الثلاثاء، 1 مايو 2018

الطريق الوعر

تأليف : امل شانوحة


يالها من ضحيّةٍ سهلة !

- أهربي يا إيميلي !!
قالتها الأم المرتعبة لإبنتها المراهقة (13عام) لكيّ تهرب من البيت بعد عودة زوجها مخموراً كعادته , لكن هذه المرة كان يحمل سلاحاً بعد رفض ابنتها إطاعته بمواعدة رجلٌ غنيّ أعطاه ثمنها مقدّماً

وركضت إيميلي بأسرع ما يمكنها بين الأحراش الى ان وصلت للطريق العام , وكان الوقت تعدّى منتصف الليل .. وظلّت تمشي على الرصيف بثياب نومها الطفوليّة التي لم تدُفئها بهذا الجوّ البارد 

وفجأة ! توقفت بجانبها شاحنة نقل , كان سائقها رجلاً عجوزاً في السبعينات من عمره , ناداها قائلاً :
- يا بنت !! مالذي تفعلينه في الشارع بهذا الوقت المتأخر من الليل ؟!
فنظرت اليه بعيونها الدامعة وهي ترتعش من البرد :
- يا عمّ , هل تأخذني الى المدينة المجاورة ؟ ففيها منزل والدي 
- هيا اصعدي , انا ذاهبٌ الى هناك في جميع الأحوال

وصعدت لتجد الشاحنة دافئة من الداخل , وأخبرها العجوز بأنه سيتوقف عند المحطة ليحضر لها شيئاً ساخناً تشربه 
وقد فعل .. كما أحضر معه السندويش والحلوى .. 

ايميلي : شكراً لك يا عم , والله انك أحنّ من زوج امي الذي أراد بيعي لصديقه
- الهذا هربتي من المنزل ؟
- نعم
- جيد انك فعلتي .. لكن عليك إخبار والدك عن أفعال ذلك الملعون , كيّ تنتقلي للعيش معه
فأومأت برأسها موافقة .. 

ثم تنهّدت بحزن قائلةً : امي وابي إنفصلا حينما كنت في السابعة , وبذلك أبعداني عن اخي الكبير
- هل يعيش مع والدك ؟
- هو اخي من ابي , كان عمره عشر سنوات حين تزوج ابوه من امي .. وكم كان أخاً حنوناً 
- لا تبكي يا صغيرة , سأوصلك لعائلتك .. حاولي ان تنامي قليلاً , فالمسافة مازالت بعيدة
- هل سنصل الى هناك في الصباح ؟
- يعني , قبيل الظهر .. نامي عزيزتي
***

وبعد ساعتين .. إستفاقت ايميلي بعد إحساسها بتوقف الشاحنة , لتجدها بالقرب من كوخٍ متهالك في أحضان غابةٍ موحشة ! 
وانتبه العجوز لها وهي تنظر للجوار من نافذة الشاحنة , حينما كان يفتح باب الكوخ .. فناداها :
- ايميلي !! تعالي الى هنا
فسألته بقلق : اين نحن ؟!
- إنزلي وسأخبرك 
فنزلت بتردّد , وهي تشعر ببعض الخوف !
***

وبعد ان دخلا الكوخ الذي بدا مهجوراً من الداخل .. سألته من جديد: 
- لمن هذا الكوخ ؟
- هذا بيتي
- ولما توقفنا ؟ الن نُكمل طريقنا نحو المدينة ؟!
- بلى , لكني رجلٌ عجوز ولي عشر ساعات أقود السيارة وقد آلمني ظهري , سأنام قليلاً وفي الصباح نُكمل الرحلة .. هيا تعالي معي لأريك غرفتك

وأخذها الى قبوٍ تفوح منه رائحة الرطوبة العفنة .. وحين فتح قفل بابه شاهدت بالداخل مالم يكن بالحسبان ! حيث رأت أدواتاً يستخدمها عادةً الرجال السادييّن .. 
وحين نظرت اليه , شاهدت بريق عيناه كأنهما لشيطانٍ بهيئة بشريّ ! فعرفت على الفور بأنها وقعت بفخّ مجرمٌ شهوانيّ  
فلم تجد نفسها الا وهي تطلق ضحكاتٍ عالية بسعادةٍ غامرة , فاجأت العجوز وأربكته !
- ما بكِ ؟! هل جننت ؟

ايميلي بفرح : يا الهي !!!! كم انا سعيدة الآن .. الا تدري بأنك حقّقت حلم حياتي ؟
- لم أفهم ما تقصدين ؟!
- هل صدّقت ايها العجوز بأنني هاربة من المنزل ؟
- اذاً لماذا كنت تسيرين كالتائهة في الطرقات ؟!
- حسناً , سأخبرك بقصتي منذ البداية .. حين بلغت 13 من عمري , أُصبت بمرض .. 

وتساءلت في نفسها بقلق : ماذا كان اسم ذلك المرض بفيلم اليتيمة (Orphan) .. آه تذكرته !!
العجوز : لما سكتي ؟ ماهو مرضك ؟
- اسمه (hypopituitarism).. أتعرف ماهو ؟

العجوز : أظنني سمعت به ..اليس هو المرض الذي يوقف نمو الأطفال ؟
- بالضبط !! لهذا تجد مظهري وكأنني مراهقة صغيرة , لكني بالحقيقية بلغت سن الأربعين قبل شهرين 
العجوز بدهشة : ماذا ؟!
- نعم , فجسمي توقف نموه منذ سنواتٍ طويلة .. لكن لا تخفّ , فعقلي عقل امرأةٍ ناضجة .. لهذا كنت أسير في الشوارع بثياب النوم كيّ أجذب الزبائن الذين يعشقون الأطفال أمثالك , فهذا هو عملي 
العجوز بغضب وهو يشعر بخيبة امل : اللعنة !! وانا ظننت بأنني إصّطدتُ فتاةٌ بكر
- لا تحزن عزيزي , سأمثّل بأنني كذلك .. لكن عندي فكرة أفضل
- ماذا ؟

إيميلي : أعرف فتاةٌ مراهقة وهي أجمل مني , وترغب مثلي برجلٍ ساديّ يعاملها بعنف .. وبحسب الأدوات والألعاب الغريبة التي تمتلكها , يبدو انك خبيرٌ بالموضوع
العجوز : نعم , وبسبب ذلك إنسجنتُ عشرين سنة
- يا ه ! انها مدةٌ طويلة 
- هذا لأن ضحيتي رقم 33 كانت الوحيدة بينهنّ التي ماتت بين يديّ  
- ومنذ خروجك من السجن , الم تُكمل مسيرتك الإجرامية ؟
العجوز : لا , كنت أعلنت توبتي وبدأت العمل كإنسانٍ شريف .. لكن حينما رأيتك ...
فأكملت ايميلي كلامه : قلت انها فرصة لا تفوت , اليس كذلك ؟ 

العجوز : صحيح , والآن ماذا عن صديقتك ؟
- إعطني جوالك ودعني أعطيها عنوان كوخك , فهي تملك سيارة .. وبذلك تحصل علينا نحن الأثنين , وستتفاجأ كم نحن خبيرات بهذا المجال , حتى أكثر منك

ففكّر قليلاً قبل ان يعطيها الجوال بتردّد ! لكنه لم يُدرك بأنها قامت بهذه الحيلة الذكية كيّ تتصل بالشرطة , حيث ردّ عليها شابٌ يعمل في خدمة الطوارىء :
- هنا الشرطة , كيف بإمكاني مساعدتكم ؟
فقالت ايميلي بحماس : هاى حبيبتي ليزي !! عندي لك خبرٌ مفرح
الشرطي باستغراب : آسف يا صغيرة , يبدو انك إتصلتي بالخطأ على مركز الشرطة !
فقالت له : أتدرين .. لم تكوني مخطئة حين قلتِ لي : بأننا يوماً ما سنعثر على رجلٍ ساديّ يُشبع رغباتنا العنيفة 

وهنا انتبه الشرطي لخطورة الوضع , فسألها قائلاً :
- لحظة ! هل انت في ورطة ايتها الفتاة ؟!
وهنا تنفّست الصعداء بعد فهمه لكلامها المبطّن : نعم نعم !! كما أقول لك
الشرطي : هل هو بجانبك الآن ؟
ايميلي : بالتأكيد !! .. المهم , إسمعيني جيداً 

فأنصت الشرطي اليها باهتمام بعد ان عرف بأنها طفلة واقعة في ورطةٍ كبيرة , وسمعها تقول : 
- ليزي .. هو زبونٌ خبير في هذا المجال , لكنه عجوز بعض الشيء .. لكن الجميل في الموضوع انه يملك جميع ادوات التعذيب التي تحبينها في قبو كوخه المهجور في الغابة , ويريدك ان تنضمّي الينا هذا المساء .. سأعطيك العنوان لتحضري فوراً , فهو يجهّز المعدات الآن .. لحظة ..

ثم سمعها وهي تسأل رجلاً امامها عن العنوان .. ثم قالت للشرطي:  
- إكتبي عندك حبيبتي.. 

وأعطته العنوان .. ليُسرع هو بإرساله الى فرق الشرطة , قائلاً لهم من هاتفه الثاني :
الشرطي : إذهبوا فوراً الى العنوان , فيبدو ان هناك فتاةً عالقة مع متحرشٍ خطير .. ولا تنسوا ان تطفئوا صفّارات الإنذار كيّ لا يأخذها رهينة

ثم عاد وتكلّم الشرطي مع الفتاة : 
- حاولي ان تماطليه الى حين وصول سيارات الإنقاذ اليك
ايميلي بارتياح : حسناً نحن في انتظارك عزيزتي , لا تتأخري علينا
وأغلقت الهاتف ..
***

ومضت ثلث ساعة كأنها الدهر .. فقال العجوز غاضباً :
- اين صديقتك الغبية ؟!! الم تصل بعد ؟
ايميلي : ستصل لا تقلق , فهي لن تفوت هذه الفرصة .. إهدأ قليلاً
العجوز متضايقاً : كيف أهدأ ؟!! لقد ابتلعت حبة الفياغرا منذ قليل , ولا اريد ان يذهب مفعول الدواء
ايميلي وهي تتدلّع عليه : يا عزيزي , انت تحتاج معنا الى علبةٍ كاملة
- معي علبة , اشتريتها حين توقفنا لشراء السندويش من المحطة
فقالت في نفسها بغيظ : 
- الملعون !! كان يخطّط لذلك منذ البداية , لكنك ستندم كثيراً على إختيارك لي
***

واقتربت سيارات الشرطة من المكان .. لكن أحدهم أخطأ حين لم يُطفئ انوار سيارته , ليلاحظها العجوز على الفور وهي تسطع من بين الأحراش القريبة من كوخه ..
ليهجم عليها كالمجنون ويصفعها بقوّة , صارخاً في وجهها :
- هل اتصلت بالشرطة يا ملعونة ؟!!

وحاول إمساكها , لكنها هربت منه الى العليّة .. فلحقها على السلالم وهو يلهث بصعوبة .. 
وحين وصل الى فوق .. فاجأته ايميلي بضربةٍ قويّة على وجهه من إنبوبٍ حديدي صدأ وجدته هناك , ليسقط من فوق الدرجات ويستقرّ جسده بأسفل الدرج دون حراك !

وعلى الفور !! نزلت الدرجات محاولةً الخروج من الكوخ , لكنه أمسك بقدمها بقوة ! فركلته برجلها الثانية على إنفه الذي بدأ ينزف بغزارة ..
وما ان فتحت الباب , حتى أُصيبت في خاصرتها برصاصةٍ إنطلقت من مسدسه (الذي أخرجه من درج الطاولة الموجودة في الصالة) 

وما ان سقطت خارج الكوخ صارخةً بألم !!! حتى هجم عليه رجال الشرطة الستة , لكنه قاومهم بشراسة رغم كبر سنه ! وحاول إطلاق الرصاص عليهم , فأردوه قتيلاً
***

وبعد تلقّي الفتاة العلاج بالمستشفى من اصابتها التي لم تكن خطيرة , خرجت في صباح اليوم التالي الى منزل والدها برفقة الشرطي الذي أخبره عمّا عانته ابنته في الليلة الفائتة .. فحمد ربه على بقائها حيّة وسليمة من هذه التجربة المؤلمة 

ثم إتصل بطليقته معاتباً لها لما عاشته ابنته بسبب زوجها السكّير , وأخبرها بأنها لن تعود الى هناك مجدداً وبأنها ستعيش منذ اليوم في بيته .. فقبلت امها مُرغمة لخوفها عليها من زوجها ..
***

في عصر ذلك اليوم .. أتى اخوها لزيارة والده , ليتفاجأ بأخته هناك والتي لم يرها منذ سنوات ! وهي ايضاً تفاجأت به بزيّ الشرطي ..
- أأصبحت تعمل في سلك الشرطة ؟!
والدها : البارحة كان اول يوم عملٍ له في خدمة الطوارىء 
اخوها : نعم وتلقيّت أرعب مكالمة من فتاةٍ ذكيّة تكلّمت معي على اساس انني صديقتها , لكني فهمت من أنفاسها الثقيلة بأنها واقعة في ورطة , لهذا قمت.. 

وقبل ان يكمل كلامه , حضنته بقوة وهي تبكي..
اخوها بدهشة : ماذا هناك ؟!
- لقد أنقذت حياتي اخي 
- ماذا ! أكانت انتِ ؟! 

فأومأت برأسها وهي مازالت تحضنه , فشاركها الدموع وهو يقول:  
- الحمد الله على سلامتك حبيبتي , لقد أحسسّت بخوفك من نبرة صوتك ! لكن كيف استطعت القيام بتلك الحيلة الذكية ؟! فقد أخبروني أصدقائي عمّا فعلته !
ايميلي : الا تذكر اننا كنّا نشاهد سويّاً برنامج الشرطة (911) قبل طلاق والدينا ؟ وكانت هناك حلقة مشابهة لما حصل معي البارحة , فقمت بتقليد ما فعلته الضحية  
اخوها بدهشة : كنت صغيرة حين كنّا نتابع ذلك البرنامج ! لكن جيد انه نفعك

وهنا فهم والدهما كل ما حصل , وحضنهما قائلاً :
- يا الهي ! لقد شعرتما ببعضكما عن بعد , وهذه هي نعمة الأخوّة !
ايميلي : ربما لوّ لم يتلقّى هو مكالمتي , لمتّ الآن بأسوء الظروف ! .. كم أحبك يا اخي
اخوها وهو يحضنها : انت اختي الصغيرة , وسأحميك دائماً

وعاشوا جميعاً كعائلةٍ مترابطة من جديد ..
وبالرغم من إنها كانت تجربة قاسية لإيميلي الاّ انها أظهرت مدى ذكائها وسرعة بديهة أخوها الذي أنقذها من أيدي معتدٍ خطير !  
******

ملاحظة :
هذه قصة مستوحاة من أحداثٍ حقيقية حصلت لفتاةٍ عربية بعد خروجها من المدرسة , حيث إقنعت بذكائها خاطفيها الأربعة إنتظار قدوم صديقتها , لتقوم بالإتصال بشرطي إستطاع بسرعة بديهته إنقاذها من ذلك الموقف المرعب ! 
فحمانا الله جميعاً من شِرار البشر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...