
- نعم , لكن كيف لم يكبروا طوال سنوات إختفائك ؟!
- لأني سمعت انه من ينضمّ لتلك الجمعية المشبوهة يتوقف عمره , ولا تسأليني كيف .. فالبعد الزماني لديه اسرار فيزيائية لا يعرفها سوى اولئك الملاعيين .. الا تذكرين كيف كان جدي قوياً وكأنه في الخمسينات من عمره , وأظنه بذلك العمر إنضمّ اليهم لذلك لم تؤثّر عليه العشرين السنة التي تلتها  

ديانا : لكنك لم تخبريني بعد كيف قتلوا جدي ؟
- أظنهم حين رأوني أراقبهم ظنّوا بأنه أخبرني بسرّهم فأطلقوا شعاعاً على قلبه أثناء محاولته التبرير لهم , فسقط ميتاً في غرفته .. ومن ثم قاموا بسحبي الى هنا  
ديانا بضيق : يا الهي ! الأمر أشبه بالكابوس .. (ثم تتنهد بضيق) .. ما العمل الآن ؟
جاكلين : لا شيء .. لكن يمكنك تجربة الحفرة , فربما تنبهين امي بما يحصل عندها 
ديانا : برأيّ علينا عمل خطةً جماعية للهروب جميعاً من المعتقل
- خطة جماعية ؟!

ديانا : نعم , فأنا اريد إنقاذ جميع المعتقلين .. كم عددهم برأيك ؟
- 34 , ومعك زدنا واحد
ديانا : جيد .. 35 شخصاً ضدّ 4 حرس
جاكلين : لا تنسي ان معظم المتطفلين من الصغار والعجائز 
- أتعلمين عددهم بالضبط ؟
فتحاول جاكلين تذكّر العدد : أظن هناك 16 طفل .. و7 من كبار السن ..و8 شباب وسيدتان , بالأضافة الينا نحن الأثنتين ..
- الا يكفي عددنا للهجوم على الحرس ؟  

جاكلين : لا أظنها فكرةٌ جيدة , فالحرّاس الأربعة لديهم سلاح غريب يحوّل الشخص الى رماد في ثوانيٍ .. فقد أذابوا اثنان امام أعيننا , حين حاولا الهرب من المعتقل قبل ثلاث سنوات
فتفكر ديانا قليلاُ , ثم تقول : اذاً .. سننتقل عبر هذه الحفرة , الواحد تلوّ الآخر.. ومن يبقى آخراً يغلق الفتحة خلفه .. وبذلك ننتقل جميعاً للجهة المقابلة بعد ان نقفل باب العودة الى هنا
جاكلين بقلق : لكننا سننتقل بهيئاتٍ مغايرة .. يعني حتى أهالينا لن يتعرّفوا علينا
ديانا : لا يهم .. يبقى حلاً أفضل من البقاء في هذا البرد القارص ننتظر الموت
- وماذا تريدين عمله الآن ؟

ديانا : نذهب في المساء الى الخيم دون إثارة انتباه الحرس , ونتكلّم فقط مع الشباب .. ونطلب منهم ان يحمل كل واحداً منهم ولدين أثناء نومهم ويقفز بهما داخل هذه الحفرة 
جاكلين : جيد , فمن الأفضل للصغار ان لا يعرفوا شيئاً عن هذه الخطة كيّ لا يفضحونا.. وبرأيّ ان ننام الآن قليلاً , فلدينا عملٌ كثير في الليل
***

وبحلول المساء .. إجتمع المعتقلون داخل خيمة جاكلين , وقفزوا في الفتحة كلاً بدوره منتقلين الى عالمٍ مجهول ! 
جاكلين : جيد .. لقد قفز الجميع والآن دورك
ديانا : لا ..انت إقفزي اولاً , وانا من سيقفل الحفرة خلفي 

ورغم اعتراض جاكلين , الاّ ان ديانا أصرّت على قرارها , فحضنا بعضهما لأنهما لا يعرفان ان كانا سيلتقيان بعد اليوم ام لا , وقد وعدت كل واحدة منهما الأخرى بأن تحاول المستحيل لتصل الى امهما جسيكا كيّ تحذّرها عمّا يحصل في عمارتها .. 
وبعد ان ودّعتها جاكلين , قفزت بالحفرة .. 

فقامت ديانا بأخذ اللوح الخشبي الموجود اسفل سرير جاكلين وحملته فوق رأسها قبل ان تقفز بالحفرة , بعد ان أقفل اللوح الخشبي الفتحة خلفها 
***

وحين فتحت ديانا عينيها .. وجدت نفسها وقد تحوّلت الى فتاةٍ صغيرة تحتضر بمرض السرطان في المستشفى , وحولها ممرضتان تتكلّمان عنها بشفقة ..
- المسكينة .. الا يكفي انها عاشت عمرها يتيمة لتحتضر الآن بألم
الممرضة الثانية بلا مبالاة : برأيّ ان تموت أفضل لها من حياتها التعيسة

وحاولت ديانا التحرّك لكنها كانت متصلّبة الأطراف , ومع ذلك صرخت بكل قوتها : 
- لا !! انا لا اموت .. وانا لست يتيمة , لديّ أمٌ واخت
لكن لم يسمعاها وكأنها تكلّم نفسها ! وخرجت الممرضتان من الغرفة ليجهزا اوراق دفنها , رغم انها لم تمت بعد !
ديانا بيأس : لا تذهبا !! اريد الإتصال بأمي رجاءً

وحين يئست من عودتهما .. أحسّت بأنفاسها تتسارع , بينما تباطأت نبضات قلبها على حسب قياس جهاز القلب المتصلة به ..
فقالت ديانا في نفسها وهي تمسح دمعتها : 
((على الأقل أتمنى ان يكون حظ الباقين أفضل مني ..وأتمنى ان تصل جاكلين الى امي لتحذّرها من ذلك المبنى اللعين , ولوّ تحوّلت لهيئة تلك العجوز))

وهنا لاحظت نوراً يخرج من زوبعة صغيرة تكوّنت بطرف الغرفة ..وصوتاً يقول لها :
- بسببك نقلنا البعد زماني الى مكانٍ آخر .. اما المتطفلون الذين قُمتِ بتهريبهم , فلم ينجوا معظمهم .. ومن نجى منهم , فقد مُحيت ذاكرته او أصيب بالجنون ..
ديانا بقلق : وأختي .. ماذا حصل لها ؟
فأجاب الصوت بلؤم : لن أخبرك , لكيّ تتعذّب روحك للأبد

ثم أطلق ذلك الصوت المجهول ضحكةً عالية , قبل ان يختفي باختفاء الزوبعة .. ليعلو بعدها صوت صفير الماكينة الطبية تُعلن توقف قلب ديانا الذي لم يطمأن في لحظاته الأخيرة على مصير عائلتها الذي ظلّ غامضاً ومجهولاً !

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...