تأليف : امل شانوحة
في مساء ذلك اليوم .. و ندى بمفردها في المنزل , رنّ الهاتف فرفعت السمّاعة .. و بادرها المتصل بالحديث
- أعرف إنك لوحدك في المنزل , يا عزيزتي !!
- من المتكلّم ؟!
- أنا سعيد.. هل نسيتِ صوتي بهذه السرعة ؟
- آسفة ! لم اتذكّرك .. من انت ؟!
- ليس مهماً...المهم إنني قادم إليك لأنتقم منك .. و هذه المرّة , ستموتين شرّ موتة... يا عزيزتي ريما !!
فعرفت ندى على الفور , بأن المتصل قد اخطىء بالرقم .. فاظهرت عدم المبالاة , بالرغم من إن صوته يؤكّد جدية تهديده ..فقالت له :
- عفواً استاذ .. يبدو ان اخطأت بالرقم , فلا يوجد هنا احد بهذا الإسم !
وعندما أنهت جملتها .. أحسّت من نبرة صوته , بإنه إرتبك و غصّ في الكلام .. و سمعته يقول بصوتٍ منخفض (و كأنه يحدّث نفسه)
- اوو .. يبدو إنني ضربت الرقم الأخير غلط , كان عليّ أن أضرب الرقم ثلاثة..
ثم رفع صوته و قال , و هو يصطنع خفة الدم :
- آه آسف .. يبدو إنني بالفعل , أخطأت بالرقم .. لكن أرجوك لا تأخذي كلامي محمل الجدّ , فقد ظننتك زوجتي ..و كنت أريد أن أعرف ردّة فعلها تجاه الصدمات ليس الا.. كما إنه ...أقصد كما إننا في ابريل ... فهي كذبة ابريل..
و صار يضحك بغباء
لكن محاولته لتدارك الموقف , كانت فاشلة بالنسبة لفطنة و ذكاء ندى ..كما انهم كانوا بشهر مارس و ليس ابريل ... و مع هذا جارته بغباء , و بادرته ضاحكة :
- لا بأس !! لكن حاول ان تُخفّف من قوة المقلب .. فكلامك يا اخي كاد يقتلني رعباً !
- انا اعتذر ثانيةً .. لم أقصد إخافتك
- لا يهم استاذ .. مع السلامة
لكن تلك المحادثة علقت بذهن ندى ..فكلامه كان واضحاً , و نبرة صوته تؤكد تصميمه على إرتكاب جريمة بحق ريما .. فلذلك خطرت على بالها فكرة ذكية : لما لا تضرب رقم هاتفها , بعد ان تغير الرقم الأخير الى الرقم ..و قالت :
- ماذا كان يا ربي ؟ آه نعم تذكّرت !! الرقم ثلاثة .. حسناً لأجرّب
و بالفعل !! ما أن فعلت هذا , حتى ردّت عليها إمراة (بصوتها الناعم) قائلة :
- الو !!
- عفواً.. هل أستطيع أن أتكلم مع السيدة ريما ؟ لو سمحت
- أنا هي .. فمن انت ؟
- أنا ندى .. و حضرتك لا تعرفيني .. لكني أريد ان اسألك : هل أنت لوحدك في المنزل ؟
- عفواً !!
- أرجوكِ أجيبي على السؤال , لأنه يبدو إن الأمر خطير
- نعم أنا لوحدي ..فلماذا تسألين ؟
- و هل تعرفين شخصاً , يُدعى سعيد ؟
- نعم ..هو طليقي
- و هل هو من النوع القاسي ؟
- بل قولي : وحش !! ...لكن ما الأمر ؟
و من جوابها الأخير ..عرفت ندى إن الأمر لم يكن مجرد مزاح , بل هو كما توقعت تماماً : امراً في غاية الخطورة... و هنا صارت نبرة ندى اكثر جدّية , و قالت بصيغة الأمر :
- ريما اهربي بسرعة !! فسعيد قادمٌ لقتلك !
و لم تدري ندى اذا كانت تسرّعت بقولها , لكن جواب ريما أراحها بقدر ما أخافها .. حين قالت (ريما) :
- سيفعلها إذاً ! فقد هدّدني أكثر من مرّة , و لم أتصوّر إنه سيُقدم على فعلها يوماً .. لكن لحظة ! كيف عرفتِ أنت ؟!
- ريما !! لا يوجد مُتسعٌ من الوقت .. هيا إهربي فوراً !! و من الأفضل أن تتصلي بالشرطة
- حسناً سأهرب حالاً !! و شكراً لك
وضعت ندى السمّاعة عن أغرب مكالمة سمعتها في حياتها .. وما أن أغلقت الهاتف , حتى تضاربت المئات من الأفكار في ذهنها ..و قالت في نفسها :
- يا الهي ! لابد إنه وصل إليها الآن ..هل ستتمكن يا ترى من الهرب ؟ و هل ستصل الشرطة قبل فوات الأوان ؟
و بعد أن أتعبها التفكير , جلست و بدأت تفكّر .. و كان قد مرّ على تلك المحادثة , نصف ساعة حسبتها دهراً ... و صارت ندى تفكّر بسرّ اهتمامها بهذا الموضوع .. هل لأن صوت ريما الرقيق المرتجف , جعلها تتوهم بأنها تعرفها منذ زمن بعيد ؟! أو ربما لأنها تعاطفت معها , لأن قصتها (ريما) تتشابه الى حدٍ ما مع قضية قديمة مرّت بها ؟
و صارت الذكريات تعود لندى عن اليوم الذي ابلغت فيه الشرطة عن زوجها السابق حسن , بعد ان عرفت (بمحض الصدفة) بأنه مُنضم لإحدى عصابات تبيض الأموال.. و قد حوكم بالسجن لسبع سنين .. و كم كان غاضباً وقتها , عندما وافقت المحكمة على طلاقها رُغماً عنه ..
و قد تذكّرت ايضاً تلك اللحظة .. عندما كان الشرطيان يسحبان طليقها من قاعة المحكمة , و هو يصرخ عليها امام الجميع , بوجهه المحمرّ غضباً وعيناه اللتان تتطايران شرراً , و ينهال عليها بالشتائم متوعِداً بالإنتقام .. هذا عدا عن اخته سلمى (التي كانت هناك) و قد شاركته بالتهديد و الوعيد بوحشية (رغم شخصيتها الرقيقة !)
و قد حاولا بالفعل طيلة السنوات السابقة و لإكثر من مرّة , ان يرسلا اليها القتلة المأجورين , لكنها دائماً ما كانت تكشفهم في آخر لحظة و تهرب من المنزل .. و حتى الآن إستطاعت بواسطة الشرطة أن تمسك ثلاثة منهم ! لكنها للأسف لم تستطع اثبات بأن طليقها و أخته متورّطان في ذلك..
فندى لا يمكنها ابداً ان تنسى كيف عاشت الثلاث سنوات الماضية , و هي تراقب اجهزة المراقبة كل ليلة , لترى ان كان هناك اي قتلة يتجولون خارج او داخل منزلها ؟
لكنها اليوم تعيش سعيدة بعد أن مرّت السنوات الأربعة الأخيرة بدون مشاكل , خاصة بعد زواجها و انتقالها لمنزل زوجها الثاني , و الذي لا يعرف طليقها عنوانه .. و مع هذا , فقد قبل زوجها مراعاة وسواس القلق عندها , و زرع منزله بأجهزة المراقبة بناءً على طلبها (و لأنه ايضاً كثير السفر)
و ها هي مشاعر الخوف تعود اليها , ليس فقط بسبب هذه المكالمة الخاطئة , بل لأنها تعلم بأن حسن (طليقها) قد خرج حديثاً من السجن !
و في هذه اللحظات , صارت ندى تستشعر بما تمرّ به المسكينة ريما ...
- يا الهي ! هل تمكنت من الهرب , ام وصل إليها سعيد ؟
ثم اغمضت ندى عيناها , و هي تجلس على الكرسي الهزاز .. و صوت الرعد و البرق في الخارج يزيدان من رهبة الموقف !
و قلبها (ندى) بدأ يزداد ضرباته , حتى إنه يتهيء لها : بأنها تسمع وقع أقدام سعيد , و هو يقترب من طليقته ريما ...و صارت تتخيل المشهد بفكرها :
- هاهو الآن يقترب منها ...و يمدُّ يديه نحو رقبتها ..و يحاول ان...
- آي ...آه !!!!!
و هنا ..أطبقت يدان ضخمتان حول رقبة ندى , و صار يضغط و يضغط الى ان فارقت الحياة !
فأدار سعيد بوجهه نحو ريما التي كانت تضحك خلفه ..واللذان بالحقيقة لم يكونا سوى حسن و اخته سلوى
فقال حسن :
- و اخيراً نجحنا في الهائها عن شاشات المراقبة !
فردت عليه سلوى :
- قلت لك : خططي لا تفشل ابداً !!
وأغرقا في الضحك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق