الاثنين، 29 يناير 2018

جبل الذهب

فكرة : محمد بيومي آل غلاب
كتابة : امل شانوحة


 
لم يحنّ الوقت بعد لظهوره !

وصل السوّاح الأربعة الأجانب الى نهر الفرات في العراق , ورغم ان منسوب المياه إنخفض كثيراً عن الأعوام السابقة بسبب السدود التي تقام في تركيا , الاّ انهم أصرّوا على استكشاف المكان بإحدى القوارب . 
وقد أمضوا النهار بالتقاط الصور للنخيل والأشجار المتواجدة على ضفّتي النهر .. لكنهم أحسّوا بعد ساعات انهم تعمّقوا كثيراً في إحدى الروافد الجانبية للنهر , بحيث ظهر لهم الشاطىء من بعيد كأرضٍ جدباء خالية من مظاهر الحياة !
فسأل آدم (الشاب العشريني) رفقاء الرحلة : هل مازلنا في نهر الفرات ؟!

فأجاب صديقه جاك : طبعاً , لكننا ابتعدنا كثيراً عن وجهتنا ! ومن الأفضل ان نطلب من القبطان إعادتنا الى مكان الحافلات قبل غروب الشمس 
فوقف مايك (الرجل الثلاثيني) قائلاً : سأدخل الكابينة وأخبره بنفسي , فأنا الوحيد بينكم أتقن اللغة العربية

وما ان دخل غرفة القيادة الصغيرة حتى صرخ بعلوّ صوته , فأسرع الثلاثة الى الداخل ليروا القبطان العجوز ميتاً هناك !  
وبعد ان تأكّدوا من وفاته , حاولوا إدارة السفينة كيّ يعودوا من حيث أتوا  لكن السفينة أخذت تدور حول نفسها ! ويبدو ان ثقل الجثة التي وقعت فوق الدفّة الخشبية المهترئة عطّلتها , فلا هي تمشي للأمام ولا للخلف , بل ظلّت تُبحر لوحدها في النهر مُبتعدة أكثر وأكثر عن شطّ الأمان ! 

وحين قاربت الشمس على المغيب , قال جوزيف (الرجل الأربعيني) بغضب : هذا يكفي !! لنترك القارب المعطّل , ونسبح جميعنا نحو الشاطىء 
مايك بقلق : لكني لا عرف السباحة 
آدم : النهر ليس عميقاً .. وان كنت خائفاً , فتمسّك بي فأنا سبّاحٌ ماهر
جاك بخوف : وماذا لو هجمت علينا التماسيح ؟ 
آدم : لا يوجد تماسيح هنا , فهذا نهرٌ عذب وليس مستنقع 
جوزيف : نعم ..وفي حال وُجدت , فحجمها صغير 
آدم يعاتبه : لا تخيفه أكثر يا رجل !  

مايك : لحظة يا اصدقاء .. هل ترون انه قراراً صائباً ان نترك السفينة في عرض النهر , فهي أملنا الوحيد بالنجاة ! فكما ترون لا يوجد على الشاطىء أيّةِ منازل , بل ارضاً قاحلة الاّ من بعض الشجيرات الغير مُثمرة 
جوزيف : وماذا نريد من سفينة كل شيء فيها معطلاً , حتى جهاز الإتصالات .. امّا علب الفاصوليا التي وجدناها , فقد أكلناها جميعها دون ان تُشبعنا .. وليس فيها ايّ شيء آخر مفيدٌ لنا .. فلما نبقى هنا ؟
جاك : لكني وجدّت بالأسفل سنّارة صيد , وفأساً صغيراً
آدم : جيد اذاً , لنأخذهم معنا .. وان علقنا على الشاطىء نصطاد بها السمك .. اما الفأس فنستخدمه لقطع الأغصان من أجل التدفئة

مايك : وماذا عن جثة القبطان ؟ هل نرميه في الماء ؟ او نسحبه معنا لندفنه على الشاطىء ؟
جوزيف : دعه مكانه , فنحن لا نريد ان نُتّهم بقتله .. ودعّ من يجد القارب ان يجد جثته , وحينما يُفحص بالمشرحة يعرفون بأنه مات بشكلٍ طبيعي ولا دخل لنا بالموضوع
جاك بيأس : هذا ان وجده أحد , او تمّ إنقاذنا بالأساس
جوزيف : كفى تشاؤماً !! ولنقفز معاً في النهر فقد قارب مغيب الشمس ..وانت !! إمسك يد مايك جيداً , فنحن لا نريد جثثاً أخرى.. 

فأومأ آدم برأسه موافقاً , وأكمل جوزيف قائلاً لهم :
- ومن الأفضل ان نترك حقائبنا في السفينة , فبكل الأحوال لا يوجد انترنت بهذه المنطقة لأجل الحواسيب المحمولة او جوّالاتنا التي ستتعطّل حتماً بالمياه , كما ان حملها سيُبطأ حركتنا في السباحة

لكن مايك استطاع إقناعه بضرورة أخذ حقائبهم معهم لأن فيها جوازات سفرهم واموالهم في حال تمّ انقاذهم لاحقاً , كما فيها بعض الملابس التي ستُدفئهم في حال أمضوا عدة لياليٍ هناك .. 
وهكذا حمل كل واحدٍ منهم حقيبته على ظهره , ثم قفزواً جميعاً في النهر  

جوزيف كان في مقدمتهم وفي يده الفأس .. وعلى يمينه جاك الذي حمل سنّارة الصيد بفمه , والذي ظلّ يتلفّت يميناً ويساراً خوفاً من التماسيح .. وفي الخلف آدم الذي سبح بيدٍ واحدة , بينما سحب بيده الثانية مايك الذي كان خائفاً جداً من الغرق
***

ووصلوا أخيراً الى الشاطىء قبيل غروب الشمس .. وعلى الفور !! جمع جوزيف بعض الأخشاب اليابسة والحشائش , وقام بإشعالها بولاّعته .. ونام الجميع حول النار بعد ان برِدَ الجوّ ليلاً , خاصةً مع ثيابهم المبلولة 
***

وفي صباح اليوم التالي .. ذهب مايك وجوزيف لتسلّق الجبل واستكشاف المكان , تاركان آدم وجاك وهما يحاولان اصطياد السمك بالسنّارة ..

وبعد ساعتين .. عادا مرهقين للغاية , وبعد ان شربا من ماء النهر .. سألهم جاك : 
- هيا إخبرونا , هل توجد حياة خلف الجبل ؟
جوزيف بضيق وتعب : لا , فقط كثباناً رملية على مدّ النظر ! 
آدم باستغراب : الا تتواجد بالعادة منازل للصيادين قرب ضِفاف الأنهر ؟! 
مايك : ومن يريد العيش في هذه المنطقة الصحراوية الجرداء ؟
آدم : مع اني لم أكن أعرف ان للفرات روافدٌ في الصحراء .. كما أعتقد ان الجبال لا توجد الاّ في شمال العراق , فهل وصلنا الى هناك بيومٍ واحد ؟!

جوزيف بعصبية : وهل تجدنا خبراء في التضاريس العراقية ؟ اساساً من منكما ايها الغبيان إقترح علينا هذه الرحلة المشؤومة ؟!! 
(وأشار الى الشابين آدم وجاك) ..
جاك بضيق : ومن قال لك ان تأتي معنا بالرحلة ؟
مايك : كفّا عن الشجار !! لقد أتينا وانتهى الأمر 
ثم نظر مايك لآدم وسأله : 
- وماذا عنكما ؟ هل اصطدتما بعض السمك ؟
آدم : إصطدنا واحدة فقط , ونحن نشويها الآن على النار 

فاقتربوا جميعاً من النار ليروا سمكة متوسطة الحجم ..
فقال جوزيف بعصبية : هذه السمكة لا تكفيني انا وحدي !!
مايك : إهدأ يا رجل .. ودعنا نتقاسمها بالعدل 
جاك وهو يتفقّد السمكة : تحتاج الى خمس دقائق أخرى لتشوَى تماماً , اصبروا قليلاً 

ومن ثم جلسوا حول النار , ليأكل كل واحداً منهم بعض اللقيمات التي لم تشبعهم 
***

اما بقيّة النهار .. فقد أمضوه الشباب الأربعة بجمع الأخشاب اليابسة المتناثرة هنا وهناك لصنع كوخاً صغيراً للنوم بداخله , آملين بأن يحميهم من حرّ الصباح وبرد المساء  .. 
لكن هذا العمل أرهقهم جداً , خاصةً مع فشلهم في اصطياد المزيد من الأسماك , فباتوا ليلتهم جوعا !  
*** 

في صباح اليوم التالي .. استيقظ الشباب الثلاثة على صراخ آدم الذي وقف مذهولاً قرب النهر .. وما ان وصلوا اليه حتى شاهدوا أمراً لا يصدق ! فقد كان يمسك بيده حصىً صغيرة ذهبية اللون , وجدها تلمع في قاع النهر قرب الشاطىء .. 
وفي البداية ظنّوا أن الجوع والإرهاق يسببّ لهم الهلوسات.. لكن ما ان بدأوا بالتنقيب هناك , حتى وجدوا المزيد من الحصيّات الصغيرة اللامعة ! 

فقال جوزيف : أعتقد ان هذا الذهب هو بعضاً ممّا قذفه موج النهر الى الشاطىء , لكن مصدر الذهب يقع في وسط النهر .. هناك تحديداً !! 
وأشار الى منطقة على بعد امتارٍ قليلة من الشاطىء ..
فتكفّل آدم بالغطس هناك بما انه أمهرهم بالسباحة .. بينما جلس الباقون على الشاطىء بانتظار خروجه من تحت الماء

وكانت المفاجأة ! حين صعد آدم وبيده حجرة من الذهب بحجم كفّه ! وقد صرخ آدم بعد معاينته لتلك الحجرة , قائلاً بحماس : 
- كما توقعت !! فهناك جبلاً من الذهب في الأسفل !! 

وبعد ان سبح للشاطىء .. أخبرهم انه حين نزل الى هناك , تفاجأ بوجود تجويف ارضي في قاع النهر (الذي يبعد مترين عن سطح الماء) وعندما دخل فيه , وجد وكأن هناك جبلاً مطموراً أسفل النهر ! فقام بكسر قمّته بالفأس .. وعندما صعد للتنفّس , تفاجأ بلون الحجر الذي بيده ! وحينها أدرك ان الجبل بأكمله مكوّن من الذهب الخالص
جاك : لحظة ! ..أتقصد ان هناك كهفاً أسفل النهر , وبداخله جبلاً من الذهب ؟!
آدم بسعادة : ان كنتم لا تصدقوني , فتعالوا معي لتروه بأنفسكم .. 

وبالفعل !! إنضمّ اليه جاك وجوزيف .. بينما فضّل مايك استلام ما يستخرجونه من ذهب ووضعه على الشاطىء , فهو لا يريد الغرق داخل كهفٍ مظلم
***

وفي المساء .. اجتمعوا حول النار ليتقاسموا الذهب .. وبعد ان وضع كل واحداً منهم نصيبه داخل حقيبة الظهر الخاصة به (بعد ان أفرغوها من أغراضهم الشخصية)..
قال مايك غاضباً : لما اعطيتموني أصغر الأحجار ؟!
جوزيف : لأنك لم تفعل شيئاً ايها الجبان 
مايك : كيف لا ؟! لقد ساعدتكم بحملها , فأنتم تعرفون انني لا أجيد السباحة .. كما انني إصطدّت لكم هذا الضبّ لتأكلوه 
آدم : لا تغضب يا مايك , فالذهب الذي معك يكفيك لشراء منزلين على الأقل ..

جاك : اساساً كل هذا الذهب لن ينفعنا ان لم يتمّ انقاذنا  
جوزيف معاتباً : الا تكفّ عن تشاؤمك يا ولد !!
جاك غاضباً : عمري 22 , ولا أسمح لك ان تناديني هكذا !!
آدم : اهدأ يا جاك .. وانت ايضاً يا جوزيف .. ولنوفّر طاقتنا للغد  
مايك : أتقصد لإحضار المزيد من الذهب ؟

آدم : لا , بل لبناء قارباً خشبياً ينقذنا من هنا .. وبرأيّ ما أخذناه يكفينا لبقيّة عمرنا .. كما ان كل هذه الأوزان ربما تُغرق قاربنا 
جوزيف : يمكنكم الذهاب وحدكم , فأنا سأبقى قرب كنزي  
آدم بغضب : كنزك ! انا من اكتشفت هذا الجبل وليس انت !!
جاك : نعم معه حق .. كما انك طمّاع يا جوزيف .. فماذا سينفعك الذهب ان بقيت وحدك هنا , او متّ جوعاً ؟!

مايك : اهدؤوا رجاءً .. وعلينا التعاهد منذ اليوم على كتمان هذا السرّ , لأننا حتماً سنُعاقب في حال عَرِفَت السلطات العراقية بسرقتنا لجزء من مواردها الطبيعية 
آدم : هذا اذا لم يتقاتل الناس عليه ان سمعوا بهذا الخبر
جاك : آه الآن تذكرت .. كنت قد قرأت مرّة بالتوراة عن جبل ذهبٍ سيظهر بالعراق , وسيتقاتل الناس عليه بآخر الزمان 
آدم : نعم .. أظنّ ان جميع الأديان تكلّمت عنه 
مايك بقلق : وهل نحن في آخر الزمن ؟ 
جوزيف : ما رأيكم لوّ تغلقون جميع المواضيع وتناموا قبل ان نجوع من جديد 
مايك : معك حق .. تصبحون على خير يا اصدقاء

ونام كل واحداً منهم وهو يحتضن حقيبته التي امتلأت بالأحجار الذهبية ..
*** 

الا ان جاك استيقظ في منتصف الليل ليقضي حاجته ..وعندما إبتعد عن المكان مُسترشداً بنور القمر , سمع بالصدفة جوزيف وهو يُكلّم مايك خلف الشجيرات : 
- ما رأيك يا مايك بدل ان نُتعب أنفسنا بالغطس غداً , ان نستولي على ذهب الشابين ؟
مايك بقلق : وماذا لو تعاركا معنا ؟ 
جوزيف بابتسامةٍ خبيثة : نتخلّص منهما
مايك بصدمة : ماذا ! أتريد قتلهما ؟!
جوزيف بجدّية : وهل تريد لهاذين الثرثارين ان يُخبرا الجميع بكنزنا ؟ برأيّ الأفضل ان يبقى السرّ بيننا نحن الأثنين فقط ..

وهنا أسرع جاك عائداً نحو صديقه آدم , ليوقظه ويخبره بما سمعه.. 
وعندما عاد جوزيف ومايك الى الكوخ الخشبي تظاهر الشابين بالنوم , وهما ينويان الرحيل مع طلوع الفجر (أثناء نوم الرجلين).
***

وفي الصباح الباكر .. لم يجدا جوزيف ومايك الشابين بالجوار , وظنّا بأنهما سبقاهما الى النهر .. فأسرع جوزيف بالغطس خوفاً من ان يكونا جمعا المزيد من الذهب لهما , بينما انتظره مايك على الشاطىء ..لكن الشابان كانا بالحقيقة في طريقهما نحو الصحراء هرباً من غدر الرجلين ..
***

وكان المشي فوق الكثبان الرملية مُتعباً مع حملهما لهذه الأثقال على ظهورهما .. فأقترح آدم على صديقه ان يتسلّقا إحدى الجبال القريبة , لربما يجدان به شقّاً يُخبئان فيه حقائبهما ..ومن ثم يكملان السير على أمل إيجاد قريةٌ قريبة .. ولاحقاً يعودان لأخذ حقائبهما المليئة بالذهب ..

لكن الحظ حالفهما حين وجدا كهفاً صغيراً بأعلى الجبل .. فدخلا اليه ليستريحا قليلاً , بعد ان قاربت الشمس على المغيب ..
جاك وهو يستلقي بتعب : انا جائعٌ للغاية يا صديقي
فأخرج آدم من حقيبته علبة فاصوليا .. فشهق جاك متفاجئاً :
- من اين أتيت بها ؟!
- كانت على متن السفينة , لكني خبأتها قبل ان تروها ..
جاك بعصبية : ولما لم تتقاسمها معنا ؟!!
آدم : اهدأ قليلاً .. كنت أحتفظ بها ليومٍ سيء كهذا اليوم ..
- مع اني غاضبٌ منك .. لكني سعيد بأنك لم تتقاسمها مع ذانِكَ الرجلين الخبيثين .. هيا إفتح العلبة , فأنا أكاد أموت جوعاً
وبعد ان أكلا , ناما على الفور من شدّة التعب ..
***

امّا الأحداث التي حصلت بعدها , فسأخبركم بها بنفسي .. انا آدم .. وكنت مع صديقي جاك ننام في ذاك الكهف بانتظار رحلة الصباح لنتعمّق أكثر بالصحراء .. لكنني استيقظت صباحاً وعلى ثيابي بقعاً من الدماء ! امّا جاك فقد اختفى تماماً ! ولا ادري ان كان تسلّل الينا في المساء حيواناً برّياً قام بسحب صديقي من هناك .. وان كان فعل , فهل يُعقل انني لم اسمع صراخه ؟! وفي حال إفترسه بالفعل , فأين هي بقايا جثته ؟ اما في حال كان جاك بخير , فهل يُعقل ان يرحل دون حقيبته ؟ والسؤال الأهم من كل هذا , كيف تلطّخ قميصي بالدماء , فأنا لم أصطدّ شيئاً ذلك اليوم ؟!  

وبعد ان بحثت عن جاك في كل مكان .. قرّرت العودة من حيث أتيت (بعد ان أخفيت الحقيبتين داخل الكهف) وركضتّ عائداً باتجاه النهر 

ووصلت مساءً , وانا الهث من شدّة التعب .. وبينما كنت اشرب من ماء النهر لأرتوي , كان مايك وجوزيف يراقباني بدهشة ! 
وبعد ان انتهيت اقتربت منهما , فرأيت نظرة الرعب في عينيهما ..وأشار جوزيف على قميصي قائلاً : 
- هل قتلت صديقك ايّها الطمّاع ؟ 
فأجبته باستنكار : لا لم افعل ! أحلف لكما 
مايك بقلق : واين هو جاك اذاً ؟
- لا ادري .. استيقظت صباحاً ولم اجده , وظننته عاد الى هنا 

وبقيت لقرابة ساعة أقنعهم بما حصل معي , لكني اعرف انهما لم يصدّقاني لأنهما ظلّا يراقباني من بعيد , بعد ان رفضا مبيتي معهم داخل الكوخ الخشبي .. حيث نمت ليلتي قرب النهر وانا أرتجف من البرد , وأتلفّت يميناً ويساراً خوفاً من ذلك الحيوان البرّي الذي قضى على صديقي .. ان كان هذا ما حصل له بالفعل !
***

في الصباح .. استيقظت على حادثة أشدّ رعباً .. حيث كنت أعتلي جسد جوزيف بعد ان شدَختُ رأسه بحجرةٍ كبيرة , وظللّت أكرّر ضربه دون توقف , وكأن روحاً شيطانية إستولت على جسمي ! ورغم صراخ مايك الذي كان يهرب باتجاه النهر , لم أوقف إعتدائي الى ان زهقت روح جوزيف بين يديّ ! 
فنظرت الى مايك (من بعيد) بعد ان غمر الماء نصف جسمه , وكان حينذاك يصرخ ويترجّاني برعبٍ شديد : 
- ارجوك يا آدم !! خذّ كل الذهب , ودعني أعيش 

لكني لم اجد نفسي الا وانا أسحب الفأس من حقيبة جوزيف واركض باتجاه مايك وانا اصرخ كالمجنون والوحّ بالفأس في الهواء , بعد ان تلوّثت ملابسي كلها بالدماء ! وقبل ان أعيّ ما يحصل , كان مايك يحاول السباحة مُبتعداً عن هجومي المفاجىء 

وهنا استيقظت فجأة من غفلتي ! لأشاهد مايك وهو يغرق امام ناظريّ .. فأسرعت لأنقاذه :
- لا تخفّ يا مايك .. انا قادمٌ لأنقاذك !! 
الاّ ان النهر سحبه للأسفل , ليختفي تماماً .. 
وبعد مدّة .. شاهدت جثته تطفو من بعيد !
والى يومنا هذا لا ادري ما حصل لي ذلك اليوم ! وهل قمت بالفعل بقتلتهم جميعاً ؟!

اما ان كنتم تتساءلون عن الذهب , فلا أملك منه شيئاً .. لأنه يبدو ان تلك الروح الشريرة عادت وتلبّستني من جديد .. حيث وجدّت نفسي اعود الى الصحراء مجدداً .. 

وفي اليوم التالي عدّت الى النهر وانا أحمل حقيبتا الذهب التي كنت تركتها مع جاك في الكهف .. نعم كما قرأتم ..حملتهما معاً رغم ثقلهما , فتلك الروح جعلتني قويّ للغاية , حتى ان رحلة الصحراء لم تتعبني كثيراً  

ومن ثم دخلت الى الكوخ الخشبي وأحضرت حقيبتا جوزيف ومايك .. ووضعت الحقائب الأربعة على الشاطىء .. ثم سبحت الى نفس المكان الذي استخرجنا منه الذهب , وقمت بإفراغ الحقائب الواحدة تلوّ الأخرى , لتتراكم فوق الجبل المطمور في اسفل النهر , وكأني أعيد الذهب الى مكانه من جديد ! 

لكن قبل ان اعود الى الشاطىء , أحسست بشيءٍ يشدّ قدمي الى الأسفل ..وكنت على وشك الغرق ! وحينها سمعت صوتاً مُريباً قادماً من أعماق النهر , وكان يقول لي مُهدّداً :
- لم يأذن لجبل الذهب ان يظهر بعد , فعدّ من حيث أتيت ولا تخبر أحداً بأمره , والاّ لحقت بإصدقائك

ومن بعدها , صعدت مباشرةً لسطح الماء لألتقط انفاسي ..ثم أسرعت نحو الشاطىء .. وقبل ان أستوعب ما سمعته هناك .. ظهَرَت لي من بعيد نفس السفينة التي كنّا قدمنا عليها ! وظلّت تسير لوحدها الى ان رست على الشاطىء ! فأسرعت بركوبها , وقلبي مازال يرتجف مما حصل معي هذا اليوم ..  

وأعرف انكم لا تصدّقون كلمة ممّا قلته , لكن ما حصل بعدها كان غريباً ايضاً , حيث استطعت تشغيل محرّك السفينة وكذلك دفّته دون أيّةِ مشاكل .. كما ان جثة القبطان إختفت تماماً من على متنها!  
وحقاً لم يكن يهمّني في ذلك الوقت سوى الإبتعاد عن ذلك الشاطىء المسكون بالإرواح الغامضة .. 

والآن أكلّمكم من بريطانيا .. نعم فقد وصلت البارحة الى بلدي .. ولم أخبر السلطات بعد بمصير اصدقائي الثلاثة , بالإضافة الى القبطان العراقي العجوز 

لكن بما انني بخيرٌ الآن , فسأخبركم بعنوان ذلك المكان لكيّ تستخرجوا الذهب بأنفسكم .. فالذهب كثير ويكفي الجميع .. والمكان هو : 
العراق .. نهر الفرات ..قرب جبل ..
***

وهنا انقطعت الرسالة (التي كان ينشرها آدم مباشرةً عبر صفحته على الفيسبوك)عن المئات المتابعين الذين كانوا يقرأون كلامه باهتمام ..

ولاحقاً تمّ اكتشاف جثّة الشاب آدم داخل منزله .. وكانت سبب الوفاة : هي شظيّة حديدية خرجت من حاسوبه (الذي انفجر دون سببٍ واضح) لتقطع شريان رقبته !
***

ولولا ان معظم الأديان السماوية تحدّثت عن جبل الذهب العراقي المجهول المكان , لما صدّق أحد قصّته الخيالية ! 
فهل قتله الجني او الملاك المسؤول عن تخبئة الجبل لكتمان هذا السرّ ؟!

لا أحد يدري .. وسيبقى ما قاله آدم لغزاً مُحيّراً , الى ان يحين موعد ظهور جبل الذهب بالفعل ! وحينها لن يكون الشباب الأربعة هم الضحايا الوحيدين لذلك الكنز المدفون , بل ستُفنى بسببه شعوباً بأكملها عن بكرة أبيها ! وسيكون ظهور هذا الجبل آخر علامات القيامة الصغرى لتبدأ بعدها ظهور العلامات الكبرى الأشد رعباً وفتّكاً بالبشريّة أجمع ! 

الأربعاء، 24 يناير 2018

للقدر رأيٌ آخر

فكرة والدتي : آمنة الخالدي
كتابة : امل شانوحة

من سيرث الآخر ؟!

وبعد ان القوا نظرة في أرجاء الشقة الفارغة .. قالت الصبية لوالدها :
- المنزل جميل يا ابي , لكننا لا نملك كامل سعره
فسمعها الشاب (صاحب الشقة) واقترب منهما قائلاً :
- رغم ان المبلغ الذي عرضّتماه عليّ يساوي نصف الثمن , لكني سأقبل بيعكم شقتي لأنني سأهاجر قريباً الى استراليا , فعمي هناك على فراش المرض , وانا الوريث .. أقصد .. قريبه الوحيد .. لهذا دعونا نتممّ الصفقة في أقرب وقتٍ ممكن 
***

الاّ ان الأمور أخذت منحى جديد حين أعجب الشاب بالصبية مع الأيام التي تلت نقل ملكية الشقة لعائلتها , فطلب يدها من والدها الذي إعترض في البداية على استعجاله بالزواج , لكن الشاب أقنعه بأنه يريدها ان ترافقه الى الخارج .. وبعد موافقة البنت تمّ عقد الزواج سريعاً ليسافرا معاً الى استراليا ..
***

وما ان وصلا الى هناك .. حتى فاجئها عريسها برغبته في الذهاب مباشرةً الى قصر عمه  
العروس : الم تقلّ ان عمك استأجر بيتاً لنا ؟!
زوجها : نعم , لكن طبيبه اتصل بي ونحن بالمطار وأخبرني بأن حالته أزدادت سوءاً هذا الصباح , فهو كما اخبرتك يعاني من السرطان , واريد ان اطمئن عليه قبل وفاته 
فقبلت العروس مُرغمة , وذهبا الى قصر عمه الفخم ..
***

والتقيا به مستلقياً على سريره الطبي في غرفة داخل قصره , كان قد جهّزها بكافة الأدوات الصحيّة لأنه يرفض العلاج في المستشفى  
وبعد السلام والأحضان بينهم .. عاتبه العم قائلاً :
- لما استبدلت طبيبي بطبيبٍ آخر , يا وليد ؟! 
- هذا الطبيب ماهرٌ أكثر من طبيبك العجوز يا عمي , كما ان معظم مرضاه تعالجوا من السرطان , فأنا قمت بالكثير من الأبحاث عنه قبل ان أطلب من محامي العائلة إحضاره لك ..
العجوز وهو ينظر الى العروس التي بدى عليها الإرهاق من السفر الطويل 
- عزيزتي .. اذا كنت متعبة , فيمكنك الإستراحة بغرفة الضيوف 

فنظرت الى زوجها الذي قال :
- يمكننا ان نبيت الليلة هنا حبيبتي , وغداً نذهب الى بيتنا  
فشكرت ندى عمّ زوجها , وذهبت مع خادمة القصر الى الغرفة الموجودة بالطابق العلوي لأخذ قسطاً من الراحة , تاركةً زوجها يتحدّث مع عمه في المسائل الطبية والمالية ايضاً
***

ومرّت الأيام والعرسان مازالا في قصر العم .. وفي نهاية الأمر عرفت العروس ان زوجها ليس لديه منزل في استراليا , وبأنه أخبر اهلها بذلك فقط ليوافقوا على هجرتها معه 
زوجته بضيق : أهذا يعني اننا سنعيش كل حياتنا هنا ؟
- وماذا أفعل ان كان عمي يريدنا ان نبقى معه في آخر ايام حياته ؟
- لكن وليد..
- اسمعي ندى .. الطبيب أخبرني ان عمي يحتضر بالفعل , وربما بعد ايام او شهوراً قليلة يصبح القصر لنا , فلما نضيّع مالنا باستئجار بيتٍ جديد؟
- لما أشعر وكأنك تتمنّى موته بدلاً من شفائه ؟!

زوجها بارتباك وعصبية : ماهذا الهراء !! بالطبع أتمنى ان يبقى معنا دائماً , فهو في مقام المرحوم والدي , لكن لا تنسي ان العلاج من السرطان بمن في مثل عمره أشبه بالمستحيل .. ومع هذا أحرص دائماً على إحضار له أفضل الأدوية وأمهر الأطباء ..
- حسناً حسناً , إهدا قليلاً .. فأنا لا أتهمك بالإهمال , فقط كنت 
زوجها مقاطعاً : ارجوك دعينا من هذا الكلام .. فأنا كل ما اريده منك هو ان تهتمي به هذه الفترة

- وانا ايضاً كنت أرغب بالتحدّث معك عن هذا الموضوع , فقد رأيتك البارحة وانت تطرد الممرّضة
- نعم لأنها مهملة في عملها , لكني حتماً سأجد أفضل منها
- لا داعي لذلك , فأنا سأهتم بعمّك .. على الأقل لنشكره على قبوله العيش معه
- ندى ..هو لا يحتاج للإهتمام فقط , بل يحتاج لأخذ أدويته بانتظام , عدا عن الحقن التي.. 
مقاطعة : الم أخبرك بفترة خطوبتنا القصيرة انني أخذت دورات صيفية بالتمريض ؟
- أحقاً ! يبدو انني نسيت .. حسناً ان كنت تريدين مساعدته فلا بأس بذلك .. هكذا سأطمئن عليه اكثر أثناء سفري
- ايّ سفر ؟!
- آه آسف , نسيت ان اخبرك .. لكن شركة عمي لديها فروع في كافة مناطق استراليا , وعليّ القيام بجولة تفقّدية من وقتٍ لآخر لأشرف على سير العمل هناك .. وهذا يتطلّب مني السفر عدة ايام كل شهر 

فطأطأت رأسها بحزن , فحضنها بحنان قائلاً :
- اعرف اننا لم نحظى بعد بشهر عسلٍ لائق .. لكني اعدك بأنك ستعيشين حياة لم تحلمي بمثلها من قبل .. بقيّ القليل.. إصبري عزيزتي ..فأنا اقوم بكل هذا لأجلك ولأجل اولادنا في المستقبل .. والآن أعذريني .. فعليّ ترتيب حقيبتي ..
- دعني أرتبها لك 

وبعدها بساعة .. توجّه الى المطار وهو منشغل بالأمور المالية لشركة عمّه الضخمة ..
***

في المساء .. دخلت ندى على العمّ , وهي تحمل كيس الأدوية 
العمّ : آه ! هل أحضر الطبيب ادويتي الجديدة ؟
بابتسامة : ليس الطبيب , بل شخص أوصلهم الينا , وقال ان زوجي طلبهم من شركتهم الطبّية 
- غريب ! بالعادة ادوية السرطان تحتاج الى وصفةٍ طبية , وزوجك لم يطلب مني اسماء ادويتي او تقاريري السابقة ! 
- لا ادري .. المهم دعني أعطيك الحقنة , فأنا من سأقوم برعايتك هذه الفترة ..ولا تقلق , فأنا درست التمريض وكنت متفوقة بها
- هذا جيد 
وهي تعبأ الحقنة : لا تقلق فيدي خفيفةٌ جداً , ولن تشعر بالألم
***

ومع مرور الأيام .. بدأت حالة العجوز تزداد سوءاً ! 
فأخبرت ندى زوجها بقلقها , لكنها استشعرت ارتياحه من تدهور صحة عمه , مما أثار الشك في قلبها ! 
فتنصتت عليه وهو يكلّم محاميه , فسمعته يقول :
((نعم نعم .. العجوز على وشك الموت .. وقريبا جداً سأملك هذا القصر وشركته الضخمة بكل فروعها .. نعم بالتأكيد لك نصيب , انت والطبيب المحتال ..))
ثم ضحك بملء شدقيه ..

فعرفت زوجته ان بالأمر شيئاً مريباً .. وانتظرت ليوم سفر زوجها الذي إعتاد الذهاب الى فروع الشركة مرتين بالشهر .. 
وبعد سفره توجهت الى مختبرٍ طبّي , وأعطتهم الأدوية التي كان يحضرها ذلك الشخص الموكّل من قِبل زوجها .. 
***

وبعد يومين ظهرت النتيجة , وكانت المفاجأة ! 
فهذه الأدوية التي دوام العمّ على تناولها على مدى شهرين , كانت بالحقيقة تعمل بشكلٍ مضاد لأدوية السرطان , بل تساهم بتطوّر المرض بدلاً من القضاء عليه !
فبكت ندى بقهر بعد معرفتها بأنها تزوجت من شخصٍ ماكر يريد القضاء على عمه الطيب ليستولي على الميراث .. بالرغم من انه الوريث الوحيد لكن طمعه جعله يستعجل القدر للقضاء على عمه سريعاً ..
وبعد تفكيرٍ مطوّل قرّرت إخبار العجوز بالحقيقة  
*** 

وكانت صدمة قوية للعم بإبن اخيه الذي كان يحبه كأبنه , فهو حُرِمَ من الأولاد بسبب انشغاله الدائم بالعمل 
ندى بشفقة : رجاءً يا عمّ لا تبكي 
العجوز وهو يمسح دموعه : زوجك يريد قتلي يا ندى !  
- لا ادري ماذا اقول لك ! لكن علينا الإنتباه جيداً هذه الفترة كيّ لا يعرف وليد اننا كشفنا خطته الخبيثة
- بالطبع .. فشخصٌ يفكّر بقتل آخر فرد من عائلته هو رجلٌ حقير , وبإمكانه التخلّص منّا نحن الأثنين من أجل المال
ندى بقلق : وماذا نفعل الآن ؟ فأنا خائفةٌ منه
- علينا التخطيط بسرّية تامة .. (ثم فكّر قليلاً) ..اولاً لن اسمح لطبيبه المجرم بحقني ثانيةً , بل سأوكل المهمّة لك  

- حسناً , وانا سأرمي بجميع الأدوية التي يجبرك وليد على أخذها 
العجوز : نعم , لكن عليّ اولاً استشارة طبيبي الذي أقاله زوجك المحترم ليكتب لي وصفاتٌ جديدة , بعد ان ساءت حالتي بسبب السموم التي تناولتها
- لكن لا تدعّ طبيبك يحضر الى هنا الاّ بعد سفر زوجي 
- معك حق .. لكن ماذا عن الخادمة ؟
ندى : آه صحيح , ربما يكون وليد دفع لها لتتجسسّ علينا ..(تفكّر قليلاً).. اذاً بعد سفر زوجي أعطيها إجازة لبقيّة اليوم , كيّ لا ترى طبيبك قادمٌ الينا.. وبجميع الأحوال لن أسمح لها بتنظيف غرفتك , بل أفعل ذلك بنفسي

- لا ادري حقاً كيف اشكرك .. فالله ارسلك اليّ لتنقذيني من الموت .. ومع هذا أشعر بالحزن عليك لزواجك من هذا الشرير 
تتنهّد بحزن : ماذا أفعل , هذا قدري ونصيبي ! 
***

وبدأ العم وندى ينفّذان الخطة ويوهمان وليد بتدهور حالته المرضية مع الأيام .. بينما يستغلّان انشغاله بالعمل ليشرف طبيبه الخاص على علاجه بمساعدة ندى التي تداوم على إعطائه الأدوية المناسبة لحالته 

ومرّت الشهور .. وبدأت صحة العم تتحسّن بالفعل , حتى بدأ شعره بالنمو مجدداً .. لكن ندى كانت تحلقه له بناءً على طلبه كيّ لا تنكشف خطتهما , وأحياناً يُخفي تلك الشعيرات القليلة بقبعته الصوفية .. 
***

وفي يومٍ كان فيه وليد خارج البلد والخادمة بإجازة , سألها العجوز: 
- وماذا عنك يا ندى ؟ هل ستبقين طوال حياتك مع هذا الطمّاع؟ 
بنبرةٍ يائسة : انا اريد الطلاق , لكني خائفة من ردةّ فعله ! 
- وما رأيك لوّ أخلّصك منه ؟
- ياريت , لكن كيف ؟
- لديّ خطة مناسبة , لا تقلقي
***

وبعد عودة وليد من السفر , دخل الى غرفة عمه الذي تظاهر بالتعب الشديد.. 
- خير يا عمي ! مابك ؟
العم بنبرةٍ مرهقة : يبدو انني أقترب كل يوم من الموت
وليد وهو يخفي فرحه : معاذ الله يا عمي .. أكيد حالتك ستتحسّن مع الأيام
- دعنا من الأحلام , ولنتكلّم عن امور الميراث
فقال وليد في نفسه بارتياح  )):وأخيراً سيخبرني بمجموع ما يملكه من اموال وعقارات)) 

فقال العجوز : كما ترى يا بنيّ .. فشركتي لديها فروع في كافة استراليا , وعليك ان تقضي معظم وقتك بالسفر هنا وهناك لتسيّر امورها ..
مقاطعاً وبحماس : وأنا لست متعباً من ذلك عمي
- نعم لكنك ستتعب في حال أصبح لديك اولاد 
- مازالنا عرسان جددّ , ولا افكّر بالإنجاب الآن 
وهنا تغيّرت نبرة العم , قائلاً بجدّية : سأخبرك من الآخر يا وليد.. انا اريدك ان تكون متفرّغاً تماماً لشركاتي , وهذا يعني ان تبقى عازباً لخمس سنوات على الأقل حتى تتقن امور الإدارة لكافة الفروع

- هل ضايقتك ندى بشيء ؟!
- ندى فتاةٌ جيدة , لكنها لا تناسب رجل اعمال مثلك ..فهي لا يمكنها ان تكون سوى ربّة منزل , فقد طلبت منها مراراً ان ترافقك , لكنها تكره السفر وتحب الإستقرار , وهذا سيؤدي حتماً الى مشاكل بينكما في المستقبل .. ولهذا انا أخيّرك بين أمرين : ففي حال قبلت ان تطلقها , فسأطلب من المحامي ان ينقل كل شركاتي بإسمك ..او ان تبقى معها , وأوزّع كل تركتي للجمعيات الخيرية ..القرار قرارك 

فأجاب وليد على الفور دون التفكير بالأمر , قائلاً : 
- أطلّقها طبعاً !! أساساً انا تزوجتها بخلال اسبوعين فقط , وكأن اهلها لم يصدّقوا متى يتخلّصون من ابنتهم العانس .. ومعك حق ..فأنا رجل اعمال ناجح واحتاج الى سيدة راقية ترافقني بكل أسفاري 
- قرارٌ جيد .. اذاً سأطلب من المحامي غداً ان يحضر معه ورقتين رسميتين , إحداها ورقة طلاقك , والثانية ورقة نقل الميراث لك

فقال الشاب بسعادة : حسناً عمي .. (ثم تنهّد بضيق).. والآن عليّ الذهاب لإخبار ندى بالأمر 
- ان أردّت أخبرها انا
- سيكون هذا أفضل , لكن دعني اولاً اذهب الى الفندق , لأني لا اريد ان يتصدّع رأسي ببكائها وتوسّلاتها بالبقاء معاً ..وغداً آتي الى هنا باكراً لننهي جميع المواضيع
- كما تشاء

وبعد خروج وليد من الغرفة .. خرجت ندى من خلف الستار (لغرفة العم) والدموع على خديها , بعدما سمعت بنفسها ما قاله زوجها 
- لم اكن اعرف انني رخيصة بالنسبة له لهذه الدرجة !
- لا تبكي ارجوك .. انا فعلت ذلك لأخلّصك من هذا التافه 
فأومأت برأسها بحزن وهي تشعر بخيبة امل كبيرة  
***

في اليوم التالي .. دخل المحامي مع وليد الى غرفة العم ليجدا ندى تجلس هناك بوجهها الخالي من التعابير وكأنها تحوّلت الى صنم ! فعرف وليد ان عمه أخبرها بموضوع الطلاق .. 
لكنه لم يتوقع هدوئها وهي توقع دون اعتراض على ورقة طلاقها ! ومن ثم وقفت قائلة :
- سأذهب الآن لأرتّب أغراضي 

فقال العم لها : سائقي سيوصلك الى المطار بعد ساعة ..ولا تنسي ان تسلّمي لنا على اهلك يا ندى
فأومأت برأسها , دون ان تنظر الى طليقها .. ثم خرجت من الغرفة بهدوءٍ مريب ! ليتابع المحامي اجراءات نقل الميراث ..
***

ورغم ان ندى أرادت هذا الطلاق , الا انها ظلّت تبكي طوال طريقها الى الفندق (وليس المطار كما أخبر العم زوجها) 

وفي هذه الأثناء .. كان وليد متحمّساً للغاية وهو يوقّع على الأوراق الرسمية (دون ان يقرأها) شاكراً عمه على نقله ملكية القصر والشركة بجميع فروعها له ..
***

وبعد ذهاب وليد والمحامي من القصر .. إتصل العم بندى في الفندق.. 
- لا ارجوك توقفي عن البكاء يا ندى .. وجهزي نفسك لأننا سنسافر قريباً الى الجزيرة , لا تنسي ذلك .. فخطة عقاب وليد بدأت منذ الآن .. نعم لقد وقّع الغبي على جميع الأوراق بما فيها سحب وكالتي منه , وحرمانه من الميراث .. اما باقي الأوراق التي وقّعها فهي مزورة ولا لزوم لها 
***

وبعد ايام .. عرف وليد بأن صلاحيّاته بإدارة شركة عمه إنتهت رسمياً ..حتى ان بطاقة دخوله الى الشركة ألغيت ..فجنّ جنونه صارخاً في وجه الموظفين بأنه المالك الجديد ..لكنه تفاجأ بحرس الشركة يرمون به الى الخارج , بعد ان أخبروه : بأنها اوامر عمه 

فأسرع غاضباً الى القصر ليتفاجىء بأنه معروض للبيع , وبأن عمه سافر الى خارج استراليا , لجهةٍ رفض محاميه إخباره بها 
***

ومرّت الشهور الثلاثة وهو يبحث عن عمه في كل مكان لكنه لم يجده .. الاّ انه قبل ايام التقى صدفةً بطبيب عمه الخاص الذي أخبره بشفائه تماماً من السرطان !
***

ومرّت الأيام صعبة على وليد بعد صرفه لمعظم ما يملكه من اموالٍ سائلة , ولم يعد يملك سوى منزلين ومزرعة في موطنه , لكنه يرفض ترك استراليا قبل الإجتماع مجدّداً مع عمه لحلّ هذه المعضلة
*** 

وفي صباح أحد الأيام .. وبينما كان وليد يشرب قهوته في مطعمه المعتاد , انتبه على واجهة الصحيفة التي كان يحملها رجلٌ في الطاولة المقابلة له , والتي نُشرت فيها صورة لعمه وطليقته ندى .. وبدون استئذان سحب الجريدة من يد الرجل , وأسرع بقراءة الخبر الذي صدمه للغاية .. فعمه سيتزوج من ندى هذه الليلة في حفلٍ كبير سيقام بجزيرةٍ آسيوية !  
وعلى الفور !! اسرع وليد نحو سيارته .. 
***

وبعد خروج وليد من المطعم , إتصل الرجل (صاحب الصحيفة) بالعم :
- نعم فعلت كما أمرتني يا بيك وجلست بجانبه , وأظنه الآن في طريقه الى المطار , فالخبر الذي طلبت مني كتابته ولصقه على واجهة الصحيفة أفقدته عقله .. وأظنه سيصل اليكم قبل بدء الحفل .. لكن خذوا حذركم فهو غاضبٌ للغاية !  
***

ووصل وليد الى المطار ليتفاجأ بعدم وجود رحلات الى تلك الوجهة , وبعد اصراره على السفر بأيةِ طريقة , إقترحت عليه عاملة الحجوزات ان يذهب بطائرةٍ شراعية .. 

فأسرع الى هناك , ليجد طائرة واحدة يقوم طيارها بتعبأتها بالبنزين .. فرفع في وجهه آخر رزمة من المال لديه , مُطالباً منه الإسراع بنقله الى وجهته ..
- لكن يا سيد انا لم أكمل فحص الطائرة بعد ..
مقاطعاً وهو يدسّ رزمة المال في جيب الطيار : لا وقت لديّ , فعليّ اللحاق بالعرس .. 
ثم فتح باب الطائرة وركب بداخلها .. فأسرع الطيار بإغلاق غطاء البنزين , ناسياً إقفال بابها بالمفتاح..
***

وقد أدّى الضغط العالي لوقوع غطاء البنزين الذي لم يحكم الطيار إغلاقه , لينسكب منه البنزين وهما يحلّقان فوق البحر .. 
وعلى الفور !! انطلقت صفّارات الإنذار معلنةً حالة الهبوط الإضطراري 
وليد بخوف : ماذا يحصل ؟! 
الطيار بغضب : لما استعجلتني يا غبي ؟! اللعنة عليك وعلى عرسك اللعين 
وظلّ يصرخان بخوف الى ان إصطدمت الطائرة بعنف بسطح الماء لتتحطّم على الفور , ويفارقا الحياة
***

في هذه اللحظات .. كان العم يتكلّم مع محاميه : نعم ..مازلنا ننتظره فقد رتّبت هذا الحفل لكي أغيظه , فربما بذلك يتربّى بأن لا يطمع مجدداً .. وعندما يعتذر مني , سأحاول إعادته الى زوجته التي مازالت تحبه .. وان قبل بذلك , تكون هذه الحفلة لهما .. لأنه برأيّ : إسراعه الى هنا يدلّ على واحدة من الأثنين : امّا ان ندى مازالت تهمّه , او انه يريد قتلنا معاً .. لا اطمئن يا صديقي , فالحرس سيقومون بتفتيشه قبل إدخاله الحفل .. فقط أتمنى ان ينتهي هذا الأمر بالأفراح
***

وقبيل موعد الحفل .. وصل خبر مقتله لندى التي بكت بقهر , فبالرغم انه تخلّى عنها بسهولة الاّ انه يبقى حبها الأول .. كما حزن عمه كثيراً لفقدانه آخر فرد من عائلته 
***

وبعد شهر .. ورث العم جميع العقارات التي كان يملكها وليد في موطنه .. فاتصل بندى التي عادت الى اهلها .. وأخبرها بالهاتف :
- عزيزتي
- اهلاً يا عم , كيف صحتك ؟
- انا بخير .. إتصلت لأخبرك انه سيأتيك اتصال غداً من المحامي لتسليمك اموال وليد
- لكن هذه ليست من حقي , بل من حقك انت
- انا عندي ما يكفيني , كما ان الجميع عندك يعرفون بأنك ارملته بعد ان أخفيت عنهم موضوع الطلاق كما نصحتك , ولهذا امواله من حقك انتِ .. وايّاك ان تجادليني يا ابنتي
- حاضر عمي كما تشاء

وبعد ان أغلق الهاتف , قال له المحامي الذي كان يجلس بجانبه .. 
- أمازلت مصرّاً ان ترث ندى كل اموالك بعض رحيلك , الا يكفي ما ورثته من وليد ؟
العم : هي تستحق كل الخير , فهي بالنهاية أنقذت حياتي , لكنني بالنهاية رجلٌ عجوز وسأموت قريباً .. وأرى بأنها أكثر شخص ظُلم في هذه التجربة .. لكن رجاءً لا تخبرها بشيء الى يوم وفاتي 

وبعد ان سكت العمّ قليلاً , إبتسم بحزن .. 
المحامي : مالذي تفكّر فيه ؟!  
العجوز بابتسامةٍ حزينة : كان ابن اخي يريد ان يرِثني وانا حيّ فورثته انا ! اليست غريبةٌ هذه الدنيا ؟! 
المحامي : هذا ما يسمّى بالقدر
العم بحزن : بل الأصح ان تقول : سخرية القدر ! 

الخميس، 18 يناير 2018

إحتلال الجسد

تأليف : امل شانوحة

اختي إستحقّت الموت !

عمّ الحزن منزل دارسن في واشنطن بعد وفاة ابنتهم (10 سنوات) غرقاً أثناء قيام الخادمة الآسيوية بتحميمها .. 
وقد قامت الشرطة بالقبض على الخادمة التي كانت تبكي وتصرّ على انها لم ترتكب الجريمة .. ثم أتت الإسعاف لأخذ جثّة الصغيرة للمشرحة .. 

وقد ظهر بالتحقيقات : ان الأم في تلك الأثناء كانت تقوم بتنويم طفلتها البالغة من العمر (3 سنوات) .. والأب كان مشغولاً على حاسوبه في غرفة مكتبه .. امّا ابنهم جون (10 سنوات) فكان يقرأ قصة للأطفال في سريره إستعداداً للنوم , أثناء استحمام اخته التوأم  
لهذا لم يكن مشتبهاً في قضية إغراق الطفلة اليزابيث سوى الخادمة التي شاهدها جيران المنطقة وهي تصرخ وتقاوم الدخول الى سيارة الشرطة , رافضةً إعتقالها عن جرمٍ لم ترتكبه !
***

وفي اليوم التالي .. 
امتلأ منزل دارسن بالمعزّين والصحافة التي قدِمت لنقل الخبر ..لكن كلا الوالدين رفضا التكلّم عنما حصل لأبنتهم , وأكتفى الأب بالقول للصحفيّة : 
- رجاءً ..دعوا عائلتي وشأنها , فمصابنا كبير .. ونحتاج لبعض الوقت لكيّ نعيّ ما حصل لنا !

وتفهّمت الصحفية مقدار الألم الذي تعانيه العائلة , خاصة ان الأم حبست نفسها بالغرفة برفقة طفلتها , رافضةً حتى رؤية عائلتها التي أتت لتقديم التعازي .. امّا الأب فقد إنشغل بالمعزّين , وقد لاحظ الجميع وجهه الشاحب وعيناه المغروّرقة بالدموع , وكأنه يحاول كبت حزنه بصعوبة 

لكن شخصاً ما كان بعيداً عن أعين الجميع , وهو أخو القتيلة التوأم .. لهذا استغلّت الصحفية انشغال الناس بتقديم واجب العزاء , وتسلّلت نحو الطابق العلوي لوحدها دون فريق التصوير .. 
ودخلت الى غرفة الصبي لتجده يلعب بسياراته على الأرض .. ففتحت كاميرا جوالها , وأخفتها بيدها كيّ لا يلاحظها الصغير .. واقتربت منه لتسأله وهو منشغلٌ باللعب :
- مرحباً .. كيف حالك ؟ اسمك جون اليس كذلك ؟
فأومأ برأسه إيجاباً .. فعادت وسألته :
- أعرف انك حزين على اختك , وبأنك ..
فقاطعها قائلاً (دون ان ينظر اليها) :
- هي استحقّت الموت 

فصُعقت الصحفية من إجابته الغامضة ! وعرفت انها أمام قصّة مشوّقة .. فعادت وسألته :
- هل أغضبتك اختك البارحة ؟ أقصد قبل ان تأخذها الخادمة الى الإستحمام؟ 
فوقف الصبي غاضباً , وقال لها بنظرةٍ أرعبتها :
- اللعينة التي ماتت ليست اختي اليزابيث !!

وخرج سريعاً من غرفته , تاركاً الصحفية في صدمة ! والتي قامت لاحقاً بنشر هذا الفيديو الذي أشعل وسائل التواصل الإجتماعي والذين طالبوا ببراءة الخادمة , والتحقيق مع الأخ غريب الأطوار , دون مراعاة سنّه الصغيرة وصدمته من فقدان اخته التوأم , ممّا أغضب والديه كثيراً واللذين طالبا المحامي بأخذ الإذن من القضاء لإبعاد الصحافة عنهم لفترة من الزمن , ومنع نشر ايّ شيء يتعلّق بالقضية في وسائل التواصل الإجتماعي , تحت طائلة المسؤولية.. وقد وافق القاضي على طلبهم مراعاةً لمشاعرهم المحطّمة 
*** 

وبعد اسبوع , هدأت الضجّة الإعلامية أخيراً .. كما تقبّل كلاً من الأقارب والأصدقاء رغبة العائلة في الإنعزال عن العالم الخارجي , الى حين موعد انتهاء التحقيقات وسماح الشرطة لهم بدفن ابنتهم , لترقد روحها بسلام ..
*** 

وفي إحدى الليالي .. وبعد ان إطمأنّت الأم على نوم طفلتها وابنها , ذهبت الى غرفتها لتجد زوجها غارقاً في التفكير ..
- بماذا تفكّر ؟
زوجها بقلق : بما قاله جون للصحفيّة !
الأم بضيق : لا اريد التكلّم في هذا الموضوع يا مايكل
- ولا انا .. لكني لا أنكر ان كلامه أخافني , فهل معقول ان يكون هو من قام بإغراق ..
زوجته مقاطعة : توقف حالاً !! بالطبع ابني لم يقتل اخته التوأم , انت تعرف تماماً كم هما متعلّقان ببعضهما منذ الصغر , لكن يبدو ان موتها المفاجىء أصابه بصدمةٍ نفسية , هذا كل شيء 
- اذاً ماذا كان يقصد : بأنها استحقّت الموت ؟! 
لكن الأم تجاهلت كلامه , وأدارت ظهرها للناحية الأخرى من السرير قائلة : تصبح على خير , مايكل

وبعد دقائق .. غرقت الأم في النوم , بينما ظلّ الوالد مستيقظاً وهو يشاهد تكراراً ومراراً من جواله : نظرات ابنه الحادّة والمخيفة للصحفيّة , وذلك من خلال الفيديو الذي نُشر سابقاً بالإنترنت ..
فقال الأب في نفسه , بعد ان اتخذ قراره :
((سأفعل ذلك غداً , ليس امامي حلٌ آخر))
***

وبعد ايام وفي منتصف الليل.. وبعد ان نام الولدان .. طلب مايكل من زوجته ان تأتي الى غرفة مكتبه .. فدخلت وهي تترنّح من النعاس 
- ماذا تريد يا مايكل ؟ دعني أذهب للنوم ..
- اريد ان اريك شيئاً أقلقني للغاية
وهي تقترب من حاسوبه : خير , ماذا تشاهد ؟!
- انظري .. لقد وضعت كاميرا تصوير بغرفة ابننا
الأم بدهشة : ماذا ! هل تراقب جون ؟!
- نعم .. لي ثلاثة ايام أراقبه .. وقبل ان تعاتبني , شاهدي ما صوّرته الكاميرا ليلة البارحة 

فشاهدت باهتمام الكاميرا (التي بها إضاءة ليلية) وهي تصوّر جون بعدما استيقظ في الساعة الثالثة صباحاً .. ثم قام بإخراج لعبة اخته المفضلة (التي صار يحتفظ بها بين العابها بعد وفاتها) .. وجلس على الأرض , ومدّ يده ناحية اليمين , وكأنه يعطي اللعبة لأحد يجلس بجانبه ! 

ثم سمعه الوالدان , وهو يكلّم نفسه بصوتٍ مسموع :
جون : واللعبة اشتاقت اليك ايضاً .. جميعنا حزينون لرحيلك , فلما لا تعودين الينا بعد ان نفّذت طلبك ؟! .. لكن الشرطة ماتزال تحتفظ بها في الثلاجة , هكذا سمعت المحامي يقول لأبي .. يبدو ان رجوعك صعبٌ للغاية .... ماهو ؟ .. وكيف أفعل ذلك , أأدفنها بالتراب ؟ .. حسناً سأفعل .. (ثم وقف قائلاً).. حاولي ان تزوريني دائماً .. مع السلامة حبيبتي 

ثم شاهده الوالدان وهو يلوّح بيده , مودّعاً جدار غرفته ! ويعود للنوم في سريره وكأن شيئاً لم يحصل ! 

وبعد ان أغلق الأب حاسوبه , قال لزوجته :
- ما رأيك بالذي قاله جون ؟!
الأم وهي في حالة ذهول : ربما لديه صديقٌ خيالي , او صديقة تحلّ مكان غياب اخته ..فهو لم..
الأب مقاطعاً : لقد قال انه نفّذ ما طلبته منه ! فهل هو من أغرق اليزابيث تنفيذاً لرغبات هذا الشبح او الخيال الذي يكلّمه ؟!
فوقفت الأم بغضب : توقف يا مايكل !! انت تشكّ بولدٍ عمره 10 سنوات , فقط لكيّ تبعد التهمة عن الخادمة .. فماذا يوجد بينك وبينها لتفضّلها على ابنك ؟ 

فغضب من كلامها وقال صارخاً : يا غبيّة !! ما دخل الخادمة بالموضوع ؟! انا فقط خائف على كاثرين 
زوجته بخوف : ماذا ! أتقصد انه ممكن ان يؤذيها ايضاً ؟!
- ارأيتي !! انت ايضاً لديك شكوك بشأنه , الا تذكرين كيف تشاجر مع اليزابيث قبل يومين من وفاتها , وكلانا سمعه وهو يقول لها بغضب : إخرجي من حياتنا للأبد .. كما انه قال بالفيديو : انه سيقوم بدفنها بالتراب 
الأم وهي ترتجف بخوف : أكان يقصد طفلتنا كاثرين ؟!  

فأمسك زوجها ذراعيها محاولاً تهدأتها : 
- لا ادري .. لكني سأظلّ أراقبه بجميع الكاميرات , لأني أنوي وضع كاميرا في كل غرفة .. وأقترح ان تضعي سرير الطفلة في حجرتنا , وسنقوم بإقفال باب غرفتنا بإحكام أثناء نومنا 

فلم تجد الأم سوى موافقته على رأيه , بعد ان أُثيرت الشكوك في قلبها تجاه ابنها الذي كان يتصرّف بغرابة منذ وفاة اخته !
***

ومرّت الأيام .. والوالدان مازالا يراقبان تصرّفات ابنهما بحذر , وهو ايضاً لاحظ رفضهما اللعب بمفرده مع اخته الصغيرة .. 
وفي أحد الأيام .. عندما كانت الأم تحمّم طفلتها , شاهدت جون يراقبهما من امام باب الحمام بنظراتٍ مُقلقة , وعندما سألته :
- ماذا تريد يا جون ؟
ذهب الى غرفته دون ان ينطق بكلمة ! فأسرعت الأم بإخراج الطفلة من حوض الإستحمام , خوفاً من ان تُتكرّر الفاجعة من جديد  
***  

وفي إحدى الليالي .. استيقظ الأب في الساعة الثالثة صباحاً على صوت حفرٍ في حديقة منزله .. فخرج وهو يحمل العصا وكشّاف النور , ظنّاً منه ان كلباً شريداً يُخرّب مزروعاته  .. لكنه شاهد ابنه جون وهو يطمّ شيئاً بالتراب , فسأله قائلاً :
- جون ! ماذا تفعل خارج المنزل بهذا الوقت المتأخر ؟
فنفض جون يديه من التراب , وهو عائدٌ للمنزل : كان عليّ فعل ذلك قبل ايام , لكني نسيت 
الأب : نسيت ماذا ؟! وماذا كنت تدفن في الحديقة ؟!

جون بنبرةٍ غاضبة : لقد قمت بإرسال لعبتها اللعينة اليها , لترافقها في الجحيم !! 
الأب بقلق : هل تقصد اليزابيث ؟!
لكن جون لم يجيبه , بل ظلّ ينفث انفاسه بغضب .. فقال له ابوه : 
- جون حبيبي ..اختك الآن في الجنة .. وعليك تقبّل رحيلها ..
جون وهو يبعد يدا والده عنه بانفعال : لا !! التي ماتت ستكون حتماً في الجحيم !! اما اختي فهي لم تمت بعد .. لم تمت !!!!!

ثم دخل سريعاً الى المنزل وهو يمسح دموعه , تاركاً والده في صدمة ! والذي أسرع بحفر ذلك المكان , ليجد ان ابنه دفن لعبة اليزابيث المخيفة التي كانت اشترتها قبل ايامٍ قليلة من موتها (رغم رفض امها شراء هذه اللعبة المرعبة المخصّصة لأعياد الهالوين) .. لكن لماذا يتخلّص جون من اغراض اخته ؟!
*** 

وبعد ان تناقش الزوجان افعال ابنهما الغامضة ! قرّرا أخذه الى طبيبة نفسية ليتعالج من صدمة موت اخته  
لكن قبل يومين من ذهابهم لموعد الطبيبة , خطر في بال الوالد ان يشاهد الفيديو (الذي كان صوره لأبنه) من جديد , لكن هذه المرة بتقنية الأشعة تحت الحمراء (وذلك من تطبيق وجده بالإنترنت) 

وكانت المفاجأة ! حين رأى ابنه يكلّم طيفاً شفّافاً لفتاةٍ صغيرة كانت تجلس بجواره على الأرض .. حيث كلّمته لبعض الوقت , ثم اختفت بعد إختراقها لجدار الغرفة ! 

فأسرع مايكل بمناداة زوجته , والتي ما ان شاهدت خيال الطفلة بالفيديو حتى صرخت بصدمة : هذه اليزابيث !
- ماذا ؟!
- نعم مايكل , هذه شبح اليزابيث 
- أتقصدين ان جون يكلّم روحها ؟!
- نعم .. لكني لم افهم ما قالته , وكأنها لغةٌ اخرى ! .. (تفكّر قليلاً) ..أظن ان علينا إستشارة روحاني ما ! 
الزوج مُعترضاً : لا طبعاً !! لم يصل الأمر الى الإستعانة بمشعوذ! 
- لم أقل ذلك , بل قلت روحاني .. يعني رجل دين لديه خبرة بعالم الأرواح 
- اذاً لنؤجل الجلسات النفسية لجون , كيّ نحلّ هذا اللغز اولاً
فأومأت زوجته برأسها موافقةً على قراره
***

وبالفعل أحضرا الروحاني الذي ما ان شاهد فيديو جون حتى شهق قائلاً : 
- يا الهي !
الأم بقلق : ماذا هناك ؟ لقد أخفتنا يا رجل !
- ابنتكما لم تمت بعد !
الأب بصدمة : لكن جثة ابنتي في المشرحة , وقد أخبرنا المحقّق ان باستطاعتنا دفنها في مطلع الأسبوع القادم 
الروحاني مُبتسماً : مبروكٌ اذاً !! فإبنتكما ستعود اليكم بعد ايام
الأم بغضب : كفّ عن هذا !! انت تتلاعب بمشاعرنا
- العفو يا خانم , لم اقصد ذلك ..لكن عليّ اولاً التكلّم مع ابنكما على الإنفراد لأتأكّد من معلوماتي 
الأب : الن تخبرنا بما قالته الشبح ؟
الروحاني : هذه لم تكن شبحاً بل ابنتكم بالفعل , وسأخبركما بكل شيء بعد ان أرى جون  
فرضخا الوالدان لطلبه , وأدخلاه غرفة ابنهما ..
*** 

وبعد نصف ساعة .. خرج الروحاني وهو يقول لهما : تماماً كما توقعت !! لكن دعونا نتكلّم بعيداً عن غرفة الصبي

وذهبوا جميعاً الى غرفة المكتب .. وهناك سألهم الروحاني :
- هل تغيرت طباع ابنتكما قبل وفاتها ؟
الأم : أذكر انه قبل اسبوعين من وفاتها صارت تتصرّف بعدوانية وتتشاجر كثيراً مع اخيها , وبدأت تغار من اختها الصغرى على غير عادتها !
الأب : كما انها حطّمت بعضاً من العابها وأثارت الفوضى في ارجاء المنزل , رغم انها بالعادة فتاةٌ هادئة ورقيقة !
الروحاني : أعرف ان ما سأقوله يبدو غريباً .. لكن هذه المشاكسة لم تكن ابنتكم , بل جنّية إحتلّت جسدها
فوقع كلامه كالصاعقة عليهما : ماذا تقول ؟!

فأكمل الروحاني قائلاً : أظن ان ابنتكما أذت جنية بالغلط أثناء لعبها في وقتٍ متأخر من الليل , مما أغضب تلك الجنية الصغيرة التي قرّرت إستبدال الأماكن .. وقبل ان تسألاني , سأجيبكم .. لقد قامت بإرسال روح ابنتكما الى العالم الآخر , بينما إحتلّت هي جسد اليزابيث , ولهذا كانت تشاغب كثيراً في ايامها الأخيرة كيّ تنتقم منكما ايضاً.. لكن يبدو ان اليزابيث وجدت طريقة لتتواصل فيها مع اخيها التوأم الذي استطاع بشجاعة الإنتقام لأخته 
الأب بدهشة : أتقصد ان جون هو من أغرق اليزابيث ؟! 
الروحاني : هو أغرق جسد اليزابيث وليس روحها التي ماتزال عالقة بالجدار 
الأم بقلق ورعب : ايّ جدار ؟!

الروحاني : جدار بيتكم , ففي داخله بعدٌ زمانيّ آخر 
الأب : اذا كان ما تقوله صحيحاً , فلما لم تعد ابنتي بعد موت الجنّية ؟!
الروحاني : لأن جسدها المُحتلّ من قبل الجنيّة لم يدفن بعد .. ولهذا هنّأتكم سابقاً على عودتها القريبة اليكم 
الأب : لحظة لحظة .. مازلت لا أصدّق بهذه الخرافات !
الروحاني : اذاً دعنا نستمع مرة ثانية الى الفيديو , لكن هذه المرة سأطلب من مرافقي إسماعكم كلامها باللغة الإنجليزية لا بلغة الجنّ 
الأم وهي تتلفّت حولها بخوف : ايّ مرافق.. هل تخاوي جنياً ؟
فردّ عليها الروحاني بابتسامة : لا تقلقي , فأنتما لن تريانه .. (ثم قال للأب) .. هيا لنرى فيدو جون من جديد

لكن هذه المرّة استطاعوا سماع شبح ابنتهما وهي تتكلّم مع جون بلغةٍ مفهومة , قائلةً :
- هذه لعبتي !! كم اشتقت اليها .. هل حزنت امي لغيابي ؟ .. لا استطيع العودة يا جون قبل دفنكم لجسدها .. آه هذا يعني ان عودتي ستتأخّر لبعد انتهاء مراسم الدفن , لكن وقتها عليّ التسلّل بخفيّة لأن الجن تراقبني على الدوام ..نعم أخي صعبٌ جداً , والآن اريد منك شيئاً آخراً .. اريدك ان تتخلّص من لعبتها المخيفة .. نعم إدفنها عميقاً , كيّ لا يتتبّع اهل الجنّية رائحتها من خلال اللعبة ويصلون اليكم .. شكراً لك , عليّ الذهاب الآن .. نعم سأحاول كلما استطعت , سلّم لي على اختي وامي وابي , والى لقاءٍ قريب اخي العزيز

وبعد إطفاء الفيديو من الحاسوب , بكت الأم متأثرة لسماع صوت ابنتها الراحلة , بينما مايزال الأب مذهولاً ممّا سمعه ! والذي قال : لكن هناك مشكلة 
زوجته : ماهي ؟
الأب : ماذا عن الخادمة ؟ فقد أخبرني المحامي هذا الصباح ان سفارتها تُطالب بتسفيرها فوراً لتنال العقوبة في بلدها .. وهناك احتمال كبير ان يحكم عليها بالأعدام لقتلها طفلة مخدومتها ! 
الأم بغضب : لا تنسى انها ايضاً أخطأت عندما تركت اليزابيث وحدها في الحوض لتردّ على جوالها !!
زوجها بعصبية : لكن ابنك هو من أغرقها وليست هي !!
فسكتت الأم مُمتعضة !

الروحاني مُحذّراً : إسمعاني جيداً .. لا يجب ان يعرف احد بقصة استبدال الأرواح والاّ..
الأم مقاطعة : تعرّضنا للسخرية
الروحاني : ليس هذا فحسب .. فكما سمعتما بالفيديو ..أهل الجنّية يراقبون ابنتكم عن كثب , ولن يسمحوا لها بالعودة اليكم بعد معرفتهم بوفاة ابنتهم .. لهذا علينا العمل بسرّية تامة وبحذرٍ شديد , والاّ خسرتم اليزابيث للأبد !
***

وبعد ذهاب الروحاني .. تكلّم الوالدان مع جون وأخبراه بأنهما عرفا بسرِّه وانهما لن يعاقباه على ما فعل , بل شكراه على تنفيذه لخطته الجريئة في استعادة روح اخته المخطوفة .. 
فارتمى جون بحضن امه باكياً :
- وأخيراً عرفتما بالأمر , كان شعوري بالذنب يقتلني  
الأب وهو يربت على كتف ابنه : لا عليك بنيّ .. لكن المهم الآن ان نكتم هذا السرّ , وان نتكاتف سويّاً لحين عودة اليزابيث الينا بالسلامة 
جون وهو يمسح دموعه : ومتى سيدفنون تلك اللعينة ؟
الأب : بعد ثلاثة ايام
جون : جيد .. وحينها تعود الينا اختي الحبيبة .. آه كم اشتقت اليها
***

وفي المساء وبعد نوم الولدين .. قال مايكل لزوجته : 
- في حال صدق كلام الروحاني وعادت اليزابيث الينا , فعلينا إبعادها عن انظار الناس , لأن الجميع يعرف بوفاتها 
الأم : لا تقلق .. لتعدّ ابنتي اولاً , ومن ثم نجد حلاً لبقيّة المشاكل 
***

وفي يوم الدفن .. لاحظ الجميع ارتياح الوالدين , كما تناقلت الصحافة صورة جون وهو يبتسم امام قبر اخته ! 
وبدأ المعلّقون يتداولون بوسائل التواصل الإجتماعي : بأن هذه العائلة المريبة هي من قتلت الصغيرة لسببٍ مجهول , ومن ثم القوا التهمة على الخادمة المسكينة التي تم تسفيرها لتواجه خطر الإعدام في بلدها .. 
بل ان البعض توهّم بأن الصغيرة شاهدت علاقة والدها بالخادمة , ولذلك قام بقتل ابنته ! 
لكن معظم اصابع الإتهام توجّهت لأخيها التوأم غريب الطباع !
لكن كل هذه الإتهامات لم تهمّ عائلة اندرسون التي قرّرت إنهاء مراسم العزاء سريعاً !
***

وبحلول المساء , وبعد خروج المعزّين من بيتهم .. توجّه افراد عائلة اندرسون الى غرفة اليزابيث , وقاموا بافتراش الأرض بالوسادات منتظرين عودتها بفارغ الصبر (بعد دفنهم للجنّية هذا الصباح) 
فسألت الأم ابنها : متى أخبرتك اليزابيث انها ستعود الينا ؟
- قالت لي في منتصف الليل 
الأب وهو ينظر الى ساعته : يعني بقيت دقيقةٌ واحدة
وفجأة ! خرجت ابنتهما من الجدار , لكن بجسدها الحقيقي .. ولم تصدّق الأم ذلك الا بعد إحتضانها لها بقوّة ..

وانهار الجميع باكياً , وهم يحمدون الله على سلامة ابنتهم .. 
وظلّوا لساعاتٍ طويلة يستمعون اليها وهي تصفّ عالم الجن الذي لا يختلف كثيراً عن عالمهم , لكنه في بعد زماني آخر .. حتى ان اشكالهم تشبه البشر لكنهم يطفون بدل السير على اقدامهم , ووجوههم أشبه بالأقنعة البلاستيكية الخالية من المشاعر !
وبعد ان إحتفلوا جميعاً بعودتها , نام الأولاد تلك الليلة في حضن والديهم 
***

لكن في الأيام التي تلتها .. كان على الوالدين إخفاء ابنتهما في القبو كلما قدِم أحد لزيارتهم 
وبدأ الموضوع يضايق الأم خاصة مع بدأ المدارس , وبقاء ابنتهم حبيسة المنزل دون دراسة .. كما تزايدت مضايقات المتنمّرين في مدرسة إبنهم جون , بعد تلقيبه : بقاتل اخته ! 
*** 

وفي إحدى الليالي .. دخل الزوج حزيناً على غرفة نومه..
زوجته : ماذا أخبرك المحامي ؟
- قال لي بأن الخادمة أعدمت هذا الصباح
تتنهّد بضيق : وماذا نفعل , هذا مصيرها
الأب بعصبية : الا تشعرين بالأسى لنيلها عقاب على ذنبٍ لم ترتكبه ؟!
- وماذا عن ابنتك ؟ فهي سجينة البيت ايضاً بسبب هذه المشكلة 
ففكّر الأب قليلاً ثم قال : لا يوجد حلّ سوى بالإبتعاد عن هذا المكان
- هل نسافر للخارج ؟

- بل نختفي تماماً عن الوجود
الأم بقلق : ماذا تقصد ؟!
- أتدركين ماذا سيحصل ان عرف الناس بمقتل انسانة بريئة بسببنا .. بالتأكيد وقتها سيطالبون بمحاكمتنا ونيلنا أشدّ العقوبات !
الأم : بل قلّ انهم سيضعوننا في مستشفى الأمراض العقلية , لأنه من المستحيل ان يصدّق أحد بقصّة إستبدال الأرواح ! 
- معك حق , ولهذا وجدّت الحلّ
- وماهو ؟

وأخبرها بأنه تعرّف على شخص يستطيع تزوير الهويّات , لكنه يريد مبلغاً كبيراً ليوهم الناس بوفاتهم , ومن ثم ينقلهم الى المكسيك بشخصياتٍ جديدة
الأم : لكن هذا مبلغٌ كبير !
زوجها : هو شرطي مرور فاسد , ويمكنه تزوير موتنا بحادث سير , وأخبرني انه سيعرّض مهنته للخطر في حال عرف احد بالموضوع , لهذا علينا كتمان السرّ ..فإيّاك ان تخبري الأولاد بشيء .. امّا بشأن المبلغ , فسأعرض بيتنا للبيع
الأم : مع انني اشعر بالحزن على هذا القرار , لكن اختراق تلك الجنية لبيتنا جعلني اكره العيش فيه .. لذلك بعه سريعاً ودعنا نبتعد من هنا

- ليس فقط من هنا , بل علينا الإبتعاد عن الجميع .. ايّ اننا سنمتنع عن مكالمة اهلنا واصدقائنا طوال حياتنا 
- مدى الحياة ؟!
- طبعاً , لأننا سنوهمهم بموتنا .. أنسيتي ؟ 
زوجته وهي تتنهّد بضيق : كل هذا يهون من أجل ان تعيش اليزابيث حياةً طبيعية
***

وبعد شهرين .. صُدم الجميع بعد معرفتهم بأن الجثث المُتفحّمة في السيارة المصطدمة بعامود الكهرباء تعود لعائلة اندرسون ! 
وفي الوقت الذي كانت تقدّم فيه التعازي بمنزل الأقارب والأصدقاء .. كانت عائلة اندرسون في هذه الأثناء تقطع الحدود المكسيكية بهويّاتهم المزوّرة..
الأب بارتياح : وأخيراً تعدّينا الحدود 
الأم وهي تنظر لأولادها في المقاعد الخلفية : يا اولاد !! امامنا حياةٌ جديدة وسعيدة للغاية  

ففرح جون كثيراً , لكن اليزابيث ظلّت مُخفضةً رأسها.. 
الأم : هل نعست يا ابنتي ؟
الأب : دعيها تنام وترتاح قليلاً .. (ثم تنهّد) .. ليتها فقط تُدرك كم ضحيّنا من أجلها 
الأم بحزن : نعم .. بيتنا وحياتنا وعائلاتنا واصدقائنا , وكذلك أسماؤنا غيّرناها , لتحيا حياةً طبيعة

لكنهما فجأة ! سمعا صوت بكاء الطفلة بعد سحب جون للعبة من بين يديها بعد ان أخرجتها من حقيبتها الصغيرة .. 
الأم : ماذا يحصل في الخلف ؟!
جون وهو يلوّح باللعبة (المخيفة) غاضباً : ابي !! لما أخرجت اللعبة اللعينة من الأرض ؟!
الأب : أووه ! كنت أنوي دفنها من جديد , لكني نسيتها في غرفة مكتبي 
الأم : يبدو ان الطفلة رأتها هناك ووضعتها في حقيبتها
الأب بقلق : جون !! إرمها بسرعة من النافذة قبل ان يشتمّوا الجن رائحتها 

فقالت ابنتهم (ورأسها مايزال منخفضاً) بصوتٍ أجشّ : لقد تأخّرتم كثيراً 
الأم بدهشة : اليزابيث !
فقالت ابنتهم وشعرها مُنسدل على وجهها : اليزابيث لن تعود اليكم ثانيةً 

ثم أظهرت وجهها الحقيقي بعد ان تحوّلت الى امراة مخيفة زرقاء اللون , والتي صرخت فيهم بغضب :
- سأنتقم منكم جميعاً لقتلكم ابنتي !!!

وفجأة !! إنحرفت السيارة لتصطدم بسور الجسر بعنف , مما أدّى الى وفاتهم جميعاً .. لكن لا احد من اقاربهم عرفوا بوفاتهم على الحدود المكسيكية , لأنهم كانوا في هذه الأثناء يدفنون جثثاً أخرى مجهولة الهويّة  

اما اليزابيث فقد حكمت عليها الجن بأن تعيش كخادمة في منزل عائلة الجنية المقتولة , ولأجلٍ غير مسمّى ! 

الاثنين، 15 يناير 2018

كيف أهرب من هذا الجحيم ؟!

فكرة : محمد بيومي آل غلاب
كتابة : امل شانوحة


ركضت بأسرع ما يمكنني ..لكن الى اين ؟! 

- اين انا ؟! وماهذا المكان المظلم ؟!
وفجأة أُنير مصباحٌ فوق رأسي ! لأجد نفسي مُقيداً بالسلاسل في غرفةٍ صغيرة تُشبه غُرف التحقيق , لكن لا يبدو أننّي في قسم الشرطة , بسبب رائحة العفن التي تعبق بالمكان وكأنه مهجور منذ مدّة طويلة !
وقبل ان أعيّ اين انا ! فُتح الباب الحديدي الصدىء , ليدخل منه رجلٌ مقنّع , ضخم العضلات .. والذي جلس امامي , نافثاً في وجهي دخان سيجارته الكوبية , ممّا أرعبني للغاية .. 

ثم قال لي (باللغة المكسيكية) وبنبرة تهديد :
- ان كنت تريد العيش , فعليك إطاعة اوامرنا 
- أوامر من ؟!
(فأنا أتقن لغتهم) وقد أجبته برعبٍ شديد , والعرق يتصبّب من جبيني من شدّة الحرّ ..

فقال الرجل : أجبني اولاً .. لما أتيت الى المكسيك ؟
- انا تاجر خردة , وأتيت الى هنا في مهمّة عمل  
- ما أعرفه : هو ان الأمريكيين يهابون القدوم الينا , فنحن بالنسبة اليكم بلاداً خارجة عن القانون 
- انا تاجرٌ صغير , وقدمت الى هنا رغبةً في شراء بضائعكم الرخيصة.. هذا كل شيء ..أحلف لك

وهنا اقترب كثيراً من وجهي ممّا جمّد الدم في عروقي , حيث لم اكن اشاهد من وجهه سوى عينيه المحمّرتين خلف قناعه المخيف :
- إعترف يا هذا .. الم تأتي لتتاجر بالمخدرات كما يفعل معظم الأجانب القادمون الى بلادنا ؟
فانتفضت برعب : لا طبعاً !! ما دخلي انا بالمخدرات سيدي
وما ان قلت له (سيدي) حتى ارتجّ المكان بضحكاته الساخرة العالية ..

- أقلت سيدي ؟! هل تظنني من الشرطة ؟ .. لا يا عزيزي .. انا (ادواردو) .. وأعمل ضمن عصابة مخدرات تزدهر تجارتها كل يوم .. وقريباً سنصبح الأقوى في المكسيك .. لكن لنكون كذلك علينا تجنيد بعض الأشخاص العاديين الذين لا يثيرون الشكوك ويملكون سجلاّتٍ نظيفة لدى الشرطة لينقلوا لنا البضاعة الى عملائنا خارج المكسيك ... كأمريكا مثلاً
فقلت باعتراضٍ شديد : لا !! انا لا اريد العمل في المخدرات

وهنا أطبق يديه الخشنتين حول رقبتي حتى كُدّت اختنق , وقال لي مهدّداً : 
- وهل تظنني أستشيرك بالأمر ؟ انا آمرك يا ولد !!
ثم أخرج مسدسه من خصره ورفعه في وجهي .. فصرخت بخوف: 
- لحظة ارجوك !! لا تقتلني .. دعنا نتفاهم اولاً 
فابتسم بمكر , مُخفضاً سلاحه :
- نتفاهم .. نعم هذا بالضبط ما اريده .. احسنت يا جون
فسألته بدهشة : وعرفت اسمي ايضاً ؟!
- لا تصطنع الغباء يا جون .. فحقائبك واوراقك الرسمية أصبحت معنا , لأن سائق التاكسي الذي أحضرك من المطار..

فقاطعته قائلاً : لحظة ! أهو من اختطفني ؟ .. لكن كيف ؟!
- بواسطة مخدّر قام برشِّه عليك من انبوبٍ في المقاعد الخلفية لسيارته , وقد أحضرك الينا غائباً عن الوعيّ  
- اللعين ! .. واين انا الآن ؟
- انت تسأل كثيراً يا جون .. لكنّي سأريحك .. (ثم نفث سيجارته مجدّداً) .. انت في سجنٍ مهجور , تستخدمه عصابتنا لتدريب الأشخاص العاديين وبعض السوّاح الأجانب تعساء الحظ امثالك لتوظيفهم لاحقاً في مهمّاتٍ مدروسة من قِبَل رئيس عصابتنا .. ولا تقلق ابداً , فلك نسبة من الأرباح في حال نجَحت عملية التهريب التي ستقوم بها , فنحن لا نأكل حق أحد 

ولم استطع تمالك نفسي أكثر من ذلك , وصرت أبكي وأترجّاه : ارجوك دعني اذهب , فلديّ عائلة واطفال ..
فقاطعني بغضب : كاذب !! فخبرائنا بمجال الكمبيوتر قاموا ببحثٍ مطوّل عن حياتك , وأخبرونا انك مازلت أعزباً .. ولوّ لم نكن في حاجتك بالعملية القادمة , لقتلتك الآن !! لأن أكثر ما يغيظني هو الكذب 
- آسف .. لن أكذب ثانيةً .. لكن دعني اذهب ولن أخبر الشرطة عنكم .. فأنا انسانٌ بريء للغاية ولا املك المقوّمات اللازمة لأكون موزّع مخدرات

- وهذا بالضبط ما نريده !! فبسبب هيئتك البريئة لن تشكّ بك الشرطة أثناء نقلك بضاعتنا عبر الحدود
- ارجوك اسمعني .. المطارات الآن مجهزة بكل الوسائل الأمنية التي تفضح أقل كمية من المخدرات , وأصبح من الصعب تهريب ايّ شيء لداخل الطائرة , حتى حليب الأطفال منعوه ايضاً.. يعني الموضوع شبه مستحيل !
- ومن قال انك ستسافر بالجوّ .. فنحن الآن في مدينة (تاماوليباس) المكسيكية , يعني قرب البحر .. ولدينا ميناء تابعٌ لعصابتنا , ومنه تستقلّ قارباً صغيراً تعبُر به خليج المكسيك الى ان تصل لولاية تكساس الأمريكية 

فقلت بخوفٍ شديد : هذا أسوء من الجوّ .. الا تدري انهم في تكساس يعدمون تجّار المخدرات ؟!
- بالطبع اعرف , فقد خسرنا اكثر من موزّعٍ هناك .. لكن اظنك ستنجح .. على كل حال لا تقلق يا جون , فنحن لن نرسلك الآن .. بل بعد ثلاثة شهور
- ولما كل هذا الوقت ؟ّ
- لأننا سندرّبك اولاً داخل هذا المخيّم العسكري 
- مخيمٌ عسكري !
- نحن نسمّيه هكذا .. وسيتمّ تدريبك على أيديّ محترفين , يعلّمونك أفضل الطرق لتهرّب من قبضة الشرطة المتواجدين في نقاط التفتيش بين حدود الدولتين

فسألته بقلق : وفي حال لم انجح في امتحاناتكم ؟
فأجابني بلا مبالاة : نتخلّص منك 
بصدمة وخوف : ماذا ! الن تتركوني وشأني ؟
- يا سلام ! وندعك هكذا تعود الى حياتك الطبيعية بعد ان تعرّفت على جميع افراد عصابتنا .. هل تظن اننا نلعب معك ؟ (ثم قال بنبرةٍ غاضبة).. اسمع يا جون !! انت ليس لديك خيارٌ سوى النجاح في امتحاناتنا كيّ نرعاك جيداً .. وفي حال نجحت , فسنُهديك حياةً مُرفّهة لم تحلم بمثلها في حياتك .. ايّ راتباً خيالياً , كما النساء والخمور .. فماذا تريد اكثر من ذلك؟
- وماذا لو قبضت الشرطة عليّ ؟
- قلت لك .. سنتخلّى عنك ..لكن لا تقلق بشأن هذه الأمور , فهناك اموراً أهمّ تفكّر بها الآن  

- تقصد تدريباتكم ؟
- ممتاز !! هآقد بدأ عقلك يعمل أخيراً .. (ثم وقف قائلاً) .. التمارين ستبدأ في صباح الغد .. وعليك التركيز جيداً مع خبرائنا , فهم لديهم الإذن من رئيسنا بقتل كل شخصٍ يفشل لأكثر من مرة في امتحاناتهم العملية .. وعادةً يتمّ دفن الراسب في ساحة السجن 
فقلت بخوفٍ شديد : وهل قتلتم بالفعل ..
فقاطعني قائلاً : بصراحة لا أذكر كم دفنا هنا , فأنا توقفت عن العدّ بعد ان تجاوزوا المئتي رجلٍ وامرأة 
بصدمة : ماذا ! أأختطفتم النساء ايضاً ؟
- نعم , وعجائز ومراهقين .. يعني كل من رأينا انه في استطاعته تمرير بضاعتنا عبر الحدود .. فنحن كما أخبرتك سابقاً , نختارهم اشخاصاً عاديين جداً كيّ لا يثيروا شكوك الشرطة , تماماً كوجهك الملائكي .. 

ثم توجّه الرجل المقنّع نحو الباب , لكن قبل ان يخرج قال لي : 
- جون .. انظر فوقك 
فنظرت فوقي لأرى انبوباً حديدياً يتدلّى من السقف , وتواجه فوهته وجهي تماماً .. 

وبثوانيٍ !! خرج منه بخاخ , ذكّرتني رائحته بما شمّمته سابقاً في التاكسي .. نعم لقد كان نفس المخدّر , لأنني لم اعدّ أذكر ايّ شيءٍ بعدها ! 
*** 

استيقظت في اليوم التالي وانا في زنزانةٍ اخرى , مُستلقياً فوق سريرٍ حديدي صدىء وقذر ! وأمامي فطورٌ مكسيكي .. وهذه المرّة لم أكن مُقيد اليدين .. ولم أجد نفسي الاّ وانا آكل بنهمٍ شديد , فأنا لم اتناول شيئاً منذ البارحة .. 
وبعد ان أنهيت فطوري .. فُتح باب الزنزانة لتدخل منه صبيةٌ جميلة في العشرينات من عمرها , فتجمّدت في مكاني .. فقالت لي بابتسامة :
- جيد انك انهيت طعامك .. هيا معي لأعرّفك على اصدقائك الجددّ
- اصدقائي ؟!
- اقصد الأشخاص الذين إحتجزناهم قبلك , فجميعكم لديه نفس المهمّة .. هيا بنا يا جون
*** 

وأثناء مرورنا بعنابر السجن المهجورة لاحظت بأن رجال العصابة يغضّون البصر عند مرور الفتاة من امامهم , حتى انه لا يجرأ احدٌ منهم النظر اليها رغم ملابسها الفاضحة ! ولهذا أعتقد بإنها ابنة رئيس العصابة لذلك يهابها الجميع , لكنّي لم أتأكّد من هذه المعلومة بعد 
***

ووصلنا أخيراً الى ساحة السجن حيث السياج العالية المُكهربة .. كما برج المراقبة القديم الذي يقف عليه رجلٌ مقنّع بسلاح القنّاصة , وأظن ان مهمّته هي : قتل كل من يحاول منّا الهروب من هذا الجحيم 

امّا في الساحة .. فقد تجمّع فيه سبعة وعشرين رجلاً يلبسون نفس ملابسي البرتقالية , فعرفت انهم مساجين مثلي .. حتى ان معظمهم كان في مثل عمري , بين الثلاثين والأربعين سنة ! ويبدو انهم من جنسياتٍ متعدّدة , فبعضهم لديه ملامحٌ اوروبية , والآخر آسيوية , لكن الأغلبية تبدو من الطبقة الكادحة في المكسيك.. وكانوا جميعاً ينظرون اليّ بنظرات الشفقة لمعرفتهم بأنني الضحية الجديدة ..
*** 

ومن بعدها ذهبت الصبيّة ليحلّ محلها رجلٌ ضخم (غير الذي قابلته تلك المرة) وكان يحمل بيده العصا الكهربائية التي يستخدمها الحرّاس عادةً في تعذيب من يعصي اوامرهم , ويبدو انه المسؤول عن تعليمنا .. حيث وضع على الطاولة التي أمامه عدّة اصناف للمخدرات .. وأظن ان الدرس الأول سيكون تعريف المساجين (بمن ضمنهم انا) على انواع الأصناف التي يبيعونها بالسوق .. حيث قال لنا بصوتٍ جهوري :  
- هيا ايّها الحثالة , تجمّعوا حولي !!

فاقتربنا جميعنا بخوف لنقف قرب الطاولة .. وقد تضمّن الدرس إجبارنا على استنشاق المخدّر , كما تناول بعض حبوب الهلوسة لكن بكمياتٍ صغيرة , لغاية التميز بين الأنواع .. 
وقد قال لنا مُحذّراً :
- لن أجبركم على تناول كمياتٍ كبيرة , كيّ لا تُدمنوا عليها ..فنحن بالنهاية نريدكم بكامل وعيكم أثناء تهريبكم للبضاعة خارج البلاد ..  

وحين جاء دوري .. أعطاني الخبير حبةً حمراء اللون وطلب مني بلعها .. لكني وجدت نفسي أرفض بقوة ! فاقترب مني غاضباً بعد ان أضاء شحنة الكهرباء في العصا التي يحملها , وقال لي مهدّداً :
- من الأفضل ان تتناولها حالاً , والاّ سأبدأ في صعقك !!

فنظرت الى وجوه بقيّة المساجين الذين أشاروا اليّ بأعينهم الحزينة على أخذ الحبة دون مقاومة .. لكن لا ادري من اين أتتني كل هذه الجرأة ! ورميت الحبة على الأرض ودعستها بقدمي , صارخاً في وجه المعلّم :
- قلت لا !! انا لن اصبح مُدمناً , ولن أنقل بضائعكم القذرة !! وان كنتم تريدون قتلي , فالموت أهون من أن أصبح مجرماً 
لكن ردّة فعل الأستاذ أرعبتني حقاً ! حيث ابتسم في وجهي ابتسامةٍ صفراء ..وقال لي : نحن لا نقتل يا عزيزي .. بل نجعلك تتمنّى الموت الف مرّة 

ثم صفّر لرجلين من الحرس كانا يقفان امام بوّابة السجن .. 
وحينها لم ادري بنفسي الاّ وانا أُصعق وأُركل بإقدامهم بعنف ! 
وآخر ما اتذكّره هو نظرات الشفقة الواضحة على وجوه المساجين , وكأن لسان حالهم يقول :
- لما عاندتهم يا جون ؟!
***

استيقظت في اليوم التالي بزنزانتي وانا أعاني من المٍ ورضوض في كافة اجزاء جسدي.. وهنا دخلت عليّ الصبيّة وهي تصفّق لي :
- رائع يا جون .. كم احب الرجل القويّ العنيد 
فقلت لها بألمٍ وتعب : ماذا تريدين منّي ؟
- بالحقيقة عملنا يتطلّب القوّة والجرأة , لهذا رشّحتك لأبي لتقوم انت بالمهمّة الكبيرة
وعندما قالت ابي تأكّدت ظنوني بأنها ابنة رئيس العصابة (الذي لم يرى احد من المساجين وجهه الى اليوم) لكن ما أقلقني أكثر هو كلامها ..فسألتها مُستفسراً :
- ماذا تعني بالمهمّة الكبرى ؟
- أعني ان لدينا صنف جديد قمنا بتحضيره في معاملنا السرّية , وهو ذو مفعولٍ قويّ للغاية , لكنه يكلّفنا الكثير .. ولهذا سننقله معك انت فقط 
- شكراً لثقتك .. لكن الموت أهون من ..

فقاطعتني قائلة : هيا يا جون .. لا تعاندنا يا عزيزي ..فمقرّنا هذا يعتبر دولة بحدّ ذاته ..حتى ان الشرطة والحكومة المكسيكية لا تجرأ على الإقتراب منّا .. فمن الأفضل ان تتعلّم دروسك دون إثارة المشاكل مع اساتذتنا ..أفهمت ايها التلميذ الشقيّ ؟
ثم نادت حرسين ليأخذونني الى ساحة السجن كيّ أعيد الدرس الذي فاتني من جديد .. 
***

وفي الساحة .. وبعدما رأيت قنّاص برج المراقبة يوجّه سلاحه اتجاهي , اقترب مني الأستاذ قائلاً :
- هذه المرّة ان خالفت اوامري فسأطلب من القنّاص إصابتك في ذراعك , وان أصرّيت على معاندتي فسأطلب منه ان يصيبك في قدمك , وهكذا سأظلّ أعذّبك الى ان ترضخ للواقع .. لكنّي حتماً لن اقتلك لأريحك من هذا العذاب .. 
ثم مدّ لي يده وهو يحمل حبة هلوسة صغيرة قائلاً لي :
- والآن يا جون , ماذا سيكون قرارك ؟

فنظرت الى بقيّة المساجين (المتجمّعين حول طاولة التي بها اصناف المخدرات) الذين أومأوا برأسهم ايجاباً كيّ ابلع الحبة , تجنباً لتعرّض للتعذيب مجدّداً .. 
فأخذتها من يده وانا ارتجف بقوة , ودموعي تسيل على خدّي ..وبلعتها وكأنني أبلع جمراً 

فقال الأستاذ مبتسماً : ممتاز يا جون !! لقد فعلت الصواب .. والآن يا اصدقاء !! لنكمل الشرح عن بقيّة الأصناف , قبل قدوم الأستاذ (داني) ليعلّمكم عن انواع الأسلحة  
***

ومرّ الوقت طويلاً .. قمنا فيه ببلع واشتمام عدّة اصناف .. لكن مع الصنف ما قبل الأخير , أحسسّت بدوارٍ شديد ! 
وآخر ما أتذكّره هو ضحكة الأستاذ الساخرة بعد سقوطي على الأرض , وهو يقول لبقيّة المساجين :
- ارأيتم كيف انهار هذا الشاب الرقيق .. هيا ليحمله احدكم ويعيده الى زنزانته ..وغداً سيتعوّد مثلكم على مذاق المخدرات  
  ***

ولم استيقظ الاّ في نهار اليوم التالي .. وبعد ان تناولت فطوري في زنزانتي ..كنت ما ازال اشعر بصداعٍ قويّ .. 
وهنا دخلت عليّ الصبيّة لتراني أمسك رأسي مُتألّماً .. فقالت مبتسمة :
- كنت أتوقع ذلك 
ثم أخرجت قرصاً من جيبها وهي تقول :
- هذا ما يحصل دائماً مع اول تجربة لك مع المخدرات .. هيا تناول هذه , فهي ستخفّف صداعك
فصرخت عليها بغضب : لا اريد المزيد من المخدرات !!
- هذا دواء وليس مخدّر , فنحن بالنهاية ليس من صالحنا ان تُدمن هذه الأشياء .. هيا خذّ مني الدواء .. ثقّ بي يا جون 
وبعد ان بلعت الحبة , خفّ الألم بشكلٍ سريع !

فقالت مبتسمة : يبدو من تعابير وجهك ان صداعك اختفى 
فقلت مندهشاً : كيف هذا ؟! بالعادة دواء البندول يأخذ وقتاً طويلاً لكيّ ..
مقاطعة : هذا ليس بندولاً .. فنحن لدينا طبيباً ماهراً يعمل في مختبراتنا السرّية وهو من اكتشف هذا الدواء .. فوالدي كان يعاني من صداعٍ نصفي , وقد استطاع هذا العبقري علاجه 
- ولما لا تبيعون هذا الدواء السحري بدلاً من المخدرات ؟
- الا تدري ان اختصاص الأدوية حِكراً على اميركا وبعض الدول الأوروبية ؟ وحتى في حال حصلنا على براءة الإختراع فسيسرقون الوصفة منا .. ولا أظنهم سيطرحونه بالأسواق , لأنهم لا يريدون حلاً نهائي للأمراض لكيّ يبيعوا الأدوية للناس بشكلٍ دوري .. هل فهمت قصدي ؟ 

- يعني ستكملون في تجارة المخدرات ؟
- بيع المخدرات هو التجارة الرابحة في المكسيك ..الا تدري كم عائلة فقيرة تعيش من وراء هذا الرزق
- وماذا عن الشباب الذين تدّمرت حياتهم بسبب المخدرات ؟
فأجابتني بلا مبالاة : لم يغصبهم أحد على تناولها يا عزيزي .. المهم الآن .. لقد فاتتك حصة الأسلحة البارحة , وسنعوّضها لك لاحقاً .. اما بعد قليل فستبدأ المادة الثالثة وهي تعليمك الطريقة الصحيحة التي ستقف بها أثناء تفتيشك من قِبَل شرطة الحدود .. فوقفتك بثبات مُهمّةٌ جداً لعدم إثارة شكوكهم ..خاصة انك ستكون قادماً من المكسيك , يعني تفتيشهم لك سيكون مُكثفاً 
- كلامك يزيد الأمر سوءاً 
- لا تقلق , فأساتذتنا لديهم خبرة طويلة في هذا المجال ..وانا اشعر بأنك ذكيٌّ كفاية لتتفوّق على بقيّة زملائك .. فهيا بنا يا جون الى ساحة السجن
***

وقد مرّت الشهور الثلاثة عليّ ببطءٍ شديد , حيث تخرّج قبلي عدّة مساجين أُوكلت اليهم مهمّات خارج المكسيك .. بعضهم عاد الى مقرّنا وهو يتفاخر بنجاحه بعبور الحدود , ومدى سعادته بالمال الذي حصل عليه من العصابة كمكافأة على مجهوداته .. 
لكن هناك ثلاثة فشلوا في المهمّة : اثنان منهم تمّ القبض عليهم , وواحد مكسيكي فقير تمّ قتله اثناء هروبه من الشرطة .. 
اما انا فقد أخبروني بأن مهمّتي ستبدأ في مطلع الأسبوع القادم , ايّ بعد يومين .. وانا خائفٌ للغاية
***

وأتى اليوم المشؤوم .. وكنت أظنهم سيلبسونني حزاماً به المخدرات كما فعلوا مع الآخرين , لكنهم لم يأخذونني الى مخزن المخدرات الموجود في قبو السجن المهجور , بل الى غرفةٍ صغيرة تُشبه غُرف الجراحة ! وكان في داخلها طبيبٌ يُحضّر عدّة الجراحة , بالإضافة للحرسين المسلّحين اللذين رافقاني الى هناك !
فسألت المرافق بخوف : لما انا هنا ؟!
فأجابني الطبيب : أظنهم أخبروك سابقاً بأنك المرشّح الأنسب لتهريب صنفنا الجديد , وهو الأغلى بين انواع المخدرات التي نملكها 
- نعم أخبرتني الصبيّة بذلك , لكنك لم تجيبني بعد .. لما انا في غرفة الجراحة ؟!

الطبيب وهو يُعبّأ إبرة المخدّر : لأننا سنضعها داخل بطنك 
فصرخت بخوفٍ شديد : لا !! .. اقصد لا داعي لفتح جسمي , فأنا استطيع بلع كل الحبوب  
الطبيب : هذا النوع من المخدّر يتحلّل سريعاً بحمض المعدة حتى لوّ وُضع داخل اكياسٍ بلاستيكية , لهذا سنضعه فوق معدتك .. هيا تمدّد هنا , ولا تقلق ابداً .. فالمخدّر لن يُشعرك بشيء 
لكني قاومتهم وحاولت الهرب الاّ ان الحارسين ثبّتاني بقوة , بينما غرز الطبيب ابرة المخدّر في كتفي .. لأسقط فوق السرير مُخدّراً تماماً !
***

استيقظت بعدها بثلاث ساعات , وانا اشعر بألم الجراحة في بطني ! وكانت الرؤية ما تزال مشوّشة .. 
وهنا اقترب منّي الطبيب قائلاً :
- غداً صباحاً ستزول آلام العملية , ومن ثم ننقلك الى القارب الذي ستسافر به الى اميركا 
- غداً ! لا رجاءً , فلم تُشفى جروحي بعد .. إتركوني على الأقل اسبوعاً لأستردّ عافيتي

وهنا اقترب منّي رجلٌ لم اره من قبل ! ويبدو انه المساعد الأيمن لرئيس العصابة , والذي قال لي :
- خلال اسبوع تكون جميع الحبوب المخدّرة تحلّلت في دمائك , ممّا سيحوّلك الى وحشٍ كاسر .. فالصنف الذي تحمله هو مخدّرٌ مُستحدث , يقوم بتحويل الإنسان الى زومبي حقيقي 
وبخوفٍ سألتهم : يا الهي ! لقد سمعت عن هذا المخدّر الخطير , فكم حبة وضعتم بداخلي ؟!
الطبيب : ما يُقارب المئة حبة , داخل كيسٍ من الجيلاتين .. وسيقوم طبيبٌ آخر في اميركا يعمل لدينا , باستلامك من الحدود الأمريكية ليقوم بسحبهم من جسمك
- ماذا ! أيعني ذلك عمليةٌ اخرى ؟!
رجل العصابة بتهكّم : طبعاً يا ذكي !! فكيف اذاً نستخرجهم من داخلك ؟

فاستلقيت على الفراش ودموعي تسيل على خدّي بعد ان انهارت جميع آمالي بالهرب من هذا الجحيم , لأن جسمي بالتأكيد سيتأثّر بهذه السموم التي دُسّت بداخله !
فربت الطبيب على كتفي قائلاً : لا تقلق كثيراً يا جون .. وأظنّك ستقوم بالمهمّة على أتمم وجه
ثم قال لي رجل العصابة : كما اننا سنكافئك جيداً بعد عودتك الينا بثمن البضاعة
فقلت في نفسي بغضب : ((هذا ان عدّتُ اليكم يا ملاعيين !!!)) 
ثم قيّدوا قدمي بسرير العيادة .. وذهبوا بعد ان اقفلوا الباب عليّ بإحكام ..
***

وأمضيت الليل كلّه وانا أفكّر بطريقة للتخلّص من هذه المصيبة , حتى ولوّ بالسباحة في البحر .. لكن اولاً عليّ إيجاد الطريقة للهرب من افراد العصابة التي سترافقني غداً في القارب الذي سينقلني الى اميركا !
وقلت في نفسي : ((أكيد لن يطلقوا النار عليّ وانا أحمل في جسمي أغلى بضائعهم .. كما انني سريعٌ جداً في السباحة)) 
*** 

في صباح اليوم التالي .. وبعد ان قام اصحابي المساجين بتوديعي في ساحة السجن قبل ذهابي لتنفيذ مهمّتي الأولى  .. تفاجأت بصرخةٍ قوية يُطلقها أحد الحرس ! بعد ان قام سجينٌ متهوّر بطعنه في كليته بفرشاة اسنانه التي استطاع سنّ مقبضها بطريقة جعلتها حادّة كالسكاكين .. 

وعلى الفور !! عمّت الفوضة في الساحة .. وانطلق المساجين كالمجانين نحو السياج للهروب من هذا الجحيم , وسط وابلٍ من الرصاص التي أطلقها عليهم القنّاص من برج المراقبة , كما بقيّة الحرّاس..
لكن الغريب ان الرصاصات لم توجّه ناحيتي رغم هروبي معهم ! ففهمت ان رئيسهم اعطاهم الأوامر لحماية البضاعة الثمينة التي زرعوها بداخلي , وكانت هذه فرصتي للهرب من السجن دون التعرّض للقتل .. 
ولم أجدّ نفسي الاّ وانا أستغلّ جسد احد المساجين المُتفحّمة بعد تعرّضه للصعق فوق السياج المكهربة , لأتسلّقه وأقفز من فوقه الى الجهة المقابلة 

ومن ثم ركضت بأسرع ما يمكنني , واضعاً يدي فوق جرح بطني الذي بدأ ينزف , بعد تقطّع خيطان العملية بسبب الأعمال العنيفة التي أقوم بها مُجبراً , للإبتعاد قدر المستطاع عن هذا السجن المخيف ! 

ووصلت اخيراً الى القارب الذي يرسو على الشاطىء .. ومن الجيد ان القبطان غادره هارباً بعد سماعه لأصوات الرصاصات , ظنّاً منه ان الشرطة إقتحمت السجن من الجهة الأخرى ..
فركبته وأدرت مفتاح دفّته , لأتفاجأ بأنه أسرع قارب ركبته في حياتي ! فبالطبع هم اختاروا هذه النوعية الممتازة من القوارب لكيّ نقطع بها خليج المكسيك بأسرع وقتٍ ممكن .. لكني لم اكن قادراً على الذهاب الى الحدود الأميركية , لأن الأمر سيتطلّب يومان على الأقل وهذا صعب مع نزيف معدتي , فقلت في نفسي حائراً :
- سأنزف حتى الموت قبل ان أصل لبلادي .. سأحاول الذهاب الى أقرب شاطىء , ولوّ لمدينة مكسيكية أخرى !
***

وقد تطلّب الأمر ثلاث ساعات الى ان وصلت الى منطقة مكسيكية فقيرة , عرفت ذلك من أكواخها المُتهالكة ! 
وبعد ان نزلت من القارب .. مشيت مُترنّحاً بعد ان تحوّل قميصي الأبيض الى اللون الأحمر من غزارة الدماء التي خسرتها .. 
وآخر ما أتذكّره بعد ان انهار جسدي فوق تراب الشاطىء , هو اقدامٌ حافية لولدٍ صغير كان ينادي امه !
***

استيقظت بعدها في المساء .. وانا في منزل هذه العائلة التي ساعدتني , ويبدو ان المرأة تعمل ممرضة في المستشفى لأنها استطاعت تقطيب جروحي .. 
وعندما رأيتها تضع الحساء امامي انتفضت بخوف , فقالت لي مُهدّئة :
- لا تقلق .. انت بخير .. وجروحك ليست عميقة .. إشرب الحساء فهو سيساعدك على الشفاء  
فشكرتها .. ومن ثم قامت بتعديل جلستي كيّ أتناول عشائي .. 

وهنا تذكّرت كيس المخدّر , فسألتها عنه :
- هل وجدت شيئاً بداخلي ؟
- نعم , وخبّأته لك .. فقط إخبرني عن الذي دسّه في بطنك ؟ هل هم عصابة العقرب المتمركزين في السجن المهجور ؟
فسألتها بدهشة : وكيف عرفتي بأمرهم ؟!
- المكسيكيون جميعهم يعرفون بهم , فهم من ضمن أخطر ثلاثة عصابات مخدرات على مستوى الدولة  
- ولما لا تقبض الشرطة عليهم ؟
- لأنها تستفيد منهم 

- ماذا ! .. أتقصدين ان الفساد وصل لقسم الشرطة ؟
- بل رئيس الشرطة نفسه يُعدّ أحد أقارب زعيم العصابة .. 
فقلت بغضب : اذاً لما اختطفوني طالما الشرطة معهم ؟!!
- اهدأ يا رجل , ستوقظ ابني الصغير !
- آسف .. أجيبيني على سؤالي لوّ سمحتي ؟
- لأن شرطة الحدود ليست معهم , وتجّار المخدرات يهمّهم وصول بضائعهم الى أمريكا , فهناك يعيش الأثرياء بعكس شعبنا الفقير 
- فهمت ....آخ !! مازال الجرح يؤلمني كثيراً .. أتمنى ان لا يكون تجرثم  
- لا تقلق , لقد طهّرته لك .. والآن إنهي حساؤك , ونمّ قليلاً 
- اين وضعتي البضاعة ؟
- هي معي , وغداً أعطيها لك 

ثم خرجت من الغرفة .. 
وقد نمت تلك الليلة براحةٍ لم أعهدها طيلة الشهور السابقة التي قضيتها في معتقل السجن المرعب
***

لكني استيقظت في منتصف الليل وانا أتصبّب عرقاً , وأعاني من صداعٍ قاتل.. وكانت الرؤية مشوّشة تماماً ..فصرخت بأعلى صوتي :
- لوّ سمحتي ساعديني ارجوك , انا اموت !!

وهنا اقترب منّي شخص لم أتمكّن من رؤيته جيداً , الاّ بعد ان حقني بأبرة في ذراعي ! 
وعندما إتضحت الرؤية , كان هو نفس الطبيب اللعين الذي أجرى لي العملية في السجن ! 
فانتفضت برعب محاولاً القفز من السرير !! لكن اقترب منّي رجلان مُقنّعان وأمسكاني بقوة .. 

ولم ادري وقتها ماذا يحصل معي ! لكني انتبهت على المرأة التي كانت تقف بجانب ابنها الخائف (امام باب الغرفة) .. 
فصرخت فيها بغضب :
- هل أتصلتي بهم يا خائنة !! 
فأجابتني وعلى وجهها نظرات الأسف :
- اعتذر منك .. لكني فقيرة جداً وأحتاج الى المكافأة التي سيعطونني إيّاها 

وهنا اقتربت منها ابنة رئيس العصابة بثيابها المثيرة , وقامت بإعطائها حقيبة صغيرة مليئة بالمال , وهي تقول لها :
- أحسنتي .. هذا المال من حقك .. والآن هاتي البضاعة التي إستخرجتها من بطنه
فأخرجت الممرّضة كيساً به حبوبٌ زرقاء من جيبها وسلّمتها لها 

ثم رأيت ابنة رئيس العصابة تُشير لإحد رجالها , الذي اقترب فجأة من المرأة الفقيرة وابنها واطلق رصاصتين في رأسيهما من مسدسه كاتم الصوت .. ممّا جمد الدم في عروقي ! 
ثم قالت ابنة زعيم العصابة لمساعدها :
- جيد .. فنحن لا نريد شهوداً علينا .. هيا أعدّ حقيبة المال لسيارتي ..
ثم قالت للطبيب : هل خدّرته جيداً ؟
فأجابها : نعم وسينام بعد قليل 

وقبل ان يُغمى عليّ , إقتربت مني قائلة : 
- لما تُتعبنا يا جون ؟ الآن وبسبب هروبك الغبي تأجّلت عملية سفرك للشهر القادم .. وهذا يعني انك ستبقى مسجوناً في مقرّنا لبعض الوقت , وستخضع للعملية من جديد .. لكني أحذّرك هذه المرّة .. ان حاولت الهرب من جديد فسنقتلك فوراً , ولوّ وضعنا كل ثروتنا بداخلك .. أفهمت ؟!!

وهذا كان آخر ما أتذكّره قبل ان أدخل في سباتٍ عميق , مُدركاً تماماً بأنني ذاهبٌ الى مصيرٍ مجهول ومرعبٌ للغاية !

الى اللقاء في الجزء الثاني من القصة ..

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...