الثلاثاء، 12 يوليو 2016

جزيرة النساء

 تأليف : امل شانوحة

جزيرة,نساء,قتل,قربان,بحر,نهر,عادات,تقاليد,ذكاء,حيلة,انتقام
ممنوع تواجد الرجال في جزيرتنا

تقع احدى الجزر الصغيرة في منطقة جبلية معزولة عن العالم الخارجي , بين بحرٍ متلاطم الأطراف و نهر عذب جارٍ في احضان طبيعة خلاّبة .. اما سكان هذه المنطقة فهم ابعد ما يكونوا عن مفاهيم الحضارة , و هم لا يزيدون عن بضعة الآلاف من الناس , و يرأسهم كبير القبيلة الذي يحكمهم  بجهله و جبروته .. 

اما النهر (المتفجّر من احدِ الجبال) فكان بالنسبة لأهل القرية شريان الحياة , و لكنه في بعض الأحيان يخيف الجميع عندما يقلّ (النهر) بعطاءه .. و قد وجد رئيسهم الحلّ بعد ان لاحظ (بالصدفة) بأن رمي ايّ شيء ثقيل في البحر الملاصق للجبل (ايّ القريب من مصبّ النهر)  يؤدي الى عودة جريان النهر بغزارة , لكنه اخفى اكتشافه هذا و ابدلها بفكرة : ان الآلهة تحدثت معه و طالبت بالقرابين .. و لهذا السبب صار يُرمى بأجمل الفتيات (كل نصف سنة) من اعلى الجبل ليبتلعها آله البحر , و بذلك يُطلَق سراح النهر  و يعمّ الرزق على الجميع..
 
و في احدى السنوات .. توقف النهر تماماً عن الجريان .. فأرادت القبيلة التضحية بفتاة , لم تكن تتميز فقط بجمالها بل بذكائها ايضاً و كان اسمها ياسمين .. و بكت كل القرية عليها (بحرقة) لتميّزها الشديد ..  لكن يبدو ان الآلهة قدّرت هذا القربان الثمين , لأن النهر صار يتدفّق بغزارة , و لم يعد هناك ايّ مشاكل طيلة تلك السنة ..

الى ان اتى يوم .. و لاحظ اهل القبيلة توقف النهر من جديد ! و بعد اجتماع طارىء , تقررّ اسم القربان التالي .. 

و في ساحة القرية .. كانت الصبيّة جوري مجتمعةً مع صديقاتها , لكنها تتفاجىء بوالدها يطلب منها العودة للمنزل في الحال ..
  
و عندما دخلت ..و جدت نسّوة القبيلة مجتمعين في منزل اهلها (و هنّ يبكين) , و امها تحمل بيدها الرداء الأحمر  بخيوطه الذهبية (و هي ثياب القرابين) .. فعرفت الفتاة ما سيحصل لها بعد قليل , فصرخت و رفضت الأمر (بقوّة) ..
و بالرغم انها حاولت الهرب , الاّ ان والدها و اخاها امسكاها قبل ان تتوغّل اكثر في الغابة ..

و في طريقهم للمنزل .. سمعتها كل القبيلة و هي تسبّ الآلهة (بأعلى صوتها) و تنهال بالشتائم على رئيس القبيلة و على تلك العادات الغبية , لكنها هدأت (مُرغمة) بعد ان صفعها والدها (بقسّوة) امام الجميع , و اعادها اخوها (بالقوّة) الى بيتهم لكيّ تجهّزها النساء لموعد التضحية ..

و في عصر ذلك اليوم .. اجتمعت كل القرية لتوديعها عند رأس الجبل .. و بعد ان وقفت على الحافّة , بدأ رئيس القبيلة و الجميع يتلون الصلوات ..

و هناك ..نظرت جوري الى امها و اختها الصغيرة اللتان كانتا تبكيان عليها  بحسّرة , و آخر ما دار في رأسها (و هي تنظر الى اختها الصغيرة التي كانت تنافسها بالجمال)

جوري
(( آه .. كم اخشى عليك يا اختي , ان يأتي نهار و تلقين نفس مصيري بسبب هذه الخرافات الغبية ! ))


.. و بعد ان انتهت المراسم .. اطلق رئيس القبيلة صرخة عالية تؤكّد (على حسب اكاذيبه) بأن النهر ينتظر عروسه ..

 و في لحظات .. وجدت جوري نفسها تحت البحر .. لكنها رفضت ان تستسلم لمصيرها و سبحت بقوّة لتعاند الغرق , و قد حالفها الحظ حين وجدت دُلفيناً بقربها , فأمسكت (بسرعة) بزعنفته .. ثم غابت عن الوعي ..

و عندما افاقت .. رأت نفسها في كهفٍ غريب ! و هناك فتاةٌ (قربها) توقظها .. فعرفتها على الفور .. انها ياسمين التي قالت لها :

الفتاة
مرحباً .. انا..

تقاطعها (بدهشة)

جوري
انتِ ياسمين ! لكن كيف هذا ؟!

تتذكّر بقهر

ياسمين
عندما رموني اول السنة .. صودف وجود تيارٌ قوي , سحبني الى اسفل الجبل


تستفسر بإستغراب
جوري
و هل هذا الكهف اسفل الجبل الذي رمونا منه ؟!

ياسمين
نعم ..انظري الى المياه التي تحيط بنا من كل جانب

جوري
و كيف استطعت العيش كل هذه المدّة ؟!

ياسمين
كنت انتظر الليل ..ثم يوصلني صديقي الدلفين الى الشاطىء .. و بسرعة احاول ان اجمع بعض القواقع .. او اقطف بعض الأعشاب التي تنمو على الصخور , و اضعها بهذه السلّة التي وجدتها هناك .. ثم اعود الى هنا قبيل الفجر

جوري
نعم ..لقد لاحظ الصيادون تناقص اعداد القواقع على الشاطىء ! و ظننّا انه يوجد زواحف تأكلها في الليل !


بغضب

ياسمين
لو كان بيدي ان اعاقبهم اكثر ..لفعلت !!

قالتها و هي تحاول ان ترفع اكمام فستانها الطويل .. فانتبهت على نظرات جوري (الحائرة) ..فقالت لها (مبتسمة)

ياسمين
نعم , هذا فستان جارتكم .. (تتنهد) .. ماذا افعل ؟  هذا ما وجدته مُعلقاً على الحبل !

جوري
و المسكينة ظنّت بأن الرياح اخذته بعيداً !

ياسمين
انا فقط احاول النجاة بأبسط الأشياء !

جوري
و الى متى تنوين البقاء هنا ؟!
  
ياسمين
لا ادري .. لكني اخاف اذا عُدّت , ان يعودوا و يرموني بالبحر .. و ربما لن اكون محظوظة كالمرّة السابقة !

جوري
لكن ..الم تشتاقي لأهلك ؟!

بغيظ
ياسمين
بلى .. لكني اعود و اتذكّر بأنهم لم يفعلوا ايّ شيء لحمايتي ! لذلك احاول نسيانهم

جوري
طيب اريد ان اسألك ..  كيف فاض النهر اذا انتِ .. يعني..

بعصبية
ياسمين
..لم امت ؟  امازلت تصدقين بهذه الخزعبلات ؟!!

جوري
بصراحة لا .. لكنك القربان الوحيد الذي جعل النهر يتدفّق بإستمرار !

تفكّر قليلاً ..ثم تقول

ياسمين
حسناً .... تعالي معي !!


ثم تتعمّقان اكثر في ممرّات الكهف (الداخلية)

ياسمين
انظري هناك !!

بدهشة

جوري
اذاً هذا هو مصبّ النهر ؟!


فتجيبها , و هي تشير بيدها الى آخر الكهف..

ياسمين
صحيح ..و انظري الى تلك الدوّامة التي هناك !!

جوري
نعم رأيتها .. لكن ما سبب ظهورها ؟!

ياسمين
بالمدّة التي قضيتها هنا لاحظت ان هناك اعينٌ باطنية تنفجر بين فترة و اخرى , و بسببها تحصل فجوات بقعر النهر ..   و بالنهاية تظهر هذه الدوّامات التي تُبطىء من تدفّق النهر الخارج من الجبل.. لذلك..

تُكمل عنها (بعد ان فهمت)

جوري
لذلك عندما تُرمى الفتاة ..  يسحبها التيار الى هنا , فتغلق بجثتها تلك الفجوة... اليس كذلك ؟


ياسمين
نعم .. فيعود و يسير النهر بسلاسة ..
             (و هي تتنهد بضيق) ...  لكن الجثة تتحللّ بعد شهور , و تتناثر عظامها في اركان الكهف .. كما ترين !

جوري
فتعود الدوّامة لتعرقل سير النهر !

ياسمين
صحيح ..
        (ثم بغضب) .. يعني لو عرف الأغبياء بوجود هذا الكهف , و جاؤوا و اغلقوا كلّ الفجوات بكمياتٍ من الحجارة..

فتُكمل عنها (بحسرة)

جوري
فستنتهي هذه المشكلة نهائياً !

بغضب و قهر

ياسمين
نعم ..اترين كم كان سهلاً تفادي كل هذا الحزن , بخسارة اجمل فتيات القرية !

تستفسر بإهتمام

جوري
لحظة ! هل كنت انتِ من تردمين هذه الحفر طوال الفترة الماضية ؟

ياسمين
نعم , فأنا لا اريد ان تعاني فتاةٌ اخرى من ..

ثم تسكت .. بعد ان انتبهت على نظرات العتاب (من جوري)

ياسمين
اعرف ما ستقولين ..  لكني مرضتُّ الأسبوع الفائت , فكانت النتيجة..


اكملت عنها (بقهر)

جوري
بأن رموني هذا اليوم !

ياسمين
كنت اتوقع ذلك .. لهذا ارسلت لك بصديقي الدلفين لكيّ يُبعدك عن الدوّامة , و يوصلك اليّ سالمة

جوري
على كلٍ .. (تتنهد بحزن) .. شكراً لك ..

و تسكتان لبرهة .. قبل ان تعود و تسألها

جوري
طيب ماذا سنفعل الآن ؟

فتتذكّر
ياسمين
آه صحيح ...كنت سأنسى ! علينا اولاً ان نردم هذه الدوّامة .. و حالاً !!


بسخرية (متضايقة)
جوري
تقصدين .. لكيّ يظنوا اهل قريتنا الكرام بأن الآلهة قبلت بي كقربان !

و هي تفكّر بخطة للإنتقام (و بحزم)

ياسمين
هذا في الوقت الراهن , لكن غداً سيتغير كل شيء

بإهتمام (و قلق)
جوري
و ماذا تنوين فعله ؟

بحماس (و قلق)

ياسمين
سأخبرك لاحقاً .. دعينا الآن نجمع بعض الحجارة !!  هيّا !! فالجميع فوقنا بإنتظار النتيجة !


و في صباح اليوم التالي .. اسيقظت القبيلة على صوت صراخ الصياد..
و في منزل اهل جوري..
بقلق

اهل جوري
ماذا هناك ؟!

و بعد ان خرج الجميع من منازلهم .. و تجمّعوا في الساحة .. اقترب الرئيس من اهل جوري , و قال لهم (بغضب)

رئيس القبيلة
لقد رفضت الآلهة ابنتكم !!

بدهشة
والد جوري
ماذا تقول ؟!

بغضب
احد الصيادين
لقد عاد و توقف النهر تماماً عن الجريان !  حتى القوارب !! معظمها تكسّر و من دون سبب ! و شباك الصيد , اكثرها مُمزَّق !!


ام جوري
ربما اتى قطيعٌ من الذئاب , و فعل ذلك !

فأقترب من ام جوري , و هو يقول (بغضبٍ و سخرية)

رئيس القبيلة
كنا سمعنا اصواتهم .....  ثم النهر ايضاً توقف ! فهل شربوا الماء كذلك ؟!

فصار الجميع يصرخون (بغضب)

اهل القبيلة
ابنتكم اغضبت الآلهة !!! و جلبت لنا الخراب !!

فتصرخ عليهم بقهر (و هي تبكي بمرارة)

ام جوري
اسكتوا !! انا قتلت ابنتي لأجلكم !
  
رئيس القبيلة
اكيد انها اغضبت الآلهة بلسانها الطويل !

فيقترب والد جوري من رئيس القبيلة ..  (و هو يشعر بالعار و الخذلان)

والد جوري
و ماذا عليّ ان افعل لأصححّ خطأي مع الآلهة ؟  انا مستعدٌ لأيّ شيء , سيدي

بصوتٍ عالي و بقسّوة

رئيس القبيلة
لابد لنا ..ان نرمي بأختها !!

فتصرخ بدهشة (و غضب)

ام جوري
لا !! ابنتي سارة مازالت صغيرة !

بلؤم
رئيس القبيلة
هذا اقل تعويض نقدّمه للآلهة عن اختها الفاسدة !!

فتصرخ بخوفٍ شديد (و هي تبكي)

اخت جوري (سارة)
لا امي !!  انا لا اريد ان اموت !!!

و هناك .. خلف الأشجار ..
بصوتٍ منخفض (و بغضب و خوف)

جوري
الملاعين !! سيضحّون بأختي !

ياسمين
لن يلحقوا , لأن خطتنا ستنجح .. فقط ثقي بي .. هيّا بنا !!


و في اليوم التالي .. كانت النسّوة قد خاطت (سريعاً) ثوب القربان (الصغير) لسارة
و بعد ان جهزوها (و سارة و امها لا يكفّان عن البكاء)..

اجتمعت القبيلة عند سفح الجبل ..و قبل ان يرموها.. سمعوا صوتاً يناديهم من اسفل الجبل (عند الشاطىء)..
بصوت عالي

صوت جوري
يا قبيلة الزعفران !!!

و اول من انتبه .. كان اخو جوري (و الذي كان يُمسك حينها بأخته الثانية :  سارة , عند سفح الجبل) .. فنظر بسرعة ناحية الشاطىء .. ثم صُعق تماماً بعد ان رأى اخته جوري (التي رَمُوْها من يومين)..
بصدمة
اخ جوري
انظروا للأسفل !! انها.. انها...

فأقترب الناس (الواحد تلوّ الآخر) الى حافّة الجبل .. ليشاهدوا جوري هناك عند الشاطىء..
بصدمة و استغراب

اهل القبيلة
يا للهول !! لا زالت حيّة !


و قبل ان ينزل الجميع من الجبل .. (بإتجاه الشاطىء) ..تصرخ عليهم
بصوتٍ عالي (بحزم)
جوري
مكانكم !!! لا تتحركوا !! انا قادمةٌ اليكم !!

فتجمّدوا في مكانهم......
و عندما وصلت اليهم .. قالت لهم (بإبتسامة ماكرة) .. (و قد ضخّمت صوتها)

جوري
انتم تظنّوني جوري .. اليس كذلك ؟ لكنّي لست هي .. (ثم تسكت)

رئيس القبيلة
و من انت ؟

بصوتٍ رجولي
جوري
انا غضب البحر !!  و قد تجسّدت داخل جثمانها


بقلق
رئيس القبيلة
و ماذا تريد , سيدي ؟

بغضب

جوري
قرابينكم لم تعد تُعجب إلّه النهر , لذا وكّلني بأخباركم بأنه يريد التغير !!

رئيس القبيلة
و ماذا يطلب ؟

بنبرة امر
جوري
انه يريد رجالاً !!

بدهشة
الجميع
ماذا ؟!!!

جوري
نعم !! و انا سأختار له ... هذا الشخص !!

و اشارت اليه .. فالتفت الجميع نحوه .. و قالوا (بدهشة)

الجميع
لكنه رئيس القبيلة !

تصرخ بغضب
جوري
و هل تبخلون به لأجل آلهتكم ؟!  اسمعوا !! اذا رميتموه الآن .. فأنا اتعهّد لكم !! بأن يعيد صاحبي نهركم فوراً .. و الاّ !!  فانسوا امر المياه العذبة للأبد !!

فأقترب الجميع نحو الرئيس ..  الذي صرخ (بخوف)

رئيس القبيلة
لا !! ماذا تفعلون ؟! انا رئيسكم !! لا ارجوكم !!

ثم حملوه و رموه من اعلى الجبل

و بعد ان سقط ..اطلقت جوري صفيراً عالياً , فاجأ اهل قريتها ..لكنهم لا يعلمون بأنها اشارة منها الى ياسمين (التي كانت مختبأة في مكانٍ قريب) ..و التي اسرعت بإغلاق احدى الفجوات الكبيرة (اسفل الكهف) ببعض الحجارة لتسمح بمرورٍ خفيف للنهر ..

و بينما الجميع ينظرون للنهر من فوق .. قالت لهم :

جوري
يبدو ان اختياري للقربان , لم يعجب صديقي تماماَ ..  ربما لأن رئيسكم هَرِم ! لذا اظن ان إلّه النهر يحتاج الى رجالٍ اقوياء !!


فبدأ رجال القبيلة برمي انفسهم (الواحد تلوّ الآخر) من سفح الجبل نحو البحر.. حتى ماتوا جميعاً ..

و هنا فاض النهر (بقوّة) بعد ان قاد التيار جثثهم نحو عدّة دوّامات .. 
و لكثرة جثثهم , فقد اغلقوا جميع الفجوات (و بصورة نهائية)

ثم نزلت جوري مع باقي نسوة القبيلة من الجبل , و اتجهنّ نحو الشاطىء .. 

و هناك .. نادت جوري (بأعلى صوتها) 

جوري
لقد ماتوا جميعاً , و صار بإمكانك الخروج !!!


فخرجت ياسمين من خلف الأشجار ..

و صرخت النسّوة (بدهشة) .. فهنّ لم يروها منذ قرابة سنة

نساء القبيلة
ياسمين !

بإبتسامة (و ارتياح)

جوري
نعم .. انها ياسمين !! و انا مجرد الفتاة المسكينة .. جوري !


و هنا اقتربت ياسمين من نساء قبيلتها ..  و قالت لهنّ (بصوتٍ جهوري)

ياسمين
انا ياسمين !!  حاكمة هذه القبيلة منذ اللحظة !! و قراري الأول : يُمنع منعاً باتاً !! احضار ايّ رجلٌ الى هنا !!

جوري
هذا صحيح !!  و سنسمي هذه الجزيرة..

بصوتٍ عالي (و بحزم)

ياسمين و جوري
جزيرة النساء !!!!



ثم ضحكتا .. تاركات بقيّة النسّوة بحيرةٍ شديدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...