الاثنين، 6 فبراير 2017

قُصة كاتب

تأليف : امل شانوحة

كاتب,قصص,رواية,عصبي,طفل,قتل,جريمة
اريد ان انهي هذه الرواية اللعينة !!!


في آخر ساعات تلك الليلة , جلس مارك على طاولته محاولاً انهاء روايته البوليسية , نافثاً الدخان من سيجارته بقلق , فهو ملزم بتسليمها في الصباح الباكر بعدما اضّطر لأخذ بعضٍ من الدفعات المُقدّمة من دار النشر من مُجمل ثمنها و ذلك تحت شرطٍ جزائي 

و قد نبّه زوجته منذ بداية المساء بضرورة ان تنام هي و الطفل باكراً كيّ يحظى ببعض الهدوء اللازم للتفكير , خاصة انه عانى طوال الأسابيع الماضية من نقصٍ في توارد افكاره لإيجاد النهاية المناسبة لروايته المشوّقة  

و لكن مع هذا لم تستطع الزوجة منع طفلها من البكاء المتقطّع طوال الليل بسبب نزلة برد كان اصيب بها البارحة , مما وتّر واغضب مارك و جعله يعاتب زوجته بعنف لتسكت الصبي بأي طريقة  

و مع حلول منتصف الليل ..استطاع الكاتب اخيراً التوصّل لنهاية رائعة لقصته المعقّدة , لكن بكاء طفله المفاجىء اربكه ! و بثواني ضاعت الفكرة من رأسه .. و قد حاول جاهداً تذكّرها لكن دون فائدة 

فنهض من كرسيه غاضباً و توجّه مباشرةً لغرفة الصبي حيث كانت الأم نائمة في الغرفة الثانية من شدّة التعب و السهر على وليدها المريض ..    
ثم اقترب من مهد ابنه و صار يقول له بعصبية :
-الم يكن بإمكانك ان تصمت لخمس دقائق اخرى , ايها الولد المشاغب ؟!!

و لم يجد نفسه الا و هو يقلب الصغير على بطنه و وجه , حيث صار الصغير يختنق بلعابه بينما يربت الوالد على ظهره بقسوة
- هيا نمّ قليلاً , عليك اللعنة !!

و بعد دقائق ..اختفى صوت الطفل نهائياً ممّا افزع الأب , و على الفور قلبه من جديد ليشاهد وجه الطفل مزرقاً !
فصرخ الأب فزعاً مستغيثاً بزوجته :
- جاكلين !! الحقي ابننا !!!

فقفزت زوجته من نومها فزعة و انطلقت بسرعة لغرفة ابنها لتجد زوجها و هو يحاول ان يقوم بالتنفس الصناعي لإبنه بعد ان وضعه على الأرض

الأم بفزع : ما به ابني ؟!
و ما ان رأت وجهه الشاحب حتى انهارت بالبكاء 
الأب بعصبية : اذهبي فوراً و اتصلي بالإسعاف .. هيا تحرّكي !!!
***

و قبيل الفجر .. بدأ الشرطي بأخذ اقوال الأب مارك الذي كان يجلس بسكونٍ مخيف في احد اركان المستشفى
- اذاً قلت انك سمعت صوت اختناق الصبي و ظننت ان والدته معه لكنك قلقت و ذهبت لغرفته لتجد ابنك لوحده مزرق الوجه ,   ثم حاولت انعاشه لكنه مات بين يديك .. اليست هذه اقوالك ؟!

الأب بحزنٍ شديد : نعم للأسف
ثم صار يجهش بالبكاء , فوضع الشرطي يده على كتفه :
- ارجوك استاذ اهدأ قليلاً .. انت تعرف الإجراءات .. و اظن ان المحقق سيطالب بتشريح الجثة للتأكد من روايتك
فينتفض بعصبية : لا طبعاً !! انا لن اقبل بذلك.. لن تشوّهوا جسد ابني الصغير .. لن اسمح بذلك ابداً !!

و هنا تخرج جاكلين مصدومة من غرفة المشرحة بعد ان ودّعت وليدها لآخر مرة , ثم تنهار بجسدها المنهك على الكرسي القريب من زوجها الذي اخذ يربت على ظهرها بحزن
الشرطي : حسناً سأترككما قليلاً , لكننا سنعاود التحقيق غداً .. و انا آسف لخسارتكم الطفل 

ثم ذهب الشرطي ليترك الأم و هي تبكي على صدر زوجها الذي كان ضميره يؤنّبه و يصرخ بقوة في داخله قائلاً :
((يا قاتل يا عديم الرحمة !! أقتلت طفلك من اجل روايةٍ سخيفة ؟! لكن غداً و بكل تأكيد سيعرف الجميع بفعلتك الشنيعة و سينهار عالمك ايها الكاتب المبدع المجرم !!
***

و مع حلول الصباح ..عاد مارك وحيداً الى بيته الكئيب بعد ان اوصل زوجته الى بيت اهلها .. ثم دخل لغرفة ابنه ليجد نفسه يتمعّن بحزن بصوره المعلّقة على الحائط كما العابه المبهرجة هنا و هناك .. ثم حمل بطانيته الصغيرة و صار يشمّها و هو يتذكّر ما حصل البارحة و كيف قتله بدمٍ بارد .. و بدأ يبكي بقوة و لساعاتٍ طويلة حتى اوقفه رنين جواله , فأخرجه من جيبه و هو ما يزال يحمل احد العاب ابنه باليد الأخرى :
بصوتٍ حزين : الو 

- سيد مارك ..انا مدير المشفى ..اريد ان اعلمك بأن الشرطة اخذت طفلك الى المشرحة ليعرفوا سبب الوفاة
بدهشة و قلق : ماذا ؟! الم اقل لهم بأنني لا اريد تشويهه , و اريد دفنه كما هو !
- نعم لكن يبدو ان زوجتك وقّعت لهم على الموافقة , فهي تريد ان تعرف سبب وفاته المفاجئة 
- لكنني لم اوقّع
- سيد مارك بهذه الحالات تكتفي الشرطة عادة بإحدى التوقيعين امّا الوالد او الوالدة , فنحن للأسف اصبحنا في عالمٍ متوحش قد يقتل فيها الآباء ابنائهم

بغضب : ماذا تقصد ؟! انا لم اقتل..
مقاطعاً : لا لم اقصد ذلك , كنت اتكلّم بشكلٍ عام ..على كلٍ , ستخبرك الشرطة بنتيجة التشريح بعد ساعات من الآن , انتظر مكالمتهم .. اعود و اقدّم تعازيّ من جديد

و اغلق مارك جواله و هو يرتجف من الخوف 
((ما هذه المصيبة ! بعد قليل سيعلم الجميع بأني قتلت ابني .. اللعنة ! ماذا سيكون رأيّ زوجتي بي و اصدقائي الكتّاب و جمهوري و معجبيّ و ..

و فجأة ! يسمع صوت رياحٍ عاصفة و رعدٍ و برق
بدهشة : اتمطر الآن و نحن في عزّ الصيف ؟!

ثم نظر من نافذة غرفة ابنه ليرى بأن الجوّ مشمسٍ في الخارج , لكن صوت الرعد و البرق يبدو قريباً ..فخرج من الغرفة ليتفاجأ بأضواءٍ تخرج من غرفة مكتبه , فأقترب منها بخطواتٍ مرتبكة 
- مالذي يحصل هناك ؟!

و فتح الباب ليرى زوبعة كبيرة تخرج من حاسوبه تحوي احرفاً مضيئة , و قبل ان يعيّ ما حصل ! يسحبه الحاسوب الى داخله 
ليستيقظ بعد قليل و هو على جبلٍ من الأحرف الذهبية المضيئة موجودة في زاوية الكهف المظلم , مع صوت طفلٍ يبكي من بعيد يشبه تماماً صوت ابنه ! 

(( اين انا ؟! و ماهذه الأحرف العملاقة ؟! ..هل انا احلم ؟! لحظة !.. من يبكي هناك ؟! ابني ! ...نعم انه صوت ابني !! ))
- جيم حبيبي !! انا قادمٌ اليك !!!

و صار يمشي باتجاه صوت الطفل حتى ابتعد عن النور الذي كان يصدر من تلك الأحرف .. و تعمّق اكثر و اكثر داخل الكهف و هو يمشي في ذلك الدهليز الطويل المظلم مُتتبّعاً فقط صوت بكاء ابنه .. حتى وصل الى عالمٍ جديد , عالم كان تماماً كما وصفه بإحدى رواياته الخيالية حيث تجتمع فيه ارواح الكتّاب المشهورين و شخصيات قصصهم الخالدة ! 

و هنا اقتربت احداهم منه و قالت له :
- مارك ديجو .. اهلاً بك معنا
- من ؟! الكاتبة اجاثا كريستي !
- نعم انا .. هيا تفضّل و اجلس على طاولتنا
بفرح و فخر : انا سعيد بلقائكم جميعاً
لكن الكاتب (إدغار آلان بو) قال له بعتاب : 
- نحن غاضبون منك يا مارك .. فأنت لم تنهي روايتك الأخيرة
مارك بحزن : لو تعلمون كم دفعت ثمن هذه الرواية السخيفة غالياً
- نحن نعرف بشأن ابنك , لكن مع هذا عليك ان تنهي روايتك حالاً
- و كيف سأنهيها و انا مهمومٌ هكذا ؟! فأنا على وشك ان افضح امام الناس , و سأتحوّل من كاتبٍ مشهور الى قاتل ابنه !
و هنا وقف شكسبير و قال له بحزم : مارك !! انهي تلك الرواية حالاً     و ارسلها لدار النشر , و من ثم لكل حادثٍ حديث

و هنا استيقظ مارك ليجد نفسه مازال في غرفة ابنه , فأسرع لغرفة مكتبه و فتح حاسوبه و بدأ ينهي روايته ..

و مرّت ساعتين و يداه تطبعان بسرعة على ازرار الحاسب دون توقف , لكن ما ان كتب كلمة النهاية في اسفل الرواية حتى بدأ يسمع صفّارات الشرطة من بعيد , فأسرع بإرسال روايته الى دار النشر تحت عنوان : روايتي الأخيرة
ثم انطلق مسرعاً نحو عليّة منزله

في هذه الأثناء .. بدأ المحقق يطرق باب منزله ..
و بعد دقائق .. فقد صبره و قال للشرطي الذي معه :
- يبدو انه يعلم بنتيجة التشريح .. هيا اكسر الباب

و في ثواني ..انتشر افراد الشرطة داخل البيت بحثاً عن الكاتب , حتى صرخ احد الشرطة من بعيد :
- سيدي لقد وجدته !! انه في الأعلى

و انطلق المحقق مع باقي الشرطة الى العليّة ليجدوه مشنوقاً , و قد كتب على الجدار بإنبوبة الطلاء :
((سيبقى طفلي بطل قصصي الى الأبد))  

النهاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...