الثلاثاء، 13 فبراير 2018

أعمق نقطة في المحيط

تأليف : امل شانوحة


 
ما المخلوقات المتواجدة في خندق ماريانا ؟!

مع بداية الفجر .. إنطلق علماء الأحياء البحريّة الأربعة بسفينتهم نحو البحر , لبدء عملية إنزال الغواصة الصغيرة لأعمق نقطة على وجه الأرض , ايّ لخندق (ماريانا) المتواجد في أعماق المحيط الهادي .. 
وقد تطوّع أصغرهم للنزول الى أعمق منطقة في الخندق والمسمّاة ب (تشالنجر) التي يبلغ عمقها 11,03 كيلو متر عن مستوى سطح البحر !

وفي الأسفل .. وصلت مركبة العالم الشاب الى القاعّ بعد ساعتين ونص من بداية الرحلة , لكن ((الإرتطام بالأرضيّة لم يكن لطيفاً)) على حسب ما أرسله لأصدقائه الذين يتابعونه من كاميرات المراقبة في السفينة أعلاه .. 

وبعد ان أمضى ساعتين في التجوّل بالأعماق البحرية المظلمة التي لا ينيرها سوى كشّافات الإضاءة في غواصته الصغيرة , لم يجد هناك سوى بعض القشريات التي تشبه الجمبري وكذلك قناديل البحر المضيئة ..فالقاعّ كان أشبه بسطح القمر الخالي من الكائنات الحيّة الكبيرة ! 

وقبل ان يصعد مجدّداً الى فوق , شاهد سمكة متوسطة الحجم تقترب منه بشكلها المريب ! فأسنانها أكثر حدّية من أسنان القرش , ولها قرنٌ مضيء يتدلّى امام وجهها , يبدو انها تستعمله لإنارة دربها ..
وقد استطاع العالم بواسطة ذراعيّ الغواصة من اصطيادها على حين غفلةٍ منها , وإدخالها للغواصة .. ومن ثم حجزها في حوضٍ مائي مُغلق .. 

وبعد إنجاز مهمّته , صعد الى فوق .. وقد استغرقت رحلة الصعود الى سطح البحر بحدود ال 70 دقيقة فقط

وكم فرح زملائه برؤية السمكة الغريبة التي قاموا بإرسالها مباشرةً الى مختبراتهم في اميركا لاستكشاف المزيد عن نمط حياتها في أعماق المحيط
***

ومرّ الأسبوع الأول للسمكة داخل المختبر , إمتنعت فيه عن تناول ايّ شيء وضعوه في حوضها ! ممّا أقلق العلماء من إحتمال موتها جوعاً إن لم يكتشفوا نوعيّة الطعام التي تتغذّى عليه في العادة

وفي أحد الأيام .. وبينما كان العالم الشاب داخل المختبر السرّي يقوم بدراساته حول السمكة الغريبة (بعيداً عن أعين الصحافة) شعر فجأة بذبذباتٍ تنطلق من الحوض باتجاهه ! 

فلم يجد نفسه الاّ وهو يتجه دون وعيٍّ منه ناحية الحوض .. ثم قام بشيءٍ لم يجرأ أحد على القيام به , حيث أمسك بها بيديه العاريتين , مُعرّضاً نفسه لإحتمالية قضم أصابعه بأسنانها الحادّة التي تشبه المنشار .. لكن ما ان فعل ذلك حتى سقط مغشياً عليه , وكأنه تلقّى صعقةً كهربائية !
***

وبعد ساعة .. خرج العالم الشاب من المختبر السرّي دون ان يتحدّث بكلمة واحدة مع اصدقائه , وكان وجهه أشبه برجلٍ آلي خالي من المشاعر !
ثم انطلق بسيارته , حتى وصل الى صديقه الذي يعمل كأحد الحرّاس المسؤولين عن حفظ النظام داخل قاعةٍ مُخصّصة لخطب رئيس اميركا السياسية , وكان العالم الشاب إتصل به قبل خروجه من المختبر 
***

وفي المطعم ..
الصديق ببذلته العسكرية : ما بك يا جون ؟! لما طلبت رؤيتي في الحال ؟ 
فقال العالم البحري بوجهٍ صارم : أريد ان أكلّم رئيس اميركا في موضوعٍ مهم
- انت تمزح بالتأكيد , فالرئيس مشغولاً اليوم بإلقاء خطبته على الملأ .. وعليّ التواجد هناك لتنظيم الحفل .. فاخبرني ماهو الأمر المستعجل الذي تريده فيه ؟

وهنا ! أمسك العالم بيد صديقه الذي شعر على الفور بصعقةٍ كهربائية أرجعت كرسيّه الى الخلف بقوّة , مما لفت نظر المتواجدون في المطعم .. 
لكن من بعدها قام العسكري بوجهٍ خالي من أيّةِ تعابير , ومشى الى خارج المطعم , بينما عاد صديقه العالم الى سيارته وكأن شيئاً لم يحصل !
***  

وما ان وصل العسكري الى الحفل السياسي , حتى طلب التحدّث مع مديره لأمرٍ هام .. 

وفي مكتبه :
المدير : لما تأخرّت عن الحفل ؟ الرئيس سيصل بعد قليل , وانت لم تستأذن بالخروج ..

وقبل ان يُكمل عتابه , أمسك العسكري بيد مديره ليحصل الشيء ذاته ! وبعد تلقّي المدير للصعقة الكهربائية .. خرج العسكري لإكمال عمله في القاعة , بينما ذهب مديره كرجلٍ آلي لاستقبال حرس الرئيس الذين وصلوا قبله للتأكّد من توفّر وسائل الأمن في الحفل العام ..

وهناك حصل الأمر ذاته من جديد , وانتقلت الصعقة الكهربائية لحارس الرئيس الشخصي , الذي ذهب وكأنه منوّماً مغناطيسياً باتجاه سيارة الرئيس التي وصلت للحفل للتوّ ..

وقبل ان يصعد رئيس البلاد الى المنصّة (بعد ان تجمّع الناس بالقاعة الكبيرة لسماع كلمته) .. لمس الحارس الشخصي يده , لتنتقل اليه نفس الحالة ! والتي جعلته يُلقي بكلمة مُخالفة تماماً للكلمة التي قدِمَ للحفل لإلقائها .. فبدل ان يُعلن عن رغبة بلاده بالتصالح السلمي مع كوريا الشمالية بعد سوء تفاهم حصل بين الدولتين قبل شهور , أعلن رئيس اميركا امام الصحافة والملأ عن بداية حربٍ مع كوريا الشمالية لا تُبقي ولا تذر !

فأسرع المسؤولون الأمريكان (الذين كانوا يجلسون في الصفوف الأمامية) بالطلب من منظميّ الحفلة إنهائها فوراً .. ثم أعادوا الرئيس الى مقرّه لإيجاد حلٍ سريع لهذه المصيبة ..
***

واجتمع السياسيون مع الرئيس الأمريكي داخل غرفةٍ عسكرية سرّية لعتابه على كلمته الغير مُتفق عليها مُسبقاً , لكن الرئيس (المنوّم مغناطيسياً) فاجأهم جميعاً , حين انطلق بسرعة ناحية الزرّ الأحمر ليضغطه وسط دهشة الجميع ! ليظهر فوراً على شاشات الكمبيوترات : إنطلاق صاروخٌ نووي باتجاه كوريا الشمالية ..

ورغم طرد الكونغرس للرئيس بعد يومٍ واحد من الحادثة , الاّ ان اعتذارهم هذا لم يُرضي زعيم كوريا الشمالية بعد ان تدمّرت جزءاً كبيراً من عاصمته , ليُعلن بعدها حرباً نووية شاملة على اميركا ..
***

وبأقل من شهرين ..تضامنت بعض الدول مع كوريا الشمالية , والبعض الآخر مع اميركا .. لتبدأ حربٌ عالمية ثالثة نوويّة بين الدول , أدّت لاحقاً الى اختفاء مدن وقرى بحالها من على الخريطة , بينما تشوهّ الملايين من البشر , وعاش الباقون داخل ملاجىءٍ مُحصّنة تحوي القليل من المؤن الغذائية ..
*** 

وفي خُضمّ المعارك وهيجان الشعوب على بعضها .. سافر العالم الشاب بطائرة خاصة الى المحيط الهادي , حاملاً السمكة الغريبة بحوض مخصّص للرحلات الطويلة .. ثم ذهب الى المرفأ الذي قاد فيه نفس السفينة المخصّصة لدراسة العلوم البحرية , الى ان وصل لنفس المكان فوق المحيط الهادي .. ثم ركب الغواصة الصغيرة الموجودة على متن السفينة (التابعة لمدير عمله) ومعه السمكة , ونزل بها الى أعمق نقطة بالمحيط , حتى وصل لخندق ماريانا ..ومن ثم أعاد السمكة الى حيث وجدها .. 

وارتفع ثانيةً بغواصته عائداً لسطح الماء دون ان يُدرك ما فعله , لأنه كان بهذه اللحظات منوّماً مغناطيسياً من قِبَل السمكة الغريبة !

اما ما حصل لهذه السمكة , فقد سبحت في الأعماق وهي تضيء قرنها الذي دلّها الى بوابةٍ حديدية صدئة مليئة بالطحالب .. وما ان طرقت رأسها بالباب ثلاثة مرات , حتى انفتح لوحده ! 

ومرّت من خلاله الى ان وصلت الى فتحة داخل حوضٍ موجود في حديقة قصرٍ مبنيّ تحت أرضيّة عمق المحيط ! 

وفجأة ! تحوّلت السمكة الى رجلٍ بجلدٍ أحمر وله ذيلٌ طويل وقرنان كبيران .. وبعد ان قام بتنشيف جسمه .. دخل الى صالةٍ كبيرة يوجد في مقدّمتها عرشٌ ذهبيّ مُهيب !

وما ان رآه مساعده حتى أسرع ناحيته , وهو يسأله بقلق : 
- سيدي ابليس ! اين كنت طوال الشهرين الفائتين ؟! فقد إفتقدتك جميع الشياطين !
ابليس وهو يستند على عرشه بارتياح : كنت أتنزّه في المحيط على هيئة سمكة كما تعرف , فاصطادني غبيٌ ما
فسأله باستغراب : وهل وصل الإنسان الى هذه الأعماق ؟!
ابليس وهو يتنهّد بضيق : انا ايضاً تفاجأت في البداية , لكن البشر فضوليون كما نعرف جميعنا .. المهم قاموا بحبسي داخل حوضٍ بإحدى مختبراتهم في اميركا 

مساعده : وكيف تحرّرت منهم ؟
ابليس : قمت بالسيطرة الذهنية عليهم , الواحد تلوّ الآخر .. الى ان وصلت الى رئيس اميركا
فقال بدهشة : أبهذه السرعة ؟!
- نعم , حتى انا لم أصدّق سهولة المهمّة ! ..المهم انني إفتعلت حرباً نوويّة على سكّان الأرض .. ومن ثم عدّت الى قصري 
المساعد باهتمام : هل تقصد ان البشر سيفنون قريباً ؟!
- أعتقد هذا ..

ثم ابتسم ابليس بارتياح وقال : 
- لم اظن ان إنهاء ذريّة آدم ستكون بهذه البساطة ! فقد ضيّعت قروناً من عمري وانا أجنّد أبنائي وأحفادي للوسّوسة بعقول البشر , لكني أدركت الآن انهم قادرون على إفناء بعضهم البعض دون تدخلٍ منّا ! 
مساعده : وماذا سيحصل بعد ان يُفنى الجميع ؟!

ابليس بابتسامةٍ خبيثة : نعود ونستوطن الأرض من جديد .. فهو مكاننا الأصلي قبل ان نُحاصر في أعماق البحار ..
فقال مساعده : أشعر وكأنك تريد قول شيئاً ما 
ابليس بابتسامة : هذا صحيح 

ثم وقف امام عرشه وصرخ بعلوّ صوته , رافعاً يداه في الهواء : 
- هآ يا آدم !! هل تسمعني ؟!! .. انظر الى ابنائك كيف يتعاركون مع بعضهم كالأغبياء , ويلوّثون الأرض بسمومهم ! .. فأنا كما قلت لك سابقاً , ان كنت تذكر : المهم من يضحك منّا آخراً .. وانا الذي انتصرت بالنهاية يا عزيزي آدم , وأفنيت ذريّتك للأبد !!!

ثم أطلق ابليس بعدها ضحكته المجلّجلة التي وصل صداها لجميع الشياطين في مملكته , مُعلناً إنتصاره أخيراً على الجنس البشريّ ! 

ملاحظة :
جميع المعلومات التي ذكرتها عن خندق ماريانا في أعمق نقطة بالمحيط الهادي صحيحة , ويمكنكم ايجادها في الإنترنت 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...