الثلاثاء، 20 فبراير 2018

الحياة على كوكب المريخ

تأليف : امل شانوحة


كم اشتقت للأرض !

في عام 2034 م .. وبالتوقيت المحدّد وبشكلٍ سرّي إجتمع اهم العلماء وأغنياء العالم في مركز كندي للفضاء التابع للناسا , إستعداداً للسفر نحو المريخ ضمن مجموعاتٍ متلاحقة مكوّنة من 1000 مركبة فضائية مجهزة بالطعام ووسائل الراحة تكفي لترحيل مليون شخص من نخبة البشر .. 

وقد تمّت قبل أشهر ..عملية ترحيل اول مئة عالمٍ عبقري في مجالات الزراعة والطاقة النووية وعلم الجيولوجيا والفلك الى المريخ , بعيداً عن أعين الصحافة والناس .. في رحلةٍ سمّوها : برحلة الذهاب بلا عودة .. واستغرق الأمر 80 يوماً لوصولهم الى عالمهم الجديد !

وقد تمّ تحققّ الحلم أخيراً بسبب تضحيات مئات من الشباب المغامرين الذين سافروا في عام 2022 الى المريخ لبناء مستعمراتٍ قابلة للعيش البشري , بعد ان استخرجوا المواد الخام التي تغطي سطح المريخ لصناعة الخرسانة اللازمة في بناء المستعمرة , كما وضعوا حولها الكثير من الألواح الشمسية , وبنوا ايضاً محطةً نووية لإنتاج طاقة كفيلة في فصل الأوكسجين عن ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجويّ للمريخ , كما لإستخراج المياه من المعادن في التربة .. لكن جميع الفدائيون الشباب ماتوا في سبيل إنجاح هذا المشروع الخيالي الضخم !

وكل هذا العمل الشاق كان بسبب : ان الحياة على الأرض أصبحت شبه مستحيلة بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة النووية الهوجاء التي اندلعت بين الدول , والتي انتهت بتلوّثٍ خطير على كافة الأصعدة , مما أدّى لاحقاً لقلّة المصادر الغذائية وازدياد المجاعات وانتشار الأمراض السرطانية , عدا عن تفشّي الجرائم بين افراد الطبقة الفقيرة لتأمين لقمة العيش ! 
***

وبعد وصول نخبة البشر الى المريخ .. إستوطنوا المستعمرات المبنية في المغارات وبين الممرّات أسفل الكوكب لحمايتهم من الإشعاعات الموجودة على سطحه , كما تمكّنوا من الإستفادة من المياه المجمّدة الموجودة تحت سطح الكوكب الأحمر
***

وبنهاية العامين ..وصل عدد الواصلين الى المريخ 20 الفاً من أذكى وأغنى الناس من كافة الجنسيات والأديان .. وقد عاشوا معاً في توافقٍ وسعادة , تملأهم روح المغامرة لاستكشاف الأماكن الغامضة في هذا الكوكب الجديد..
***

لكن بعد مرور سبع سنوات من العيش وحدهم هناك .. بدأ المللّ يسري في قلوب الأثرياء الشباب , وازدادت رغبتهم في العودة الى الأرض من جديد , خاصة انهم يعيشون فوق دون نساء او اطفال او حيوانات !  

لكن آخر الأخبار التي وصلتهم من الناسا أثبطت همّتهم .. فهم من ظنّوا بأن هجرتهم لكوكب الأرض ستؤثّر سلباً على سكّانها الذين سيفتقدون لعلمائهم وأثريائهم , لكن النتيجة أتت مغايرة بشكلٍ صادم ! حيث عمّ السلام العالمي أرجاء الأرض , وتوقفت الحروب بين الدول , وعُقدت الإتفاقيات لإعمار الأرض من جديد .. بل وتفادياً لعودة الطامعين للأرض ثانيةً (ممن هاجروا الى المريخ , والذي بسببهم حدثت الحرب العالمية الثالثة المدمّرة) فقد قام مجموعة من الشباب بقتل علماء الناسا وحرق المؤسسة بالكامل ! 

وفي رسالةٍ وصلت متأخرة للمتواجدين على المريخ من أحد موظفيّ الناسا المحتجزين داخل المؤسسة (قبل حرقها) , حيث كان حينها يستنجد بهم بفزع : 
- ساعدونا ارجوكم !! فالمتظاهرون يحاولون تحطيم بوّابة الناسا ! وكل العلماء مجتمعون الآن في مخزنٍ سرّي تحت الأرض .. وبالرغم من الأبواب المغلقة الاّ اننا نشتمّ رائحة الدخان بوضوح , وأظنهم يحاولون حرق المؤسسة بمن فيها ! ارجوكم يا سكّان المريخ جدوا طريقة لإنقاذنا , فنحن ان مُتنا فقدّتم إتصالكم بالأرض وعلقتم في كوكب المريخ للأبد ..(ثم سمعوا صوت سعال الموظف) .. يا الهي ..النار وصلت الينا ! عليّ الذهاب لمساعدة اصدقائي بإطفاء الحريق .. إدعوا لنا .. (ثم انقطعت المكالمة) 

وكانت هذه آخر رسالة من علماء الناسا لسكّان المريخ 
***

وبعد مرور شهرين على هذه المكالمة .. تأكّد سكّان المريخ بأن حلم العودة للأرض أصبح مستحيلاً من دون إرشادات موظفيّ الناسا .. وحينها بدأت أطماع بعضهم بالظهور مجدداً ! خاصة بعد نضب المياه المتواجدة اسفل المستعمرة .. وقد خرج العلماء ضمن مجموعاتٍ متفرقة لاستكشاف مصدرٍ مائي جديد في أسرع وقتٍ ممكن قبل هلاكهم ..

ووصلهم الخبر بعد اسبوعين من إحدى الفرق التي كانت بقيادة ادوارد (أثرى أغنياء اميركا) بأنهم وجدوا مياهً جليدية اخرى على بعد ميلين من المستعمرة .. لكن الفرحة لم تكتمل بعد إعلان الثريّ ادوارد لأصحابه عبر اللاسلكي : بأن هذه البحيرة (التي وجدها مع فريقه) تعتبر من ضمن ممتلكاته الخاصة , وان كانوا يريدون الماء فعليهم خدمة وإطاعة اوامر الحاكم الأول على هذا الكوكب !
***

وقد تطوّر الأمر بعد شهور .. حيث تقسّمت المستعمرة الواحدة الى مستعمراتٍ صغيرة متفرقة , كل واحدة منها لها قائدٌ خاص بها : فالعالم الزراعي (جون) استولى على المزرعة التي كان زرعها سابقاً مع فريقه في إحدى الخنادق تحت سطح المريخ .. بينما المستعمرة الثانية فكانت بقيادة العالم الفيزيائي (طوماس) الذي سيطر مع فريقه على الطاقة النووية التي يُستخرج منها الكهرباء المستخدمة للإضاءة والتدفئة .. بالإضافة الى المستعمرة الثالثة التي هي بقيادة الثريّ (ادوارد) والذي استولى (كما قلنا) على المصدر الجديد والوحيد للمياه على هذا الكوكب .. 

ورغم معرفة القياديون الثلاثة باستحالة العيش دون التعاون فيما بينهم , الا ان غرورهم وأطماعهم حالت دون خضوع أحدهم للآخر ..

وبعد ان قلّت المصادر الهامة (من غذاء وماء وطاقة) في المستعمرات الثلاثة , أُعلنوا بداية الحرب بينهم .. والفائز منهم سيُعيّن كرئيس اول على كوكب المريخ .. ولأنه لا توجد اسلحة معهم , فوسائل الحرب ستُختصر على التشابك بالأيدي , حيث يُقتل جنود الفريق المعادي بفصل جهاز الأوكسجين عن بذلته الفضائية , ليواجه الموت إختناقاً 
***

وفي خُضم المعارك بين الفرق الثلاثة .. إنسحب بعض الجنود من ساحة المعركة لاقتحام المستعمرات الأخرى , حيث قام البعض بقطف الفواكه بعشوائية وسرقتها من مزرعة المستعمرة الأولى .. اما البعض الآخر فتمّ قتله بعد محاولته إرتشاف الماء من مخزون المستعمرة الثالثة ..
***

ودامت الحرب بينهم لشهرين كاملين .. ورغم موت نصف سكّان المريخ البالغ عددهم 10 آلاف شخص , الاّ ان القائدين الثلاثة رفضوا الإستسلام ووقف حالة الحرب بينهم ..
***

وبعد عدة شهور .. مات الجميع , ماعدا الرؤساء الثلاثة (جون وطوماس وادوارد) .. وحينها لم يجدوا حلاً سوى بقبول المقايضة بينهم , قبل ان يتجمّدوا من البرد او يموتوا جوعاً وعطشاً .. وبعد تبادل الطاقة والغذاء والماء بينهم .. جلس الثلاثة فوق جبلٍ صغير مُطلّ على الأرض , بينما كانت جثث العشرين الف شخصاً (الذين قضوا نحبهم في الحروب) تطوف فوق رؤوسهم , بسبب عدم وجود الجاذبية الضرورية لعملية الدفن , كما ان جثثهم لن تتحلّل مُطلقاً لانعدام الأوكسجين ! وبذلك ستبقى جثثهم عالقة في سماء المريخ لتذكير الطامعين الثلاثة بفداحة قراراتهم الغبية التي أدّت لدمار آخر فرصة للحياة على هذا الكوكب !

وهنا قال العالم الفيزيائي العجوز طوماس , وهو ينظر من بعيد للأرض بحزن :
- لقد هربنا من الأرض لنبني السلام هنا , فإذا بالسلام يعمّ الأرض من دوننا !
فقال الشاب جون (العالم الزراعي) : وهذا يثبت اننا كنّا السبب الرئيسي لدمار الأرض , فالجثث التي تطفو فوقنا تؤكّد ذلك .. وأظن إن سكّان الأرض سيحتفلون على الدوام بيوم رحيلنا عنهم 
فقال الثريّ (ادوارد) بقلق : ومالعمل الآن ؟ فنحن لا نستطيع العودة للأرض , ولا يمكننا البقاء وحدنا هنا !

الشاب جون بضيق وغرور : كلّه بسببك ايها العجوز طوماس !! فأنت من اقترحت سفر الرجال الى هنا دون النساء .. فلوّ كنت الآن عالقاً مع سيدتين بدلاً من عجوزين , لاستطعت إعمار المريخ لوحدي 
فردّ عليه طوماس ساخراً : نعم لقد أخطأنا لأننا لم نحضر لك حواء يا آدم 

ادوارد : على الأقل انا وطوماس كباراً في السن وسنرتاح من الحياة قريباً , لكنك ايها شاب المسكين ستسكن وحدك هنا , وربما لسنواتٍ طويلة .. وحتماً في النهاية ستُصاب بالجنون لعدم وجود شخصٌ آخر تتحدّث معه 
طوماس : كما سيكون عليك الزراعة واستخراج الماء وانتاج الطاقة لوحدك , فياله من عملٍ شاق ايها الشاب
جون : لا تقلقا عليّ .. ففي حال وصلت لمرحلة اليأس , سأقتل نفسي بدلاً من ان أهلّوس لوحدي
ادوارد : وكيف ؟ فنحن لم نحضر اسلحة الى هنا , ولا يمكنك القفز من اعلى جبل دون وجود جاذبية ؟
الشاب بضيق : أقصد يا ذكيّ انني سأخرج من المستعمرة دون بذلتي الفضائية , لأواجه الموت اختناقاً

طوماس العجوز بعد ان استلقى على ظهره : دعكما من هذا التشاؤم ولنشاهد النجم اللامع بهدوء 
جون وهو يستلقي ايضاً على ظهره : ياه ! كم هي الأرض صغيرة من هنا 
فاستلقى ادوارد بجانبهما , وقال وهو ينظر للنقطة الزرقاء (ايّ الأرض) : 
- انا نادمٌ جداً على صرف ملياراتي لإثارة الفتن والحروب بين الدول بدلاً من استخدامها في إعمار الأرض 
طوماس : نعم كان بإمكاننا تحويل الأرض الى جنةٍ حقيقية بدلاً من ايجاد كوكبٍ آخر نسكن فيه ! 

جون بضيق : لن تصدقوا يا اصدقاء كم إشتقت للأرض وجوّها المعتدل بدل العيش في هذا البرد القارس , عدا عن العواصف الترابية المفاجئة التي لا تطاق .. (ثم يتنهّد) ..كما أرغب بشدّة في تنفّس الهواء بحرّية , دون التقيّد بهذه البذلة الفضائية الضيّقة اللعينة !!  
ادوارد بندم : وانا ايضاً
طوماس بحزن : وانا

وظلّ الثلاثة يتأمّلون الأرض من بعيد بحزنٍ وندمٍ شديد , وهم يدركون تماماً بأن حياتهم أصبحت مُقيدة بمستقبلٍ غير مشرق ومملّ للغاية , فكما يُقال :((الجنة دون ناس لا تنداس))
*********

ملاحظة :
لقراءة المزيد عن الحياة في المريخ , شاهد التالي :
الرابط الأول :
http://knowledge0world.blogspot.com/2016/02/how-will-we-live-on-mars.html
الرابط الثاني :
https://www.youtube.com/watch?v=vdWfhFWd66c

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...