الجمعة، 22 سبتمبر 2017

الموهبة المشؤومة

 كتابة : امل شانوحة

طفل,توحّد,تنبؤات,مستقبل,مخيف

أصبحتُ أخاف من تنبؤات إبني المتوحّد !

تعوّدت الأم الشابة (سلمى) على تنويم ابنها سمير (تسع سنوات) بجانبها كلما سافر والده الى الخارج , خاصة انه يعاني من أعراض مرض التوّحد (الغير مستعصية) 

وقبل ان تستسلم للنوم جلست تفكّر بزيارة صديقتها , الاّ انها تفاجأت بإبنها يقول لها بصوتٍ نعس : 
- لا تذهبي اليها يا امي , هي امرأةٌ سيئة 
ثم غفا مجدّداً .. فلم تعرّ إهتماماً بكلامه , لظنّها بأنه تكلّم في نومه
***

في اليوم التالي .. ذهبت صباحاً الى منزل والدتها ..
- امي , سأعود بعد ساعة .. إبقي سمير عندك , لأزور صديقتي .. فأنا لم أرها منذ مدّة
فقبلت امها بذلك , لكن قبل ان تغلق الباب .. أمسك سمير بيد امه قائلاً بقلق : 
- ارجوك امي لا تذهبي اليها .. فهي ستُبكيك كثيراً

فتبادلت الأم والجدة نظرات الحيرة والدهشة ! لكن امه اقتربت منه وقبّلته قائلة :
- لا تقلق , انا لن اتأخّر عليك .. وحاول ان تكون ولداً مطيعاً ولا تتعب جدتك .. مفهوم حبيبي
ثم ذهبت لكيّ تُفاجأ صديقتها بزيارة دون موعد
***

وبعد ان وصلت سلمى لآخر الدرجات الموصلة لشقة صديقة طفولتها , تفاجأت بزوجها يخرج من بيت صديقتها قائلاً :
- سآراك بعد اسبوع حبيبتي
صديقتها مروى : يعني قرّرت العودة الى بيتك
فقال لها بابتسامة : انا لي اسبوعين معك الا يكفيك يا شقيّة .. (بسخرية) ..كما انني اشتقت الى زوجتي النكدية وابني المعاق
ولم يُكملا ضحكتهما الساخرة , الاّ وتفاجآ بصرخة الزوجة وهي تصعد اليهما كالمجنونة !! 

وعلى الفور !! تشابكت الأيدي بينها وبين عشيقته .. لكن لسوء حظها , ادّى هذا العراك الى طلاقها .. لتعود سلمى منهارة الى بيت أهلها اللذين أمضيا النهار كلّه في تهدأتها بعد ان إنفصلت عن زوجها الخائن .. 
***

وفي المساء .. دخلت سلمى الى غرفتها القديمة مع ابنها لينامان بعد هذا النهار الشاق .. فحضنها قائلاً بحزن :
- الم أقل لك بأن لا تذهبي الى هناك , يا امي ؟

وهنا تذكّرت سلمى بأن ابنها قام بتحذيرها من قبل , فمسحت دموعها وسألته : 
- سمير .. هل رأيت صديقتي مروى في بيتنا مع البابا , عندما كنت انا في الخارج ؟
- لا ابداً .. لكني رأيتك اليوم وانت تلكمينها على وجهها بقوة , وتنعتينها بالخائنة
بدهشة : كيف هذا ؟! أنت لم تكن معي هناك !
فهمس قائلاً : انا أرى كل شيء يا امي

ثم أدار ظهره للجهة الأخرى من السرير .. وقبل ان تستفهم عن قصده ,  غرق هو في نومٍ عميق
***

ومع الأيام , توالت الصدف الغريبة ! التي بدأت بأمورٍ صغيرة .. 
فمثلاً : بعد ايام من طلاقها , لاحظت سلمى إنعزال ابنها سمير عن الجميع , فقرّرت أخذه الى مسبح الصغار لتحسين نفسيته , لكنه رفض بشدّة الذهاب الى هناك 
امه : سمير ! انت تحب السباحة كثيراً , فلما لا تريد الذهاب الآن؟  لكنه ظلّ يبكي ويصرّ على الرفض , ولهذا اضّطرت الى أخذه الى هناك بالقوة.. 

وعند المساء , لاحظت إرتفاع حرارته .. وقد أمضى الثلاثة الأيام التي تلتها في السرير , وهو يعاني من تسمّمٍ حصل له بسبب مياه المسبح الملوثة 
وبينما كانت امه تغيّر له الضمّادات الباردة , قال لها بتعب : 
سمير : الم اخبرك بأنني لا اريد الذهاب الى هناك ؟
- وكيف عرفت بأن المسبح سيُصيبك بالمرض ؟ 
- وكم مرّة عليّ التكرار لكم , بأنني أعرف كل شيء .. رجاءً لا تعاندوني ثانيةً !!

وهذه كانت اللحظة التي انتبهت فيها الأم على تنبؤات ابنها المستقبلية .. وقد أخبرت أهلها بموهبة ابنها الفريدة .. لكن عائلتها لم تصدّقها الا بعد  الأحداث التالية 
*** 

فبعد اسبوع ..وقبل ذهابه مع امه في نزهة , قال سمير لخالته الصغيرة بحزم :
- ايّاكِ ان تنسي إغلاق نافذة الحمام , فأنا اخاف من الحشرات 
لكن بالطبع تناست خالته الموضوع , لتتفاجىء فيما بعد بامتلاء الحمام بنملٍ طيّار دخل من خلال النافذة المفتوحة !
***

وفي آخر يومٍ من الشهر ..
أراد الجدّ الذهاب الى البنك لاستلام معاشه التقاعدي .. فنادى على حفيده :
- سمير !! تعال لنذهب سويّاً في نزهة
لكن الصغير ظلّ يلعب بلعبته الالكترونية قائلاً لجده (دون النظر اليه) :
- لا تتعب نفسك يا جدي , فلا يوجد مالٌ في البنك .. على الأقل ليس الآن

فتفاجأ الجد , لأنه لم يخبره بشأن البنك ! ومع هذا ذهب الجدّ لوحده الى هناك , ليخبروه بأن معاشه سيتأخّر يومين عن موعده
***

وفي عطلة الربيع .. قدِمَ الخال من السفر لتمضية إجازته الشهرية مع عائلته ..

وبعد يومين .. أخذ ابن إخته سمير معه , ليستاجر سيارة يقضي بها ايام العطلة .. وعندما وصلا الى صالة العرض , أعجبته السيارة السوداء .. لكنه تفاجأ بسمير يمسك بيده ويقول بإصرار :
- لا يا خالي !! السيارة سوداء سيئة .. إختر غيرها , ارجوك !!!
لكن الخال لم يهتم لبكائه , واستأجر السيارة التي أعجبته 
*** 

وبعد يومين فقط .. زار سمير وامه , الخال في المستشفى بعد ان تعرّض لكسورٍ متفرّقة جرّاء حادث سير
وهنا اقترب منه سمير قائلاً بغضب :
- انت تستحق ذلك !! 
امه معاتبة : سمير ! ما هذا الكلام يا ولد ؟!!
سمير بعصبية : هو لم يسمع نصيحتي يا امي .. وجميعكم ايضاً تتجاهلون تحذيراتي , لأنكم أغبياء !!
ثم خرج غاضباً من الغرفة , ليقف مع جده الذي كان يطمّئن على حالة ابنه من الدكتور  

وفي الداخل .. سأل الأخ اخته عن حالة الصبي :
- سلمى ! لما أشعر بأن ابنك غير طبيعي ؟!
فأجابته بحزن : نحن لم نرد إخبارك بمرضه وانت خارج البلد , لكنه مصاب بالتوحّد 
بدهشة : كيف ! هو يتكلّم أفضل من الأطفال المتوحّدين !
- نعم لأن حالته ليست سيئة لهذه الدرجة , وهذا يعود لسرعة إكتشافي لمرضه وعلاجه على الفور 
- ومتى لاحظت مرضه ؟

- في سنّ الثانية .. حيث كنت أراه يكررّ الحركات ذاتها لوقتٍ طويل , كما كان يرفرف كثيراً بيديه , ويجد صعوبة في الإشارة الى شيءٍ يريده .. ولا يستجيب لندائي له , ولا ينظر في عينيّ , ويتضايق كثيراً حين يقترب منه ايّ شخص .. كما لم يكن يلعب مع الأطفال في نفس سنه .. وكثيراً ما كان يمشي على أطراف اصابعه , ويحب الدوران حول نفسه .. حتى انه لم يكن يلعب بسياراته , بل يكتفي بصفّها خلف بعضها ! والأسوء انه لم يكن يشعر بالألم , بل كان يستمتع بجرح نفسه .. وكل هذه الإشارات جعلتني أعرض حالته  على طبيب أطفال , والذي أخبرني : بأنه في بدايات مرض التوحّد .. لكن والحمد الله , تحسّنت حالته كثيراً بعدما أسرعت في علاجه .. لكن للأسف , كلامه مازال قليلاً .. وإن تكلّم , فأنه يُخبرني بأحداثٍ مستقبلية , عادةً ما تتحقّق !

فقال أخوها : نعم لاحظت ذلك متأخراً .. ليتني سمعت كلامه بشأن السيارة المشؤومة .. (ثم قال ممازحاً) .. برأيّ يا اختي , عليك الإستفادة من قدرات مشعوذك الصغير , فتنبؤاته ستجعلك امرأة غنيّة 
***

وفي إحدى الايام , زارتهم عمّة سلمى .. لكن سمير رفض بشدّة الدخول الى الصالة والسلام على العجوز .. وبعد ذهابها , عاتبته امه :
- سمير , لما لم تسلّم على عمتي ؟! وأغضبت بذلك جدّك
- لأنها امرأة سيئة , قامت بسحر خالتي (نجوى) كيّ لا تتزوج ابداً 
امه بدهشة : ماذا ! ولما تفعل ذلك بأختي ؟! 
- لأنكم رفضّتم إبنها عريساً لها
- هذا كان منذ خمس سنوات !
- نعم , فهي من ذلك الوقت سحرتها

وعلى الفور !! نقلت سلمى هذا الكلام الى امها , التي بدورها نقلته الى زوجها (والد سلمى) ..ورغم عدم تصديقه للموضوع , الاّ انه قبل بأخذ ابنته الصغرى الى الشيخ الذي أكّد بأن تعسّر زواج ابنته الصغيرة كان بسبب السحر ! 

ولاحقاً , استطاع الشيخ فكّ سحرها بصعوبة .. لتنهال عليها (فيما بعد) عروض الزواج , بعد ان كانت متوقفة لسنواتٍ طويلة
***

وبعد اسابيع .. وبينما كانت خالته نجوى تجلي الصحون (بعد ان نام الجميع) دخل الصبي المطبخ وهو يترنّح من النعاس  
خالته : لما استيقظت يا سمير ؟
لكنه لم يجيبها , بل أخذ كوباً نظيفاً كان موجوداً على الطاولة , ووضع فمه داخله وصار يتمّتم بكلامٍ غير مفهوم .. ثم يعود ويضعه على إذنه , وكأنّه يُجري حديثاً خفياً مع الكوب ! 

فجلست نجوى بجانبه , وسألته باستغراب :
- مالذي تفعله بالضبط ؟!
سمير : أسالهم عنك 
بدهشة : وعن ماذا تسأل ؟!
- عن عريسك 
فحاولت أن تجاريه بالكلام (رغم عدم تصديقها له) : وهل سأتزوج قريباً ؟
- نعم .. حتى إسمعي بنفسك
فأخذت منه الكوب ووضعته على إذنها (كما طلب منها) ثم قالت له: 
- انا لا أسمع شيئاً يا سمير
فقال بابتسامة : بالضبط !! لأن حياتك لن يكون فيها ايّةِ مشاكل , وسيكون منزلك هادئاً , تماماً مثل هذا الكوب 
ووقف قائلاً : لا تقلقي يا خالتي .. ستكونين بخير 
ثم ذهب للنوم , بعد ان أشغل تفكيرها
***

وفي اليوم التالي .. سألته نجوى عمّا أخبرها به البارحة
فأجابها بدهشة : لكني لم استيقظ البارحة يا خالتي ! 
ولم يتذكّر ايّ شيء مهما حاولت خالته تذكيره , الاّ انها أرادت معرفة المزيد عن عريس المستقبل .. 

فانتظرت حلول المساء ..ثم دخلت غرفة اختها , بعد ان اصرّت عليها  بأن تنوّم الصبي بنفسها .. 
وقبل ان يغفا , سألته : 
نجوى : سمير إخبرني ..هل عريسي سيكون ابن الجيران الذي يعجبني ؟
بصوتٍ نعس : لا ليس هو بل عريسٍ جديد : غني , وجميل جداً , ويعمل موظفاً .. ونصيحةٌ مني يا خالتي .. إبتعدي عن ابن الجيران فهو رجلٌ سيءٌ جداً , ولا ينوي الزواج بكِ

وبالفعل !! قبلت خالته بنصيحته وابتعدت تماماً عن ابن الجيران , على أمل ان تتحقّق نبوءته بشأن عريسها القادم 
***

لكن بعد ايام .. أغاظ سمير خالته كثيراً حينما كسر شاشة جوّالها , فضربته بحزامها .. وهنا قال لها بغضب :
سمير : الآن عرفت لما لن تنجبين البنات !! 
***

وفي إحدى الأيام .. كان سمير وامه في نزهة مع خاله وصديقه .. وعندما ذهب صديق خاله ليشتري الذرة من العربة المتوقفة هناك , اقتربت صبيّة من البائع لشراء الذرة ايضاً .. وهنا ترك سمير يد امه ووقف قرب الشاب والصبية قائلاً : 
- انت يا عم (يقصد صديق خاله) ستتزوج من هذه الصبيّة , بعد ثلاثة أشهرٍ من اليوم 
فخجلت الصبيّة من كلام الصغير , وابتعدت عنهم .. 

ومن ثم أخبر الشاب سلمى واخوها بما قاله له سمير قبل قليل ..
فقالت له ام سمير بارتباك : انا آسفة ان وضعك ابني بهذا الموقف الحرج , لكن برأيّ : لا تستخفّ بكلامه , فهو يملك حدساً قويّاً جداً
وهنا اقترب صديق الخال من الولد سمير قائلاً : والله لو صدق كلامك وتزوجت من تلك الصبيّة الجميلة , فلك مني أجمل هدية 
فقال سمير بحماس : اذاً اريدك ان تحضر لي سيارة كبيرة تمشي على البطارية 

فضحك الكبار من ثقة سمير الزائدة بتحقّق نبوءته (الشبه مستحيلة برأيهم , لأن الشاب لا يعرف من هي الفتاة , او اين تسكن)
***

ومع بداية السنة الدراسية .. إستطاعت سلمى ان تجد وظيفة لها في مدرسة إبنها الإبتدائية .. وبعد مضيّ بضعة شهور .. لاحظت المعلمات بأن توقعات سمير المستقبلية تتحقّق في كل مرّة !
***

وفي أحدى الأيام , في غرفة المعلمات .. إقتربت احداهنّ من سمير (بعدما تركته امه معهنّ لتذهب الى الحمام) فسألته قائلة :
- سمير .. بما انك ترى المستقبل كما تدّعي .. أيمكنك ان تخبرني.. متى سأنجب طفلاً , فأنا متزوجة منذ فترة طويلة ؟ 
لكن سمير ظلّ صامتاً , فضحكت منه ساخرة :
- يالا غبائي , كيف صدّقت ان طفل متوحّد مثلك يعرف المستقبل

وهنا دخلت امه الغرفة , لتلاحظ بأن ابنها يحاول كبت غضبه , بسبب سخرية المعلمات من موهبته .. 
ولم ينطق سمير بحرف الى ان خرجت تلك المعلمة (التي سألته) من الغرفة , ثم قال لهنّ بعصبية :
- انا لم اردّ ان أجيبها , لأنها ستموت بعد ايّام !!  

فصُدم الجميع من إجابته ! حتى انه لم تجرأ إحداهنّ على إخبار تلك المعلمة بتنبؤه المشؤوم لها 
***

وبعد مرور عدّة ايّام .. إستقبلنّ المعلمات ام سمير بوجوههنّ المُتجهّمة
سلمى باستغراب : خير , مالذي حصل ؟!
فقالت إحداهنّ : لقد ماتت هدى البارحة مساءً 
وقالت الثانية بعصبية : إبنك شؤم يا سلمى , ولا نريده في مدرستنا 
فردّت امه : وما ذنبه ان كان رأى مستقبلها ؟!
المعلمة الثالثة بقلق : نحن نريدك فقط ان لا تحضريه الى غرفتنا , لأننا نخاف على أنفسنا من تنبؤاته المخيفة
فوافقت على طلبهنّ مُرغمة 
***

وعندما عادت الى البيت , قالت لأبنها :
سلمى : ارجوك يا سمير .. لا تتوقّع للناس الاّ بالأشياء الجيدة
سمير : وماذا أفعل ان كنت أحياناً لا ارى الا مصائبهم المستقبيلة ؟!
- حينها لا تقلّ شيئاً يا بنيّ , لأني لا اريد أن تخاف الناس منك
- حسناً سأحاول يا امي , وان كان احياناً يُجبرني العجوز على الكلام
امه بدهشة : ايّ عجوز ؟!
لكنه لم يُجيبها , بل ذهب ليلعب في غرفته
وهنا قرّرت سلمى أن تأخذ ابنها للشيخ الذي عالج اختها من السحر
***

وفي بيت الشيخ .. وبعد ان كشف عليه , أخبر امه (بعيداً عن الصبي) :
- ابنك يا خانم لديه موهبةً فريدة , فهو يرى قرائن الناس 
الأم بقلق : وماذا يعني هذا ؟!
الشيخ : القرين يعيش معنا طوال عمرنا وهو بالتأكيد يعرف ماضينا , ولا ادري ان كان يعرف مستقبلنا ايضاً .. وفي كل الأحوال ..ابنك وجد طريقة للتواصل فيها مع قرناء الناس , وهي موهبة خطيرة .. ولهذا اتمنى ان تكتمي سرّ ابنك , كي لا يستغلّه أحد 
***

وبعد خروج سلمى مع ابنها من بيت الشيخ .. توقفت امامهما سيارة اجرة , فيها رجلٌ آخر وإمرأة تجلس في الخلف 
وبدون مقدمات .. قفز الرجل (الذي بجانب السائق) باتجاه سلمى , ورشّ المخدّر في وجهها , لتسقط مغمى عليها .. بينما أسرعت المرأة بخطف ابنها سمير
***

ومضى شهران ..لم تعرف الأم فيهما شيئاً عن ابنها المختطف ! وكانت على وشك الأنهيار العصبي , حتى أتى طليقها (والد الصبي) ذات يوم وأخبرها : بأنه وجد فيديو لإبنه على اليوتيوب وهو يُبصّر للناس في إحدى مناطق الريفية البعيدة عن المدينة .. 

ويبدو ان تلك المرأة (المختطِفة) كانت من بين الناس المتواجدون في بيت الشيخ , والتي سمعته بالصدفة وهو يتكلّم مع سلمى عن موهبة ابنها الفريدة .. فقامت بالإتصال بقريبها (سائق الأجرة) الذي حضَرَ على الفور مع صديقه , لتنفيذ خطة إختطاف سمير , لإستخدام موهبته لاحقاً في الشعوذة , وإستغلال سذاجة الناس في القرى  

وبسرعة انطلق والديّ سمير الى الشرطة ليخبروهما بالمستجدّات  
***

وبعد ايامٍ من البحث .. تم القبض على العصابة التي تديرها هذه المشعوذة .. وتم إعادة سمير الى حضن امه , التي رجعت الى طليقها (والد الصبي) بعد وقوفه بجانبها طوال المحنة 
***

وفي مساء إحدى الأيام .. وقبل ان ينام سمير سأل امه بقلق : 
- امي .. ماذا حصل للطفلة الشقراء نورا ؟
امه : كانت المشعوذة تستغلها كبقيّة الأطفال التي إختطفتهنّ , كي يتلبّس بها الجن , بغرض استغلالها في الجلسات الروحانية 
- أعرف هذا يا امي , فالمشعوذة أخبرتني بأن موهبتي النادرة وفّرت عليها مهمّة خطف الأطفال .. لكن ماذا حصل لهم ؟
- لا تقلق يا سمير , فالشرطة أعادتهم جميعاً الى أهاليهم 
- ونورا ايضاً 
امه بابتسامة : يبدو انها أعجبتك 

- كنت أشفق عليها , لأنها لم تكن تتحمّل رؤية الجن الذين كانوا يزوروننا في المساء , بسبب تعويذات المرأة التي كانت تُلقيها علينا 
سلمى بغضب : لعنة الله عليها !! المهم انها ستبقى في السجن لمدّة طويلة ..وكل ما اتمنّاه منك يا سمير , ان تحاول نسيان الأيام التي قضيتها في الريف ..وانا غداً سأقيم لك حفلة كبيرة , لعودتك سالماً اليّ
***

وفي اليوم التالي وأثناء الحفل .. قدِمت صديقاتها المعلمات لتهنئتها على سلامته ..وكانت إحداهنّ حاملاً , فقالت للجميع بفرح :
- باركوا لي يا اصدقاء .. فأنا أخيراً حاملاً بولد !!
معلمة اخرى مهنّئة : الف مبروك يا ناديا .. أكيد زوجك فرح كثيراً بقدوم هذا الصبي , بعد سبع بنات 
الحامل بارتياح : بالتأكيد !! ولا أخفي عليكنّ ..كدّت أموت من الخوف البارحة أثناء فحص الطبيبة لجنس الجنين , لأن زوجي هدّدني بأنه سيُطلّقني في حال أنجبت له البنت الثامنة

وهنا قال سمير لها : لكنك بالفعل حامل بالبنت الثامنة
فاقتربت منه (المرأة الحامل) وهي تُخفي قلقها : 
- لا يا سمير ..فالفحص أثبت بأنه صبي والحمد الله
سمير بإصرار : لا هذا غير صحيح , لأنك حامل ببنت 

فعاتبت امه (بعد ان لاحظت تضايق صديقتها الحامل من كلامه) : 
- سمير , إذهب والعب مع الأطفال 
وبعد ان ذهب , قالت لها الحامل بضيق :
- سلمى .. الم نطلب منك الا يخبرنا ابنك بتنبؤاته المشؤومة ؟!!

فاعتذرت سلمى عن ابنها .. لكن الحامل تركت الحفلة , بعد ان تضايقت من كلام سمير الذي أقلقها كثيراً 
***

ومع بداية العطلة الصيفية .. دخلت سلمى غرفة ابنها , لتجده يبكي بقهر :
امه بقلق : ماذا هناك يا سمير ؟!
وهو يمسح دموعه : صديقي العجوز أخبرني قبل قليل بما سيحصل في المستقبل 
- وعن من أخبرك هذه المرة ؟ 
سمير بحزن : عنك يا امي 
بقلق : وماذا قال عني ؟! 

فقام سمير من سريره وحضنها بقوة وهو يبكي , ثم قال :
- بأنك ستموتين بعد 17 يوم و12 ساعة من الآن .. وانا لا اريدك ان تموتي يا امي
وعاد الى البكاء المرير ! 
***

وقد جرى ذلك الحوار بيني وبين ابني قبل اسبوعين .. وهآ أنا اكتب لكم , وقد تبقى لي ثلاثة ايام فقط على الموعد المحدّد ..ولا ادري إن كان سيصدق كلامه للمرّة المئة ام لا ؟!

فأختي مثلاً : تزوجت رجلاً بنفس الصفات التي أخبرها عنه , وهي لم تنجب سوى الأولاد ! 
اما صديقتي الحامل فأنجبت بالفعل بنتاً ثامنة , وقد طلقها زوجها 
امّا صديق أخي فقد تزّوج من نفس الصبيّة التي كانت تشتري الذرة , وفي نفس الموعد الذي حدّده سمير , بعد ان التقى بها في إحدى المحال التجارية بالصدفة 

وغيرها كثير من الصدف .. فهل ستصدق تنبؤاته الأخيرة بشأني .. وهل سأموت فعلاً بعد ثلاثة أيام ؟!
انا جداً خائفة .. أرجوكم ساعدوني !
**********  

ملاحظة :
هذه القصة ما هي الاّ سرد لأحداث حقيقية حصلت مع صبي أعرفه شخصياً , حيث كانت لديه أعراض التوحّد منذ الصغر .. لكنه والحمد الله إنشفى من مرضه بعد ان أصبح شاباً , واختفت مع بلوغه تنبؤاته المستقبلية التي كانت تصدق في كل مرة .. وان كان مازال يتمتّع بحدسٍ قوي حتى يومنا الحالي 

اما قصة المشعوذة التي كانت تخطف الأطفال لتستغلّهم في جلساتها الروحانية , فهي قصة حقيقية حصلت في ريف مصر قبل سنوات  
*** 

وفي نهاية الأمر .. أنصحكم بأن لا تستهينوا ابداً بقوّة الحدس الذي يمتلكه اطفال التوحّد (ذويّ الحالات الغير مستعصية) لأنه ربما عدم إدراكهم الكامل بما حولهم , يمنحهم القدرة على التقاط الأشارات والتحذيرات الإلهية قبلنا .. 
وأختم كلامي بالدعاء : 
((اللهم إشفي جميع الأطفال المتوحّدين , وأعنّ أهاليهم على مصابهم الجللّ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...