الاثنين، 16 أكتوبر 2017

سجن القلعة

تأليف : امل شانوحة


كيف سأهرب من هذا السجن اللعين ؟!

- اين انا ؟! 
قالها الشاب وهو يشعر بألمٍ مبرح في كل أجزاء جسمه وكأنه تعرّض لتعذيبٍ شديد , حيث كانت الدماء تسيل من رأسه , وهو عالقٌ داخل حجرة صغيرة لا تتعدّى مساحتها المترين .. وكانت رائحة القذارة تفوح من كل زواياها , عدا الظلام المخيّم في المكان الاّ من بعض النور الذي تسللّ من خلال القضبان الحديدة لنافذةٍ مُرتفعة يصعب الوصول اليها 
- يبدو انني في سجنٍ ما ! .. لكن لماذا ؟ .. ومن أكون ؟ .. فأنا لا اتذكّر شيئاً , حتى اسمي !

وهنا !! إنفتح الباب الحديدي ليظهر رجلٌ يلبس قناعاً جلدي مخيف , ملوّحاً بعصاه في وجه السجين , آمراً ايّاه بالوقوف للذهاب معه الى مكانٍ ما 
وقد حاول الشاب بتعب الإستناد على الحائط , لكنه سقط من جديد بعد ان أحسّ بوجعٍ غير مُحتمل في قدميه ..

فضحك السجّان عليه بلؤم :
- يبدو ان العقاب السابق كان شديداً عليك , لكنك بفعلتك الغبيّة إستحقيّت السجن الإنفرادي أيّها الصعلوك 
فسأله الشاب وهو مازال في حيرة من أمره : وماذا فعلت انا ؟!
لكن السجّان لم يجيبه , بل إكتفى بوضع الأغلال في معصميه ورجليه .. ومن ثم سحبه بعنف الى خارج الزنزانة .. 

وبينما كان الشاب يمشي بصعوبة في ممرّ العنابر الذي شعر بأنه يراه لأول مرة في حياته , تفاجىء بردّة فعل بقيّة المساجين الذين ما ان رأوه هناك , حتى بدأوا يحيّونه بالهتاف والصفير وطرق اكوابهم الحديدية بقضبان زنزاناتهم , وكأنه قائدهم او بطلهم !
فسأل السجّان (الذي يقوده) بدهشة : 
- ماذا يحصل ؟! ولما هم هائجون هكذا ؟!
فأجابه : لأنهم يعتقدون بأن ما فعلته بطولة
- وماذا فعلت بالضبط ؟!
فصرخ عليه السجّان بعصبية : تحرّك دون اسئلة أيّها مغفّل !!

ويبدو ان الضربة القوية التي تلقّاها الشاب على رأسه في غرفة التعذيب قبل ايّام أفقدته الذاكرة , لكن لم يعلم أحدٌ بذلك بعد ! 
***

ووصلا أخيراً الى غرفة موجودة في قبو السجن , كان يوجد بوسطها كرسي التعذيب الكهربائي.. 
وهنا أمر السجّان إثنين من الحرس قائلاً :
- هيّا اربطاه جيداً بالكرسي
فصرخ الشاب بخوف : لماذا ؟! انا لم افعل شيئاً 

فضحك السجّان بسخرية : الآن بتّ تصرخ كالفتيات يا جاك , بينما كنت قبل ايّام ترفض النطق بكلمةٍ واحدة , حتى ونحن نُذيقك الوان العذاب !
الشاب : وهل اسمي جاك ؟!
فصفعه السجّان بقوة : أتستغبي عليّ ؟
الشاب وهو يبكي بخوف : اسمع ارجوك , انا لا اذكر شيئاً ولا اعرف لما انا مسجوناً هنا .. ارجوك إخبرني بما حصل 
وبعد توسلات حثيثة من السجين الخائف , إضّطّر السجّان لمناداة طبيب السجن بعد ان حيّره موقف الشاب .. 

وبعد ان فحصه الطبيب , أخذ السجّان جانباً وأخبره برأيه 
الطبيب : اعتقد ان جلالته ..
السجّان بعصبية مقاطعاً : لا تناديه بلقبه السابق هنا !!
الطبيب : اعتذر .. اعتقد ان السجين جاك أُصيب بارتجاجٍ في المخ , أفقده الذاكرة بشكلٍ جزئي
السجّان بقلق : أهذا يعني انه لن يُخبرنا بالسرّ ؟ 
- ربما
- اتدري لو عرف الملك بذلك , سيقتلنا جميعاً .. (ثم يتنهّد بضيق) ..عليه ان يُخبرنا بمكان الخاتم السحري كيّ نحصل على الجائزة الكبرى ..(ثم شدّ على يد الطبيب) .. لهذا عليك ان تعالجه بسرعة كيّ يستعيد ذاكرته 

- ليس هناك حلّ سوى ان تدعه يرتاح من تعذيبك , على الأقل لأسبوعٍ ..
السجّان مقاطعاً : لا استطيع , فالملك أمهلنا بضعة ايامٍ فقط  
الطبيب : لكن صحّة جاك لا تسمح ..
السجّن مقاطعاً : حسناً لا يهم .. اظنّ ان الكهرباء ستعيد اليه ذاكرته 
ثم طلب من الحارسين البدء بكهربة الشاب وتعذيبه , غير مبالي بتحذيرات الطبيب 

ومع أول شحنة كهربائية تمرّ في جسد السجين جاك , تذكّر بعض الأحداث التي مرّت امام عينيه كشريطٍ سينمائي 
فهو تذكّر بأنه قبل ايام حاول الهرب من السجن بمساعدة زميله في الزنزانة , لكن لسوء الحظ طالهما ضوء المنارة في برج المراقبة للسجن قبل امتارٍ قليلة من وصولهم الى حافة الجبل , وقفزهم نحو البحر التي تحيط بجزيرة السجن

وعلى الفور !! قام قنّاص المنارة بإصابة صديقه اصابةٍ بالغة , ولم يعد امام جاك الاّ خيارين : اما القفز نحو البحر والنجاة بنفسه من هذا الجحيم , او العودة الى السجن حاملاً صديقه المصاب (الذي حفر معه نفق الهروب لأكثر من شهرين) ليعالجه طبيب السجن وينقذ حياته .. 

ورغم ان صديقه الذي كان يحتضر ترجّاه بأن ينقذ نفسه , الا انه فضّل الإستسلام .. ليتفاجىء لاحقاً بقتل السجّان لصديقه المصاب فور عودتهما الى السجن ! 
اما جاك فقد صدر قرار من الملك نفسه بتعذيبه بأقسى العقوبات الى ان يعترف .. لكن بماذا ؟!

وهنا تلقّى جاك الشحنة الثانية من الكهرباء , ليعرف بنفسه الإجابة 
فهو تذكّر بأن ملك البلاد (آرثر) لم يكن سوى اخاه الغير شقيق الذي قام قبل شهور بانقلابٍ عسكري عليه , بعد ان قتل زوجة جاك وابنه البكر ليحكم الشعب بدلاً عنه .. 

اما الخاتم الذي يريده الملك الحالي آرثر : فهو كان هدية من أقوى المشعوذين في البلاد لأبيهما (جيم , الملك الراحل) وفيه تكمن قوة عظيمة تسمح لمن يلبسه بالحكم طوال عمره دون أيّة مشاكل .. 
لكن الأخ الأصغر لجاك (آرثر) لم يصدق كلامه (بعد الإنقلاب عليه) عندما أخبره بأن خاتم والدهما وقع منه اثناء تنزّهه في احدى الحقول , وظنّ انه يخبئه كي يعود الى الحكم من جديد بعد الهرب من السجن

ومع دخول الشحنة الثالثة للكهرباء في جسده , تذكّر أمراً آخر مهماً .. فجاك عندما سلّم نفسه بعد عملية الهروب الفاشلة , تم تعذيبه اولاً امام جميع المساجين في ساحة السجن , حيث تم صلبه هناك لساعاتٍ طويلة كنوع من ترهيب البقيّة في حال فكّروا بالإقدام على الهرب في المستقبل .. 

لكن بعد ان أمر السجّان بعودة المساجين الى زنزاناتهم .. إقترب رجلٌ عجوز من ذاك الصليب , وأخرج خاتماً كان يضعه بعقدٍ في رقبته , ودسّه بخفية في جيب جاك وهو يهمس له :
- جلالة الملك جاك .. انا مزارعٌ بسيط , وقد وجدت ابنتي الصغيرة خاتم والدك واقعٌ في حقلي , وقمت انا بالإحتفاظ به لشهورٍ طويلة .. واليوم وبعد ان رأيت وشم الدولة على كتفك , عرفت بأن الإشاعة حقيقية , وانك محبوسٌ بيننا ! ..لهذا أعدّت لك الأمانة , وارجو منك ان تلبسه في اقرب فرصة كي يعطيك القوة السحرية لتستردّ الحكم من إخيك الظالم

لكن الملك المنعزل جاك فضّل وقتها تخبأة الخاتم السحري في جدار زنزانته .. قبل ان يأخذوه الى تعذيبٍ آخر في اليوم التالي .. ومن بعدها رموه في السجن الإنفرادي بعد ان تلقّى ضربة عنيفة على رأسه أفقدته الذاكرة جزئيّاً .. 

لكنه الآن تذكّر كل شيء ..وقد نوى في حال ظلّ حيّاً بعد تعذيب الكرسي الكهربائي ان يلبس خاتم والده السحري ويثور على اخيه الظالم ويعيد العدل والأمان للبلاد ..

لكن ما حصل بعدها كان عكس ما تمنّاه ..حيث كان آخر ما سمعه هو صوت السجّان وهو يطلب من الحرس ان يرفعوا درجة الكهرباء الى أقسى درجة كي يجبروه على الإعتراف بمكان الخاتم , وكل هذا طمعاً في جائزة الملك الكبرى , مُتجاهلاً بذلك تحذيرات طبيب السجن (بأن هذا سيؤدي الى توقف قلب جاك) .. وهذا ما حصل بالفعل 

السجان بصوتٍ عالي للحرس : إرفعوا الشحنات الكهربائية لأعلى درجة .. هيّا إصعقوه الآن !!
***

وهنا استيقظ الصحفي (اريك) مرتعباً من كابوسه , بعد ان نام في نفس الزنزانة التي عاش فيها الملك جاك آخر شهورٍ من حياته , وذلك قبل قرنين من الزمن !

فإريك كان من ضمن مجموعة سوّاح قدِموا لزيارة سجن الجزيرة المهجور .. الا انه ابتعد عنهم ليستكشف المكان وحده , ولهذا لم ينتبه على غيابه احد من السوّاح الذين عادوا الى القارب بعد انتهاء موعد الزيارة , تاركين خلفهم الصحفي اريك , الذي اضّطر لمبيت ليلته وحيداً داخل السجن المهجور

وبعد ان استيقظ مرتعباً (في تلك الزنزانة) من كابوس إعدام جاك , في صباح اليوم التالي .. بدأ على الفور بالبحث عن مكان خاتم الملك الأسطوري , والذي كان قد قرأ عنه كثيراً في كتب التاريخ 

وبعد بحثٍ مطوّل في سجن جاك , وجده أخيراً خلف بلاطةٍ مكسورة بجانب السرير الحديدي الصدىء 
وكان هذا إكتشافاً عظيماً ..فلطالما حاول المغامرون البحث عن مخبئه السرّي في زنزانته .. حتى ان كثيراً من الناس جابت الحقول (التي يُظنّ بأنها وقع فيها الخاتم) طولاً وعرضاً بحثاً عنه , الاّ انه لم يجده احد .. 
***

وفي ظهر ذلك اليوم .. عاد البحّار بقاربه الى جزيرة السجن بعد ان اكتشف غياب الصحفي في رحلة الأمس .. فوصل اليه معتذراً عن خطأه واهماله , الاّ انه تفاجىء بالبشاشة البادية على وجه اريك ! 
***

وبعدها بأيام .. قرّر اريك البحث عن احفاد الإبن الأصغر للملك جاك , والتي تمكنت مربيته من تهريبه من بطش عمه .. 
وظلّ اريك يبحث في المستندات والحقائق الى ان وجد الحفيد الأخير لجاك بعد ان أصبح رجلاً في الأربعين , وصادف انه ايضاً من عشّاق السياسة حيث كان مُقدِماً على إنتخابات الحكومة في البلاد

وبعد قبول النائب برؤية اريك (بحجّة المقابلة الصحفية) .. اخبره الصحفي بالمصادفة الغريبة التي حصلت معه , وكيف ان روح الملك جاك جعلته يُشاهد مخبأ الخاتم المنشود في المنام
ثم قال اريك للنائب آدم :
- لقد فضّلت ان أعيد الخاتم اليك لأنه ميراثك العائلي , على ان أعلن للعالم بأنني وجدته لأحصل على بعض الشهرة 

النائب وهو يتأمّل خاتم جدّه الأكبر بسعادة : كم انا سعيد لأنك وجدّته في الوقت المناسب ..فهذا الخاتم السحري سيضمن فوزي بالإنتخابات القادمة , بل ربما أحكم البلاد لسنواتٍ عديدة دون أيّة مشاكل , تماماً كما حصل مع والد الملك جاك الذي هو جدّي الكبير (جيم) .. ولا تقلق سيد اريك ..فأنا سأكافئك عن إخلاصك , لكن بعد ظهور النتائج النهائية للإنتخابات
اريك بثقة : ستفوز حتماً , لا تقلق

- اتمنى ذلك .. لكن طلبي الأخير منك : هو ان لا يعرف احد بهذا الموضوع
- أعدك بان يبقى الأمر سرّاً بيننا .. (ثم وقف مُودّعاً) ..سأعود ثانيةً اليك , بعد تفوقك على جميع منافسيك
فابتسم آدم قائلاً : وحينها سأكون في انتظارك مع شيكٍ بملبغٍ ضخم , لأنك إستحقّيته بجدارة
***

وبالفعل !! نجح آدم بالإنتخابات بفوزٍ كاسح , فاق جميع التوقعات .. وبعد ان هدأت الضجّة الإعلامية ..تلقّى الصحفي اريك دعوة لزيارة المنزل الريفي للحاكم الجديد للبلاد (آدم)
وبعد ان وصل الى هناك ..
اريك : لما طلبت مني ان أقابلك هنا بالذات ؟ 
آدم : لأني لم اردّ ان يرونا سويّاً 
- وهل انت وحدك هنا , ومن دون خدم ؟!
- قلت لك : لا اريد ان يكون معنا أحد 

ثم رفع مسدسه في وجه الصحفي اريك الذي انصدم كثيراً من تصرّفه : 
- اتريد قتلي بدل من مكافأتي على إعطائك الخاتم السحري ؟!
آدم بابتسامةٍ خبيثة : نعم سأقتلك لأنني لا اريد لمخلوق ان يعرف بهذا السرّ .. وسأقوم بدفنك بنفسي في هذا المكان المعزول , لتهترىء وحيداً في قبرك 

الصحفي بغضب : يبدو ان الغدر يسري في دماء هذه العائلة اللعينة !!
فضحك آدم مِلْءَ شِدْقَيْهِ , قائلاً بغرور : معك حق .. يبدو انني أُشبه عمي الأكبر (آرثر) أكثر من جدّي الساذج (جاك)

ثم أطلق رصاصة إستقرّت في قلب المغدور اريك .. 
وبعد ان سقط ميتاً , قال آدم بسعادةٍ غامرة :
- لا أحد سيقف في وجهي بعد اليوم .. وسأكون أقوى حاكم عرفته البلاد , وسيهابني الجميع !!

ليُطلق بعدها ضحكةً مجلّلة مُخيفة تُنذر بأيامٍ سوداء قادمة للبلاد , والتي ينوي ان يحكُمها آدم بالجور والظلم والإستبداد ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...