الخميس، 13 يوليو 2017

نهاية اغنى رجل بالعالم

تأليف : امل شانوحة


وفاة,نهاية,رجل,غني,طمع,جوع,روتشيلد
قصة حقيقية لنهاية البارون روتشيلد

- افتحوا الباب !! ارجوكم , انا عالقٌ هنا .. هل يسمعني أحد ؟!!
صرخ البارون المحتجز داخل خزنته الموجودة في علّية قصره بأعلى صوته , لكن لم يسمعه أحد من خدمه او موظفيه  
اللعنة ! لما اخبرتهم بأنني سأسافر بعد قليل , اكيد حينما لا يجدونني في مكتبي سيظنون بأنني سافرت بطائرتي الخاصة كما افعل دائماً .. والمشكلة انها فترة اعياد ايضاً
لا .. لا اريد ان اموت هنا وحدي
***

ومرّت 4 ساعات اخرى ..وروتشيلد مازال يطرق باب الخزنة الحديدي بكل قوته دون ان يسمعه احد ممّن في داخل قصره ..
فتوقف اخيراً عن المحاولة بعد ان سرى اليأس في قلبه , وصار يجول ببصره في ارجاء مخزنه المليء بالصفائح الذهبية , بينما كان يجلس هو على احد التلال من العملات الذهبية 

يا الهي .. أأملك كل هذا المال , ولا استطيع ان انقذ نفسي من هذه الورطة السخيفة ؟! .. اصلاً كيف نسيت مفاتيحي بالخارج ؟! بالعادة انتبه كثيراً عليها .. انا فعلاً غبي واحمق !!
ثم وضع يده على بطنه : 
آخ يا بطني .. بدأت اجوع حقاً ! 
كم اتمنى لو انني سمعت كلام خادمي وفطرت قبل صعودي الى هنا .. 

ثم ينظر الى ساعته .. 
لقد حان موعد الغداء .. ياترى ماذا طبخ خادمي لهذا اليوم ؟ انا مستعد ان ادفع له عشر ليرات ذهبية مقابل قطعة لحم .... آخ يا رأسي ..وهآقد بدأت ادوخ .. اللعنة .. لم آخذ دواء الضغط هذا الصباح .. 
- ولما كنت مستعجلاً يا روتشيلد للصعود الى هنا .. الِإلقاء نظرة على مالك الحرام كما تفعل كل صباح ؟!!

فتلفّت البارون بخوف في كل الإتجاهات , وصرخ بصوتٍ مرتجف :
- من هناك ؟!! من يكلّمني ؟!
الصوت : لا تخف .. انا ضميرك 
- ضميري .. ماهذا ؟! ..هل بدأت اصاب بالخرف ؟! 

ثم عاد يطرق الباب بقوة , وهو يصرخ :
- اذا كان يوجد شخص بالخارج فليفتح لي الباب وانا سأكافئه بمكافأة كبيرة !!!!
فقال له الصوت :
- لا تحاول يا روتشيلد , لن يسمعك احد .. انت ستبقى محتجزاً معي هنا 
- لا ! لا !!! انا بدأت بالفعل اهلوس .. اكيد هذا بسبب الجوع والخوف

- لا تحاول ان تبرّر سماعك لصوتي , لأني اصدر من داخلك .. فأنا ضميرك الذي حاولت اسكاته لسنوات 
يصرخ روتشيلد بغضب : اصمت !!!
الصوت : لن اسكت بعد الآن و ستسمعني رغماً عنك !! 
بخوف : ماذا تريد مني ؟!

- انظر حولك .. لن ترى سوى اكواماً من الذهب والصفائح الذهبية المرصوصة هنا وهناك .. اظنك مستعدٌ الآن لإستبدالها جميعاً بكسرة خبز وشربة ماء , اليس كذلك ؟ .. اصلاً انت استحقيت ذلك بسبب أفعالك ..
مقاطعاً : لا !! ليست افعالي , بل هي عينٌ اصابتني بعد ان تكلّمَت الصحافة عني بالأمس 
الصوت : تقصد لأنك اقرضت بعض المال لخزينة الدولة  
بغرور : نعم !! فأنا اغنى رجلٌ بالعالم , حتى انني انقذت بريطانيا العظمى من الإفلاس
الصوت بسخرية : وهل غرورك الآن يُشبع بطنك الجائع ؟
- ماذا تريد مني ؟!! 

- اريدك ان تفكّر بكل الأشخاص الذين ظلمتهم في حياتك لتحصل على هذا القدر من المال 
- انا لم اظلم احداً !! كل هذه النقود التي تراها هنا نتيجة ذكائي ومجهودي الشخصي
الصوت : أحقاً ! الا تذكر صاحبك (جيم) الذي اخترع المنتج الغذائي الجديد والذي قمت انت بسرقة مكوناته منه , ثم اسرعت بتسجيل براءة الإختراع بإسمك .. و بسببه جنيت الآلاف بل ملايين النقود .. ولم ترحم توسلات صديقك لإعطائه حصة من الأرباح حتى مات المسكين قهراً 
- كان هذا انتهازاً للفرص
الصوت بقوة : بل قلّ .. سرقة لمجهود غيرك !!

فيسكت روتشيلد بعد ان احسّ ببعض الذنب تجاه صديقه الراحل ..فأكمل صوت الضمير محاكمته قائلاً :
- و ماذا عن اقاربك الذين حرمتهم من كل شيء ؟
- هم مجموعة من الفاشلين والحسدة , و البُعد عنهم غنيمة
- أهذا جزائهم لأنهم قاموا بتربيتك بعد وفاة والديك , واكملوا تعليمك الى ان وقفت على قدميك , وانشأت شركتك الصغيرة..
مقاطعاً : التي كبرت بمجهودي الشخصي !!

الصوت : طيب ماذا عن ردّ الدين لهم ؟ 
- لم يفعلوا الكثير من اجلي , فقد علّموا اولادهم بأفضل المدراس بينما وضعوني انا في مدارس حكومية سيئة المستوى .. ولوحدي كافحت كثيراً حتى نجحت ..وحرمت نفسي من كل شيء , وجمعت حتى السِنتات الى ان فتحت شركتي الخاصة .. الا تعرف كم هو صعباً ان يحرم الطفل نفسه من كل ملذات الحياة لأجل تحقيق حلمه , حتى انني لم اتزوج او انجب الأطفال كي اسافر هنا وهناك واعقد الصفقات , ولم اكن انام في العادة اكثر من 4 ساعات في اليوم .. فلما ادفع لهم او لغيرهم ؟!! هذا كله ملكي وحدي !!
صوت الضمير بسخرية : اذاً قمّ وكلّ مالك قطعةً قطعة , عسى بذلك ان تُشبعك وتنقذك من الموت
فسكت روتشيلد حائراً

فقال الصوت : لا ادري لما كل الأغنياء لديهم نفس التفكير الأحمق , اليس الأفضل بدل تكديس المال بهذا الشكل المزري ان تفتحوا بها مصانع  و شركات وتوظفوا آلاف العمّال , وبالنهاية سيزداد مالكم اضعافٌ مضاعفة من مردود العمل بدل تكديسها هكذا داخل خزنات حديدية !
روتشيلد بصوت منخفض : معك حق 
الصوت بدهشة : معي حق ! واخيراً بدأت تستيقظ من غفوتك .. لكن للأسف تأخّرت كثيراً

بخوف : أتقصد انني سأموت وحدي هنا ؟!
الصوت بلا مبالاة : ربما
فانهار روتشيلد باكياً حتى اختفى ذلك الصوت الذي ربما فضّل ترك البارون يندب حظه لوحده
***

وبعد ساعة .. قام البارون حزيناً ووقف امام عملةً ذهبية كانت موضوعة داخل اطار معلّق على جدار الخزنة , وقال وهو يمسح دموعه :
- هذا اول جنيه ذهبي اشتريته في حياتي , وحلفت حينها بأنه لن يكون الأخير

ثم اخرجه من الأطار الذي بقي بداخله لسنوات , وقال له :
- انظر الى اخوانك , لقد جمعت امثالك الآلاف .. بل الملايين 
ثم ضحك بهستيريا , و رمى الجنيه فوق تلّة من العملات الذهبية 
- هيا !! اسبح مع امثالك  

ثم بدأ هو ايضاً يسبح ببحرٍ من النقود الذهبية .. لكن ما لبث ان توقف وهو يضع يده على معدته التي كانت تضوّر جوعاً
يا الهي انا حقاً جائع .. كما اريد دخول الحمام 

فينظر الى ساعته 
لقد حلّ المساء .. آخ , لا لم اعدّ اتحمّل .. اظنني اصبت بالأسهال

ثم ذهب الى زاوية الخزنة وحفر بين الذهب .. وبعد ان انتهى , طمرها بالنقود الذهبية
يبتسم بسخرية : لقد فعلت تماماً مثل القطط ! لكن المختلف انني طمرت قاذوراتي بالذهب ..لا اعتقد ان اي غني بالعالم وصل الى هذه القدر من التبذير
ثم صار يضحك بهستيريا والدموع تسيل على خدّيه 

وبعد ان توقف عن الضحك صار يقول في نفسه : هل معقول ان هذه ستكون نهايتك يا روتشيلد ؟ ... أحقاً سأموت من الجوع ؟! 
ثم حبى نحو باب الخزنة , وصار يطرق عليها للمرة المئة بتعبٍ شديد
- ارجوكم ساعدوني !! اخرجوني من هنا !! بدأ نفسي يضيق كثيراً
***

وبعد ثلاثة ايام..
وبينما كان ينام تحت كومة من الذهب ليحمي نفسه من البرد , قال بصوتٍ متهدّج : 
- احلف بأنني سأهبّ نصف ثروتي لمن يخرجني من هذا القبر الحديدي .. آخ .. اكاد لا استطيع التنفّس , فرائحة قاذوراتي لوّثت المتبقي من الهواء .. اكاد اختنق.. انا فعلاً اموت .. يبدو انني احتضر الآن !

ثم بدأ يتخيّل :
- كنت سأكون زوجاً واباً رائعاً .. ليتني كنت فقيراً صاحب وظيفة متواضعة ولي عائلة صغيرة من طفلة وطفل ينادونني بابا والعب معهما , بدل كل هذا المال الذي لم اجني منه سوى الغيرة والحسد والضغائن من اقرب الناس لي .. حقاً ان السعادة ليست بالمال , بل براحة البال والضمير

ثم قام بجرح اصبعه , وكتب على باب الخزنة :
((اغنى انسان في العالم يموت جوعاً وعطشاً))

ثم ابتسم بألم قائلاً :
- اعتقد انني سأكون درساً عظيماً لكل جبّار وطمّاع يهدر حياته بالسعي خلف وسخ الدنيا 
***

وبعد ايام .. لاحظ احد موظفيه المفاتيح المتروكة في باب الخزنة (من الخارج) , ففتحها ليتفاجأ برائحة تحللّ جثة سيد القصر والتي تكاد لا تطاق ..كما قرأ عبارته التي تحوّل لونها من لون الدم الأحمر الى الأصفر والتي بقيت موجودة على باب الخزنة (من الداخل) 
***

في مكانٍ آخر .. قرأ (جيمس) احد منافسي البارون عن وفاته في الصحيفة , فقال في نفسه بدهشة :
من كان يُصدّق ان هذه ستكون نهاية روتشيلد !
وهنا دخل عليه سكرتيره وهو يقول :
- سيد جيمس .. لقد حضر المحامي الذي طلبته

وبعد دخول المحامي , سأل الثري عن الوصية التي يريد كتابتها :
- سيدي .. هل ستحرم عائلتك من ميراثك , كما اخبرتني البارحة بالهاتف ؟

جيمس وهو ينظر للصحيفة التي بها صورة لعبارة روتشيلد الأخيرة والمكتوبة بدمه ..
- لا .. بل سأعطيهم جميع حقوقهم , اما النصف الثاني لثروتي فأرغب في توزعيها على الجمعيات الخيرية بعد وفاتي
فينظر المحامي له بدهشة , بينما يُكمل جيمس قائلاً :
- فأنا لا اريد ان تكون نهايتي كروتشيلد المسكين

ثم يبتسم بحزن وهو ينظر الى صورة صديقه البارون (الموضوعة فوق الخبر بالصحيفة) , قائلاً :
اشكرك على النصيحة يا منافسي العزيز

ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من وفاة حقيقية حصلت لأغنى رجل بالعالم في القرن الماضي , وكذلك العبارة التي كتبها بدمه صحيحة ..كل ما فعلته انني تخيّلت حالته النفسية في لحظاته الأخيرة .. اتمنى ان تنال اعجابكم

هناك تعليقان (2):

  1. لا اعرف من انت
    ولكنك كاتبه عبقريه حلقت معكى فى اغوار السحيقه لتلك العبره الممتعه
    طارق

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...